حول قضية سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان

استشرافات

حول قضية سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان

27-May-2025

يتجدد الحديث حول ضرورة نزع سلاح المخيمات الفلسطينية، بعد أن اتفق الرئيس جوزيف عون ونظيره محمود عباس على أن يبدأ ذلك منتصف يونيو المقبل. إن ذلك يعد أكثر الملفات الشائكة التي تواجه بيروت، ليس فقط باعتباره مسألة أمنية، بل كمأزق معقد يمس السيادة الوطنية، ويعكس التشابك بين حق العودة وتراكمات اللجوء، بعد أن تحولت المخيمات إلى جيوب للفصائل المسلحة، وسط غياب رقابة الدولة.

مشكلة تراكمت عبر السنين

بدأت المشكلة في عام 1969 حين توسطت مصر لدى لبنان لمنح الفصائل الفلسطينية حرية التحرك العسكري في جنوبه، فيما عرف باتفاق القاهرة. واستمرت الحال حتى عام 1987، وبموجب اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية ألغى البرلمان الاتفاق، وأوصى بنزع الأسلحة.

وبالرغم من إصدار قراري مجلس الأمن الدولي رقم 1559 لعام 2004، و1701 لعام 2006، اللذان نصا على نزع سلاح الفصائل، لكن غابت آليات التنفيذ، وتزودت الفصائل بالأسلحة من إيران وحزب الله.

مخيمات خارج سيطرة الدولة

يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بنحو 483,375 شخصا، وبحسب بيانات وكالة أونروا، يعيش نحو 280,000 منهم في 12 مخيما، بينما يقيم الباقون في تجمعات عشوائية (UNRWA: 1 January 2025)

ويذكر زياد ياغي الباحث في مؤسسة سينشري فاونديشن، أن معظم الفلسطينيين في لبنان عديمو الجنسية، بالرغم من تجنيس العديد منهم، فقد قامت سوريا في عام 1994 أثناء احتلالها للبنان، بتجنيس عشرات الآلاف منهم للتأثير على الانتخابات لصالح الموالين لدمشق. (The Century Foundation: 18 June 2018)

وحسب موقع حزب الكتائب اللبنانية يتصدر المشهد في المخيمات فصائل مثل فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. أما خارج المخيمات، فتنشط فصائل كانت مدعومة من النظام السوري السابق، أبرزها القيادة العامة والصاعقة. (موقع الكتائب: 23 مايو 2025) إن هذه الفصائل تتسبب على نحو دائم في توترات أمنية، خاصة في مخيم عين الحلوة، الذي شهد خلال عام 2024 اشتباكات بين فصائله بسبب خلافات حول النفوذ.

احتكار الدولة للسلاح غير قابل للتفاوض

فور توليه مهامه في يناير الماضي، أعلن الرئيس عون أن احتكار الدولة للسلاح غير قابل للتفاوض. وبينما تحدث رئيس الوزراء نواف سلام عن التوازن، يتخذ رئيس الدولة موقفا متشددا، يؤكد خلاله على أن نزع السلاح يجب أن يسبق أي نقاشات حقوقية. وكان خلال قيادته للجيش اللبناني ينخرط في مبادرات مشتركة مع اليونيفيل والفصائل الفلسطينية، بهدف ضبط الأمن الداخلي للمخيمات، لكن المبادرات كانت ممولة جزئيا من واشنطن، وتم تعليقها مع وصول ترامب للسلطة (مونت كارلو الدولية: 20 إبريل 2025)

وهناك سابقة لافتة للجيش اللبناني في ديسمبر 2024، ربما كانت سببا لهذه الثقة التي يتحدث بها عون، حيث تمكن من دخول مواقع "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" المدعومة من النظام السوري السابق في شرق البلاد، ومصادرة مخازن أسلحتها.

موازنة لبنانية وحوافز أميركية

لقد اتسمت الفترة المبكرة لرئيس الوزراء نواف سلام باهتمام خاص بالمخيمات، حيث أعاد إحياء لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بقيادة الدكتور باسل الحسن، وروج لرؤية سحب السلاح تدريجيا، واندماج الفلسطينيين في الحياة المدنية. لكنه فجأة استبدله برامز دمشقية المرتبط بعلاقات وثيقة بواشنطن. وأثارت هذه الخطوة ردود فعل غاضبة بين الفصائل، مما يُشير إلى نهج لبناني أحادي الجانب. وذلك بعد أن عقدت واشنطن اجتماعات مع ممثلين لبنانيين لبحث إمكانية توطين اللاجئين، وهو أمر من الممكن أن يغير التوازن الطائفي الدقيق في البلاد، وقد يحرم اللاجئين من حق العودة. وبالرغم من ذلك صرحت مصادر لبنانية لصحيفة ذا كرادل، أنه لا توجد استراتيجية أميركية حتى الآن تجاه المخيمات. ولذلك تشجع واشنطن اختبار نزع سلاح مخيمات مختارة لتقييم رد الفعل. (The Cradle: 21 April 2025)

ويبدو أن الرغبة الأميركية في توطينهم تتواءم مع نواياها لتهجير الفلسطينيين خارج غزة، حيث تواترت أنباء عن تقديم حوافز اقتصادية تصل إلى خمسة مليارات دولار لتمويل وحدات سكنية وتدريب مهني للفلسطينيين مقابل نزع سلاحهم وتوطينهم. ما يؤكد ذلك إطلاق سلام مؤخرا حملة إعلامية تُسلط الضوء على فوائد الاندماج. وبينما تدفع الجهات الفاعلة الأجنبية والمحلية برؤى متداخلة، كإعادة التوطين مقابل المساعدات، ونزع السلاح مقابل الاستقرار، تخاطر الدولة بتحويل المخيمات إلى ساحات مواجهة.

تدابير استباقية

درست لبنان منذ سنوات سلسلة من التدابير لإعادة تشكيل الهوية الفلسطينية، ربما كانت تنفيذا للرغبة الأميركية في الإبقاء على اللاجئين داخلها، مثل نيتها إصدار بطاقات هوية مغناطيسية بيومترية، من شأنها أن تمنح الفلسطينيين حق العمل دون تصريح مسبق، الأمر الذي يجرد اللاجئين فعليا من وضعهم السياسي. (صيدا أونلاين: 21 أكتوبر 2022)

وبالطبع تخشى الفصائل الفلسطينية من أن تغفل هذه البطاقات ذكر الجنسية الأصلية لحامليها. ولذلك تقدم عضو حركة فتح عزام الأحمد للحكومة اللبنانية في مارس 2025 بمشروع قانون يوحد حقوق اللاجئ في إطار رافض للتوطين، ولم يتم البت فيه. وبالنظر إلى الرغبة الملحة لدى لبنان في إنهاء هذا الملف، فقد نرى خلال الفترة المقبلة أنشطة أمنية لجس النبض، كزيادة نقاط التفتيش حول المخيمات، والإعلان عن تفتيش بعض المنازل بحثا عن أسلحة.

سيناريوهات مستقبلية

لقد دفع الشعب اللبناني ثمنا كبيرا من جراء استخدام أسلحة الفصائل، وأيا كانت الفاتورة التي ستدفعها البلاد، فإنها أقل كلفة من استمرار هذا الوضع الشاذ. وبطبيعة الحال، يتمثل الاحتمال الأضعف في قبول الفصائل الفلسطينية تسليم سلاحها طواعية لإرضاء الدولة اللبنانية. على الأرجح لن يحدث ذلك لأن التسليح يرتبط باستمرار القضية الفلسطينية.

1.     وهكذا فإن السيناريو الأول الذي يمكننا مناقشته، أن يأمر الرئيس محمود عباس الفصائل بتسليم أسلحتها. ولكن بعيدا عن المخاطر التي تكمن خلف هذا الطرح، وسط انتشار جماعات متشددة خارج سيطرة السلطة الفلسطينية، مثل حماس والجهاد وعصبة الأنصار، هل ستقبل حركة فتح الموالية لرام الله تنفيذ أوامره، وترك الساحة لجماعات أخرى ربما ترفض.

2.     كذلك يمكن طرح سيناريو آخر تكرر كثيرا عبر سنوات القضية نفسها، يتمثل في التسويف والمفاوضات طويلة الأجل التي تعيق أي تقدم. وبالتالي بقاء أي قرارات نظرية غير قابلة للتطبيق. وبطبيعة الحال هناك عقبات كبيرة تتعلق بالجهات التي يمكن أن تخاطبها الدولة، فمثلا نجد أن مخيم عين الحلوة الذي يضم خليطا معقدا من التنظيمات، تتقاتل داخله دائما فتح وحماس من أجل النفوذ. وبالتالي لا توجد جهة شرعية قادرة على التحدث باسمه.

3.     أما السيناريو الأصعب، فيتمثل في عدم قبول الفصائل الفلسطينية المسيطرة على المخيمات تسليم السلاح بشكل طوعي، ودفع الأمور تجاه معارك دامية، ما يضع أمامنا سؤال أهم، هل لدى الجيش اللبناني القدرة على خوض مثل هذه المواجهة؟

وبالرغم من المخاطر التي تحيط بكافة السيناريوهات المحتملة، فإن التنفيذ المقبول لنزع السلاح، من الممكن أن يقوم على مفاوضات مباشرة بين لبنان والسلطة الفلسطينية وقيادات الفصائل المسلحة جميعا، للوصول إلى صيغة توافقية آمنة ترضي جميع الأطراف وتخرج السلاح تدريجيا من هذه المعادلة عالية المخاطر دون تصعيد أو إدخال لبنان في دوامة الحرب الأهلية، وهو أمر صعب للغاية.

116