مراجعات

حول التقارب التركي ـ السوري

١٤ سبتمبر ٢٠٢٢

ناقش تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، (4 سبتمبر 2022) التصريحات التصالحية التركية نحو دمشق، التي تسببت في موجة احتجاجات واسعة النطاق في عشرات البلدات التي تسيطر عليها المعارضة السورية في محافظتي إدلب وحلب شمال غرب سوريا.

فمن وجهة نظر المعارضين، السلام بين تركيا وسوريا هو بمثابة خيانة، لكن الانفتاح التصالحي مع القيادة السورية مهم، فهو يأتي على وقع التحضير للانتخابات في تركيا، وبروز قضية اللاجئين السوريين على أنها أشد القضايا تجاذباً في الحياة السياسية والاقتصادية.

التقرير تحدث عن الدعم التركي خلال العشر سنوات الأخيرة والتي أعقبت الحركة الاحتجاجية في 2011، للعديد من منظمات المعارضة، سواء بالتمويل أو اللوجستيات والأسلحة، والتي جاءت لكبح تنامي الحضور الكردي وإدارتهم لمناطق واسعة في شمال سوريا، ولقطع إمكانية إنشاء كيان سياسي كردي على حدودها الجنوبية، شرعت في ثلاث عمليات عسكرية في 2016-2019، وهو ما أدى إلى سيطرتها على عدة مناطق في شمال سوريا.

يرى التقرير أن لهجة تركيا التصالحية الأخيرة والإشارات إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، قد تخدم الرئيس رجب طيب أردوغان بطريقتين رئيسيتين. أولاً انتخابياً، حيث يُنظر إليها على أنها خطوات مهمة لحل مشكلة اللاجئين، ومرحلة أولى في إعادتهم إلى بلادهم.  كما يُنظر للحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد على أنه ضروري في ظل التغييرات في السياسة الخارجية التركية، وتأتي كنوع من التنسيق مع روسيا.

على الرغم من هذه الأجواء التصالحية، إلا أن التقرير يرى أن احتمال انسحاب أنقرة من الأراضي السورية ضعيف في ظل حملات التتريك التي مورست لسنوات. وداخلياً يرى أنه في حال قيام أردوغان بعملية عسكرية محدودة في الشمال السوري، فإنها لن تؤدي إلا إلى زيادة طفيفة في شعبيته في الرأي العام التركي.

لفت التقرير إلى أن سوريا خلال العامين الماضيين سعت إلى إعادة بناء مكانتها الإقليمية والعودة إلى قلب العالم العربي، حيث قامت بتطبيع علاقاتها مع قوى عربية مهمة، لذلك قد يكون تطبيع العلاقات مع تركيا جزءًا من هذا الاتجاه. وليس أقل أهمية، قد يؤدي إلى وقف أو تقليل الدعم التركي للمعارضين، بالتالي السماح للأسد بتوجيه ضربة ساحقة للمعارضة المتبقية لنظامه. 

مع ذلك، هناك من يُنظر إلى المصالحة بين دمشق وأنقرة على أنها تخلي عن الأراضي السورية وإضفاء الشرعية على الوجود التركي هناك. لكن هذه النظرة تظل ضعيفة، لأن الأسد يرغب في استعادة السيادة على جميع الأراضي السورية، فقد أعلن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن سوريا لم تضع شروطاً مسبقة، لكن التطبيع مع تركيا لن يتحقق إلا عندما تفي أنقرة بثلاثة مطالب: الانسحاب من الأراضي السورية. وضع حد لدعم تنظيمات المعارضة. وعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي.

وحول استعادة الثقة بين البلدين لفت التقرير إلى وجوب أن يكون هناك اتفاق جديد بينهما، أو على الأقل توضيح بأن سوريا لا تزال ملتزمة باتفاقية أضنة التي تم توقيعها في عام 1998، التي تسمح لتركيا بدخول الأراضي السورية حتى خمس كيلومترات للعمل ضد حزب العمال الكردستاني. 

أما عن المعارضين السوريين في الشمال، قال التقرير أن تراجع أنقرة يعد ضربة كبيرة، فهم ينظرون إلى تركيا كحليف رئيسي ومصدر للدعم العسكري واللوجستي، لكن ليس لديهم الوسائل لإقناع تركيا بعدم تغيير سياستها، سوى عرض سيناريوهات الفوضى في حال التصعيد في إدلب ووصول مليون لاجئ آخر إلى الأراضي التركية.

وختم التقرير بالتأكيد على أن طريق التطبيع بين تركيا وسوريا ليس سلسًا، لكن أردوغان والأسد قد يستفيدان من الخطوات الأولية في هذا الاتجاه. يمكن لأردوغان أن يقدم تسوية محدودة، مع اتخاذ خطوات عسكرية قوية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وشمال سوريا، كإشارة للجمهور التركي بأنه يفعل ما هو ضروري للتعامل مع كل من الإرهاب الكردي ومشكلة اللاجئين. على الجانب السوري، يمكن للأسد أن يستفيد من التطبيع مع تركيا كجزء من جهوده لإعادة ترسيخ مكانة سوريا الإقليمية، وكوسيلة لإبعاد تركيا عن التنظيمات الجهادية وتحييد إدلب أهم جيب للمعارضة المسلحة في البلاد.

525