تحديات حماية المضايق والممرات المائية في أوقات الحروب

تقديرات

تحديات حماية المضايق والممرات المائية في أوقات الحروب

15-Jul-2025

تُمثّل الممرات المائية نقاط ارتكاز إستراتيجية في منظومة التجارة الدولية، فهي ليست مجرد ممرات ضيقة تفصل بين يابستين، بل مفاصل حيوية تربط بين المحيطات والبحار، وتوفّر مسارات مباشرة لعبور السفن بين الأسواق الكبرى حول العالم. وتزداد أهمية هذه الممرات حين يتعلق الأمر بتدفقات الطاقة وحركة النقل البحري، إذ تمر عبرها النسبة الأكبر من صادرات النفط والغاز والسلع التجارية. عليه، تُشكّل حماية هذه الممرات في أوقات الحرب تحدياً معقداً يتطلب مقاربة شاملة تُوازن بين المصالح الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية.

مؤخراً عاد الحديث عن تأثر مضيقي هرمز وباب المندب ، وهما من أهم الممرات البحرية لنقل النفط والغاز والتجارة العالمية، وذلك على خلفية تصاعد التوترات في الشرق الأوسط عقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، وتصاعد التهديدات وتعاظم القلق من تعطّل حركة الشحن الدولية وتفاقم أزمة الطاقة.

الأهمية الإستراتيجية للمضايق

تكمن الأهمية الإستراتيجية للمضايق في قدرتها على التأثير بشكل كبير على خرائط التوزيع والانتشار الدولي، وهو ما تجلّى بوضوح في أزمتي السويس عام 1956، والأزمة الكوبية عام 1962. لذا، تُولي الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، اهتماماً بالغاً لتأمين هذه الممرات، مستندة إلى نظريات السيطرة البحرية والسيادة الجوية.

لقد تعاظمت أهمية المضايق الدولية بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل في وسائط النقل البحري ووسائل استكشاف واستغلال البحار، وما رافقه من تقدُّم في الأنشطة العسكرية والتجارية والمدنية المختلفة. انعكس هذا التطور على النظام القانوني الملاحي للمضايق الدولية، كما يتضح من القواعد التي أرستها الممارسات العرفية والاتفاقيات الدولية.

تُعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 أبرز الأطر القانونية التي تنص على حق جميع الدول في "العبور البريء" من المضايق الدولية دون عرقلة أو تهديد من الدول الساحلية، طالما أن هذا المرور لا يُمثّل تهديداً أمنياً، كما أنّها تمنع أي دولة من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد السفن التجارية التي تمر عبر هذه المضايق.

قبل ذلك هناك اتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888، والتي تؤكد حرية الملاحة في قناة السويس، سواء في وقت السلم أو الحرب، لجميع السفن التجارية دون تمييز. كما أن منظمة الملاحة البحرية الدولية تضع قواعد وإرشادات لحماية السفن من الهجمات والقرصنة أثناء مرورها في الممرات المائية الحيوية، ما يعزّز من الإطار الدولي الضامن لسلامة هذه الممرات.

هذه الاتفاقيات أضفت الصفة الدولية على العديد من المضايق التي لم تكن تخضع لهذه الصفة من قبل، ووسّعت نطاق مفهوم المرور عبر المضايق الدولية من حق المرور البري إلى حق المرور العابر، الذي يُعد أقرب إلى نظام المرور الحر في أعالي البحار.

تحديات الحماية وقت الحروب

تُعد حماية الممرات والمضايق البحرية في وقت الحرب تحدياً معقداً يتطلب مقاربة شاملة تُوازن بين المصالح الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية. في ظل الصراع الإسرائيلي الإيراني، يتصاعد التوتر حول هذه الممرات، مما يُهدد استقرار المنطقة وأمن الطاقة العالمي. تتراوح آليات الحماية بين الوجود العسكري المكثف، وتشكيل التحالفات الدولية، والتهديد بالردع، وصولاً إلى البحث عن بدائل لضمان استمرارية تدفُّق النفط والتجارة.

الإستراتيجية الأمريكية لحماية الملاحة

عقب تصاعد التهديدات أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها مبادرات لحماية الملاحة، أبرزها "عملية الحارس" التي انطلقت في 2019 لحماية السفن من الاعتداءات الإيرانية. ومع تصاعد التوترات الحالية، قد يتم تعزيز الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني في المنطقتين، لمنع وقوع أي شلل بحري شامل.

وتُركّز الإستراتيجية الأمريكية لحماية الملاحة في الممرات البحرية على مبدأ "التأمين النيو–كلاسيكي" الذي يعتمد على السيطرة والتحكُّم في رؤوس الجسور (Beachheads)، أي القواعد الأرضية التي تُشكّل منطلقاً للعمليات. وقد كرّست الولايات المتحدة قدراً كبيراً من سياساتها للتوسّع الرأسي والأفقي في القواعد البحرية والجوية بالمنطقة وبالقرب من المضايق، مثل قاعدة كامب ليمونيير في جيبوتي المطلة على باب المندب، وقاعدة الظفرة الجوية المطلة على مضيق هرمز.

التأثير على أسواق الطاقة العالمية

يبقى السؤال الأساسي وسط القتال الدائر بين إيران وإسرائيل -بمساعدة الولايات المتحدة الآن- هو ما إذا كان الصراع سيؤدي إلى تعطيل الصادرات المتجهة من الخليج العربي عبر مضيق هرمز. نحو 35% من النفط الخام المنقول بحرياً على مستوى العالم، و20% من الغاز الطبيعي المسال، يمران عبر هذا المعبر الحيوي، الذي يُعد مهماً للاعبين الرئيسيين في السوق.

تُشير أبحاث شركة التحليلات "فورتيكسا" حسب (بي بي سي) إلى أن المملكة العربية السعودية تُصدّر حوالي 6 ملايين برميل من النفط الخام يومياً عبر مضيق هرمز، وهو أعلى رقم بين كل الدول المجاورة. بينما تُعد كل من الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية من بين أكبر مستوردي النفط الخام الذي يمر عبر المضيق.

تُقدِّر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنه في عام 2022، كان نحو 82% من النفط الخام والمكثفات قد غادر المضيق متجهاً إلى الدول الآسيوية. وفي 16 أبريل 2025، أي قبل ثلاثة أيام فقط من الضربات الصاروخية الإسرائيلية على الدفاعات الجوية الإيرانية، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" عن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، قوله إن 60% من إمدادات بلاده من النفط تمر عبر مضيق هرمز.

الخلاصة

لقد ازدادت أهمية المضايق والممرات البحرية اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ بسبب التهديدات المتصاعدة للملاحة عبرها، في ظل حالة الاحتقان والتأزُّم في العلاقات بين دول الإقليم من جهة، وبين بعض القوى الإقليمية والقوى العظمى من جهة ثانية.

وتتعاظم تلك الأهمية بالنظر إلى الثروات الهائلة من البترول والغاز الطبيعي التي تزخر بها المنطقة العربية، ولأهمية إمدادات الطاقة للاقتصاد العالمي، ولعلّ ذلك ما يُفسّر اهتمام القوى العظمى والقوى الإقليمية على حدٍّ سواء بأمن الممرات البحرية، وسعيها لإطلاق مبادرات وإنشاء تحالفات لتأمينها.

وتكمن الخطورة في اعتبار الممرات المائية أداة ضغط جيوسياسي، من خلال استخدامها من قبل بعض الأطراف كوسيلة لتعطيل الإمدادات الحيوية، مثل النفط والغاز، أو ذريعة لفرض إجراءات عسكرية أو حصار بحري على بعض الدول.

علاوة على ذلك تؤدي الأخطار الأمنية الناتجة عن التوترات في المضايق إلى ارتفاع تكاليف الشحن البحري والتأمين، وهو ما ينعكس على أسعار السلع والخدمات. كما أن تهديد هذه الممرات يؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار الطاقة عالمياً، بل ويمتد تأثيرها إلى الأمن الغذائي، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل كبير على واردات السلع الأساسية عبر البحر.

تُشكّل حماية المضايق المائية تحدياً جيوسياسياً واقتصادياً معقداً يتطلب توازناً دقيقاً بين المصالح الوطنية والدولية. ومع تزايد التوترات في المنطقة، تبدو آليات الحماية العسكرية والدبلوماسية ضرورية لضمان استمرار تدفُّق الطاقة والتجارة العالمية. السؤال الأهم هو: كيف يمكن للمجتمع الدولي تحقيق هذا التوازن دون الانجرار إلى صراع أوسع نطاقاً يهدد أمن الطاقة والازدهار الاقتصادي العالمي؟ 

623