مقالات تحليلية

حقائق حول صفقة تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران

19-Sep-2023

أفرجت كلّ من الولايات المتحدة وإيران عن خمسة معتقلين الإثنين في إطار عملية تبادل سجناء شملت كذلك تحويل أرصدة مجمّدة بقيمة ستة مليارات دولار إلى الجمهورية الإسلامية. وبعد وصولهم من إيران إلى قطر، غادر الأميركيون الخمسة المفرج عنهم الدوحة باتّجاه واشنطن، في خطوة أتت بعد ساعات على تحويل الأرصدة التي كانت مجمّدة إلى حسابات تديرها قطر.

قال البيت الأبيض إنّه  "سعيد بأن يؤكّد" أنّ الطائرة التي تقلّ الأميركيين المفرج عنهم غادرت الدوحة متوجهة إلى الولايات المتحدة وبأنّ الرئيس جو بايدن تحدّث مع عائلاتهم في "اتّصال مؤثّر". وأشاد أحد المفرج عنهم ببايدن لمضيه قدماً بالصفقة رغم تداعياتها السياسية.

وقال سياماك نمازي في بيان "أُعرب عن امتناني العميق إلى الرئيس بايدن وإدارته للقرارات الصعبة التي اضطرا لاتخاذها"، مضيفاً "شكراً الرئيس بايدن لوضع حياة مواطنين أميركيين قبل السياسة". وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي تحدّث هاتفيا مع الأميركيين المفرج عنهم بعد وصولهم إلى قطر أن إدارة بايدن "لا أولوية لديها تتفوق على" إطلاق سراح مواطنين أميركيين. وقال بلينكن للصحافيين في نيويورك حيث يشارك وبايدن في اجتماعات الأمم المتحدة "إنّه لأمر جيّد جداً أن نتمكًن من أن نقول إنّ مواطنينا باتوا أحرارا".

ووصل اثنان من السجناء الإيرانيين المفرج عنهم إلى قطر، بحسب الإعلام الإيراني. أمّا الثلاثة الآخرون، فاختاروا البقاء في الولايات المتّحدة أو في بلد آخر، وفق ما أعلنت طهران.

وبعد محادثات سرية قادتها قطر جزئياً، استكمل البلدان عملية التبادل عقب الإفراج عن مبالغ قدرها ستة مليارات دولار جمّدتها كوريا الجنوبية بموجب العقوبات المفروضة على إيران. ونفت واشنطن أن بكون المبلغ بمثابة فدية، مشددة على أنه سيستخدم لأغراض إنسانية فحسب مع التهديد بإعادة تجميده ما لم يحدث ذلك. إلا أن بعض المسؤولين في طهران ألمحوا الى عدم وجود قيود على إنفاق هذه الأموال.

والإثنين، قال الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي من نيويورك إن الأموال التي كانت مجمّدة "وباتت في عهدة الجمهورية الإسلامية هي ملك للشعب (الإيراني) وسنستخدمها لتلبية احتياجاته".

مخاطر سياسية لبايدن 

ندّد معارضو بايدن الجمهوريون بالاتفاق. وقال السناتور الجمهوري ميت رومني إنّ الخطوة ستؤدّي إلى "عميات خطف". وتابع "فكرة الدفع في مقابل الإفراج عن (المحتجزين).. فكرة الرهائن، هي فكرة مروّعة". لكنّ بايدن تعهّد "الاستمرار في فرض عقوبات على إيران بسبب أعمالها الاستفزازية في المنطقة".

وقال مسؤول أميركي كبير إن واشنطن فرضت عقوبات على وزارة الاستخبارات الايرانية والرئيس السابق محمود احمدي نجاد.

ولم يأت بايدن في بيانه على ذكر أنّه منح عفواً للإيرانيين الخمسة. وأفاد مسؤول أميركي بأنّهم كانوا مدانين أو متّهمين بارتكاب جرائم غير عنيفة، وأنّ أحدهم كان سيُفرج عنه قريباً بمطلق الأحوال.

قبل بدء عمليات التبادل، قال محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين إنّ طهران تلقّت "رسالة رسمية من السلطات القطرية تشير إلى تفعيل حسابات ستة بنوك إيرانية"، مضيفا "تم اليوم إيداع ما يعادل 5,573,492,000 يورو في حسابات المصارف الإيرانية لدى مصرفين قطريين".

والأصول المفرج عنها من حسابات في سويسرا أموال مستحقة لإيران بموجب بيعها نفطاً الى كوريا الجنوبية. لكنّ سيول جمّدتها مذ انسحبت الولايات المتحدة أحاديا عام 2018 من الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي وأعادت فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وأشار فرزين إلى أن هناك "دعوى من إيران ضد كوريا الجنوبية لعدم إتاحة الوصول إلى هذه الأموال وانخفاض قيمتها (...)، من أجل الحصول على تعويضات".

ومن بين الذين أفرجت عنهم طهران رجل الأعمال سياماك نمازي الذي يمضي منذ العام 2015 عقوبة بالسجن عشر سنوات لإدانته بتهمة "التجسس" لحساب الولايات المتحدة. وتشمل قائمة المفرج عنهم من قبل إيران كلاً من رجل الأعمال عماد شرقي، ومراد طهباز الذي يحمل أيضا الجنسية البريطانية. وهؤلاء الثلاثة يحملون الجنسية المزدوجة، أمّا الآخران الباقيان ففضّلا عدم كشف هويتهما.

وبينما أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أنّ بريطانيا لم تكن طرفا في الاتفاق، أعرب عن "سعادته البالغة" للإفراج عن طهباز. وأفاد مسؤول أميركي بأن أميركيين هما واردة نمازي وزوجة شرقي سمح لهما بمغادرة طهران علما بأنهما لم يكونا في السجن ولكن لم يكن مسموحاً لهما بالمغادرة.

أما من الجانب الإيراني، فتشمل قائمة المفرج عنهم كامبيز عطار كاشاني ورضا سرهنك بور المتّهمين بمخالفة العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية. كذلك بين السجناء كاوه لطف الله أفراسيابي الذي أوقفته السلطات الأميركية في منزله قرب بوسطن العام 2021 واتهمته وزارة العدل بأنه عنصر تابع للحكومة الإيرانية. واتهمت السلطات الأميركية اثنين آخرين من الموقوفين لديها واللذين أفرج عنهما، بالارتباط بأجهزة الأمن الإيرانية، وهما مهرداد معين أنصاري وأمين حسن زاده.

تخفيف التوتر

سبق للطرفين أن أبرما اتفاقات لتبادل السجناء آخرها في يونيو 2020 على رغم التوتر بينهما والخلافات بشأن ملفات متشعبة. ورأى محللون أن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه بعد أشهر طويلة من المفاوضات في الكواليس، يؤذن بتخفيف حدة التوتر بين الخصمين وقد يفضي إلى مزيد من الجهود الهادئة للتعامل مع مخاوف منها ما يتعلق ببرنامج إيران الذري وتسارع وتيرته منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015. الا أنهم استبعدوا أن يمهّد الاتفاق لتفاهمات أكبر خصوصا بشأن النووي، لا سيّما مع اقتراب ولاية بايدن من نهايتها واستعداد واشنطن للدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2024.

في هذا الصدد، أعربت الأمم المتحدة عن أملها في أن تساهم الصفقة في تخفيف التوتر بين واشنطن وطهران. وقال ستيفان دوجارك، الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، "نأمل إلى حد كبير بأن تؤدي إلى مزيد من التعاون وتخفيف التوتر". لكنّ بلينكن أكد أن الإفراج عن السجناء "لا علاقة له بأي جوانب أخرى في العلاقة" بينما مسألة النووي "على مسار منفصل".

يأتي اتفاق تبادل السجناء والافراج عن الأصول بعد زهاء عام من انهيار مباحثات هدفت لإحياء الاتفاق النووي. وأتاح الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى تقييد الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية في مقابل رفع عقوبات اقتصادية عنها. لكن واشنطن انسحبت أحاديا منه في 2018 وأعادت فرض العقوبات، ما دفع طهران للتراجع تدريجا عن التزاماتها النووية، خصوصا في مجال تخصيب اليورانيوم.

وأجرت إيران والقوى الكبرى، بتسهيل من الاتحاد الأوروبي ومشاركة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، مباحثات اعتبارا من أبريل 2021 لإحياء الاتفاق، من دون أن تؤدي الى نتيجة.

علاقات متوترة

في ما يأتي لمحة عن العلاقات المتوترة التي تربط الولايات المتحدة وإيران منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في العام 2018 وصولا إلى عملية تبادل السجناء بين البلدين.

انسحاب واشنطن من الاتفاق 

في الثامن من مايو 2018، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في العام 2015 والذي حد من النشاطات النووية الإيرانية في مقابل رفع العقوبات الدولية.

واعتبر الرئيس الأميركي وقتها دونالد ترامب أن نص الاتفاق متساهل وغير كاف، وأعلن إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران والتي شدّدت مرات عدة مذاك.

في أبريل 2019، أدرجت واشنطن الحرس الثوري الإيراني على لائحتها للمنظمات الإرهابية.

في 8 أمايو، أعلنت إيران أنها قررت وقف التزامها بتعهدين نصّ عليهما الاتفاق النووي.

توتّر في الخليج 

اعتبارا من مايو، تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران بعد عمليات تخريب ومهاجمة سفن في الخليج، نسبت إلى إيران التي نفت ذلك.

في 20 يونيو، أعلن الحرس الثوري الإيراني إسقاط طائرة مسيّرة أميركية "خرقت المجال الجوي الإيراني". وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الطائرة كانت على بعد 34 كيلومترا من الساحل الإيراني.

في اليوم التالي، أعلن الرئيس الأميركي الذي أرسل جنودا إضافيين إلى المنطقة، أنه ألغى في اللحظة الأخيرة ضربات انتقامية ضد إيران لتجنب سقوط عدد كبير من القتلى.

في منتصف سبتمبر، شنّت هجمات على بنى تحتية نفطية رئيسية في السعودية تبناها المتمردون الحوثيون في اليمن، لكن واشنطن والرياض اتهمتا طهران بتنفيذها.

مقتل سليماني

في 31 ديسمبر 2019، اقتحم آلاف العراقيين من أنصار فصائل موالية لإيران سفارة الولايات المتحدة في بغداد بعد هجوم صاروخي أميركي مميت ضد فصيل من الحشد الشعبي.

في 3 يناير 2020، قتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي في غارة شنّتها مسيّرة أميركية على طريق مطار بغداد.

وردت إيران بعد أيام قليلة بهجمات صاروخية على قواعد تؤوي جنودا أميركيين في العراق.

وقف المحادثات 

مطلع أبريل 2021، انطلقت مناقشات لإحياء الاتفاق النووي في فيينا. دعيت الولايات المتحدة للمشاركة فيها بشكل غير مباشر وذلك للمرة الأولى منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض الذي أعرب عن رغبته في العودة إلى الاتفاق.

في 8 أغسطس 2022، طرح الاتحاد الأوروبي منسق المحادثات، "نصا نهائيا"، لكن المفاوضات باءت بالفشل.

في سبتمبر، قال الرئيس الأميركي إنه متضامن مع "النساء الشجاعات في إيران" التي شهدت حركة احتجاجية واسعة النطاق اندلعت بعد وفاة مهسا أميني بعد توقيفها من شرطة الأخلاق.

من جهتها، اتّهمت طهران واشنطن بممارسة "سياسة لزعزعة الاستقرار" ضد البلاد.

في ديسمبر، اعتبر جو بايدن أن الاتفاق النووي "مات".

 تبادل سجناء 

في مايو 2023، استأنف مسؤولون أميركيون وإيرانيون جهودهم الدبلوماسية خلال اجتماعات غير مباشرة.

وفي 10 أغسطس، أعلنت إيران اتفاقا لتبادل سجناء مع الولايات المتحدة بوساطة قطرية.

ونص الاتفاق على أن تطلق إيران سراح خمسة أميركيين، فيما تفرج الولايات المتحدة عن خمسة سجناء إيرانيين.

كذلك، ينص الاتفاق على تحويل ستة مليارات دولار من أموال إيرانية مجمّدة في كوريا الجنوبية إلى حساب خاص في قطر.

في 18 أغسطس، حوّلت الأموال الإيرانية المجمّدة عبر قطر، ما أطلق عملية تبادل الأسرى. (فرانس برس)

274