المحددات العامة والسيناريوهات المتوقعة للانتخابات الرئاسية السنغالية 2024
20-Dec-2023
من المتوقع إلى حد كبير أن يكون وقوف اتحاد الائتلاف الحاكم "بينو بوك ياكار" في السنغال وراء أمادو با في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 25 فبراير 2024، سيُوفر له فرصة جيدة لتأمين مكانه ورفع حظوظه في الفوز بالرئاسة، حيث تظل المعارضة منقسمة إلى حد لا يسمح لها بتشكيل تحدٍّ كبير لاستمرار الهيمنة السياسية للحزب الحاكم. ومع ذلك، من المرجح جدّاً أن يواجه الحزب الحاكم مقاومة شديدة في معاقل المعارضة مثل زيغينشور، مع احتمال عودة عثمان صونكو إلى المشهد بقوة، وهو ما يجعل الطريق بالنسبة للمرشح الرئاسي مليئة بالمفاجآت.
وتُعد السنغال من دول غرب إفريقيا القليلة التي لم تشهد انقلاباً عسكرياً منذ حصولها على الاستقلال في 1960، ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات دون مشاركة الرئيس المنتهية ولايته ماكي صال، وهي سابقة غير مألوفة في المشهد الانتخابي السنغالي حيث يُتيح له التأويلُ الدستوري المشاركةَ في السباق الانتخابي، وقد يكون رضخ للضغوط الشعبية بعد اندلاع احتجاجات عنيفة مناهضة لترشحه في العاصمة دكار.
هذه الضغوط كان وراؤَها صونكو، زعيم حزب "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة" المعارض والمرشح الأوفر حظاً للفوز بالرئاسة. هذا التحدي الذي أظهره صونكو للرئيس المنتهية ولايته جعله عرضة للسجن سنتين بتهمة "إفساد الشباب"، وهو حكم من المرجح أن يُفقده فرصةَ خوض الانتخابات ويُعبِّد الطريق للمرشح الرئاسي با.
المرشحون الأساسيون
وفق الإعلام المحلي السنغالي يعد المرشحون الأساسيون في الانتخابات المقبلة -إذا استثنينا صونكو- هم:
أمادو با: من قومية الفلان التي ينحدر منها الرئيس ماكي صال، وهي أقلية إثنية فاعلة تسيطر على منطقة نهر السنغال. وهو تكنوقراطي معروف بكفاءته الفنية، التحق بالرئيس صال منذ توليه السلطة سنة 2012، حيث تولى حقائب الاقتصاد والمالية والخارجية قبل أن يُعيَّن رئيساً للوزراء. يتمتع بشعبية واسعة في منطقة النهر وفي العاصمة دكار، كما يتمتع بدعم أبرز القيادات الدينية المؤثرة في المشهد الانتخابي السنغالي، ويُعتقد أنه قريب من السلطات الفرنسية التي لها مصالح كثيرة في السنغال.
خليفة صال: عمدة دكار الأسبق، والقيادي البارز سابقاً في الحزب الاشتراكي السنغالي الذي كان حاكماً في عهد الرئيسين سنغور وعبدو ضيوف. اعتُقل سنة 2017 بتهمة الفساد المالي وحُكم عليه بخمس سنوات سجن قبل أن يُطلق سراحه في سبتمبر 2019 بعفو رئاسي. رفض المجلس الدستوري ترشحه في انتخابات 2018 الرئاسية نتيجة إدانته القضائية. له شعبية واسعة في صفوف الحزب الاشتراكي السنغالي رغم دعم قيادة الحزب لمرشح الرئيس ماكي صال، كما أن له تأييداً كبيراً في العاصمة دكار التي يرأس مجلسَها البلدي حليفُه بارتلمي دياز.
إدريسا سك: رئيس الحكومة من 2002 إلى 2004، وعمدة سابق لمدينة تياس، وأحد أبرز المقربين من الرئيس السابق عبد الله واد قبل القطيعة معه سنة 2005 بما جر إلى اعتقاله واتهامه في ملف تسيير مالي. شارك في انتخابات 2007 و2012، وحصل على المركز الثاني في انتخابات 2019. التحق بصف الرئيس ماكي صال الذي عينه رئيساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في نوفمبر 2020، ثم أعفته الرئاسة من منصبه مما مكنه من التنافس على أعلى منصب في الدولة. له دعم قوي في مدينته تياس (ثاني المدن السنغالية) ومدينة توبا في دكار، وبعض الارتباط بزاوية طوبا المؤثرة سياسياً.
كريم واد: نجل الرئيس السابق عبد الله واد، ووزير سابق للتعاون والنقل في عهد والده. اعتُقل سنة 2013 في تهم مالية قبل أن يُصدر الرئيس ماكي صال عفواً عنه سنة 2016 في إطار ترتيب خاص مع حكومة قطر، وقد انتقل منذ ذلك التاريخ إلى الدوحة حيث ما يزال يعيش فيها. يحظى بدعم قوي من والده ومن حزبه (الحزب الديمقراطي السنغالي)، لكنه كان بعيداً عن المشهد السياسي في السنوات الست الأخيرة.
سيناريوهات متوقعة
مع بقاء أقل من ثلاثة أشهر قبل موعد الانتخابات، واحتمال إقصاء مرشح المعارضة الرئيسي عثمان صونكو من السباق الانتخابي، يمكن أن نحصر السيناريوهات في ثلاث فرضيات:
السيناريو الأول المرجح جدّاً: فوز المرشح الرئاسي أمادو با في الجولة الأولى، لكن هذا السيناريو يتحقق في حالتي مقاطعة القاعدة الانتخابية الخاصة بصونكو عملية الاقتراع، أو تَوزُّع أصواتها على المرشحين الآخرين.
السيناريو الثاني المرجح: أن تتحد المعارضة حول مرشح توافقي، وفي هذه الحالة ستكون حظوظ خليفة صال كبيرة لتجرِبته السياسية وقدرته على تشكيل جبهة كبرى داعمة له.
السيناريو المتشائم: هدد المعارض صونكو بتعطيل التصويت إذا استخدم الرئيس المنتهية ولايته الحيل القضائية لمنع دخوله السباق الانتخابي، حيث صرح قائلاً: "لن تكون هناك انتخابات في هذا البلد، أو ستكون هناك فوضى لا توصف إذا استخدم الرئيس ماكي صال الحيل القضائية لمنع ترشحي". وهو يرفع مؤشرات أن تشهد السنغال بحلول 2024 مستويات عالية من الاضطرابات الاجتماعية، ويحفز لاستيلاء عسكري محتمل على السلطة. وما يجعل هذا السيناريو محتملاً هو أنه لا توجد قطيعة بين السلطة التنفيذية والجيش، وعليه فمحاولة الانقلاب ستكون مطروحة مع انطلاق الانتخابات.
خلاصة
تشير المعطيات إلى أن السيناريو الأول هو الأقوى، وحظوظ المرشح الرئاسي مرتفعة للفوز بالانتخابات، كما أن احتمال تنظيم جولة ثانية من الانتخابات يجعل فوز خليفة صال وارداً. ولا يمكننا أن نتغاضى عن تفاعلات ملف صونكو التي سيكون لها وقع أساسي على طبيعة المسار الانتخابي؛ ففي السنغال لا يمكن أن تتم عملية الحذف من القائمة الانتخابية إلا خلال الفترة التي تُراجَع فيها القائمة. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية لعام 2024، فقد انتهت المراجعة في بداية شهر مايو الماضي. ولا يزال التحقيق القضائي مستمراً. ولذلك لا يزال صونكو بريئاً من التهم الموجهة إليه، وأهليته ليست موضع شك.