
بعد
أقل من ثلاثة أشهر على وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20
يناير/كانون الثاني 2025، بدأت إيران والولايات المتحدة الأميركية مفاوضات حول
الملفات الخلافية العالقة بينهما، حيث عقد الاجتماع التمهيدي في العاصمة العمانية
مسقط في 12 أبريل/نيسان 2025، برئاسة كل من وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي
والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ويست ويتكوف.
وفي
الواقع، فإن المفاوضات الجدية بين الطرفين لم تبدأ بعد، إذ يمكن القول إن لقاء مسقط
– الذي استغرق ساعتين ونصف - كان مجرد اجتماع تنظيمي لتبادل الرسائل التي تحتوي
على مقاربة كل طرف للمفاوضات القادمة والملفات التي سوف تطرح خلالها. ومن هنا، فإن
الجولة الأولى من هذه المفاوضات سوف تبدأ في 19 أبريل/نيسان 2025.
أهداف متباينة
يدخل
كل من الطرفين المفاوضات بأجندة وأهداف متباينة إلى حد كبير، لا تخلو من غموض يمكن
أن يفرض عقبات عديدة أمام المفاوضين خلال الجولات القادمة. إذ تسعى إيران إلى
تحقيق أهداف رئيسية ثلاثة من تلك المفاوضات: الأول، هو تجنب الانخراط في
حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل، أو الاثنتين معاً، أو
التعرض لضربة عسكرية واسعة النطاق سوف تكون في الغالب، أوسع نطاقاً من تلك التي
شنتها إسرائيل ضد إيران في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
والثاني، الحفاظ على
مختلف مكونات البرنامج النووي الإيراني، بما يعني عدم تفكيك هذا البرنامج، على
غرار النموذج الليبي. ومن هنا، يمكن تفسير أسباب إصرار إيران على تأكيد أن التخصيب
هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه وليس مطروحاً للتفاوض (إندبندنت عربية، 16 أبريل 2025)،
بما يعني أنها سوف ترفض أي طلب أميركي محتمل بوقف عمليات التخصيب بشكل كامل،
بالتوازي مع إمكانية إبداء مرونة فيما يتعلق بتخفيض مستوى التخصيب من 60% إلى
3.67% ومناقشة سبل التعامل مع كميات اليورانيوم المخصب التي أنتجتها إيران خلال
المرحلة الماضية، والتي تصل – حسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 26
فبراير/شباط 2025، إلى 8294.4 كيلوجرام، بما يوازي 41 ضعف ما هو منصوص عليه في
الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو/تموز 2015. (الشرق الأوسط، 26
فبراير 2025)
والثالث، هو رفع العقوبات
الأميركية المفروضة على إيران. ومن دون شك، فإن ذلك يعود في المقام الأول إلى أن
هذه العقوبات تسببت في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران حتى الآن، خاصة
أنها أدت إلى تقليص الصادرات النفطية الإيرانية التي وصلت، قبل العقوبات التي فرضت
في 6 أغسطس/آب 2018، إلى 2.5 مليون برميل يومياً، ومنع إيران من استخدام نظام
"سويفت" البنكي، ومن الحصول على أموالها المجمدة في الخارج.
أما
الولايات المتحدة الأميركية فتسعى بدورها إلى استغلال حالة الضعف التي تبدو عليها
إيران، بعد تراجع نفوذها الإقليمي على خلفية التداعيات التي فرضتها الحرب
الإسرائيلية ضد حركة حماس الفلسطينية، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي امتدت
فيما بعد إلى لبنان واليمن، فضلاً عن سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد
في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، من أجل تحقيق أهداف رئيسية ثلاث: الأول، هو
منع إيران من الوصول إلى مرحلة إنتاج القنبلة النووية، وهى مرحلة كانت إيران قريبة
منها بشكل كبير، بعد أن أنتجت 274.4 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%،
والتي تكفي نظرياً - حسب تقديرات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية
رفاييل جروسي- لإنتاج 6 قنابل نووية. (الشرق للأخبار، 14 فبراير 2025)
والثاني، تقليص القدرات
العسكرية الهجومية لإيران، وهو ما يتصل مباشرة ببرنامج الصواريخ الباليستية. وقد
أشار المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى ذلك بوضوح، في 15
أبريل/نيسان 2025، عندما قال أن "أي اتفاق محتمل مع إيران سوف يتم بعد التحقق
من برامج التخصيب، والتسلح، ويشمل ذلك الصواريخ الباليستية" (العربية، 15
أبريل 2025). وبالطبع، فإن إصرار واشنطن على ذلك يمكن تفسيره في ضوء أن تلك
الصواريخ كانت هي الآلية الرئيسية التي استخدمتها إيران في إدارة التصعيد مع كل من
الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل خلال المرحلة الماضية.
فعندماً
أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره باغتيال القائد السابق لفيلق القدس
التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، في 3 يناير/كانون الثاني 2020، ردت إيران على
ذلك بعد خمسة أيام بتوجيه ضربات صاروخية إلى قاعدة "عين الأسد" العراقية
التي كانت تتواجد فيها قوات أميركية. واستندت إيران إلى الصواريخ الباليستية أيضاً
في الهجومين المباشرين اللذين شنتهما ضد إسرائيل في 13 أبريل/نيسان وأول
أكتوبر/تشرين الأول 2024.
والثالث، يتصل بالمقاربة
الشاملة التي تتبناها الإدارة الأميركية إزاء الأزمات الإقليمية والدولية التي
تسعى للوصول إلى تسوية بشأنها، على غرار الأزمة التي أنتجتها الحرب
الروسية-الأوكرانية، والأزمة الكورية الشمالية. إذ يسعى الرئيس الأميركي دونالد
ترامب إلى تسجيل إنجاز دبلوماسي في الملف الإيراني من أجل دعم موقعه التفاوضي في
الملفات الأخرى الإقليمية والدولية، وبالتالي تعزيز قدرته على الوصول إلى صفقات
بشأنها خلال المرحلة القادمة، حيث قد تكون الصفقة النووية المحتملة مع إيران
نموذجاً للوصول إلى صفقة أخرى مع كوريا الشمالية على سبيل المثال.
تنازلات محتملة
تدرك
إيران والولايات المتحدة الأميركية أن تحقيق هذه الأهداف سوف يتطلب تقديم تنازلات
متبادلة. وهنا، فإن السباق بين الطرفين خلال الجولات القادمة سوف يكون حول المدى
الذي سوف تصل إليه هذه التنازلات. وقد كان ذلك هو السبب الرئيسي الذي دفعهما إلى
التهديد باللجوء إلى خيارات أخرى في حالة فشل المفاوضات، من أجل ممارسة ضغوط
متبادلة ودفع الطرف المقابل إلى تقديم تنازلات أكبر.
فقد
واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديداته بتوجيه ضربة قوية للمنشآت النووية
الإيرانية في حالة ما إذا لم تصل هذه المفاوضات إلى صفقة في النهاية (سي إن إن، 15
أبريل 2025). في حين هددت إيران بإنتاج القنبلة النووية (وكالة أنباء
"ايرنا"، 31 مارس 2025)، أو نقل المواد النووية التي أنتجتها إلى مواقع
أشد تحصيناً مع طرد المفتشين الدوليين من أراضيها، في حالة تعرضها لذلك. (سكاى
نيوز عربية، 10 أبريل 2025)
ويمكن
القول إن الجولة القادمة من المفاوضات سوف تشهد بداية السباق بين الطرفين حول المدى
الذي يمكن أن تصل إليه هذه التنازلات المتوقعة. إذ تنتظر الولايات المتحدة
الأمريكية من إيران أن تقدم تنازلاً فيما يتعلق بنقل معظم كميات اليورانيوم المخصب
التي أنتجتها – والتي تزيد عن احتياجاتها الأساسية – إلى الخارج، من أجل ضمان
ابتعادها عن مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية. في حين تنتظر إيران
من الولايات المتحدة الأميركية أن تتنازل فيما يتعلق بمواصلة احتفاظ إيران بالحق
في التخصيب، حتى لو كان بنسبة لا تتجاوز 3.67%.
ويرتبط
بذلك طبعاً تنازلات أخرى من جانب الطرفين، على غرار حصر إيران عمليات التخصيب في
منشأة واحدة - قد تكون "ناتانز" - واستخدام أجهزة طرد مركزي من الطراز
الأول "IR 1"، في مقابل رفع الولايات المتحدة
الأميركية العقوبات المفروضة على إيران.
عقبات قائمة
مع
ذلك، لا يبدو أن مهمة الوصول إلى صفقة محتملة بين الطرفين سوف تكون سهلة. فرغم
استعداد الطرفين لتقديم تنازلات متبادلة – كما سبقت الإشارة – فإن ذلك لا ينفي أن
الخلافات العالقة بينهما ليست هامشية، وأن هناك عقبات لا تبدو هينة في هذا الصدد.
أول
هذه العقبات يتعلق ببناء الثقة بين الطرفين. إذ ما زالت طهران تخشى من تكرار
سيناريو الانسحاب الأميركي من أي اتفاق محتمل بعد ذلك، على غرار ما حدث في 8
مايو/أيار 2018. ومن دون شك، فإن مخاوف طهران تتزايد في حالة ما إذا قدمت التنازل
الخاص بنقل معظم كميات اليورانيوم التي أنتجتها إلى الخارج، ثم أقدمت واشنطن على
تلك الخطوة.
وإذا
كان من الصعب على الأخيرة أن تستجيب لمطالب الأولى بالوصول إلى ضمانات تمنع
انسحابها مجدداً من الاتفاق، حيث أنها دائماً ما تبرر ذلك بأن أي رئيس أميركي لا
يستطيع إلزام من سيخلفه بتعهد يقيد حرية الحركة المتاحة أمامه، فإن طهران ربما تطرح
بديلاً لذلك خاص بعدم نقل هذه الكميات إلى الخارج لكن مع إخضاعها لإشراف ورقابة
صارمة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما لا يبدو أن واشنطن سوف توافق
عليه. (the Guardian, 15 April, 2025)
كما
لم يتضح بعد ما إذا كانت واشنطن ستوافق على رفع الحرس الثوري من قائمة التنظيمات
الإرهابية، وهو ما تطالب به طهران باستمرار لاعتبارات سياسية واقتصادية عديدة، حيث
أنها سوف تربط ذلك، في الغالب، بطرح ملف النفوذ الإقليمي خلال المفاوضات، على نحو
سوف يقابل بتحفظ من جانب طهران.
إلى
جانب أن المستوى الذي سوف يصل إليه رفع العقوبات الأميركية في حالة إبرام صفقة بين
الطرفين سوف يبقى عقبة قائمة أيضاً، حيث تطالب طهران برفع كل العقوبات، وهو ما
ترفضه واشنطن مستندة إلى أن هناك عقوبات لا ترتبط بالبرنامج النووي، على غرار
العقوبات الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية.
فضلاً
عن ذلك، فإن هناك أطرافاً أخرى قد تعرقل أي اتفاق محتمل. إذ لا يبدو أن هذا
الاتفاق – في حالة ما إذا تم حصره في البرنامج النووي فقط ولم يصل إلى درجة تفكيكه
– سوف يتوافق مع حسابات ومصالح إسرائيل، التي تسعى إلى استغلال حالة الضعف التي
تبدو عليها إيران حالياً لحسم كل الملفات الخلافية معها، وليس فقط البرنامج
النووي. وقد أشارت صحيفة "جيروزاليم بوست" إلى أن تل أبيب قد تقدم على
اغتيال قيادة عسكرية إيرانية بارزة من أجل عرقلة هذا الاتفاق المحتمل، على غرار
قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري امير علي حاجي زاده. (سكاى نيوز
عربية، 16 أبريل 2025)
ولا يمكن استبعاد أن يقابل هذا الاتفاق المحتمل بمعارضة داخلية في كلتا الدولتين. وإذا كان ذلك مرتبطاً، في حالة الولايات المتحدة الأميركية، بإصرار الحزب الجمهوري على حسم كل الملفات الخلافية مع إيران في صفقة واحدة، فإنه مرتبط، في حالة إيران، بعدم رغبة تيار المحافظين الأصوليين في نجاح تيار المعتدلين – الذي ينتمي إليه الرئيس مسعود بزشكيان – في إبرام تلك الصفقة، التي يمكن أن تؤثر على توازنات القوى السياسية مستقبلاً.
ختاماً،
يمكن القول إن النتائج التي سوف تسفر عنها المفاوضات الحالية التي تجري بين طهران
وواشنطن سوف يكون لها تأثيرات واسعة النطاق، لن تقتصر على طرفيها فقط، وإنما ستمتد
إلى الساحتين الإقليمية والدولية، في ظل الارتباط الواضح بين الملفات المختلفة
وتداخل مصالح وحسابات القوى المعنية بها والمنخرطة فيها.