
دخلت إيران عام 2025 وقد تضررت شبكتها الكبيرة من الحلفاء بشدة، حيث ارتدت الأحداث التي بدأت بهجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 بشكل مذهل، ودمرت هياكل رئيسية داخل هذا التحالف وعلى رأسها دمشق، أقدم أعضاء محور المقاومة وحجر الزاوية في استراتيجية طهران بالمنطقة. فمع انهيار حكم الأسد في ديسمبر 2024، فقدت إيران بوابتها الرئيسية إلى العالم العربي. وبدون سوريا كحلقة وصل برية، تواجه طهران تحديات لوجستية كبيرة، تهدد بدورها موقف حزب الله في لبنان، الذي يتعرض هو الآخر لاحتمال اندلاع تمرد سني ضده، وقد يلهم ذلك ثورة سنية أخرى في العراق لتقويض هيمنة ونفوذ إيران بشكل نهائي.
وعلى الرغم من
هذه الضربات الكارثية، فإن المحور يحافظ حتى الآن على قدر من المرونة. حيث تستمر
إيران وميليشياتها المعروفة باسم قوات الحشد الشعبي بالعراق في ممارسة قدر ما من
القوة، وكذلك الحوثيين في اليمن، الذين يمثلون شريحة ضيقة من السكان، تاركين الأغلبية
غارقة في الفقر، الذي لا ينبع من الحرب أو العقوبات بقدر ما ينبع من الفساد المنهجي
والعزلة.
ومن البديهي،
ومع تقليص النفوذ الإيراني من الممكن أن يؤدي ذلك إلى سقوط قريب للحوثيين، خاصة مع
إقحام الجماعة نفسها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بشكل لا يقنع الأغلبية
الشعبية داخل اليمن مع تفاقم المعاناة العامة على أيدي أنصار الحوثي، ومع زيادة
الاعتماد على إيران التي باتت تترنح. خاصة وأن الأحداث المتسارعة في سوريا ولبنان
فتحت باب التطلعات نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء الانقلاب الحوثي بأقل التكاليف.
يعتقد فياض
النعمان وكيل وزارة الإعلام اليمنية، أن استمرار الضغط الدولي على طهران قد يعيد
المشهد العسكري الذي حدث في دمشق، ليكون في صنعاء، وذلك كون القرار السياسي
والعسكري والاقتصادي لهذه الأذرع ليس بيدها، بل تُدار من الغرف المغلقة للحرس
الثوري الإيراني. وفي حديثه للشرق الأوسط، يرى، من وجهة نظره، أن الانهيار السريع
لنظام الأسد كان نتاج الضغوطات الدولية التي مُورست عليه، والتي كانت حجر الزاوية
التي أخرجت سوريا من حضن المشروع الإيراني. ولا يستبعد النعمان أن يتكرر السيناريو
نفسه في بلاده، لأن الحوثيين أصبحوا على دراية واضحة بأن إيران غير قادرة على
الاستمرار في دعمهم السياسي والعسكري والاقتصادي، وفي المقابل فإن القوى السياسية
المناهضة لمشروع الحوثيين أصبحت أكثر انسجاما واتفاقا حول خطواتهم المقبلة، من أجل
إنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة.
ويؤكد على ذلك
صالح البيضاني المستشار الإعلامي في السفارة اليمنية بالرياض، قائلا إن التحولات
الإقليمية والدولية الحاصلة ستتضافر مع الرفض الشعبي للميليشيات الحوثية التي رهنت
قرارها بالكامل لإيران، وتجاهلت كل جهود التسوية والحل السياسي التي رعتها دول
التحالف العربي والأمم المتحدة (الشرق الأوسط:
9 ديسمبر 2024).
ولكن بطرح
مختلف، يمكننا ترجيح أن قادة الحوثيين سيختلفون في استجابتهم المحتملة للتحدي.
فعلى النقيض من الأسد وحزب الله، إذا تمت هزيمتهم، ربما يعودون إلى تكتيكات حرب
العصابات في المناطق الجبلية اليمنية بدلا من التخلي عن حركتهم في المنفى. ونادرا
ما غادر قادة الحوثيين اليمن، وربما يكون هذا هو السبب الذي يجعلهم أكثر ميلا إلى
المقاومة حتى النهاية بدلا من البحث عن ملجأ في الخارج. وفي حين يظل بقاء الحوثيين
على المدى الطويل غير مؤكد، فإن نظامهم يواجه أزمة شرعية متنامية. فالشروخ في أسسه
تتسع، وتعتمد القيادة بشكل متزايد على العنف الوحشي لقمع المعارضة.
ويبدو الانهيار
في نهاية المطاف محتملا مع تقليص دور إيران في المنطقة، ولكنه ليس وشيكا. ويعزز
طرحنا أنه مع بداية عام 2025، لم يعد محور المقاومة الإيراني يعمل بشكل فعال كأداة
لتعزيز طموحات إيران الإقليمية، ولا كركيزة أساسية لاستراتيجية الردع الخاصة بها.
في تقرير
لناشيونال انترست قال آري هيستين الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب،
إن التغيير الحقيقي في اليمن بعد تقليص الدور الإيراني في المنطقة سوف يتطلب ثلاثة
مسارات رئيسية. يتمثل الأول في ارتفاع الغضب العام بسبب المظالم التي يشعر بها
الشعب اليمني، والتي ربما ترتبط في المقام الأول بالظروف الاقتصادية وفرض الحوثي
لآرائه التي تتعارض مع معتقدات غالبية السكان. والثاني في فقدان التأييد من دوائر
النخبة الرئيسية، المتمثلة في القبائل المتحالفة التي يعتمد عليها الحوثي لقمع
المعارضة. وأخيرا من الممكن أن يؤدي الطرحين الأول والثاني إلى إحداث شروخ داخل
الطبقة القيادية، وهي مخاطر مدفوعة بضغوط خارجية على الجماعة أو صراعات داخلية على
السلطة، مما يتركها في حالة من الفوضى، عاجزة عن الحفاظ على قبضتها القاسية على
عشرين مليون يمني. وهذا بدوره من شأنه أن يخلق زخما يجد النظام الحوثي صعوبة
متزايدة في عكسه (National Interest: 2 January 2025).
حاليا ومن
وجهة نظر الباحث أرمان محموديان، فإن الدور الأساسي الذي ترغبه إيران من الحوثيين هو
الاستمرار في تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر، لإطالة أمد الأزمة قدر الإمكان،
واستغلال عدم قدرة التحالف البحري المدعوم من واشنطن على تحييد هذا التهديد بشكل
فعال، مما يسلط الضوء على القوة المتنامية للحوثيين كضلع أساسي يثبت استمرار محور
المقاومة في آداء دوره المرسوم منذ عقود (Henry Stimson
Center: 10 January 2025).
بالإضافة إلى ذلك،
فإن الهجمات الصاروخية الباليستية المستمرة على إسرائيل، بما في ذلك الضربات
الناجحة على أهداف مركزية مثل تل أبيب، تؤكد على التقدم السريع للحوثيين في وضع
أنفسهم كحزب الله جديد لإيران، حيث يتمتعون بالعديد من المزايا التي تعزز قيمتهم
الاستراتيجية، لأن المسافة بين اليمن وإسرائيل تحد من قدرة الأخيرة على استهدافهم
بشكل فعال. كذلك اعتماد الحوثي على بنية قبلية شبه متماسكة، فضلا عن التضاريس
الوعرة وغير المضيافة في اليمن، والتي تجعلهم بطبيعتهم أكثر مراوغة وصعوبة في
التحييد.
وأخيرا، لم
يعد لإيران أي وكيل حقيقي في المنطقة سوى الحوثيين في اليمن، على الرغم من استمرار
دعمها الميليشيات في العراق، لكن هذا لا يمنع كونه انهيارا غير مسبوق لقوة إقليمية
مهيمنة كإيران. وعلى صعيد المخاطر فإن ميليشيا الحوثي أسهمت في زعزعة الاستقرار
بالمنطقة، حيث اعتدت على الملاحة الدولية وأدخلت اليمن في حرب غير متكافئة مع
إسرائيل.
وفي الوقت الراهن،
ومع ضعف قبضة إيران في المنطقة، لا خيار أمام الحوثيين سوى تنفيذ القرارات
الدولية، وفي مقدمتها القرار 2216، أو الاستعداد لعزلة كاملة، تهدف إلى الخلاص منهم
وتأمين خطوط الملاحة الدولية وإنهاء المشروع الحوثي الطائفي عسكريا. وفي كل
الأحوال، فإن المسألة مسألة وقت، وسيواجه الحوثيون الغضب الشعبي جراء انتهاكاتهم،
وربما السقوط.
وبالرغم من أن
محور المقاومة أصبح الآن ضعيفا إلى حد كبير، لكن وضعه المتضائل لا يزال يشكل خطرا
كبيرا على موقف واشنطن في الشرق الأوسط والاستقرار الأوسع في المنطقة. وقد يصبح
النظام الإيراني الهش مصدرا كبيرا لعدم الاستقرار عن طريق هذا الوكيل الذي صمد حتى
الآن. ولذلك فمن الضروري اتخاذ إجراءات حاسمة من جانب الجهات الفاعلة الإقليمية
والعالمية المعارضة للإرهاب الحوثي وتكثيف الضغوط السياسية والمالية والعسكرية للتعجيل
بسقوطهم. خاصة وأن الأزمات الحالية التي تواجه حزب الله اللبناني وفيلق القدس
الإيراني تجعل هذه اللحظة مناسبة للضغط على النظام الحوثي. ومع ذلك، حتى هذا سيكون
بمثابة هدنة مؤقتة، وليس حلا حقيقيا للتهديد الطويل الأجل الذي يشكله مع إيران على
الدول الأخرى في المنطقة.