
في تقريرها لعام 2023، ذكرت الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (إيكان ICAN)، أن الدول النووية أنفقت أكثر من 91 بليون دولار لتعزيز ترسانتها النووية، وهو معدل يقترب من 3 دولارات كل ثانية، بزيادة تصل في عام 2023 إلى نحو 10 مليارات دولار عن عام 2022، وكان نصيب الولايات المتحدة وحدها 80% من تلك الزيادة.
حول الحملة
هذه الحملة ومقرها جنيف، بسويسرا، هي ائتلاف من منظمات غير حكومية من 100 دولة، وتعمل في إطار معاهدة الأمم المتحدة لمنع الأسلحة النووية، وقد تأسست عام 2007 في فيينا على هامش أعمال المؤتمر الدولي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. تتكون من 468 منظمة شريكة في 101 دولة.
يتم تمويلها من قبل متبرعين فرديين ومن إسهامات يقدمها الاتحاد الأوروبي والنرويج، وسويسرا، وألمانيا، والفاتيكان. عملت الحملة عام 2017 على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وهو الأمر الذي أسهم في منحها جائزة نوبل للسلام في السنة نفسها.
استمرار تطوير القدرات النووية
يشير التقرير إلى أن مثل هذه الزيادة تظهر الجهود التي تقوم بها دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين لتطوير قدراتها النووية، وهو ما تأكد عبر معهد بحوث السلام في أستوكهولم بالسويد (SIPRI). وتقول مليسا بارك رئيسة الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، إن من الإنصاف أن نقول إن التقرير يعبر عن تفاعلات تشبه نذر حرب عالمية.
مع ذلك يشير تقرير معهد السلام إلى تراجع قليل في عدد الرؤوس النووية إلى 12121من 12512 في السنة الماضية، وذلك في وقت ازداد فيه عدد الرؤوس الجاهزة للنشر، بحوالي 9585، وهي متوفرة في مخازن خاصة، وهناك 2100 على درجة عالية من الجاهزية.
ويقدر عدد الرؤوس النووية في العالم في يناير بحوالي 12121، منها 9585 توجد في مخزونات جاهزة للاستخدام، ومنها 3904 مجهزة في صواريخ وعلى طائرات، وهو عدد يزيد 60 على ما كان عليه في يناير 2023، والبقية في مخازن.
تاريخياً كانت كل من الولايات المتحدة وروسيا تسيطران، ولكن المعهد يشير إلى تغير كبير بعد دخول الصين التي تحتفظ بعدد كبير من الرؤوس التي على درجة عالية من الاستعداد. لكن في الوقت الذي تناقص فيه عدد الرؤوس النووية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة، فإننا نرى تزايداً في عدد الرؤوس النووية الجاهزة للاستعمال، كما قال مدير المعهد، دان سميث، لوكالة الصحافة الفرنسية.
ارتفاع حاد في الإنفاق النووي
أشار التقرير إلى ارتفاع حاد في الإنفاق النووي خاصة في الزيادة التي قدرت بحوالي 10 إلى 8 بلايين في عام 2023، وفي مقدمة الدول التي زادت إنفاقها الولايات المتحدة التي أنفقت أكثر من 51 بليون دولار، وهو ما يصل إلى 80% من الزيادة العالمية، بينما خصصت روسيا مبلغ أكثر من 8 بلايين دولار والصين أكثر من 11 بليون دولار والمملكة المتحدة 8 بلايين دولار في عامين على التوالي. وقد ارتفع حجم الإنفاق النووي في كل من الهند وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية إلى 33% وهذه الدول مجتمعة أنفقت 387 بليون دولار منذ عام 2018.
منتقدة إهدار بلايين الدولارات في الأسلحة النووية باعتباره سؤ توظيف للمال العام، قارنت بارك المفارقة بين هذا الإنفاق والحاجة الماسة للإنفاق في الجوانب الإنسانية وجهود المحافظة على البيئة، فقالت: إن هذه الأرقام يتم صرفها بطريقة فاحشة، وهي أموال تنفق على أسلحة لن يتم استخدامها حيث تصرف على أسلحة فقط للردع.
إيكان دعت إلى مساندة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي بدأ العمل بها منذ عام 2021، مطالبة الدول بمراجعة أولوياتها، وقد حصلت المعاهدة على موافقة 70 دولة وندعو الدول النووية لتعزيز الأمن العالمي.
وبدلاً من الاستثمار في الكارثة، على الدول النووية التسع أن تتبع نصف دول العالم وتنضم إلى المعاهدة، وتقدم إسهاماً حقيقياً لتعزيز الأمن العالمي. وفق أليسا ساندرز التي شاركت في كتابة التقرير.
أخطار تلوح في الأفق
جاء في مقابلة سابقة أجرتها سويس إنفو مع ميليسا بارك، أن القضاء على الأسلحة النووية الآن أكثر أهمية وإلحاحاً من أي وقت مضي؛ بسبب تزايد التوترات والصراعات. وتوفّر معاهدة حظر الأسلحة النووية طريقاً لإزالتها. ما نشاهده اليوم هو تصاعد التوتّرات، وتعزيز التسلّح، وتحديث الترسانات النووية وتوسّع انتشارها. والكثير من الأخطار تلوح في الأفق الآن. لقد شهدنا خلال العقود الماضية العديدَ من الحوادث ذات العلاقة بالأسلحة النووية، حيث كان من الممكن أن يؤدي أي واحد منها إلى اندلاع حرب نووية شاملة. لقد كان هناك الكثير من سوء التقدير، وسوء الفهم. وهناك تهديدات إضافية تأتي من القادة المختلين ومن الجماعات الإرهابية والهجمات الإلكترونية. كما يطرح ظهور الذكاء الاصطناعي سؤالاً حول ما إذا كان القرار باستخدام الأسلحة النووية سيصبح بيد الآلات. إنها بيئة أكثر خطورة ممّا كان عليه الوضع خلال الحرب الباردة؛ لهذا السبب توقفت المحادثات والمفاوضات حول معاهدة عدم الانتشار تماماً.
رؤوس نووية جاهزة
يشير معهد بحوث السلام إلى أن الرؤوس النووية المجهزة على صواريخ بالستية على درجة عالية من الجاهزية، تتبع جميعها للولايات المتحدة وروسيا، ولأول مرة تمتلك الصين عدداً من هذه الصواريخ المعدة للإطلاق. يقول معهد بحوث السلام من المؤسف أننا عاماً بعد عام نرى زيادة في الرؤوس النووية المعدة للإطلاق، ومن المرجح أن تتصاعد الأعداد خلال السنوات القادمة وهو أمر مقلق.
ووفق معهد بحوث السلام، تراجع مبدأ الشفافية لدي الدولتين بعد الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، والجدل حول المشاركة وتبادل المعلومات بين الدولتين قد تزايد، وقد أوقفت واشنطن الحوار مع موسكو حول الاستقرار الإستراتيجي، كما قالت موسكو إنها أوقفت مشاركتها في معاهدة ستارك للأسلحة النووية الجديدة.
وذكر المعهد أن باكستان والهند وكوريا الشمالية تعمل على الوصول إلى قدرات وضع الرؤوس النووية على صواريخ بالستية، فالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين لديها القدرة السريعة لزيادة نشر رؤوس نووية لتهديد وتدمير مزيد من الأهداف المهمة.
31 بليون دولار أرباح في 2023
في عام 2023 حققت 20 شركة تعمل في تطوير وصيانة الأسلحة النووية أرباحاً وصلت إلى 31 بليون دولار، وهناك عقود على الأقل تصل إلى 335 بليون دولار مع هذه الشركات، بعضها يصل إلى عقد من الزمان.
حصلت هذه الشركات على حوالي 7 بلايين دولار كعقود في مجال الأسلحة النووية، وهي شركات لها تأثير في دوائر حكومية ومؤسسات مالية. وقد أنفقت هذه الشركات 118 مليون دولار على تمويل مراكز الضغط بزيادة تعادل 11 مليون دولار عن عام 2022، كما تقوم بتمويل بعض مراكز الفكر، ولديها الكثير من النافذين في مواقع مهمة في بعض الدول والمؤسسات المالية.
معاهدة حظر الأسلحة النووية
وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تُعد معاهدة حظر الأسلحة النووية أول اتفاق متعدد الأطراف يُطبَّق عالمياً ويرمي إلى حظر الأسلحة النووية حظراً شاملاً استناداً إلى القانون الدولي الإنساني، وذلك إقراراً منها بالعواقب الإنسانية الوخيمة الناتجة عن هذه الأسلحة. وهي أيضاً أول معاهدة تتضمن أحكاماً تخص المساعدة في معالجة النتائج الإنسانية المترتبة على استخدام الأسلحة النووية وتجريبها.
وتنص معاهدة حظر الأسلحة النووية بوضوح على أنه يجب على الدول التي صادقت عليها "ألا تقوم أبداً تحت أي ظرف من الظروف بتطوير، أو اختبار، أو إنتاج، أو تصنيع، أو حيازة، أو امتلاك، أو تخزين أسلحة نووية، أو أجهزة نووية متفجرة أخرى".
ولا تتناقض هذه المعاهدة مع اتفاقيات دولية قديمة وقائمة بخصوص السلاح النووي، لاسيما معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والمعاهدات الإقليمية المنشئة للمناطق الخالية من الأسلحة النووية، إذ ترمي إلى تحقيق التكامل في الأدوات القانونية الدولية من أجل القضاء على السلاح النووي.
وقد اعتُمدت المعاهدة في مؤتمر دبلوماسي للأمم المتحدة في 7 يوليو 2017، وفُتح باب توقيعها في 20 سبتمبر 2017. وجرى الاتفاق على دخول المعاهدة حيز النفاذ بعد تصديق 50 دولة عليها، وهو ما حدث في أكتوبر 2020.
ولم تحظ المعاهدة بمصادقة الدول النووية كالولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين. ويقول خبراء إن القوى النووية الكبرى ترفض هذه المعاهدة بزعم أنها قد تقوض الردع النووي على الصعيد العالمي، وهو ردع له الفضل في الحيلولة دون نشوب حروب تقليدية كبرى. وتقول هذه الدول إنها باقية على التزاماتها تجاه اتفاقية أخرى وهي معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وطيلة خمسة عقود، مثلت معاهدة عدم الانتشار محور الجهود العالمية الرامية إلى منع زيادة انتشار الأسلحة النووية [منع وليس حظراً]، وتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ودخلت هذه المعاهدة حيز النفاذ في يوليو 1970.
وبموجب هذه المعاهدة تلتزم الدول غير الحائزة لأسلحة نووية بعدم تصنيع أسلحة نووية أو القيام على نحو آخر باقتناء أسلحة نووية أو أجهزة تفجيرية نووية أخرى، في حين تلتزم الدول الأطراف الحائزة لأسلحة نووية بعدم مساعدة أو تشجيع أو حث أي دولة طرف في المعاهدة غير حائزة لأسلحة نووية بأيِّ حال من الأحوال على تصنيع أسلحة نووية أو القيام على نحو آخر باقتناء أسلحة نووية أو أجهزة تفجيرية نووية أخرى.