سيناريوهات التدخل الأميركي في فنزويلا

تقديرات

سيناريوهات التدخل الأميركي في فنزويلا

17-Nov-2025

يحشد الجيش الأميركي منذ شهرين قواته في البحر الكاريبي، وسط اتهامات فنزويلا بأن دونالد ترامب يسعى لشن حرب تهدف إلى تغيير النظام في البلاد. وبينما تعيش كراكاس أزمة متعددة الأبعاد، سياسية واقتصادية وإنسانية واستراتيجية، تبدو واشنطن في موقع عدائي متزايد تجاه النظام الفنزويلي بزعامة نيكولاس مادورو، بسبب ملفات حقوق الإنسان والهجرة والاتجار بالمخدرات. من هذا المنطلق، يبدو من الضروري استشراف ما يمكن أن تمضي إليه واشنطن من خيارات، ووضع سيناريوهات مع تقدير العوائق والفرص.


الوضع الراهن

تواجه فنزويلا في ظل حكم مادورو أزمة شرعية متصاعدة منذ انتخابات 2024 التي طعنت فيها المعارضة ووصفتها بأنها غير حرة. هذا الوضع خلق بيئة سياسية داخلية مرتبكة تتسم بضعف الثقة بين المجتمع والدولة، وتزايد الشكوك حول استقرار النظام.

اقتصاديا وإنسانيا، تمر البلاد بمرحلة شديدة الصعوبة، فقد انكمش الناتج المحلي بأكثر من 80٪ بين 2013 و2020، بحسب بيانات خدمة أبحاث الكونجرس CRT (30 سبتمبر 2025)، ولا تزال مستويات الفقر مرتفعة بالرغم من بعض مؤشرات التحسن المحدود. هذا التدهور جعل الأزمة الاجتماعية تتفاقم، ودفع الملايين إلى الهجرة، ما زاد الضغط على النظام وأضعف قدرته على تقديم حلول واقعية.

من وجهة نظرنا، ترتبط المخاوف الأميركية بعاملين رئيسيين: أولهما التمدد الجيوسياسي المتنامي لعلاقات كاراكاس مع الصين وروسيا وإيران وكوبا، بما يضع النظام في قلب شبكات نفوذ معادية لواشنطن. وثانيهما الرغبة في إعادة شركاتها إلى قطاع النفط الفنزويلي للمنافسة على الاحتياطي الأكبر عالميا. وفي المقابل، تدعم روسيا النظام بالسلاح للحفاظ على شراكتها الاستراتيجية، بينما تتحرك الصين بحذر حتى لا تخسر مكاسبها الاقتصادية. ونتيجة هذا التداخل المعقد، تقف فنزويلا عند مفترق طرق بين صمود النظام واحتمالات الانفجار الداخلي أو دفع خارجي نحو تسوية أو تغيير.


سيناريوهات الأزمة

الأزمة الفنزويلية واحدة من أكثر الأزمات تعقيدا في نصف الكرة الغربي خلال العقدين الأخيرين، وشكلت واشنطن الطرف الأكثر تأثيرا في مسارها، سواء عبر العقوبات الاقتصادية أو الضغوط الدبلوماسية والإشارات العسكرية. ومع استمرار حالة الجمود تبرز مجموعة من السيناريوهات المحتملة، تختلف في أدواتها وتكلفتها ومدى قدرتها.

1- استمرار الجمود أو التدهور البطيء.

في هذا السيناريو تُبقي واشنطن على سياسة الضغوط والعقوبات دون الانتقال إلى خيار التدخل العسكري، بحيث تواصل دعمها للمعارضة وجهود العزل الدبلوماسي، بينما يبقى النظام في كاراكاس تحت قيادة مادورو قادرا على الصمود بتكلفة عالية. يبدو من تقرير كلير ريباندو في موقع أوراسيا ريفيو (2 أكتوبر 2025) أن هذا المسار يبدو آمنا ظاهريا، إذ لا يتطلب الانخراط في صراع عسكري مباشر يعرض واشنطن لمخاطر جيوسياسية، إلا أنه في الواقع، بمثابة تسوية ضمنية لاستمرار الجمود الذي تعثرت فيه الأهداف الأميركية.

لكن هذا المسار يحمل فرصا استراتيجية لواشنطن، من بينها تقليل كلفة المواجهة المباشرة، والمحافظة على خياراتها مفتوحة للتصعيد إذا دعت الضرورة. لكن هذا التريث، وفقا لتحليل غرانت كاسل في موقع شيكاغو بوليسي ريفيو (23 يناير 2024)، له مقابل، إذ إن استمرار الوضع الراهن يوفر مساحة للنظام الفنزويلي لتعزيز تحالفاته، ما يجعل الأمر بمثابة انتصار لكراكاس. فهذا الصمود يمنحها قدرة تفاوضية حين تشعر بأن الضغط الأميركي بلغ حده. علاوة على ذلك، فإن بعض الدول اللاتينية بدأت تظهر ترددا في دعم السياسات الأميركية تجاه فنزويلا.

2- التصعيد مع تحرك عسكري محدود.

في هذا السيناريو، تختار واشنطن استراتيجية وسطا بين الجمود الكامل والتدخل الواسع، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، مع تقليص المسافة نحو خيار عسكري محدود. في الأشهر الأخيرة، تم رصد زيادة في التواجد البحري والجوي الأميركي قرب السواحل الفنزويلية، في ما وصف بأنه نشاط لمكافحة المخدرات، لكنه يحمل بعدا من الضغط العسكري الرمزي. ومن وجهة نظر المراسل العسكري لموقع Military ألين فريزر (20 أكتوبر 2025)، فإن ذلك يعد تحذيرا عمليا للنظام في كاراكاس بأن واشنطن قد تدخل في حال لم تنجح الضغوط الأخرى. ولذلك اتحذت فنزويلا إجراءات استباقية، كإجراء مناورات واسعة وحشد قوات، على اعتبار أن نشر واشنطن قواتها يشكل تهديدا للسيادة الوطنية. وهو ما يدخل منطقة الكاريبي في حالة تأهب لا تهدأ.

اقتصاديا وماليا، يرى لويس ميندوزا (موقع كولومبيا وان: 28 أكتوبر 2025)، إن إحداث ضغط عسكري محدود وغير تقليدي يضفي تكلفة إضافية على فنزويلا في وقت هي بالكاد تتعافى من العقوبات وانهيار الاقتصاد النفطي. أفاد محللون بأن ارتفاع وتيرة التهديدات العسكرية قرب فنزويلا قد أسهم في تصعيد حالة الانكماش الاقتصادي وتراجع الثقة في الأسواق.

غير أن هذا السيناريو ليس بلا مخاطر، فالعنصر العسكري، حتى وإن كان محدودا، يقدم احتمالا لتصعيد غير مقصود. كذلك اعتماد واشنطن على عمل محدود، قد يجعل كراكاس تستشعره كتهديد أكبر مما هو معلن، فيدفعها نحو رد فعل دفاعي عميق أو تحالف علني مع روسيا والصين وكوبا، مما قد يزيد من كلفة المواجهة ويخرجها من نطاق السيطرة. وهكذا، يمكن القول إن اعتماد خيار الضغط العسكري المحدود يشكل تكتيكا واقعيا، لكنه يوفر لواشنطن إمكانية الضغط دون الانغماس في احتلال مكلف، إلا أنه يتطلب إدارة دقيقة لتجنب الانزلاق نحو المواجهة الشاملة.

3- تدخل عسكري مباشر وفرض تسوية سياسية كبرى.

ربما تقوم واشنطن بعمل عسكري واسع النطاق يطيح بمادورو أو يجبره على قبول تسوية انتقالية، خاصة بعد أن أعلن البنتاجون عن تقديمه خطة هجومية باسم الرمح الجنوبي إلى ترامب مساء 13 نوفمبر الجاري. إن شكل العملية قد يجمع بين ضربة عسكرية وحملة لوجستية تدعم المعارضة الداخلية. لكن تحليلات مؤسساتية تحذر من أن مثل هذه الضربات لن تكون حلا سريعا، بل بداية مرحلة طويلة من التعقيدات السياسية.

من الناحية العسكرية، وفقا لتحليل صحيفة لوموند الفرنسية (1 نوفمبر 2025)، فبالرغم من الضعف الجزئي في قدرات فنزويلا النظامية، لكن الساحة ليست سهلة، فهناك ميليشيات شعبية يمكن دفعها إلى مقاومة واسعة. كما أن تقارير البنتاجون تشير إلى وجود ذخائر دفاع جوي متنقلة وبعض قدرات مضادة للسفن. لذلك فإن أي تدخل عسكري قد يواجه مقاومة متنوعة، إضافة إلى احتدام خطاب معاد لأميركا في المحور الذي يدعم مادورو، واستنكار قوى كبرى مثل روسيا التي سبق أن أدانت تعزيز الوجود الأميركي في البحر الكاريبي. هذه الديناميكية تنذر بأن التدخل قد يجر واشنطن إلى عزلة دبلوماسية ويزيد من الانقسام الدولي.


تقدير الفعالية والاختيارات الأميركية.

تتبنى واشنطن تجاه فنزويلا مزيجا من العقوبات والضغط الدبلوماسي، وقد نجح ذلك جزئيا في تضييق هامش الحركة الاقتصادية للنخبة الحاكمة، لكنه لم يحقق الهدف المتعلق بإحداث تغيير سياسي. في الوقت ذاته، يظل خيار القوة محدود الجدوى، إذ إن التحركات العسكرية قد تضغط على كاراكاس لكنها تولد تصعيدا إقليميا ومقاومة داخلية، فضلا عن احتمال استدعاء تدخلات خارجية تعقد المشهد.

وعلى المستوى الإقليمي، تواجه واشنطن بيئة منقسمة في أميركا اللاتينية، حيث تتعاون بعض الدول معها في ملف مكافحة المخدرات، بينما تتحفظ دول أخرى على أي تدخل خارجي مباشر. هذا التباين يضعف شرعية أي خطوة تصعيدية ويزيد كلفتها السياسية. كما تتعامل واشنطن مع معادلة معقدة تتقاطع فيها اعتبارات الداخل الأميركي مع الحسابات الجيوسياسية، إذ تنظر واشنطن إلى نظام مادورو بوصفه تهديدا لمصالحها ولنفوذها في نصف الكرة الغربي، لكنها في الوقت نفسه تخشى تكرار كلفة تجاربها السابقة في التغيير القسري.

وحتى لو بدأت عملية الرمح الجنوبي، يبدو أن تحقيق أهداف واشنطن لن تتحقق عبر أداة واحدة، بل من خلال استراتيجية متدرجة تجمع بين الضغط والعقوبات والاحتواء والتفاوض، بطريقة تراعي حساسية الإقليم، وتوازن بين المكاسب والكلفة الجيوسياسية. هذه المقاربة فقط هي القادرة على إدارة الصراع دون الانزلاق إلى فوضى أو مواجهة طويلة في بيئة إقليمية بالغة التعقيد.

 

27