بعد أيام من القتال نجحت الوساطة التي قام بها أنور إبراهيم، رئيس وزراء جمهورية ماليزيا باعتباره الرئيس الحالي لدول رابطة جنوب شرق آسيا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين البلدين، وقد تم التوقيع عليه يوم 28 يوليو 2025.
نص الاتفاق على وقف اطلاق النار وتهدئة التصعيد بين البلدين واستعادة السلام والأمن. قبلها شاركت ماليزيا، والإدارة الأمريكية، والصين في التوسط لوقف إطلاق النار، ثم إعادة تأكيده خلال اجتماع في شنغهاي.
نزاع حدودي طويل الأمد
لقد تحول نزاع حدودي طويل الأمد في منطقة تعرف بالمثلّث الزمردي تتقاطع فيها حدود البلدين مع حدود لاوس، إلى مواجهة عسكرية خطرة بين بانكوك وبنوم بنه، والصراع يتطور في مكان يعتبر على درجة عالية من الهشاشة، خاصة في المنطقة التي حدثت فيها الاشتباكات التي توجد بها معابد اثرية كانت كمبوديا تحاول تسجيلها ضمن منظمة اليونسكو العالمي، وهو الأمر الذي ظلت تايلاند تحاول منعه بحجة أن تلك المعابد الدينية تقع داخل حدودها وهو ما ظلت تطالب به عبر السنوات.
روابط وعلاقات
كمبوديا وتايلاند عضوتين في منظومة دول رابطة جنوب شرق آسيا (أسيان) التي تضم معهما كل من لاوس وماليزيا وماينمار، وسنغافورا، والفليبين، وفيتنام. وتحظى تايلاند بعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة وهي حليف رئيسي لها خارج حلف شمال الأطلسي ، خاصة بعد أن تراجع دورها بعد خروج واشنطن من فيتنام عام 1973 وسقوط سايغون بعد استيلاء الفيتناميين الشماليين على فيتنام الجنوبية. من ناحية أخرى ظلت كمبوديا لفترة طويلة حليفاً للصين وتلقت منها استثمارات بمليارات الدولارات (الغارديان 24 يوليو 2025).
الاشتباكات الأخيرة
تعتبر الاشتباكات الأخيرة الأكثر عنفاً بين البلدين منذ عدة عام 2011 ، واشتركت فيها طائرات ودبابات ومدافع وفرق مشاة وسط مخاوف من أن تتحول الاشتباكات إلى حرب ( الشرق الأوسط، ، 25 يوليو 2025) ، وقد سبق ذلك توتر وتصعيد منذ 23 يوليو 2025 أدي إلى مقتل جنود تايلانديين خلال تبادل لإطلاق النار زادت حدة التوتر بعد اشتباكات جديدة حدثت في 24 يونيو.
تداخل مع ذلك تسريبات هاتفية في الأول من يوليو لرئيسة الوزراء التايلاندية، بايتونغتارن شيناواترا، التي أثارت انتقادات واسعة بعد أن بدت وكأنها تنتقد الجيش التايلاندي بشأن طريقة تعامله مع النزاع، ما أدى إلى تعليق مهامها رسميا.
أما بداية الشرارة فقد حدثت حين تسبب انفجار لغم أرضي في إصابة عدد من الجنود التايلانديين، مما دفع بانكوك إلى اتخاذ قرار بسحب سفيرها من كمبوديا، وطرد السفير الكمبودي ردًا على الحادث. وقد بلغ التصعيد ذروته حين أعلنت كمبوديا في اليوم التالي خفض علاقاتها الدبلوماسية مع تايلاند وسحب طاقم بعثتها من بانكوك، بينما أغلقت الأخيرة جميع المعابر الحدودية معها، في مشهد ذكّر المتابعين بأزمات الحرب الباردة.
خلفية الصراع
تعود خلفية الصراع والتوتر حول المناطق الحدودية بين البلدين إلى أكثر من مائة عام، عندما كانت كمبوديا تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي منذ عام 1863 ، وقيامها عام 1907 برسم الحدود بين كمبوديا وتايلاند، قبل أن تحصل كمبوديا على استقلالها عام 1953، وذلك بينما كانت تايلاند مملكة مستقلة. وقد تم اجبار تايلاند على قبول الحدود التي رسمتها فرنسا ، غير أنها ظلت باستمرار ترفض تلك الحدود.
وفق فرانس 24 ، هو خط حدودي طالما اعترضت عليه تايلاند لأنه يجعل معبد "برياه فيهير" والذي يعود إلى القرن الحادي عشر والذي يعتبر من أكثر المعابد إثارة للإعجاب في جنوب شرق آسيا، يقع في الجانب الكمبودي. "لذا فإن هذا النزاع رمزي قبل أي شيء، ويتعلق الأمر بالنسبة لكلا البلدين، التذكير بماضيهما المجيد وكذلك أهمية منطقته داخل العالم البوذي" وفق المختص ديفيد كامرو الباحث في مركز الدراسات الدولية، التابع لمعهد العلوم السياسية بباريس والمختص في شؤون جنوب شرق آسيا ، مضيفا "ويصبح هذا الرمز أكثر أهمية بالنسبة لتايلاند نظرا لقلة معابدها القديمة، في حين أن كمبوديا لديها جوهرة معابد أنغكور".
التوتر الحالي
وفقاً لتقرير صادر من مجلس الأمن، ظلت كل من كمبوديا وتايلاند تتنازعان حول تفسير صدر من محكمة العدل الدولية يتعلق بمناطق لم يتم رسمها على حدودهما المشتركة التي تمتد لحوالي 800 كيلومتر. أبرز نقاط التوتر تشمل معابد تاريخية على رأسها معبد برياه فيهير الذي يقع على الحدود بين كمبوديا وتايلاند، وتم تصنيفه كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو عام 2008. وقد حكمت المحكمة الدولية لصالح كمبوديا بالسيادة عليه عام 1962، لكن محيطه ظل مثار خلاف. وتا موان ثوم ، وهو معبد صغير نسبيًا، يقع على سلسلة جبال دانغرِك، قرب الحدود، وهو محل نزاع بسبب تداخل الحدود الفعلية مع خط الحدود الذي تدّعيه كل دولة.
كانت كمبوديا قد قامت برفع شكوى لمحكمة العدل الدولية، وعلى الرغم من صدور الحكم لصالح كمبوديا إلا أن تايلاند لم تعترف بذلك الحكم . وبعد فترة طلبت كمبوديا تفسيرا من محكمة العدل الدولية، وحصلت للمرة الثانية على حكم لصالحها وظلت تايلاند على موقفها الرافض للحكم.
وتُعد النزاعات الحدودية قضايا طويلة الأمد تسببت في توترات دورية بين البلدين، وكانت أبرز الصراعات وأكثرها عنفاً تدور حول معبد برياه فيهير الذي يعود تاريخه إلى ألف عام. وفي عام 1962، منحت محكمة العدل الدولية كمبوديا السيادة على منطقة المعبد، ما أثار حفيظة تايلاند. وعادت كمبوديا إلى المحكمة عام 2011، عقب اشتباكات عدة بين جيشها والقوات التايلاندية، أسفرت عن قتلى ونزوح الآلاف. وأكدت المحكمة الحكم عام 2013، وهو قرار لا يزال يُثير قلق تايلاند.
خيارات مطروحة
في الخضم يظل اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم بين البلدين تحت المراقبة، مع محاذير ربما تؤدي إلى اشتعال الاشتباكات من جديد. فبينما تريد تايلاند حل المشكلة الحدودية عن طريق التفاوض، لا تزال شكوى كمبوديا أمام مجلس الأمن. وهناك عدة خيارات حول مستقبل صمود وقف اطلاق النار:
1. الخيار الأول: هو أن يلتزم الطرفان بوقف اطلاق النار بسبب مصالح اقتصادية مشتركة. فكلا البلدين يعتمدان على السياحة كمصدر أساس من مصادر الدخل، وهو أمر يحتاج إلى صمود وقف اطلاق النار والتسوية. كما يتوقع أن تقوم الصين بدور هام للتهدئة بين البلدين بسبب مصالحها الاقتصادية خاصة مع كمبوديا.
2. الخيار الثاني: هو أن ينهار وقف اطلاق النار بسبب النزعات القومية في البلدين ونبرة العداء الحادة والتعبئة، الأمر الذي قد يزيد من تعقيد الوصول إلى تسوية حاصة مع الصعوبات التي تواجهها رئيسة وزراء تايلاند التي تم ايقافها بواسطة المحكمة الدستورية واحتمال اللجوء إلى خيارات عسكرية في تايلاند.
خلاصة
يخشى مراقبون من أن يؤدي التصعيد العسكري والدبلوماسي إلى أزمة إقليمية أوسع، في منطقة تعاني أصلا من توترات جيوسياسية معقدة تشمل بحر الصين الجنوبي ونزاعات حدودية أخرى. فما يحدث الآن على الحدود لا يُختزل في مجرد خلاف جغرافي، فالمخاوف تتصاعد.
عليه، لتعزيز وقف اطلاق النار، لابد للبلدين من سحب القوات التي تم ارسالها إلى الحدود المشتركة بين البلدين حتى تخف حدة المواجهات، وهو أمر ربما يكون مؤشر يساعد على التقليل من التوتر والتصعيد الذي يساعد على تثبيت وقف اطلاق النار.