التحرّك العربي لمواجهة اقتراح ترامب حول غزة: أهمية وحدة الخطاب والمواقف

تقديرات

التحرّك العربي لمواجهة اقتراح ترامب حول غزة: أهمية وحدة الخطاب والمواقف

13-Feb-2025

في تحرّك موحّد ، تتكتّل الدول العربية لتنسيق خطواتها ومواقفها في مواجهة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل الفلسطينيين من قطاع غزة الى الأردن ومصر. وكثّفت دول عربية نافذة بينها مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، جهودها الدبلوماسية خلال الأيام الماضية للتأكيد على رفض طرح ترامب ورفض اقتلاع الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية.

الباحثة آنا جاكوبس من معهد دول الخليج العربية في واشنطن قالت لوكالة فرانس برس "لا يمكن للدول العربية أن تقبل بأن ينظر اليها على أنها تقف الى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل وتدعم سياسة تطهير عرقي للفلسطينيين من غزة". واضافت "القضية الفلسطينية حساسة جدا ومهمة جدا للجمهور العربي".

ترامب يتمسّك باقتراحه في كل مناسبة، ويقضي بأن تكون ملكية قطاع غزة للولايات المتحدة، على أن ينتقل سكانه الى الأردن ومصر من دون ان يكون لهم الحقّ بالعودة بعد إعادة إعماره. ويريد ترامب "تنظيف" القطاع المدمر وتحويله الى "ريفييرا الشرق الأوسط". واقترنت تصريحاته بنوع من التهديد بقطع المساعدات عن القاهرة وعمّان في حال رفضتا استقبال الفلسطينيين، ولكن الاقتراح الصادم واجه ردود فعل إقليمية ودولية رافضة واسعة النطاق.

مدير البرنامج الأميركي في مجموعة الأزمات الدولية مايكل حنا قال "لا تستطيع مصر أن تفعل ذلك بمفردها، وهي تحتاج بالفعل إلى دعم العرب، وخصوصا دول الخليج، لتبنّي موقف عربي موحّد بشأن مسألة التهجير". وأضاف "تفتقر مصر إلى النفوذ الاقتصادي، لكن دعم الخليج يعزز من قدرتها على اتخاذ القرار على الساحة الدولية وأمام ترامب".

في عمان، يقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني لبيب قمحاوي "الأردن بلد صغير وضعيف ولا يستطيع أن يقف في هذه العاصفة لوحده، ولا الملك (الأردني عبدالله الثاني) يستطيع ذلك، لهذا كان كلامه واضحا في واشنطن، فقد استعان بالعروبة".

لقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الأربعاء وحدة الموقفين المصري والأردني الرافض لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مشددين على ضرورة إعمار القطاع وإدخال المساعدات اليه، وفق ما جاء في بيانين صدرا عن الديوان الملكي والرئاسة المصرية، كان السيسي وصف اقتراح ترحيل الفلسطينيين بأنه "ظلم لا يمكن أن نشارك فيه".

من جانبه شدّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعد لقائه نظيره الأميركي ماركو روبيو في واشنطن، على رفض أي تسوية يمكن أن تنتهك حقوق الفلسطينيين في البقاء في غزة. ويقول دبلوماسيون مصريون سابقون لفرانس برس إن مصر كانت توجه رسالة واضحة، مفادها أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم "ستعتبر عملا حربيا".

مصر أعلنت مصر استضافة قمة عربية طارئة في نهاية فبراير "لتناول التطورات الخطيرة للقضية الفلسطينية". وقالت أيضا في وقت لاحق إنها "ستقدّم رؤية شاملة" لإعادة إعمار غزة تضمن بقاء الفلسطينيين في أرضهم، وحصلت القاهرة "من حيث المبدأ" على موافقة لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي بعد القمة المرتقبة.

لقد كان الأردن حازما بالقدر نفسه في رفض خطة ترامب، فبعد محادثاته مع الرئيس الأميركي في واشنطن الثلاثاء، كرّر ملك الأردن عبد الله الثاني "موقف بلاده الثابت ضد تهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية"، وتمسّكه ب “مصلحة الأردن".

وكتب على حسابه على موقع "إكس"، "هذا هو الموقف العربي الموحد. إن إعادة بناء غزة بدون تهجير الفلسطينيين ومعالجة الوضع الإنساني المزري يجب أن تكون الأولوية للجميع".

كما اتخذت السعودية التي كانت منخرطة قبل اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، في محادثات بوساطة أميركية بشأن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، خطا متشددا. وأكدت وزارة الخارجية السعودية التزام الرياض بالدولة الفلسطينية، وندّدت بأي جهد "لتهجير الفلسطينيين من أرضهم". وأوضح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن أي اتفاق تطبيع مع إسرائيل يظل رهنا بقيام دولة فلسطينية.

كما أكدّت الإمارات، "رفضها القاطع المساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره". كما أكدت رفضها القاطع للمساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره، ودعت إلى ضرورة وقف الأنشطة الاستيطانية التي تهدد الاستقرار الإقليمي وتقوض فرص السلام والتعايش. وحثت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن على الاضطلاع بمسؤوليتهم ووضع حد للممارسات غير الشرعية التي تتنافى مع القانون الدولي.

وشددت على أهمية تجنّب كل ما يمكن أن يؤدي إلى اتساع رقعة الصراع في المنطقة، وأوضحت أنّ الأولوية الآن بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة يجب أن تنصب على إنهاء التطرف والتوتر والعنف وحماية أرواح المدنيين كافة وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وآمن ومستدام إلى القطاع.

وزير خارجية البحرين عبد اللطيف الزياني، اكد أهمية استمرار المشاورات السياسية بين الدول العربية بشأن التطورات الأخيرة في المنطقة، بهدف وقف التصعيد والحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين دون عوائق، ودفع الجهود لاستكمال إطلاق سراح الرهائن والمعتقلين، مشدداً على أن الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية ثابت وموحد.

إعادة الإعمار في قطاع غزة من دون تهجير أهله،  هذا هو الموقف العربي الذي يفترض أن يرفق بمشروع تنفيذي لمواجهة خطة التطوير العقاري التي اقترحها ترامب، وأشارت القاهرة إلى قمة خماسية تعقد قريباً، وتضم مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن، لدرس خطة لإعادة الإعمار في غزة خلال ثلاث إلى خمس سنوات، وتتضمن مرحلتين لإزالة الركام وبناء تجمعات سكنية. ويبدو أن الدول الخليجية الثلاث قدمت تعهدات بتمويل هذه الخطة التي يمكن أن تتلقى مساهمات عربية ودولية أخرى، كما يتوقع أن تتبناها القمة العربية الطارئة لاحقاً في السابع والعشرين من الشهر الحالي.

يمثّل هذا الموقف الموحد لحظة غير عادية في منطقة منقسمة غالبا بسبب المصالح الجيوسياسية المتنافسة. ودان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع الخطة، ووصفها بأنها "جريمة كبيرة جدا لا يمكن أن تحدث وأعتقد أنها لن تنجح".

ورفض الرئيس اللبناني جوزيف عون الذي انتُخب مؤخرا بدعم من الولايات المتحدة، "الطروحات التي تؤدي إلى حصول أي نوع من أنواع تهجير الفلسطينيين من أرضهم أو المساس بحقوقهم المشروعة".

يقول الباحث السياسي المصري أحمد ماهر إن "رسالة العالم العربي كانت واضحة: لا وجود لشيء اسمه التهجير القسري". واضاف "الحلّ هو نموذج الدولتين. أي نقاش يتجاوز هاتين النقطتين غير وارد".

أخيرا يقول جيريمي بوين محرر الشؤون الدولية بشبكة بي بي سي، إن خطة دونالد ترامب التي تقضي بـ"سيطرة الولايات المتحدة على" غزة وحيازتها، مع إعادة توطين سكانها خارج البلاد، عملية لن تتحقق، فهي تتطلب تعاون الدول العربية التي رفضتها.

يواصل: لإنشاء "ريفييرا الشرق الأوسط" كما يقترح ترامب بالاستحواذ على غزة، يُفترض أن تستخدم الولايات المتحدة القوة لإخراجهم منها، لكن بعد التدخل الكارثي الذي شنته أمريكا في العراق عام 2003، لن تحظى خطة ترامب بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة.

ولا شك في أن خطة ترامب ستكون نهاية لأي بصيص من أمل متبقٍ فيما يتعلق بحل الدولتين. وهذا الطموح كان يتمثل في إمكان إنهاء صراع استمر أكثر من قرن من الزمان، بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.

 

 

405