
يعقد
الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره العشرين في السادس عشر من أكتوبر الجاري، ويترقب
الصينيون نتائجه ومحاوره العامة على أمل أن تسهم في تعزيز واقع الاقتصاد الصيني
بعد أن بدأ في الفترات الأخيرة يشهد تباطؤاً في نموه بشكل غير مسبوق منذ سنوات
طويلة.
يترقب العالم كذلك، النتائج التي يمكن أن يتمخض
عنها المؤتمر، لاسيما ما يتعلق منها بالسياسات الخارجية الصينية تجاه الباسفيكي
ودول حوض المحيط الهادي عموماً، وسياساتها الخارجية تجاه طرفين رئيسيين، هما
تايوان التي تتصاعد مخاوفها من سيناريو الضم الصيني بالقوة، والولايات المتحدة
الأمريكية التي تتصاعد معدلات التوتر بينها وبين الصين.
ويفسر
الاهتمام الدولي والعالمي الكبير بالمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، في القلق
من أن محاور ذلك المؤتمر، ونتائجه، قد تجعل الصين، ذات سياسات عدائية وفقاً لما
عبرت عنه صحيفة ذا هيل الأمريكية في 9 سبتمبر.
وتتعدد
أسباب اهتمام الصينيين بالمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، لأنه سيمس وبشكل مباشر
واقعهم اقتصادياً وسياسياً، لكن الأسباب الأهم على المدى الطويل، تتعلق وبشكل
رئيسي في أن المؤتمر سيحدد استراتيجية عمل الصين دولة وحكومة وحزباً وشعباً،
لتحقيق هدف المئوية الثانية المتمحور حول: بناء دولة اشتراكية حديثة ومتطورة من
كافة النواحي بحلول عام 2049 وفقاً لما أشارت إليه صحيفة شاينا ديلي في 31 أغسطس
الماضي.
إزاء
ما سبق، تأتي هذه الدراسة وبشكل رئيسي، لنقاش وتحليل محاور وأجندات عمل المؤتمر
العشرين للحزب الشيوعي الصيني، ونتائجه المتوقعة من ناحية داخلية، لاسيما المتعلق
منها بهيكلية الحكم ومستقبله في الصين على مستوى منصب أمانة الحزب الشيوعي الصيني
ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، إضافة لتحليل محاور وأجندات عمل المؤتمر التي تمس
القضايا الخارجية والسياسات الخارجية الصينية، ونقاش وتحليل، واقعية التوقعات
الغربية التي ترى، بأن الصين قد تميل لتبني سياسات عدائية بعد المؤتمر.
أولاً:
محاور وأجندات المؤتمر على المستوى الداخلي:
وفقاً
للكثير من التوقعات والتكهنات الصينية والغربية، فإن المؤتمر العشرين للحزب
الشيوعي الصيني في أكتوبر المقبل، سينصب اهتمامه بشكل رئيسي على مستقبل الحكم في
الجمهورية الشعبية، وعلى أدائها وعملها الاقتصادي بصورة أساسية.
وسيركز
المؤتمر الذي ستستمر أعماله لمدة 5 أيام على إعادة هيكلة المؤسسات السياسية والحزبية
الصينية وإعادة ضخ دماء جديدة فيها لتحسين أدائها وفقاً للمتغيرات المحلية
والإقليمية والدولية في المرحلة الراهنة، ابتداءً من إجراء التغييرات السياسية في
اللجان الحزبية المختلفة، ومروراً بإجراءات تغييرات عديدة على الحكومة الصينية، وعدم
إجراء أي تغييرات سياسية تخص من يشغل منصب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني
ومنصب رئيس الجمهورية الشعبية، إذ يتوقع أن يخرج المؤتمر من أجندات عمله السياسية بعدد
من النتائج أبرزها:
1. تنحية
العديد من أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي في الحزب الشيوعي الصيني (تتكون من
25 عضواً) وترقية البعض الآخر ممن أعمارهم أقل من 67 عاماً وفقاً لما أشارت إليه
قناة دويتش فيلا الألمانية في 10 سبتمبر
الجاري نقلاً عن خبراء ومتخصصين في الشؤون الصينية، كما يتوقع حالياً، وفقاً لما
أشارت إليه صحيفة تشاينا ديلي في 31 أغسطس الماضي، أن يتم انتخاب لجنة مركزية
جديدة للحزب الشيوعي (مكونة من 205 أعضاء دائمي العضوية، و171 عضواً مناوباً) بعد
أن يجري الحزب خلال المؤتمر العشرين، تقييماً دقيقاً لأعمالها خلال السنوات الخمس
الماضية، وأن يتم استبعاد ذوي الأداء الضعيف. والمجيء بأعضاء أكثر تكنوقراطية.
2. يتوقع أيضاً أن يجري الحزب الشيوعي تغييرات على
الحكومة الصينية بعد أن ينهي المؤتمرون مؤتمرهم، إذ يتوقع أن تتم تنحية رئيس
الحكومة الحالي لي كه تشيانغ، إفساحاً للمجال لشخصية شيوعية أخرى تشغل منصب رئاسة
الحكومة، ويتوقع أن يكون تشون هوا نائب رئيس مجلس الدولة، وواتنغ يانغ، رئيس
المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري، أبرز المرشحين لخلافة لي كه تشانغ، وفقاً
لتوقعات خبراء صينيين نقلت عنهم وكالة رويترز البريطانية في 14 سبتمبر.
3. الأهم من كل ما سبق، أنه يتوقع حالياً، ووفقاً لما
أشارت إليه صحيفة ساوث شاينا مورننغ بوست في تقرير لها بتاريخ 10 سبتمبر ، أن يتم
منح الرئيس الصيني الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، مزيداً من
السلطة، والتوقعات والتكهنات مختلفة حيال الكيفيات الممكن من خلالها منح شي جين
بينغ مزيداً من السلطة، وأبرزها:
1. أن يتم ترسيخ فلسفة شي جين بينغ في أعمال الحزب
الشيوعي وفي كيفيات إدارة الجمهورية الشعبية، وهذا الأمر، لا يعني حتمية موافقة
المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني على منح ولاية ثالثة لشي جين بينغ إلا أن
هذه الطريقة ستحول شي جين بينغ لرمز صيني مساو تماماً لمؤسس الجمهورية الشعبية
ماوتسي تونغ.
2. أن يتم فعلياً منح شي جين بينغ ولاية ثالثة، لمدة خمس
سنوات أخرى.
على أرض الواقع، تعد احتمالات التمديد أكثر أرجحية، ولحد
كبير من فكرة ترسيخ فلسفة شي جين بينغ، والاعتبارات الرئيسية المفسرة لذلك عديدة:
3. أن الرئيس الصيني والأمين العام للحزب الشيوعي الصيني
شي جين بينغ، قد عمل خلال فترة حكمه، على تمكين المقربين منه ووضعهم في المناصب
العليا والحساسة وفي اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وفي اللجنة المركزية للحزب
الصيني، من خلال توسعه في إقصاء المعارضين والمعارضين المحتملين له، بحجة مكافحة
الفساد، ومكافحة ما يوصف صينياً بإسراف بعض مسؤولي الحزب وإهدارهم للمال.
4. أن مجلس الشعب الصيني (البرلمان) قد أقر في عام 2018
تعديلاً على الدستور الصيني لإلغاء تحديد فترة الرئاسة بدورتين كل دورة خمس سنوات،
وجعل المدة مفتوحة، إذ أقر ذلك التعديل بموافقة 2958 نائباً صينياً، وبمعارضة
نائبين فقط، وامتناع ثلاثة نواب عن التصويت، ما يعني، أغلبية ساحقة جداً توافق على
منح شي جين بينغ ولاية ثالثة.
3. أشارت وكالة شينخوا الصينية الحكومية في 9 سبتمبر إلى
أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، قد ناقش مسودة تعديل للنظام الأساسي
للحزب (دستور الحزب)، وسيقدمها لأعمال المؤتمر العشرين للحزب، دون تقديم تفاصيل
إضافية، الأمر الذي فتح باب التكهنات على احتماليات ترقية أيديولوجية شي جين بينغ
لرتبة فكر وفلسفة، وهذا يعني وفقاً لما نراه احتمالات كبيرة، بأن يضيف الحزب
الشيوعي لفظة "وأفكار شي جين بينغ" لديباجته التي تنص: "يتخذ الحزب
الشيوعي الصيني الماركسية اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ
أفكاراً مرشدة لأعماله"، أو أن يكون ذلك التعديل غير المعلن تفاصيله لحد
اللحظة، المقدمة الرئيسية التي يصادق من خلالها الحزب الشيوعي خلال مؤتمره العشرين
على ولاية ثالثة لشي جين بينغ في منصب الأمين العام للحزب الشيوعي، بدون أي
التباسات يمكن أن تثار بشأن تعارض فكرة التمديد في هذا المنصب وبعض مواد ونصوص
دستور الحزب الشيوعي.
لكن وعلى أرض الواقع، لن تكون مهمة التمديد لشي جين بينغ
سهلة، سواء لحظة السعي للتمديد، أو في فترة ما بعد التمديد، ولا بعيدة عن بعض
التداعيات الداخلية والخارجية، إذ نتوقع، أن يواجه الرئيس الصيني شي جين بينغ عدداً
من التحديات مثل:
1. إثارة بعض أعضاء الحزب الصيني لقضية التعارض ما بين
فكرة التمديد لشي لولاية ثالثة، وفكرة الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية (حكم الصين
من خلال الحزب الواحد المعبر عن الإرادة الشعبية) إذ يمكن أن يثير بعض أعضاء الحزب
الشيوعي الصيني قضية التعارض تلك، فالتمديد بحد ذاته سينقل فلسلفة الحكم في الصين
من الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية للدكتاتورية الديمقراطية الأحادية (حكم الصين
من خلال حزب واحد يسيطر عليه رجل واحد بدلاً من الشعب الذي يقوده العمال ونخبة
العمال).
2. أن يثير بعض أعضاء الحزب الشيوعي قضية التعارض ما بين
فكرة التمديد وفكرة ضرورة خضوع الفرد للأغلبية والمنظمات الحزبية لا العكس، إذ ينص
دستور الحزب الشيوعي في مادته رقم 10 الفقرة الأولى على ضرورة: "خضوع الأفراد
للمنظمة وخضوع الأقلية للأغلبية وخضوع المنظمات الحزبية الأدنى للمنظمات الحزبية
الأعلى وخضوع جميع منظمات وأعضاء الحزب لمؤتمره الوطني ولجنته المركزية"، لكن
فكرة التمديد بحد ذاتها هنا، تتعارض ومنطق المادة 10 الفقرة الأولى.
3. أن تبدأ موجة جديدة من الموجات التي تنتقد واقع
التسلطية والدكتاتورية في الصين، وفقاً لما سيحاول المجتمع الدولي عموماً والدول
الغربية خصوصاً، أن تدفع له، فعلى الرغم من أن الصين تصنف دولة استبدادية، إلا أن
فكرة التمديد للرئيس شي جين بينغ، سترسخ واقع الاستبداد في الصين، لاسيما وأن فكرة
التمديد، قد تكون إلى ما لا نهاية.
مثل تلك التداعيات، يمكن أن تتفاقم بما قد يعزز من
احتمالات سعي الشعب الصيني أو الحزب الشيوعي ذاته للإطاحة بشي جين بينغ وفقاً
لافتراضات صحيفة ذا هيل الأمريكية في 9 سبتمبر ، وعليه فإننا نتوقع، أن يركز
الرئيس الصيني وأنصاره خلال أعمال المؤتمر العشرين للحزب الصيني على الكثير من
القضايا الاقتصادية، ليس فقط التركيز على القضايا ذات البعد الاستراتيجي وطويلة المدى،
والتي سيحاول المؤتمر وضعها لتحقيق الهداف الثاني في مئوية الجمهورية الشعبية
(بناء اشتراكية حديثة على كافة المستويات)، وإنما الاهتمام ولحد كبير جداً، بعدد
من الخطط الاقتصادية التي يمكن تنفيذها وتطبيقها على المدى الزمني القصير إلى المتوسط،
والتي يمكن أن تعزز بشكل إيجابي وسريع من واقع الشعب الصيني على أكثر من مستوى،
مثل، وضع خطط مستعجلة من شأنها استعادة معدلات النمو الاقتصادي التي كان يحققها
الاقتصاد الصيني في السنوات الماضية، والتي لم تكن تقل عن 6-8% على الأقل بأقصى
سرعة ممكنة.
فعلى الرغم من أن الصين قد كانت تستهدف نمواً اقتصادياً بنسبة 5.5% للعام الجاري وفقاً لما نقلته (DW) في 10 سبتمبر الجاري، إلا أن ما استطاعت الصين تحقيقه على أرض الواقع خلال النصف الأول من العام الجاري لم يتجاوز 2.5% وهذه النسبة لاقتصاد بحجم الصين، ولدولة بحجم سكان الصين، تعني كارثة بكل المقاييس الاقتصادية.
فتباطؤ
النمو الاقتصادي الصيني على تلك الشاكلة، يعني واقعياً بالنسبة للشعب الصيني:
1. تنامي
معدلات البطالة، التي تزايدت بشكل غير مسبوق منذ أعوام حتى وصلت نسبتها حالياً
لحدود 20%، وهي المعدلات التي باتت تمثل للقيادة الصينية أحد أعقد الأزمات التي
تواجهها داخلياً وفقاً لما أشارت إليه صحيفة (independent)
البريطانية في 22 أغسطس الماضي.
2. أن
تتزايد حدة الفقر بين صفوف الشعب الصيني، لاسيما في مناطق البر الصيني الداخلي، أي
في المناطق غير الساحلية التي تعد ومنذ أن تأسست الجمهورية الشعبية، المناطق
الأكثر فقراً وبطالة وسخطاً سياسياً مقارنة بالمناطق الساحلية الغنية.
تلك
المشاكل، ورغم أنها قد تكون لدول أخرى غير الصين مشاكل صعبة من الحجم المتوسط، إلا
أنها للصين مشاكل كبرى، إذ مثلت تلك المشاكل أو الأزمات ومنذ سنوات طويلة للكثير
من الباحثين في المستقبليات ومستقبل الصين، أحد أبرز العوامل التي يمكن أن تسهم في
تعزيز احتمالات سيناريو تفكك الوحدة الوطنية في الصين، بل وانقسام الصين لعدة دول،
إذ تعاني الصين من نزعات انفصالية عديدة، مثل النزعة الانفصالية في تايوان، وفي
إقليم سينجيانغ، وفي إقليم التبت، فضلاً عن النزعة الانفصالية بين صفوف المنغول،
وغيرها، وهي الانفصالية التي يمكن لأي تدهور في الواقع الاقتصادي أن يغذيها،
لاسيما في مناطق البر الصيني الداخلي بشكل أساسي.
فالنزعة
الانفصالية في الصين، يمكن أن تغذى في حال لم يجد الشعب الصيني، قدرة للقيادات
الحالية على تحسين واقعه المعيشي في الأساس، وإذا استمر التدهور العام في مستويات
المعيشة للشعب الصيني، فإنه لن يجد ما يخسره في حال بدأ يطالب بالانفصال عن البر
الصيني، لاسيما وأنه لا تتوفر ديمقراطية فعلية في البر الصيني.
لكن
وفيما يخص الاستراتيجية الاقتصادية طويلة المدى، فيتوقع الخبراء كما تشير فايننشال
تايمز في تقرير لها نشر بتاريخ 15 سبتمبر الجاري، أن تركز أعمال المؤتمر على:
1. الكيفيات
التي يمكن من خلالها تعزيز مكانة الصين قطباً عالمياً في التكنولوجيا بشكل عام.
2. تعزيز
استقلالية الصين في المجال التكنولوجي عن الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً.
فالتكنولوجيا
بالمنظور الصيني، باتت الأداة أو العامل الأساسي الذي ومن خلاله يمكن للصين، أن
تعزز استقلاليتها عن الوقود الأحفوري المستورد من الخارج، عبر التوسع بتقنيات إنتاج
الطاقة المتجددة محلياً، وهذا الأمر غاية في الأهمية للصين من ناحية ضمان أمنها
الطاقوي بعيداً عن أي ضغوط أمريكية في مرحلة معينة على مصدري الطاقة، لتقييد
صادراتهم الطاقوية للصين بهدف احتواء صعودها.
أيضاً،
تعد التكنولوجيا بالمنظور الصيني، أحد أبرز مجالات العمل التي ومن خلالها سيتاح
للصين منافسة الولايات المتحدة عسكرياً، فعلى الرغم من توازن الرعب النووي ما بين
الصين والولايات المتحدة، فقد انخرط الطرفان في سباقات تسلح عسكرية على قاعدة
التقدم التكنولوجي في الأسلحة التقليدية، وما زالت الولايات المتحدة تتقدم على
الصين في هذا المضمار، وهو ما سيحاول الصينيون خلال المؤتمر العشرين للحزب
الشيوعي، وضع خارطة طريق استراتيجية لعلاجه، سواء من أجل ضمان التفوق التكنولوجي
في المستقبل على الولايات المتحدة، أو على الأقل، إيجاد نوع من أنواع التوازن مع
التقدم التكنولوجي الأمريكي.
ثانياً:
محاور وأجندات ونتائج المؤتمر على المستوى الخارجي:
أما
وفيما يخص الجانب الخارجي والمتعلق بالسياسات الخارجية الصينية، فإن المؤتمر
العشرين للحزب، سيناقش وفقاً لما تشير إليه بعض المصادر الصينية، مختلف القضايا
الإقليمية والدولية التي تمس وتؤثر على الصين أو تتأثر بها، كمشروع الحزام
والطريق، ومستقبل التعاون مع منطقة آسيا الوسطى، ومع روسيا، والتوسع الصيني باتجاه
المحيط الهادي والهندي.
لكن
الخبراء والمراقبين الأمريكيين وفقاً لما أشارت إليه صحيفة ذا هيل الأمريكية في 9
سبتمبر الجاري، يعتقدون بأن الصين وبعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، ستكون
عدوانية على ثلاث مستويات، أيديولوجياً، وعسكرياً، ودبلوماسياً، بمعنى: أن الرئيس
الصين ونظراً لأنه بعد المؤتمر العشرين سيضمن ولاية ثالثة، فإنه وبسبب ذلك سيكون
أكثر قدرة على المضي قدماً في تحقيق أهدافه الخارجية، حتى ولو تخلى عن فكرة
الاعتدال في السياسات الخارجية، التي اتبعها منذ أن وصل للحكم في عام 2012.
أما
وعلى المستوى الأيديولوجي فإن الصين ستكون أكثر عدوانية على هذا المستوى لأن
الرئيس شي جين بينغ سيكون أقل تسامحاً مع المعارضين لفكره وأيديولوجيته
الاشتراكية، حتى يضمن عدم الانشغال بأي معارضة داخلية من طرف بعض أعضاء الحزب
المعارضين له بشكل أو بآخر، بما يلهيه عن استكمال مساعيه الرامية للانتقال بالنظام
الدولي بشكل فعلي من نظام أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة، إلى نظام دولي
جديد متعدد الأقطاب وتؤدي فيه الصين، دوراً لا يقل أهمية عن دور الولايات المتحدة.
أما
عسكرياً، فيتوقع أن تكون الصين أكثر عدوانية للكثير من الأسباب، منها:
1. أن
تتوسع الصين في بناء الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي لتمد حدود مياهها
الإقليمية لأكبر مسافة ممكنة بغض النظر عن تعارض تلك السياسات مع قوانين البحار
الدولية، وبصرف النظر عن مدى انتهاك الصين بتلك السياسات، لحقوق بعض الدول الجوار،
فإن الهدف هو السيطرة الصينية على كامل بحر الصين الجنوبي.
2. على
المستوى الإقليمي، أي على مستوى الجوار الإقليمي للصين، فإن بكين قد تصعد وتكثف من
مناوراتها العسكرية البحرية في بحر الصين الجنوبي لموازنة الوجود الأمريكي البحري.
3. أن
تدرس الصين إمكانات التوسع والانتشار العسكري على المستوى الدولي بوتيرة أسرع من
الوتيرة البطيئة التي كانت تعمل بها الصين في السنوات الماضية، ومن المناطق
المرشحة لذلك، منطقة الشرق الأوسط، في إطار سعي الصين لملء بعض الفراغ الأمريكي في
الشرق الأوسط، وفي مسعى صيني لتنفيذ استراتيجية الاستدارة على الاستراتيجية الأمريكية
الرامية لاحتوائها في الباسفيكي.
4. الأهم
مما سبق، أن تدرس الصين خيار ضم تايوان بالقوة العسكرية للبر الصيني، مستفيدة من
تجارب روسيا في هذا الصدد، كضمها القرم عام 2014، وكاستعداد روسيا لضم المزيد من
الأراضي الأوكرانية لسيادتها باستفتاءات شعبية ستجري في نوفمبر المقبل.
بشكل
عام، ووفقاً لما يتوقعه أستاذ المستقبليات وليد عبدالحي، والذي سبق وأن كتب دراسة
عن مستقبل الصين في عام 2010، فإن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، سيعد
مؤشراً رئيسياً على مستقبل تايوان في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وأن
الصين ستكون أكثر تشدداً في هذا الموضوع أكثر من أي مرحلة سابقة وفقاً لما أشار إليه
في مقال على صفحته في الفيسبوك بتاريخ 5 مايو الماضي، إذ تدرك الصين حالياً، أن
الفرصة سانحة أمامها فيما يخص ملف تايوان، في ظل انشغال الولايات المتحدة بتداعيات
الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ظل إدراك الصين، وهو الأهم، أن الولايات المتحدة لن
تكون قادرة على أرض الواقع على التعامل مع قضيتين كبيرتين على المستوى
الاستراتيجي، مثل الحرب الروسية الأوكرانية وبنفس الوقت، أن تواجه التشدد الصيني
تجاه تايوان.
ثالثاً:
رؤية ختامية:
في
ختام هذه الدراسة، يتضح لنا أن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، سيكون
بمثابة نقطة تحول في تاريخ الصين المعاصرة، سواء على المستوى الداخلي، أو على
المستوى الخارجي، إذ يتوقع من المؤتمر العشرين أن يؤسس لانطلاقة الصين الجديدة
الأكثر استقلالية عن الغرب والعالم في مجال التكنولوجيا والطاقة، وأن يؤسس بذات
الوقت، لبدء الصين بمرحلة جديدة في سياساتها الخارجية، تعتمد فيها الصين على
أدواتها الخشنة وأدوات القوة العسكرية في بناء النفوذ والمكانة.
وعليه،
سيعني ما سبق أننا وعلى الأغلب، سنكون أمام مرحلة جديدة في السياسة الدولية
والعالمية، أكثر ميلاً للتصعيد والتوتر ما بين الدول الكبرى، الصين وروسيا من جهة،
والولايات المتحدة والدول الغربية من جهة أخرى، فمساعي الصين لتعزيز الاعتمادية
على الأدوات العسكرية في سياساتها الخارجية، على الأقل في جوارها الإقليمي، ستثير
قلق الولايات المتحدة على مستقبل أمن واستقلالية حلفائها في منطقة حوض الباسفيكي،
الأمر الذي قد يدفعها للتصعيد بشكل مضاد للصين.
تلك
المنافسة القادمة في السياسة الدولية، يمكن أن تمس المنطقة الخليجية ودولة
الإمارات بشكل أو بآخر، فاشتداد المنافسة العالمية ما بين الصين والولايات المتحدة
قد ينتهي بواشنطن على أرض الواقع، لتخيير حلفائها في الخليج ما بينها وبين الصين،
إلا أن احتمالات ذلك متدنية، فلو خيرت واشنطن حلفاءها على تلك الشاكلة، فقد تعرض
مستقبل نفوذها في المنطقة الخليجية للخطر لاسيما وأن الصين بالمنظور الخليجي
العام، أحد أبرز مستوردي الطاقة الخليجية، في حين أن الولايات المتحدة، ومنذ سنوات،
خفضت اعتمادها على الطاقة الخليجية بعد طفرات النفط الصخري الأمريكي.
لذلك نرى أن الأرجح أن تشكل المنافسة الصينية الأمريكية المرشحة للمزيد من التزايد، فرصة استراتيجية للإمارات ودول الخليج، إذ تشكل المنافسة نوعاً من أنواع الحرب الباردة ما بين الصين والولايات المتحدة، وتلك الحالة من حالات التنافس، ستمنح الإمارات والخليج فرصاً أكبر لمناورة الحليف الأمريكي وانتزاع المكاسب منه، عبر التلويح بالتوجه للصين في حال لم يضمن الخليج ما يريد، كمنظومات تسلح، أو دعم سياسي في قضية أو أخرى.
بيانات البنك الدولي للفترة من 2015-2022 (نمو الاقتصاد الصيني خلال الفترة من 2015-2022 بالنسبة المئوية:)