حول احتمالية وقوع حرب أوروبية أخرى بين اليونان وتركيا بعد تصاعد التوترات بشأن عسكرة جزر بحر إيجة الشرقية وقضايا أخرى عالقة بين البلدين، رأى موقع ذا كونفرسيشن (The Conversation) في تحليل نشره في (17 أكتوبر 2022)، أنه من الحكمة أن يقوم العضوان في الناتو بالتهدئة ووقف التصعيد وتحسين العلاقات على أساس الثقة والاحترام المتبادلين، وأن ذلك يعد أمراً جيداً من الناحية الاستراتيجية نظراً للتوسع العسكري الروسي في المنطقة.
وفي رصد خلفيات التصعيد بين البلدين، قال كاتب التحليل الخبير يسار بوكان من جامعة رايرسون في تورنتو، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هدد في خطاب ألقاه مؤخراً، بغزو الأراضي اليونانية ردًا على عمل عدائي ضد الطائرات التركية من قبل اليونان، وهذه ليست المرة الأولى التي يضايق فيها الجيش اليوناني الطائرات والسفن التركية، ولا هي المرة الأولى التي يدلي فيها أردوغان بتصريحات كهذه.
ويلفت الخبير الكندي إلى أن كل من رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، وأردوغان، يواجهان انتخابات عامة صعبة مقبلة، لذلك فإن حشد المشاعر الوطنية يمكن أن يساعدهم في تحقيق الفوز، ولكن بالمقابل هذه التوترات المتصاعدة تتجاوز الحسابات الانتخابية، فـ لدى تركيا واليونان قضايا تاريخية لم يتم حلها بالإضافة إلى مجموعة من نزاعات ما بعد الحرب العالمية الثانية لا تزال تتفاقم ، وتشمل وضع قبرص، والوصول إلى الموارد الهيدروكربونية في شرق البحر الأبيض المتوسط ، والحدود الجوية والبحرية لجزر بحر إيجه وعسكرة هذه الجزر.
وأشار بوكان إلى أن سوء قراءة السياسيين الأتراك للديناميكيات غير المستقرة في المنطقة كفرصة استراتيجية طويلة الأمد أدى إلى تدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن وحلفاء آخرين.
وفي تداعيات ذلك يقول بوكان أن هذا الخلاف، دفع واشنطن إلى البحث عن شركاء إقليميين آخرين، وهو ما حدث عندما تقاربت المصالح اليونانية والامريكية، فـ أثينا كانت بحاجة إلى الاستثمار الأجنبي لإنعاش اقتصادها، وكانت واشنطن بحاجة إلى مناطق مستقرة لوضع جيشها لمراقبة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وروسيا والبلقان، فقد تم توقيع اتفاقية تعاون دفاعي، يسمح للجيش الأمريكي بالعمل والتدريب في أربع قواعد عسكرية، بما في ذلك واحدة في ألكساندروبولي.
أما عن خيارات تركيا في ظل هذا الوضع يلفت الخبير الكندي إلى أن تركيا محاطة بروسيا من الجنوب والشمال، واليونان - وبالتالي الولايات المتحدة - من الغرب، ولم يتبق لها سوى مساحة صغيرة للمناورة، لذلك فإن طموحاتها في أن تصبح قوة إقليمية متوقفة في المستقبل المنظور، وفي ضوء هذا الواقع الجيوسياسي ، من الطبيعي أن تحتفظ تركيا بعلاقات وثيقة مع روسيا، و لتحقيق التوازن وتقليل اعتمادها على موسكو - وخاصة الغاز الطبيعي الروسي والقضايا المتعلقة بسوريا والبحر الأسود - تحتاج إلى استعادة وتحسين علاقاتها مع العالم العربي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليونان.
وفي غضون ذلك، أصبحت اليونان أكثر قوة، بوجود عسكري أمريكي، خاصة بعد القرار الأمريكي الأخير برفع حظر الأسلحة عن جمهورية قبرص، مما يرفع العبء عن اليونان بصفتها الضامن العسكري لقبرص، وبالتالي يعزز موقفها ضد تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط ، حيث يقوم الأتراك بالتنقيب عن النفط والغاز على الرغم من معارضة اليونان.
وتحدث بوكان عن التداعيات المحتملة لهذه التطورات، منبهاً من أن المياه الإقليمية اليونانية، أصبحت الآن هدفًا للقوى العالمية والإقليمية المعادية لأمريكا، وعلى صعيد أخر يؤكد بأن عسكرة جزر بحر إيجه وتقييد شرق البحر الأبيض المتوسط بمحاصرة تركيا، سيؤدي إلى تدهور العلاقات.
ومع اقتراب موعد الانتخابات في كلا البلدين، وتصاعد التوترات والخطاب القومي المفرط في كلا البلدين، مع تطويق تركيا وتزايد قوة اليونان، حث بوكان في ختام تحليله البلدين على تحكيم صوت العقل والحفاظ على الحوار الوثيق والتركيز على المصالح المشتركة وتنمية الثقة المتبادلة في منطقة غارقة بالفعل في سلسلة من الصراعات المستمرة.