آفاق معاهدة الشراكة الإيرانية-الروسية

تقديرات

آفاق معاهدة الشراكة الإيرانية-الروسية

11-Apr-2025

تصاعد الجدل مرة أخرى حول معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا، والتي وقعها الرئيسان الإيراني مسعود بزشكيان والروسي فلاديمير بوتين خلال الزيارة التي قام بها الأول إلى موسكو في 17 يناير/كانون الثاني 2025، ليس فقط بسبب مصادقة مجلس الدوما الروسي عليها، في 8 أبريل/نيسان 2025، وإنما أيضاً بسبب تزامنها مع تحسن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية التي تسعى إلى الوصول إلى صفقة تنهي الحرب الروسية-الأوكرانية، فضلاً عن تفاقم التهديدات الأميركية لإيران باستخدام الخيار العسكري في حالة ما إذا لم تسفر المفاوضات التي تعقد حالياً بين الطرفين عن تحقيق نتيجة إيجابية يمكن أن تؤدي إلى إبرام صفقة بين الطرفين.
 

تساؤلات عديدة
أثار ذلك تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية اتجاه روسيا إلى تقديم دعم عسكري لإيران أولاً لمساعدتها على ما يمكن تسميته بـ"سد الثغرات" الدفاعية التي أنتجتها الهجمات العسكرية التي شنتها إسرائيل ضدها في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، والتي استهدفت منظومات الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز "إس 300"، وثانياً لتمكينها من تطوير بعض قطاعاتها العسكرية، لا سيما القوات الجوية، التي تعد أحد أكثر القطاعات بدائية في إيران نتيجة العقوبات الدولية والأمريكية التي تعرضت لها الأخيرة.


حدود الدعم
في الواقع، لا يوجد في نص المعاهدة – التي حلت محل المعاهدة السابقة التي وقعت في عام 2001، والتي تضم مقدمة و47 مادة تشمل كل مجالات التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني والتكنولوجي والسياسي والثقافي، مثل تسهيل حركة التجارة والتعاملات المصرفية والاستثمارات وإنشاء محطات نووية جديدة والتعاون في مكافحة الإرهاب - ما يقضي بأن روسيا يمكن أن تقوم بتقديم دعم عسكري على هذا النحو إلى إيران، سواء ما يتعلق بإمدادها بمنظومات دفاع جوي أكثر تطوراً من طراز "إس 400" أو ما يتصل بإبرام صفقة لبيع مقاتلات "سوخوي 35" لها.

وربما يمكن القول إن روسيا حرصت على عدم تضمين ذلك في المعاهدة، بهدف توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة أمامها، خاصة مع تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2025.

 
لا تتضمن تقديم المساعدة العسكرية
أشار نائب وزير الخارجية الروسي اندريه رودينكو إلى ذلك صراحة، في 8 أبريل/نيسان 2025، خلال الجلسة التي عقدها البرلمان الروسي للمصادقة على المعاهدة. إذ قال أن "هذه المعاهدة لا تتضمن تقديم المساعدة العسكرية لبعضهما البعض، ولا تعني تشكيل تحالف بين إيران وروسيا". وربما يعني ذلك أن تساؤلات عديدة طرحت من جانب نواب البرلمان خلال تلك الجلسة عن التداعيات التي يمكن أن تفرضها تلك المعاهدة على خيارات روسيا الخارجية، خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها، والتي تبدو مفتوحة على أكثر من اتجاه، في ظل استمرار غموض المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل الوصول إلى تسوية تنهي الحرب الروسية-الأوكرانية التي افتتحت عامها الرابع في 24 فبراير/شباط 2025.


شكوك في مدى وجاهة التحالف
وقد لا يقتصر الأمر على ذلك، إذ يبدو أن هناك شكوكاً أيضاً في مدى وجاهة "التحالف مع إيران"، خاصة أن هناك اتجاهات عديدة داخل روسيا تتبنى سياسة حذِرة إزاء إيران، وترى أن الأخيرة تستخدم علاقاتها مع روسيا كورقة ضغط لإدارة تصعيدها المستمر مع الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وأن الأجدر بروسيا ألا تضطر إلى دفع جزء من كُلفة هذا التصعيد خلال المرحلة القادمة.

من هنا، ربما يمكن تفسير أسباب حرص روسيا على وضع بنود واضحة خاصة بالتعاون العسكري في الاتفاقية. إذ تلزم المعاهدة الطرفين بعدم تقديم مساعدة عسكرية لطرف ثالث يمكن أن يعتدي على أى منهما، وهو بند لا يفرض قيوداً قوية على الدولتين، بل يمكن القول إنه يفتقد إلى أى تأثير فعلي، خاصة أنهما ليست في وارد الإقدام على اتخاذ خطوات من هذا القبيل حتى في حالة عدم توقيع هذه المعاهدة.

سياسة حذِرة
المفارقة تكمن هنا في أن إيران تتبنى بدورها سياسة حذِرة تجاه روسيا. إذ ترى أن الأخيرة تستخدم علاقاتها القوية معها من أجل امتلاك ورقة ضغط لمساومة الدول الغربية وتعزيز موقعها في مواجهة الضغوط والعقوبات التي تفرضها الأخيرة ضدها، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

كما اعتبرت أن عزوف روسيا عن تقديم دعم عسكري لها، بعد التدمير الذي لحق بمنظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها، نتيجة الضربات العسكرية الإسرائيلية التي نفذت في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، يمثل مؤشراً على أنها تسعى إلى تجنب مواجهة خيارات محدودة في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن إسرائيل، على الأقل في هذه المرحلة التي تبدو خلالها في حاجة أولاً إلى تحسين علاقاتها مع الأولى، والاحتفاظ بقنوات تواصل مع الثانية.


البقاء في سوريا
وإذا كان تحسين العلاقات مع واشنطن يخدم حسابات موسكو في الملف الأوكراني، فإن الاحتفاظ بقنوات تواصل مع تل أبيب يخدم حساباتها في الملف السوري. إذ لا يبدو أن روسيا تسعى إلى الخروج نهائياً من سوريا – على غرار إيران - عبر تفكيك قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، وإن كانت قد قلصت من وجودها العسكري بشكلٍ عام. وهنا، فإنها تلتقي مع إسرائيل في منتصف الطريق، حيث تحرص الأخيرة بدورها على استمرار الوجود العسكري الروسي في سوريا، بهدف كبح النفوذ التركي الذي ترى أنه يمكن أن يحل محل النفوذ الإيراني، على نحو لا يتوافق مع مصالحها وحساباتها أيضاً.

فضلاً عن ذلك، فإن هناك اتجاهات في طهران ترى أن روسيا تمعن باستمرار في عرقلة الوصول إلى تسوية لأزمة الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وتعمل على وضع عقبات خلال المفاوضات التي تجري بين الطرفين. ووفقاً لهذه الرؤية، فإن موسكو تبدي قلقاً من التداعيات المحتملة التي يمكن أن تتمخض عن أى تسوية محتملة قد تصل إليها طهران وواشنطن خلال المرحلة القادمة، باعتبار أن ذلك قد يربك حساباتها في ملفات عديدة، سواء في أوكرانيا أو سوريا. إلى جانب أنها لا تتصور أن يكون هناك حضور أميركي بالقرب من حدودها في حالة ما إذا تحقق السيناريو الذي ما زالت مستبعداً، والذي يتعلق بتطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن.


عقبات أخرى
مع ذلك، فإن هذه الخلافات "السياسية" لا تبدو هي العقبة الوحيدة التي يمكن أن تواجه تحقيق معاهدة الشراكة الاستراتيجية نتائج إيجابية بارزة. إذ أن هناك عقبات لا تقل أهمية، منها على سبيل، تشابه هياكل الإنتاج في كل من الدولتين، التي تعتمدان على صادرات الطاقة، فضلاً عن تعرضهما لعقوبات غربية قوية.

وإذا كانت هناك جهود حثيثة تبذل حالياً من أجل تسوية الأزمات العالقة والتي تنخرط فيها الدولتان، لا سيما أزمة الحرب الأوكرانية وأزمة الاتفاق النووي، فإن هذه الجهود ما زالت في بدايتها ولم يتضح بعد ما إذا كانت ستنتهي برفع هذه العقوبات أم لا، في ظل غموض المسارات وتشابك المصالح والسياسات بين الأطراف المنخرطة فيها.

من هنا، تبقى هذه المعاهدة محدودة الأثر، على الأقل إلى حين استشراف ما سوف تؤول إليه التطورات التي طرأت على هذه الملفات الخلافية، أو بمعنى أدق ما إذا كانت واشنطن وموسكو سوف تنجحان في إبرام صفقة تنهي الحرب في أوكرانيا، وما إذا كانت واشنطن وطهران ستواصلان التفاوض إلى حين إبرام تسوية تنهي بدورها أزمة الاتفاق النووي.

 
79