بينما يستعد الشرق الأوسط والعالم لعودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل، عاد الحديث من جديد عن صفقة القرن، وأثيرت العديد من التساؤلات حول صلاحيتها للتنفيذ في ظل الظروف الراهنة، وهل ستكون مقبولة عند الدول العربية والفلسطينيين على وجه الخصوص، أم أن الأمور قد تغيرت بما يمنع طرحها من الأساس؟
لقد كان حل الدولتين بمثابة الأساس لخطة سلام أميركية تنهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ سنوات، فضلا عن إقناع بعض الدول العربية بتوقيع اتفاقيات سلام مع تل أبيب لتوطيد أصر التعاون فيما بينها في كثير من المجالات. لكن الشرق الأوسط يمر الآن بأشد حلقاته دموية منذ اندلاع الخلاف لأول مرة في عام 1948. وقد أعادت الحرب الحالية، التي أشعلتها حماس بعد هجوم غير مسبوق ضد إسرائيل في 7 أكتوبر عام 2023، القضية إلى دائرة الضوء الدولية، وفي الوقت نفسه هددت بقلب النهج التقليدي في معالجتها بالطرق الدبلوماسية المعتادة. فهل من الممكن أن تنهي صفقة القرن أزمة الشرق الأوسط وتنهي كافة الصراعات فيه. أما أنها أصبحت غير قابلة للتطبيق؟
إدارة ترامب ف أعلنت ي 28 يناير عام 2020 بعد ثلاث سنوات من المناقشات المتوترة تفاصيل خطتها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما عرف إعلاميا باسم "صفقة القرن" أو حسب التقرير الذي نشره موقع الأمم المتحدة آنذاك "السلام من أجل الرخاء: رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي".
وهو تقرير مقسم إلى 22 قسما في 181 صفحة، يغطي أغلب القضايا المتعلقة بالمشروع، كحل الدولتين، ووضع القدس والسيادة عليها، وضمان أمن الحدود، وتنظيم الأمن الداخلي، وأوضاع اللاجئين والمعتقلين والأسرى، وتنظيم المعابر الحدودية وطرق الإشراف عليها، وإدارة قطاع غزة، والاستثمارات وإعادة الإعمار والتبادل التجاري. بالإضافة إلى تذييله بأربعة ملاحق، الأول عن الحدود المقترحة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، والثاني عن المخاوف الأمنية الإسرائيلية المتعلقة بالسيطرة على وادي الأردن وطرق حلها، والثالث عن معايير مكافحة الإرهاب، وأخيرا ملحق عن سبل تعزيز السيطرة الأمنية الإسرائيلية على دولة فلسطينية منزوعة السلاح. مع تأكيدات على ضرورة السيطرة الإسرائيلية على المعابر الدولية مع الأردن ومصر، وتنظم المياه الإقليمية للدولة الفلسطينية المقترحة والرقابة عليها.
والدولة الفلسطينية في الخطة الأميركية هي دولة ذات سيادة محدودة منزوعة السلاح وغير متصلة جغرافيا، تخضع لمخاوف وقيود أمنية إسرائيلية، ومشروطة باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، ورفض كل ما تعتبره إسرائيل إرهابا، بما يحقق احتياجات إسرائيل الأمنية. كما نصت الخطة على ضرورة منح تل أبيب مسؤولية الأمن والسيطرة على كل المجال الجوي غرب نهر الأردن. وتشترط أن تكون الدولة الفلسطينية مسؤولة عن قمع حركات المقاومة الفلسطينية، ومنع خطاب الكراهية، والعمل على تطوير مناهج دراسية سلمية.
وتنص صفقة القرن على ضم 87٪ من الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى إسرائيل. وأن يعيش 97٪ من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت الدولة الفلسطينية المقترحة، بينما يعيش 3٪ المتبقون في جيوب داخل الأراضي الإسرائيلية. وأن تكون القدس العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل. والجزء الشرقي من المدينة في المناطق الواقعة إلى الشمال والشرق من الجدار الأمني يمكن اعتباره عاصمة لفلسطين، مع وجوب بقاء وادي الأردن وجميع المعابر الحدودية تحت السيادة الإسرائيلية. بما في ذلك رفح بعد ترتيب الأمر مع مصر، مع استمرار الحق الإسرائيلي في شن غارات في أي مناطق داخل الدولة الفلسطينية إذا كان هناك أي تهديد لأمنها.
وتتضمن الصفقة إنهاء أي مطالبات فلسطينية تاريخية، كحق العودة، أو استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في دولة إسرائيل. وألا يُسمح للفلسطينيين الذين استقروا بشكل دائم في أماكن أخرى بالعودة، حتى إلى الدولة الفلسطينية. إضافة إلى فقد اللاجئ الفلسطيني وضعه القانوني الدولي، وحل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتفكيك المخيمات واستبدالها بمناطق سكنية جديدة.. يمكن الاطلاع على تفاصيل الصفقة كاملة في الرابط التالي: https://icss.ae/short/link/1732472248
وكانت إدارة ترامب تأمل وقتئذ في أن تمارس الدول العربية ضغوطا على الفلسطينيين حتى يجلسوا للتفاوض بعد قبول الصفقة المقترحة كبداية للحل، إلا أن خروج ترامب من البيت الأبيض واختلاف نهج إدارة جو بايدن عن سلفه، وانشغال العالم بالأزمة الأوكرانية ومطالبات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بضمانات أمنية، ثم قيامه بعمليته العسكرية التي أربكت العالم في أوكرانيا، كل ذلك أدى إلى تعطيل تنفيذ الصفقة، وتعطيل استمرار واشنطن في محاولة إبرام خطط سلام بين الدول العربية وإسرائيل.
رأى برايان هوك المبعوث السابق لترامب أن الصفقة تهدف في الأساس إلى إضعاف إيران، ومن المرجح أن يعود الحديث عنها إلى الطاولة من جديد بعد تولي ترامب منصبه في يناير المقبل. وإنه سيحاول التقرب من دول الخليج لردع طهران مما يمهد لخطة سلام ربما تهدئ الحالة الراهنة في الشرق الأوسط. وذكر أن الخليج هو المنطقة الأكثر ديناميكية اقتصاديا وحيوية ثقافيا في العالم اليوم، مشيرا إلى التطرف والأيديولوجية الثورية لإيران كعقبة رئيسية أمام تنمية المنطقة.
وعلى الرغم من أن الرغبة في حل الدولتين قد تضاءلت بشكل ملحوظ، ولكن من الممكن أن يطور فريق ترامب بنود الصفقة المقترحة بما يناسب المستجدات. وقد أقر هوك بأن لا أحد في مزاج جيد لمناقشة حل الدولتين الآن وسط هذه الحرب المستمرة (CNN: 8 November 2024).
وفي مقابلة مع آلان كافروني، أستاذ الشؤون الدولية في كلية هاملتون في بريستول، وسؤاله عن النهج الذي سيتبعه ترامب في التعامل مع سياسة الشرق الأوسط، وهل يمكنه أن يحاول إحياء صفقة القرن، أجاب بأن خطة ترامب لإقامة دولة فلسطينية شبه كاملة رفضها كل من المستوطنين والفلسطينيين والقيادة الفلسطينية عام 2020. وفي هذه المرحلة، ستتطلب أي خطة من هذا القبيل تقديم تنازلات أكبر لإسرائيل، وبالتالي تظل الصفقة غير مقبولة، إضافة إلى أن حل الدولتين، ركيزتها الأساسية، لم يعد قابلا للتطبيق في الأمدين القريب والمتوسط (News.Az: 22 Nov 2024).
على أية حال، يحاول البعض الترويج لنفس الحلول التي اقترحها اليمين الإسرائيلي والإدارة الأميركية بقيادة ترامب قبل سنوات، معتقدين أن إجراء بعض التعديلات الطفيفة، والاستفادة من الانقسامات الفلسطينية والعربية وفشل القيادة الفلسطينية في التوصل إلى أي استراتيجية واضحة، من الممكن أن يجعل صفقة القرن مقبولة مع الظرف الحالي الذي اتسعت فيه أزمات الشرق الأوسط.
إن ترامب يقدم هذا الحل باعتباره اقتراحا أميركيا يغير من الطبيعة الجيوسياسية للمنطقة بما يصب في مصلحة إسرائيل والعرب على حد سواء ويحقق السلام من وجهة نظره. وحتى لو افترضنا أن الظروف في الولايات المتحدة وإسرائيل قد تكون مواتية لتنفيذها إذا توقفت الحرب، فمن غير المرجح أن تحظى الصفقة بموافقة شعبية عربية بشكل عام أو فلسطينية على وجه الخصوص، ومن المؤكد أنها لن تحظى بأي شرعية إذا استمرت إسرائيل في محاولة فرض كلمتها بالقوة المسلحة وتقييد الفلسطينيين بقواعد تنتهك سيادة الدولة الفلسطينية المقترحة، وقد يؤدي إصرار واشنطن على تنفيذ خطتها بالصورة التي كانت مقترحة في عام 2020 إلى صدام عربي أميركي غير مسبوق.