
دخلت الحرب التي اندلعت بين إيران
وإسرائيل، بداية من 13 يونيو 2025، أسبوعها الثاني، دون أن تظهر في الأفق مؤشرات
توحي باحتمال الوصول إلى تسوية قريبة لها، حتى رغم الهجمات التي شنتها الولايات
المتحدة الأميركية، في 22 من الشهر نفسه، واستهدفت فيها المفاعلات النووية في
فوردو ونطنز وأصفهان (سكاى نيوز عربية، 22 يونيو/حزيران 2025). بل إن الطرفين ما
زالا حريصين على تبني سياسة تصعيدية، على نحو يبدو جلياً في استمرار الضربات
العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي تستهدف قيادات الحرس الثوري والجيش فضلاً عن
المنشآت العسكرية، بالتوازي مع مواصلة الهجمات الصاروخية الإيرانية التي تركز على
المؤسسات الأمنية والدفاعية والبنية التحتية.
حلول وسط
هذه التطورات وما رافقها من تصاعد
حدة التحذيرات من احتمال نشوب كارثة بيئية يمكن أن تنتج عن تسرب إشعاعي بسبب
الضربات العسكرية الإسرائيلية والأميركية للمنشآت النووية الإيرانية دفعت دولاً
عديدة إلى التدخل من أجل محاولة الوصول إلى حلول وسط بين الأطراف المعنية بهذه
الحرب والمنخرطة فيها، قد تساعد في إبرام تسوية تنهيها وتمنع توسع نطاقها.
فقد عرض الرئيس الروسي فيلاديمير
بوتين إمكانية التوسط من أجل إبرام صفقة بين إيران وإسرائيل، وقال، في 20 يونيو
الجاري، أن "روسيا تطرح أفكاراً لحل الصراع الحالي بين طهران وتل أبيب"،
مشيراً إلى أن "روسيا على اتصال يومي مع الأصدقاء الإيرانيين، وأود أن تنفذ
أفكارنا" (الشرق للأخبار، 20 يونيو/حزيران 2025)، ومن المتوقع أن يلتقي لهذا
الغرض وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في موسكو. كما سعت تركيا إلى ترتيب لقاء
مباشر بين المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين، إلا أنها تواجه عقبة التواصل مع
المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي اختفى عن الأنظار منذ اندلاع الحرب
الحالية. (العين الإخبارية، 21 يونيو/حزيران 2025)
كما عقد وزراء خارجية ألمانيا
يوهانس فاديفول وفرنسا جان نويل بارو وبريطانيا ديفيد لامي ومسؤولة السياسة
الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس لقاءً مع وزير الخارجية الإيراني عباس
عراقجي في جنيف في 20 يونيو الجاري.(فرانس 24، 21 يونيو/حزيران 2025)
دوافع عديدة
يمكن تفسير أسباب اهتمام تلك الدول
بالانخراط في الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسوية للحرب الحالية التي نشبت
بين إيران وإسرائيل في ضوء عوامل رئيسية أربعة: أولها، احتمال التعرض لمخاطر مباشرة بسبب استمرار تلك الحرب، على نحو
يبدو جلياً في حالة روسيا، التي كان لافتاً أنها وجهت تحذيرات من العواقب التي
يمكن أن تنجم عن توجيه ضربات عسكرية إلى مفاعل بوشهر، خاصة أن لديها خبراء عاملين
في هذا المفاعل، الذي تقوم ببناء محطتين جديدتين فيه.
وقد أشار مبعوث الرئيس الروسي إلى
الشرق الأوسط وأفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، في 20 يونيو الجاري،
إلى أن "روسيا لديها اتصالات مع الأمريكيين والإسرائيليين، وهم يدركون جيداً
أن مشروع بوشهر شاركت بلدنا فيه، ويوجد فيه ممثلون ومختصون من وكالة الطاقة
الذرية، وهؤلاء يتعرضون لخطر كبير في هذا الوضع". (روسيا اليوم، 21
يونيو/حزيران 2025)
احتمالات
صراع نووي واسع النطاق
وفي رؤية موسكو، فإن المخاطر التي
تفرضها الحرب الحالية لا تتوقف عند ذلك الحد، بل إنها قد تؤدي إلى نشوب صراع نووي
واسع النطاق، خاصة في حالة ما إذا اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام
القنابل النووية التكتيكية في التعامل مع مفاعل "فوردو"، في حالة ما إذا
ثبت أن الضربات التي وجهتها واستخدمت فيها قنابل "جي بي يو 57" لم تكن
كافية لتدميره، وبعد أن فشلت إسرائيل في إلحاق ضرر كبير به، بسبب بناءه على عمق 90
متراً تحت الأرض. وقد انعكست مخاوف موسكو في هذا الصدد في تصريحات المتحدث باسم
الكرملين دميتري بيسكوف التي قال فيها أن "هذا التطور سيكون كارثياً" في
حالة حدوثه. (الشرق الأوسط، 20 يونيو/حزيران 2025)
وثانيها، تجنب الارتدادات المحتملة لإضعاف
إيران، وهو احتمال لا يمكن استبعاده. فرغم أن الأخيرة أثبتت أن لديها القدرة على
توجيه ضربات صاروخية مؤثرة داخل إسرائيل، كان آخرها الضربات التي وجهتها في 22
يونيو الحالي رداً على الهجمات الأمريكية واستخدمت فيها صاروخ "خيبر
شكن" (سي إن إن، 22 يونيو/حزيران 2025)، حتى بعد الخسائر القوية التي تعرضت
لها، إلا أن استمرار الهجمات التي تشنها تل أبيب، والتي تستهدف فيها القيادات
الرئيسية في الحرس الثوري والجيش والمنشآت النووية والعسكرية، فضلاً عن الهجمات
الأمريكية، يمكن أن تؤدي إلى إضعاف النظام الإيراني.
تداعيات أمنية
سلبية
وهنا، فإن دولاً عديدة، مثل تركيا
وروسيا، لا تستبعد هذا الاحتمال وترى أنه يمكن أن يفرض تداعيات سلبية على أمنها
واستقرارها. وقد عبرت تركيا تحديداً عن تلك المبادرة خلال انعقاد مؤتمر وزراء
خارجية دول التعاون الإسلامي باسطنبول، في 21 يونيو الحالي، حيث حذر وزير الخارجية
هاكان فيدان من أن "إسرائيل تجر المنطقة إلى شفير كارثة تامة بمهاجمتها إيران
جارتنا" (سويس انفو، 21 يونيو/حزيران 2025)، وهنا فإنه عندما يشير إلى أن
إيران دولة جارة لتركيا فإنه يعني أن ما سوف تتعرض له من تداعيات بسبب الحرب
الحالية سوف يصل إلى تركيا مباشرة.
عواقب وخيمة
ومن دون شك، فإن هذه المشكلة
تحديداً تكتسب أهمية خاصة من جانب روسيا، خاصة أن إضعاف إيران يمكن أن يفرض معطيات
جديدة في منطقة وسط آسيا والقوقاز ترى موسكو أنها ربما تهدد أمنها واستقرارها، لا
سيما في تلك المنطقة التي تواجه أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية عديدة.
وثالثها، عدم استنساخ النموذجين السوري
والليبي، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى الدول الأوروبية إلى تحقيقها عبر
محاولاتها الوصول إلى تسوية دبلوماسية للأزمة الحالية. ففي رؤيتها، فإن تطور تلك
الأزمة يمكن أن يفرض تداعيات وعواقب وخيمة على تلك الدول، يأتي في مقدمتها تدفق
موجات هائلة من المهاجرين واللاجئين من إيران ودول وسط آسيا، على غرار أفغانستان،
إليها، وهو ما يمكن أن يكرر الأزمات نفسها التي واجهتها تلك الدول مع تصاعد حدة
الصراعات المسلحة في ليبيا وسوريا في مرحلة ما بعد عام 2011، والتي لم تنحصر في
فرض ضغوط وأعباء اقتصادية شديدة على كاهل الدول، وإنما امتدت إلى مخاطر أمنية، في
ظل استغلال التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم "داعش"، لتلك
الموجات، من أجل تجاوز الإجراءات الأمنية في تلك الدول وتنفيذ عمليات إرهابية على
أراضيها، وهو ما بدا جلياً في العمليات التي أعلن "داعش" مسؤوليته عنها
في كل من باريس وبروكسل ولندن.
تجنب
توسيع نطاق الحرب الحالية
ورابعها، تجنب توسيع نطاق الحرب الحالية،
بمشاركة أطراف أخرى فيها، على غرار المليشيات الموالية لإيران في العراق واليمن.
إذ أن انخراط واشنطن في الحرب الحالية قد يدفع هذه المليشيات إلى التدخل بدورها،
عبر استهداف القواعد والمصالح الأمريكية والإسرائيلية، بالتوازي مع احتمال الاتجاه
نحو تبني خطوات تصعيدية أخرى مثل تهديد حركة التجارة والملاحة في مضيقى هرمز وباب
المندب، على نحو قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع الحالي، والذي سوف يفرض بدوره
تداعيات سلبية عديدة على دول المنطقة والقوى الدولية المعنية بأزماتها والمنخرطة
فيها.
من هنا، ورغم كل ما جرى من تصعيد
عسكري متبادل على مدى الأيام العشرة الماضية، ومنذ اندلاع تلك الحرب، ما زالت قوى
عديدة إقليمية ودولية تبذل جهوداً حثيثة من أجل الوصول إلى تسوية تنهي الحرب
الحالية، باعتبار أن استمرارها كفيل بتبلور استحقاقات استراتيجية ربما تفرض
تداعيات سلبية خطيرة وعلى أمن ومصالح تلك الدول خلال المرحلة القادمة.