بعد نجاح الولايات المتحدة في إقناع باقي دول مجموعة السبع بالموافقة على فرض سقف سعري على النفط الروسي، بهدف خفض عائدات موسكو النفطية، أصبح التحدي الأكبر أمام نجاح التطبيق الفعال للإجراء الجديد هو ضمان امتثال أكبر مستوردين للنفط الروسي- الصين والهند- بالسعر الجديد في معاملاتهما مع موسكو. في هذا الصدد، تسعى واشنطن إلى إبراز مصلحة بكين ونيودلهي في الالتزام بالسقف السعري، حيث سيمكنهما ذلك من شراء النفط الروسي بسعر أقل من السعر الحالي.
يأتي سقف الأسعار في إطار جهود القوى الغربية، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، الرامية إلى تضييق الخناق اقتصاديا وسياسيا على روسيا، ويمثل حلقة جديدة في سلسلة العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو منذ إطلاقها عمليتها العسكرية في أوكرانيا. وقد أضرت هذه العقوبات، إلى حد ما، بمكانة روسيا دوليا، بعد أن دفعت بعض الدول إلى إعادة النظر في مقدار المنفعة العائدة من علاقاتها معها.
موسكو، من جانبها، اتخذت عددا من الإجراءات لإبطاء نزيفها على الساحة الدولية، كان من أهمها عرض بيع منتجها النفطي بأسعار مخفضة لأكبر مستورديه، بكين ونيودلهي. وقد بينت صحيفة (Financial Review) الأسترالية في مقال نشرته في 8 سبتمبر 2022، فعالية هذه الاستراتيجية في تخفيف انعكاسات العقوبات الغربية على اقتصاد روسيا. فقد انتهزت الصين والهند فرصة شراء النفط بأسعار مخفضة، خاصة في وقت شهدت فيه أسعار الطاقة ارتفاعات قياسية، وزادتا وارداتهما من النفط الروسي.
تذكر الصحيفة أن تحليل للبيانات المتاحة من إحصاءات الجمارك الصينية والهندية يبين زيادة بمقدار 11 مليون طن في واردات الدولتان من النفط الروسي في الربع الثاني من عام 2022 مقارنة بالربع الأول، ما ترتب عليه ارتفاع في مدفوعات النفط الروسي من البلدين بمقدار 9 مليار دولار، فقد لوحظ أكبر نمو في حجم واردات النفط الروسي من الهند، حيث قفزت واردات النفط الروسي من حوالي 660 ألف طن في الربع الأول، إلى 8.42 مليون طن في الربع الثاني.
تتعدد أبعاد استمرار بكين ونيودلهي في شراء النفط من موسكو على الرغم من العقوبات الغربية، إذ لا تقتصر فقط على الانتفاع من التخفيضات، بل تشمل أبعاد سياسية وأمنية متداخلة. والنظر في هذه الأبعاد يساعدنا في استشراف ما إذا كانت الصين والهند ستلتزمان بسقف الأسعار الجديد، الذي يوفر لها فرصة شراء النفط الروسي بسعر أقل.
بكين، من جهتها، تستفيد من علاقاتها مع موسكو، وتفعلها استراتيجيا في تنافسها الأكبر مع واشنطن. والتزام الصين بإجراء مجموعة السبع، من شأنه أن يحقق للقطب الغربي أكثر من مجرد الحد من عائدات روسيا من النفط، فهو يخلق صدعا عميقا في القطب الشرقي من العالم، لذلك من المرجح ألا تقدم بكين على هذه الخطوة ، خاصة في وقت تتصاعد فيه التوترات في علاقاتها مع واشنطن على خلفية قضية تايوان.
نيودلهي، من جهة أخرى، تربطها علاقات تاريخية مع موسكو تنعكس في ترسانتها العسكرية، التي تمثل الأسلحة الروسية حوالي 80% منها. وقد دفعت الشراكات الاقتصادية والعسكرية مع روسيا الهند إلى اتخاذ موقف يميل إلى الحياد بخصوص الحرب في أوكرانيا، للحفاظ على مصالحها مع موسكو، وإن كان ذلك تسبب في بعض التوترات في علاقاتها مع واشنطن.
عليه، يرجح أن يمثل إقناع الهند والصين بالالتزام بسقف الأسعار تحد صعب أمام القوى الغربية، فالدولتان تربطهما مصالح متعددة مع روسيا، لذلك من غير المرجح أن يضحيا بها في سبيل الحصول على النفط بسعر أقل، خاصة وأن موسكو تبيع النفط لهما بأسعار مخفضة بالفعل، وقد تقوم بتخفيضها أكثر، شريطة عدم التزامهما بالإجراءات الجديدة المطلوبة من مجموعة السبع ، مانحة الأولوية لإحراج واشنطن على الساحة الدولية.