حزب إصلاح المملكة المتحدة.. تعزيز قبضة اليمين المتطرف

تقديرات

حزب إصلاح المملكة المتحدة.. تعزيز قبضة اليمين المتطرف

08-Sep-2025

 في مايو من هذا العام 2025 فاز الحزب اليميني المتطرف "ريفورم يو كيه"  "إصلاح المملكة المتحدة" في أول انتخابات تجرى في إنكلترا منذ أن تولى كير ستارمر رئاسة الوزراء، حيث تمكن من انتزاع مقعد برلماني من حزب العمال بزعامة رئيس الوزراء الجديد. كذلك فاز الحزب بعشرات المقاعد في مجالس محلية على حساب حزبي العمال والمحافظين في وقت تظهر فيه بوادر تشرذم في المشهد السياسي البريطاني. وقتها علق ستارمر على هزيمة حزبه في هذه الانتخابات الفرعية معتبرا النتيجة "مخيبة للأمل"، لكنه أكد تصميم حكومته على المضي "أبعد وأسرع" في الإصلاحات والتغيير.

 

من دعم البريكست إلى قمة التطرف

إصلاح المملكة المتحدة هو حزب سياسي شعبوي يميني أُنشئ في بادئ الأمر ليكون حزب البريكست (انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي) وذلك في نوفمبر 2018، وأُعيد تسميته في 6 يناير 2021 عقب إتمام انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. أسس كل من نايجل فاراج وكاثرين بلايكلوك الحزب بهدف الدعوة إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

قبل انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ضم الحزب 23 عضوًا من البرلمان الأوروبي. وقد تمثّل أكبر نجاح انتخابي للحزب بالفوز بـ 29 مقعدًا وحصوله على النصيب الأكبر من الأصوات الوطنية في انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2019 المُقامة في المملكة المتحدة.

تمثلت أولوية حزب بريكست بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتقال القواعد التجارية لمنظمة التجارة العالمية في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة الحرة. وُصف ذلك بأنه «انسحاب نظيف»، والمعروف كذلك بأنه انسحاب دون اتفاق.

باعتباره حزبًا شعبويًا، استمد تأييده من أولئك الذين شعروا بالإحباط جراء تأخر تنفيذ قرار الاستفتاء لعام 2016، ورغبوا بترك الاتحاد الأوروبي دون أن تبقى المملكة المتحدة جزءًا من السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي.

انتمى العديد من مؤيدي الحزب سابقًا إلى حزب استقلال المملكة المتحدة –تولى فاراج رئاسة حزب استقلال المملكة المتحدة من عام 2006 إلى عام 2009 ومن عام 2010 إلى عام 2016– بالإضافة إلى حزب المحافظين، بما في ذلك المنشقون البارزون مثل آن ويدديكومب وأنونزياتا ريس موغ، وقد حظي حزب بريكست كذلك بتأييد بعض اليساريين، كعضو البرلمان السابق في حزب الكرامة، جورج غالاوي وأعضاء سابقين في الحزب الشيوعي الثوري.

 

بلبلة في المشهد السياسي البريطاني

يسعى حزب الإصلاح الذي تعهد بـ “وقف قوارب" المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون قناة المانش، أن يُسهم فوزه برئاسة بلديات وحصوله على مئات المقاعد في المجالس في تعزيز نشاطه الشعبي قبل الانتخابات العامة المقبلة المرجح إجراؤها في عام 2029.

ويحدث هذا الحزب بلبلة في المشهد السياسي البريطاني إذ يجتذب مؤيدين خاب أملهم من الأحزاب الأخرى، مثل جوان وودهاوس المؤيدة سابقا لحزب العمال، وهنري غودوين الذي كان محافظا. ويقول بريطانيون شاركوا في مؤتمر "ريفورم يو كيه" الذي عقد مؤخرا في برمنغهام بوسط إن "التغيير ما زال ممكنا" و"الأمل عاد"، معربين عن استعادتهم الإيمان في السياسة.

يستقطب حزب "ريفورم" الذي خلف "حزب بريكست" مؤيدين جددا فيما تتراجع شعبية حزب العمال (يسار الوسط) الحاكم منذ يوليو 2024 ويفشل المحافظون في النهوض مجددا بعد هزيمتهم التاريخية العام الماضي.

وكما العديد من الدول الأوروبية الأخرى، تسجل المملكة المتحدة صعودا لليمين المتطرف بوتيرة متزايدة. ويتصدر حزب ريفورم المعادي للهجرة استطلاعات الرأي بفارق يزداد باطراد. ويعد حزب ريفورم بحسب أرقامه أكثر من 240 الف منتسب، بالمقارنة مع 80 ألفا قبل عام.

 

اليمين المتطرف في بريطانيا

اليمين المتطرف في بريطانيا هو ظاهرة سياسية واجتماعية تضم مجموعات وأفراد يروجون لأيديولوجيات قومية متطرفة وعنصرية ومعادية للإسلام، مع تركيز كبير على مكافحة الهجرة والقومية البيضاء، وينتشر عبر جماعات مثل الحزب الوطني البريطاني ورابطة الدفاع الإنجليزية.

يستخدم اليمين المتطرف في بريطانيا وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد العناصر المهمشة، وكان له تاريخ من الحركة الفاشية والانتشار السريع، كما شهد مؤخراً تصاعداً في التوترات والعنف خلال أعمال شغب في مظاهرات مناهضة للمهاجرين .

 

أهداف اليمين المتطرف

تتمثل أهداف اليمين المتطرف في فرض قومية متشددة، ومناهضة الهجرة، والدعوة إلى العودة إلى القيم التقليدية والمحافظة، وتقييد الحقوق والحريات الديمقراطية ، كما يهدف إلى تشكيل مجتمعات متجانسة ثقافياً وعرقياً، وتحديد من لا ينتمون إليها لخلق شعور بالوحدة، مما قد يؤدي إلى التمييز والتوترات الاجتماعية ، وتشمل الأهداف ما يلي:

القومية المتطرفة:  تعزيز فكرة الدولة القومية المحددة بدقة، مع التركيز على الهوية الوطنية والثقافة السائدة، ومعاداة أي أفكار قد تُضعفها.

مناهضة الهجرة: الوقوف ضد الهجرة واللاجئين، والتركيز على حماية "هوية" الأمة من التأثيرات الخارجية .

التشديد على القيم التقليدية:  الدفاع عن التسلسلات الهرمية والقيم الاجتماعية التقليدية، والوقوف في وجه التغيرات الاجتماعية والثقافية .

معاداة المؤسسات القائمة:  غالبًا ما يتم استهداف المؤسسات الديمقراطية والنخب السياسية، مع الادعاء بأنها منعزلة عن الواقع وتمثل مصالح غير شعبية.

ضمان استمرارية الهوية المجتمعية:  يسعى اليمين المتطرف إلى الحفاظ على الانقسامات الثقافية والعرقية الصارمة، وتحديد من هم "خارج" المجموعة لتشكيل هوية موحدة

 

وطنيون متشائمون

جيمس جونسون مؤسس معهد "جي إل بي" اليميني لاستطلاعات الرأي متحدثا قال لوكالة فرانس برس "نلاحظ خيبة أمل كبيرة، قلة ثقة معممة، وشعورا لدى الناس بأن ريفورم هو البديل الوحيد".

ووفق آخر استطلاع للرأي أجراه وعرضت نتائجه خلال المؤتمر، يحظى حزب ريفورم بـ 32% من نوايا الأصوات، بزيادة عشر نقاط عن العماليين. وحصل حزب فاراج في الانتخابات التشريعية في يوليو 2024 على 14% من الأصوات. ومن المقرر أن تجري الانتخابات المقبلة في 2029.

انضمت جوان وودهاوس  إلى الحزب قبل شهرين، وتطمح للترشح في الانتخابات المحلية المقبلة، بعدما حقق "ريفورم" اختراقا في الانتخابات الأخيرة. وقد صوتت جوان لسنوات لصالح العماليين، لكنها قالت إن هذا الحزب "خيب أملها تماما". ومن أكثر ما صدمها إلغاء مساعدة للمسنين خصوصا بالتدفئة، ولو أنه تم إقرارها مجددا لاحقا. وتؤكد "الناس يعانون" معتبرة أن حزب ريفورم "سيعزز حدودنا" و"يحمي تقاليدنا وقيمنا".

أما هنري غودوين (52 عاما) فانضم إلى الحزب قبل عام، بعد الهزيمة المدوية لحزب العمال الذي كان يؤيده. وقال إن "المحافظين خسروا الشمال" ما جعله يعول على حزب ريفورم، مؤكدا أن "كل ما يدافع عنه ينسجم مع قناعاتي، المساواة، النهج المحافظ والقيم العائلية".

 

يشبه المواطن البريطاني العادي

مركز الدراسات "مور إن كومون" أوضح أنه "بات من الصعب تصنيف ناخبي ريفورم" مشيرا إلى أنه مع توسع قاعدة الحزب الشعبية بات ناخبوه يشبهون "بشكل متزايد المواطن البريطاني العادي". وهذا ما يطرح "تحديا" في رأي مدير المركز لوك تريل الذي تساءل إن كان الحزب "سيجد توازنا بين المطالب الراديكالية لبعض أنصاره، والمطالب الأكثر حذرا لمنتسبيه الجدد".

وبحسب تحقيق جيمس جونسون، فإن حوالى نصف أنصار حزب "ريفورم" هم "وطنيون متشائمون" ينظرون بسلبية كبيرة إلى تطور البلاد، وتبقى الأولوية في نظرهم مكافحة الهجرة. ومسألة الهجرة هي في مطلق الأحوال في طليعة اهتمامات فاراج الذي أكد خلال المؤتمر أنه سيوقف زوارق المهاجرين في بحر المانش "خلال أسبوعين" إن وصل إلى السلطة. وكان تعهد قبل أسبوع بطرد ما يصل إلى 600 ألف مهاجر في خمس سنوات في حال انتخابه.

 

خلاصة تقييمية:

إن نجاح الحزب في انتزاع مقعد برلماني وعشرات المقاعد المحلية يعكس تحوّله من مجرد قوة هامشية مرتبطة بالبريكست إلى لاعب رئيسي يعيد تشكيل التوازنات السياسية في بريطانيا، في ظل تراجع ثقة الناخبين بالعمال والمحافظين.

ما يحدث هو تجذّر خطاب اليمين المتطرف فالحزب يستثمر في قضايا الهجرة والهوية الوطنية والقيم التقليدية، مستنسخًا نهج الأحزاب القومية المتشددة في أوروبا، ما يعزز مخاوف من تزايد الاستقطاب والتمييز الاجتماعي.

عليه فإن التوجه الشعبي نحو "ريفورم" يعكس خيبة أمل واسعة من النخب الحاكمة وشعورًا بأن هذا الحزب يمثل البديل الوحيد، وهو ما يهدد بزيادة نفوذ اليمين المتطرف على حساب التعددية السياسية والديمقراطية التقليدية.

 

63