تثير فضيحة عمليات التنصت على الاتصالات الهاتفية بطريقة غير مشروعة التي تهز اليونان منذ الصيف، قلق السياسيين والخبراء القلقين من تجاوزات حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس، ويرون فيها "ازمة مؤسسات" و"إضعافا لسيادة القانون".
ووجه التنصت من قبل جهاز الاستخبارات على نيكوس أندرولاكيس النائب الأوروبي وزعيم الحزب الاشتراكي "كينال باسوك" ثالث أكبر حزب في اليونان، ومحاولة زرع برنامج التجسس "بريديتر" في هاتفه المحمول، ضربة كبيرة لرئيس الوزراء المحافظ. ففي 26 يوليو، وجد أندرولاكيس، رئيس حزب باسوك الاشتراكي، أن هاتفه كان يخضع للمراقبة من قبل جهاز المخابرات اليوناني، إي واي بي.
وبعد أن تقدم ثاناسيس كوكاكيس، الصحفي المالي المتخصص في قضايا الفساد والفضائح المصرفية، والذي تم التنصت عليه أيضًا، بشكوى، قرر أندرولاكيس رفع دعوى قضائية. قبل ذلك كشفت مجموعات صحفية استقصائية مستقلة منذ أبريل هذا العام عن وجود شبكة تجسس عامة وخاصة ضد الصحفيين والسياسيين.
القضية التي كشفت قبل تسعة أشهر من الانتخابات التشريعية المقبلة دفعت رئيس الاستخبارات والمستشار المقرب من رئيس الوزراء - وهو ابن أخيه أيضا - إلى الرحيل. كما زادت من تسمم المناخ السياسي.
صوفي إنت فيلد التي أحيلت إليها القضية في لجنة التحقيق في البرامج الضارة في البرلمان الأوروبي، قالت إن فضيحة الدولة هذه "ليست واحدة من أسوأ انتهاكات الخصوصية فحسب، بل تؤثر على الديموقراطية وسيادة القانون". ووصفت وسائل الإعلام الفضيحة ب “ووترغيت اليونانية".
النائبة الهولندية حذرت في مقابلة مع فرانس برس من أن "اليونان ليست في المرحلة نفسها التي تشهدها المجر"، لكن "يجب ألا تسلك الطريق الخاطئ". وأضافت "يجب أن نكبح هذا الاتجاه". وقد واجهت المجر وكذلك بولندا انتقادات بسبب تدهور حكم القانون والتعددية وشهدتا حالات مماثلة لاختراق هواتف ببرامج تجسس.
لينا بابادوبولو أستاذة القانون الدستوري في جامعة تيسالونيكي رات أن التنصت على زعيم للمعارضة هو "وسيلة لتزوير اللعبة السياسية" ولتوجيه ضربة إلى "الديموقراطية والحقوق". وهي تعتقد أيضًا أن ذلك "يمكن أن يؤثر سلبًا على تصويت المواطنين".
جاءت هذه المعلومات التي تم كشفها في أجواء مشحونة أساسا. فقد طالت المراقبة صحافيين يعملان على قضيتين حساستين في اليونان هما الفساد والهجرة. في الوقت نفسه تواجه السلطة التنفيذية اليونانية انتقادات بسبب عمليات الإعادة القسرية غير القانونية والعنيفة للمهاجرين على الحدود مع تركيا، لكنها تنفي هذه الاتهامات. وكل ذلك يحدث على خلفية تراجع حرية الصحافة.
أثينا تصر على أن "سيادة القانون والمؤسسات الديموقراطية" محترمة. وأكد كيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس الوزراء أن "الدولة اليونانية لم تشتر أو تستخدم برامج ضارة"، لكنه اعترف في الوقت نفسه بأن جهاز الاستخبارات ارتكب "خطأ".
كان ميتسوتاكيس قال في خطاب للأمة في الثامن من أغسطس الماضي إنه لم يكن يعلم بشأن تنصت جهاز المخابرات بالبلاد على زعيم الحزب قال: "ما حدث ربما كان قانونياً لكنه كان خطأ. لم أكن أعلم بهذا الأمر ومن البديهي أنني لم أكن لأسمح به أبداً".. أشار إلى أن جهاز المخابرات الوطني قلل من أهمية البعد السياسي لعمليات التنصت على الهاتف، ومضى قائلا "كان الأمر مناسباً من الناحية الرسمية لكنه غير مقبول سياسياً".
ونظرا لحجم الفضيحة، تم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية خاصة. لكن البعض يدينون تعثر التحقيق الذي لم يسمح بتقديم إجابات حقيقية. وأمام هذه اللجنة، دان نيكوس أندرولاكيس نواب "الديموقراطية الجديدة" حزب رئيس الوزراء ميتسوتاكيس. وقال أندرولاكيس "بدلاً من اغتنام الفرصة وحماية ديموقراطيتنا سمحت للمسؤولين عن هذه القضية المضرة بأن يفلتوا سالمين وبلا رادع".
اتهم أندرولاكيس اللجنة أيضا بعدم استدعاء مسؤولي شركة "إينتيليكسا" التي تروج بحسب وسائل الإعلام، لبرامج ضارة في اليونان، ورأى أن الغالبية المحافظة تحاول التستر على "الفضيحة". وتابع النائب اليوناني أن "الديموقراطية والتسامح ينحسران" في أوروبا، منددا ب “بعض القادة الذين يريدون فعل كل شيء للاحتفاظ بالسلطة".
في ظل هذه الأجواء تواصل المعارضة تواصل في المطالبة باستقالة ميتسوتاكيس لأنها تعتبره "مسؤولاً سياسياً عن الفضيحة". فيما رأى عشرات الأكاديميين والصحافيين والمواطنين العاديين في عريضة بعنوان "صفر ديموقراطية" أن عمليات التنصت غير القانونية هذه تمثل "ذروة إضعاف سيادة القانون في اليونان".
كان رئيس الوزراء اليوناني قد تحدث ، إلى مجلس الوزراء قبل بضعة أسابيع ، عن العداء تجاه حكومته من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي أردوغان - كل ذلك بسبب دعمه للقضية الأوكرانية.
ووفقا له ، يحاول البلدان خلق حالة من عدم الاستقرار من أجل فرض تغيير الحكومة في أثينا. عادةً ما تخدم هذه التحذيرات ، وهي تراجع عن الخطوط القومية للأمن والدفاع ، القوى المحافظة التي تحتاج إلى استقطاب جماهيرها.
لكن هذه المرة فإن الأمور مختلفة تماما، فقد أدت فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية التي هزت المشهد السياسي إلى توحيد الرأي العام اليوناني عبر الخطوط الحزبية في الاشتباه في احترام رئيس الوزراء للحكم الديمقراطي وحرية الخصوصية الفردية.