أعلنت السلطات الألمانية أنّها نفّذت عمليات دهم في أنحاء البلاد أوقفت خلالها 25 شخصاً من أفراد "مجموعة إرهابية" من اليمين المتطرف للاشتباه بتخطيطها للإطاحة بالقوة بالمؤسّسات الدستورية الفدرالية، وفي مقدّمها البرلمان.
ضمّت هذه الشبكة نبلاء وجنود نخبة سابقين وامرأة روسية ونائبة سابقة من اليمين المتطرّف. وهذه الخلية المفكّكة كانت "مدفوعة بأوهام الإطاحة العنيفة والأيديولوجيات التآمرية"، بحسب السلطات.
المدعي العام لمكافحة الإرهاب بيتر فرانك قال خلال مؤتمر صحافي في كارلسروه (غرب) "لقد كانت مزودة بمجلس يضم أشخاصا تم تعيينهم لتولي بعض الحقائب الوزارية... وذراع عسكرية مع جيش ألماني جديد". وفي وقت لاحق، صرّح فرانك لشبكة "إيه آي دي" بأن استعدادات المجموعة "وصلت إلى مرحلة متقدمة" رغم عدم تحديدها موعدا لتحركها. وأضاف "نحن على يقين من أنهم كانوا سيمضون إلى التنفيذ".
هذه الخلية تأسست "في نهاية عام 2021 على أبعد تقدير" وكانت "تهدف للقضاء على النظام القائم في ألمانيا" في مشروع لا يمكن تنفيذه إلا "من خلال استخدام الوسائل العسكرية والعنف ضد ممثلي الدولة". وقد اوقف شخص في النمسا وآخر في إيطاليا. ويشمل التحقيق ما مجموعه 52 شخصاً. وأعلن المدّعون العامّون في بيان أنّه يُشتبه خصوصاً في أنّ المشتبه بهم "قاموا باستعدادات ملموسة لاستخدام العنف لاقتحام البرلمان الألماني مع مجموعة صغيرة مسلحة".
- "قلق للغاية" -
شارك أكثر من ثلاثة آلاف عنصر بينهم وحدات النخبة لمكافحة الإرهاب في العمليات التي نُفذت في ساعة مبكرة صباحاً قاموا خلالها بتفتيش أكثر من 130 عقاراً، في ما وصفته وسائل إعلام ألمانية بأنها واحدة من أكبر عمليات الشرطة التي شهدتها البلاد. وقال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إنه "قلق للغاية" بشأن المؤامرة معتبرا انه تم الوصول إلى "مستوى جديد".
وزارة العدل أفادت عن قائدَين مفترضَين للمجموعة. وحدّدت الصحافة الألمانية الأول على أنه الأمير هاينريخ رويس، المتحدّر من سلالة ملوك ولاية تورينغن الإقليمية (شرق)، وهو رجل أعمال سبعيني نأى جزء من عائلته بنفسه عنه، وقد اعتُقل في فرانكفورت، ويملك قصراً تمّ اقتحامه قرب باد لوبنشتاين في وسط البلاد. أما الثاني، فقد أشارت الصحافة الألمانية إلى أنه مقدّم سابق في الجيش الألماني. وكان قائد كتيبة مظلّيات في التسعينات ومؤسّس وحدة القوات الخاصة (KSK)، واضطرّ إلى مغادرة الجيش في نهاية التسعينات بعدما خرق قانون الأسلحة.
المتحدث باسم وزارة الدفاع أرني كولاتس قال إن جنودًا آخرين متورطون في المؤامرة بينهم جندي عضو في وحدة القوات الخاصة. وذكر بيان النيابة امرأة روسية وصفتها الصحافة الألمانية بأنها رفيقة "الأمير رويس". وأشار المدّعون إلى أنها عملت كوسيطة في محاولة للاتصال بالسلطات الروسية للحصول على دعم محتمل. غير أنّ وكالتَي الأنباء الحكومية الروسية "ريا نوفستي" و"تاس" نقلتا عن السفارة الروسية في برلين نفيها أي علاقة مع مجموعات "إرهابية" أو "غير قانونية" في ألمانيا.
- قاضية في برلين -
كذلك، اعتُقلت امرأة أخرى أشارت الصحافة الألمانية إلى أنها بيرجيت مالساك وينكيمان، القاضية والنائبة السابقة عن حزب البديل الألماني اليميني المتطرف، والتي كانت عضواً في البرلمان بين العامين 2017 و2021. ودون تسميتها مباشرة، قال المدعي العام بيتر فرانك إنه "كان سيتم اسناد حقيبة العدالة الى نائبة سابقة في البوندستاغ" في حكومة المتآمرين. وبدأت إجراءات لإقالتها من منصبها كقاضية في برلين. بعد انقلابهم، كان المتآمرون يعتزمون وضع الأمير رويس على رأس حكومتهم. وقد عُقدت أربع اجتماعات على الأقل خلال الصيف لتوسيع الشبكة، وفقًا لمكتب المدعي العام وجهود التجنيد طالت بشكل خاص أفراد الشرطة والجيش، كما كان الفرع العسكري للخلية الاجرامية مسؤولاً عن شراء الأسلحة وتنظيم التدريبات.
- من هم مواطنو الرايخ؟-
السلطات الألمانية في السنوات الأخيرة صنفت عنف اليمين المتطرف باعتباره من التهديدات الأولى للنظام العام، قبل الخطر الجهادي. وفي الربيع، فكّكت السلطات مجموعة يمينية متطرّفة أخرى يُشتبه في أنها خططت لهجمات في البلاد ولخطف وزير الصحة على خلفية إجراءات مكافحة كوفيد. وتم خصوصا استهداف حركة ألمانية معروفة باسم "رايخسبرغر" (مواطنو الرايخ)، يشترك أعضاؤها في رفض نظام الدولة، ولا يعترفون بمؤسساتها ولا يطيعون الشرطة، كما أنهم لا يدفعون الضرائب. ومن بين حوالى ألفي ناشط مؤيّدين لهذه الأيديولوجيا في ألمانيا، كانت إحدى المجموعات تعتزم استخدام العمل العنيف. وأشارت النيابة إلى أنه في ما يتعلق بالمجموعة التي جرى تفكيكها، فإنّ اعضاءها يستندون أيضاً إلى نظريات "كيو آنون" (QAnon) التي تروجها جماعات يمينية متطرّفة تآمريه في الولايات المتحدة.
ووفق موقع دويشته فيلا الألماني، فقد تنامي مشهد ما يسمى بمواطني الرايخ خلال السنوات الماضية، أثار قلق السلطات الأمنية. وفي تقرير للمخابرات الداخلية نشر في حزيران هذا العام، تم تقدير عدد أفراد هذه الجماعة بنحو 21 ألف شخص! وأكثر ما يثير القلق هو استعداد مواطني الرايخ للعنف: "ولايزال حوالي 500 شخص منهم يحملون رخصة سلاح واحدة على الأقل"، حسب ما تحذر "هيئة حماية الدستور" (المخابرات الداخلية.
ويرفض مواطنو الرايخ جمهورية ألمانيا الاتحادية ولا يعترفون بأسسها وهياكلها الديمقراطية، وبعضهم يروج لإعادة بناء الإمبراطورية الألمانية أو يعتقدون بأن الحلفاء الذين أسقطوا ألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، لا يزالون يحكمون ألمانيا في الخفاء. وعادة ما يُطلَق على هؤلاء "مواطنو الرايخ"، ولكن في الحقيقة لا يوجد مواطنو الرايخ فعلا، حسب دراسة لمؤسسة أمادو أنطونيو نشرت عام 2018. وبناء على ذلك يمكن تقسيم "الوسط الكبير والمختلف جدا لأيديولوجيا الرايخ" إلى أربعة أوساط فرعية: السياديون والإداريون الذاتيون ومواطنو الرايخ واليمينيون المتطرفون. والمجموعات لديها استعداد للعنف بمستويات مختلفة جدا، لكن الجميع يشترك بالاعتقاد أن ألمانيا ليست دولة ذات سيادة.
وقد تم إحصاء حوالي 1150 شخصا من ضمن وسط أيديولوجيا الرايخ عام 2021، أي أكثر من 5 بالمائة ينتمون لمجموعة اليمنيين المتطرفين. ومع ذلك فإن الجزء المتبقي لديه أفكار يمينة متطرفة يؤمن بها، مثل نظريات المؤامرة المعادية للسامية أو لديهم تصور بأن ألمانيا يجب أن تتوسع إلى الحدود القديمة شرقا. ومنذ أعوام يحذر خبراء من وجود الشبكات اليمينية ضمن الأجهزة الأمنية والجيش. وبالنسبة لمدير مؤسسة أمادو أنطونيو أيضا، يصعب فهم ذلك وهو "مصدوم" من أنه مرة أخرى جندي من القوات الخاصة بين المشتبه بهم الذين يتم التحقيق معهم. ففي يوليو 2020 فككت وزيرة الدفاع السابقة أنغريبت كرامب كارنباور مجموعة كاملة من القوات الخاصة. حيثكان أفرادها يؤدون تحية هتلر الممنوعة وفي الحفلات كانت تعزف وتغنى أغاني الروك اليمينية. وعثرت الشرطة على أسلحة وطلقات ومتفجرات كانت مخزنة لدى أحد أفراد تلك المجموعة في القوات الخاصة.