مقالات تحليلية

توتر وتصعيد في تايوان.. قراءة في خلفيات الصراع ومآلاته

13-Apr-2023

 التصعيد الجاري بين الصين وتايوان وتدخل الولايات المتحدة يبدو هذه المرة بأنه أكثر حدة من توترات سابقة، ويشير إلى أن بكين تتجه إلى تكثيف الضغوط العسكرية والاقتصادية على تايوان، ما يطرح أسئلة حول إمكانية أن تنزلق التطورات إلى حرب غير مقصودة، إذ تتواجد في المنطقة قواعد أميركية لها ثقل كبير.

وزارة الدفاع في تايوان، قالت إن الصين تعتزم فرض منطقة حظر جوي على بعد نحو 85 ميلاً بحرياً من شمال الجزيرة. مؤكدة أن الإغلاق سيكون ضمن منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة، كما أعلنت وزارة النقل التايوانية أن الصين ستفرض منطقة حظر جوي على شمال الجزيرة، في 16 أبريل، بسبب "أنشطة فضائية"، وقالت أربعة مصادر إن الصين تخطط لإغلاق المجال الجوي شمال تايوان في الفترة من 16 إلى 18 أبريل، في خطوة قد تعطل الرحلات الجوية في أنحاء المنطقة (اندبندنت عربية – 12 أبريل).

الصين حذرت من أن استقلال تايوان يتعارض والسلام في مضيق تايوان، في اليوم الثالث من مناورات عسكرية لها في المنطقة. وقال وانغ وينبين الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية خلال إحاطة إعلامية "استقلال تايوان والسلام في مضيق تايوان نقيضان" مضيفا: "إذا أردنا حماية السلام والاستقرار في مضيق تايوان علينا أن نعارض بحزم أي شكل من أشكال الانفصال المؤدي إلى استقلال تايوان" وتأتي هذه التصريحات فيما تجري الصين تدريبات عسكرية تحاول فيها محاكاة "ضرب طوق" حول تايوان. وذكرت محطة "سي سي تي في" التلفزيونية الحكومية الصينية أن عشرات الطائرات نُشرت لفرض "حصار جوي" على الجزيرة التي تطالب بها بكين (دويتشه فيله – 10 أبريل).

خلفيات الصراع 

انفصلت الصين وتايوان منذ عام 1949، عندما انتهت الحرب الأهلية الصينية بانتصار الشيوعيين بقيادة ماو تسي تونغ. تراجع القوميون المهزومون، بقيادة منافس ماو اللدود ورئيس حزب الكومينتانغ، تشيانغ كاي شيك، إلى تايوان.    

وتعرف تايوان، التي كانت تُحكم بشكل مستقل منذ ذلك الحين، رسمياً باسم جمهورية الصين بينما يُطلق على البر الرئيسي جمهورية الصين الشعبية، ويفصل مضيق تايوان الجزيرة عن البر الرئيسي ولديها حكومة منتخبة ديمقراطياً ويقطنها حوالي 23 مليون شخص.   

على الرغم من أن جمهورية الصين الشعبية لم تمارس السيطرة على تايوان أبداً، إلا أنها ترى أن الجزيرة هي جزء لا يتجزأ من الصين ويجب "إعادة توحيده" وتضغط على دول العالم لتحويل ولائها لبكين وقطع العلاقات الدبلوماسية مع تايوان، إذ قطعت الصين عام 2021 التجارة مع ليتوانيا العضو في الاتحاد الأوروبي لافتتاح مكتب تمثيلي تايواني في عاصمتها.   

في عام 2022 أصدرت الصين "كتاب أبيض" بشأن تايوان، قالت فيه إن حل مسألة تايوان "لا غنى عنه لتحقيق تجديد شباب الصين" و "مهمة تاريخية" للحزب الشيوعي الصيني، وبأن لدى الصين الشعبية تفضيلاً معلناً للسعي إلى إعادة التوحيد من خلال الوسائل السلمية، لكنها تحتفظ بالحق في استخدام القوة لتحقيق أهدافها.

تعتبر الصين تايوان مقاطعة انفصالية تعهدت باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر، لكن قادة تايوان يقولون إنه من الواضح أنها أكثر من مجرد مقاطعة، مشددين على أنها دولة ذات سيادة، ولدى تايوان دستورها الخاص، وقادتها المنتخبون ديمقراطيا، وحوالي 300 ألف جندي عامل في قواتها المسلحة، قالت "حكومة جمهورية الصين" في عهد شيانغ كاي شيك، التي فرت من البر الرئيسي إلى تايوان في عام 1949، في البداية أنها تمثل الصين بأكملها، إذ كانت تنوي إعادة احتلالها، وقد شغلت تلك الحكومة بالفعل مقعد الصين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واعترف بها العديد من الدول الغربية باعتبارها الحكومة الصينية الوحيدة، ولكن في عام 1971، حولت الأمم المتحدة الاعتراف الدبلوماسي إلى بكين وتم إجبار "حكومة جمهورية الصين" على الانسحاب. منذ ذلك الحين، انخفض عدد الدول التي تعترف بـ "حكومة جمهورية الصين" دبلوماسيا بشكل كبير إلى حوالي 15.  ونظرا للانقسام الهائل بين هذين الموقفين، يبدو أن معظم الدول الأخرى سعيدة بالغموض الحالي الذي يلف وضع تايوان، حيث تتمتع الجزيرة تقريبا بجميع خصائص الدولة المستقلة، على الرغم من أن وضعها القانوني غير واضح أو محسوم (بي بي سي – 11 أكتوبر 2021).

في تلك الفترة وبعد أن أعلن مهندس الإصلاح الصيني دينغ شياو بينغ، ضرورة تنحية الصراعات الأيديولوجية جانبا والتركيز على تطوير الاقتصاد، واستخلاص الحقائق من الوقائع تحسنت علاقات الصين مع الولايات المتحدة التي اعترفت حينها بحكومة الصين الشعبية، وقطعت علاقاتها الديبلوماسية مع جزيرة تايوان، ثم استعادت الصين مقعدها في الأمم المتحدة، وتحسنت العلاقات مع جزيرة تايوان إلى حد كبير. وفي عام 1992، طرحت الصين مبادرة سمتها "صين واحدة ونظامان"، والتي تعني أن هناك صينا واحدة في العالم، ولكن لبعض مناطقها الحق في الحكم الذاتي، مثل تايوان، وهونغ كونغ ومكاو. وهذا ما تعترف به أغلب دول العالم الآن.

تواصلت العلاقات الجيدة نوعاً ما وازداد التبادل التجاري بين البر الرئيسي وتايوان حتى وصلت الرئيسة تساي ينغ وين، زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي إلى الحكم عام 2016، والتي صعدت من حدة التوتر بدعوتها لانفصال تايوان تماماً عن الصين، وارتفعت حدة التوتر بعد أن قدمت الولايات المتحدة الأميركية إمدادات عديدة من الأسلحة المتطورة وصولاً إلى زيارة رئيسة مجلس النوب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس 2022.

وجود أميركي مجاور

ما يزيد من خطورة الأوضاع هو أن للولايات المتحدة الأميركية وجود عسكري في محيط تايوان والصين كقاعدة غوام، وتعد جزيرة غوام مركزاً مهما للجيش الأمريكي مما يتيح للأمريكيين الوصول بسرعة إلى مناطق التأزم في شبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان، على سبيل المثال (بي بي سي – 10 أغسطس 2017)، 

وهناك أيضاً قاعدة هاواي التي يتواجد بها ما يقرب من 40 ألفاً من العسكريين في جزر هاواي الأميركية، وهي مقر قيادة الولايات المتحدة في المحيط الهادي.

فضلا عن ذلك حددت الفلبين مواقع أربع قواعد عسكرية جديدة ستتمكن الولايات المتحدة من الوصول إليها، كجزء من اتفاقية دفاعية موسعة يقول المحللون إنها تهدف إلى محاربة الصين، وتشمل القواعد الأربع ثلاث في جزيرة لوزون الرئيسية، بالقرب من تايوان، وواحدة في مقاطعة بالاوان في بحر الصين الجنوبي. وقد كثفت الولايات المتحدة جهودها لتوسيع خياراتها الأمنية في المحيطين الهندي والهادئ في الأشهر الأخيرة، وسط مخاوف متزايدة بشأن الموقف الإقليمي العدواني للصين في جميع أنحاء المنطقة (سي إن إن – 4 إبريل).

محاكاة لضرب أهداف رئيسية.. ما الذي أزعج الصين؟

شملت المناورات الصينية الأخيرة تسيير دوريات و"محاكاة ضربات دقيقة مشتركة ضد أهداف رئيسية" بهدف "خلق ردع وتطويق كامل" لتايوان، وأكد المتحدث باسم الجيش الصيني شي يي أنّ الصين نشرت سفناً وطائرات مقاتلة وصواريخ حول تايوان لإرسال "تحذير جاد من التواطؤ بين القوات الانفصالية التي تسعى إلى استقلال تايوان، والقوى الخارجية" وتشارك "عشرات" الطائرات المقاتلة من طراز ج-18 وج-10سي بالعملية، إلى جانب طائرات مضادة للغواصات وأفادت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية بأن بكين نشرت أيضًا أنظمة إطلاق صواريخ من طراز "بي أتش ال-191" وصواريخ "واي جي-12 بي" الأرضية المضادة للسفن.

وتعارض بكين أي اتصال رسمي بين تايبيه والحكومات الأجنبية بموجب "مبدأ الصين الواحدة"، بما يشمل اجتماعا عقد في كاليفورنيا بين رئيسة تايوان تساي إنغ وين، ورئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي.

يقول الأستاذ المساعد في مجال العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية، جا ايان تشونغ، لوكالة الأنباء الفرنسية إن المناورات العسكرية الصينية جزء من حملة أوسع نطاقا من "الضغط على تايوان" واعتبر أن هذه "الاجتماعات الرفيعة المستوى تسمح لبكين بإلقاء اللوم على تايبيه أو واشنطن أو غيرهما" (فرانس 24 – 9 أبريل).

بدورها قالت أماندا هسياو، كبيرة المحللين الصينيين في مجموعة الأزمات الدولية، إن الصين ترى أن إظهار قوتها العسكرية يعد أمرا ضروريا "من أجل ردع الولايات المتحدة وتايوان عن الانخراط في مزيد من التعاون رفيع المستوى في المستقبل" ، وأشارت إلى أنه مع اجتياز عدد كبير من الطائرات العسكرية الصينية الخط الأوسط لمضيق تايوان، فإن هذا يعد بمثابة نذير تصاعد في المواجهات بين الجيشين الصيني والتايواني مما قد يزيد من خطر حدوث "مواجهة غير متعمدة" وأضافت "بالنظر إلى أجواء تتسم بالارتياب ونقص قنوات الاتصال عبر المضيق للتعامل مع الحوادث العسكرية، فإن هناك احتمالا بنشوب تصعيد بعد وقوع أي حادث" (دويتشه فيله – 11 أبريل).

خلاصات:

على الرغم من الحشود العسكرية والتهديدات باستخدام القوة من قبل الصين، إلا أن حدوث عمل عسكري كبير لا يبدو واقعياً كونه سيؤدي إلى إمكانية اندلاع حرب عالمية، حيث يوجد للولايات المتحدة الأميركية عدة قواعد عسكرية في محيط تايوان والصين.

لقد اتجه البعض للقول بأن الصين تريد تطبيق سيناريو أوكرانيا في تايوان، لكن نتائج الحرب الأوكرانية وعدم تمكن روسيا من حسم المعركة هناك، يجعل الصين تتردد بالقيام بأي تحرك عسكري قد يجعلها تستنزف قواتها العسكرية والاقتصادية، خاصة أن بكين تحاول استغلال الانشغال الأميركي والغربي بالحرب الأوكرانية، ونسج علاقاتها مع الشرق الأوسط والدول الخليجية تحديداً وإبرام الاتفاقيات السياسية والاقتصادية معهم لذلك من المستبعد أن تتجه الصين إلى شن حرب غير موثوقة النتائج والتداعيات.

من المرجح أن تعمل الصين على تكثيف الضغوط العسكرية والاقتصادية على تايوان، من خلال التنفيذ المتكرر للمناورات والتدريبات العسكرية، وقطع حركة الملاحة والطيران، بالإضافة إلى إمكانية توجيه ضربات نوعية ودقيقة، دون أن تؤدي هذه الضربات إلى مواجهة مباشرة ما سيجعل الجزيرة معزولة وذلك بهدف دفعها للتراجع عن فكرة الانفصال وعدم الاقتراب أكثر من الغرب.








twitter icontwitter icon threads iconthreads icon 253