مقالات تحليلية

أوامر ترامب التنفيذية.. إثارة للجدل وتساؤلات حول التطبيق

23-Jan-2025

في خطاب تنصيبه وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل الولايات المتحدة إلى "العصر الذهبي"، وأعلن مجموعة من القرارات التنفيذية والوعود التي سيعمل على تنفيذها فيما يتعلق بالسياستين الداخلية والخارجية. في هذا المقال سنضع أبرز قرارات ترامب التنفيذية تحت النظر والتحليل.

طرد "ملايين المجرمين الأجانب"

وعد ترامب مراراً وتكراراً خلال حملته الانتخابية بتنفيذ عمليات ترحيل جماعي تستهدف ما لا يقل عن 11 مليون فرد غير مسجل، وتعهد بإلغاء أولويات الترحيل التي وضعها الرئيس جو بايدن، والتي استهدفت الأفراد ذوي السجلات الجنائية وأولئك الذين يعتبرون تهديداً للأمن القومي، وبدلاً من ذلك توسيع نطاق التنفيذ ليشمل جميع المهاجرين غير المسجلين.

لم يوضح ترامب تفاصيل خطته، لكنّ محامي الهجرة والمدافعين عن حقوق المهاجرين وأساتذة علم الجريمة يقولون إن إدارة ترامب لن تضطر إلى إجراء مداهمات واسعة النطاق في أماكن العمل أو اعتقال المهاجرين في الشوارع. وبدلاً من ذلك، قد تبدأ على الفور استهداف ما يقدر بنحو 11 مليون مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة بما في ذلك 1.6 مليون في تكساس، باستخدام جهاز الترحيل الحالي الذي تستخدمه الشرطة المحلية والسجون والوكلاء الفيدراليون.

يقول ستيفن ييل لوهير، الأستاذ المتقاعد لقانون الهجرة في كلية الحقوق بجامعة كورنيل : إن جهود الترحيل الجماعي والمداهمات قد تحظى بأكبر قدر من الاهتمام، لكن عمليات الترحيل لن تتزايد بسرعة على الفور، وإذا كان لدى الشخص بالفعل أمر ترحيل معلق، فيمكن ترحيله على الفور لكن هذا عدد صغير نسبياً. سيتم وضع معظم الأشخاص الذين يتم القبض عليهم في إجراءات الترحيل في محاكم الهجرة ولدى هذه المحاكم بالفعل تراكم لأكثر من 3.8 ملايين قضية، ونظراً إلى هذا التراكم فسوف تمر سنوات قبل أن يعرف العديد من الأشخاص ما إذا كان سيتم ترحيلهم أو السماح لهم بالبقاء على أساس اللجوء أو أي شكل آخر من أشكال الحماية (صوت أمريكا – 20 يناير).

استعادة قناة بنما

قبل انتخابه، قال ترامب علناً إنه تجب إعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة وأنه لن يستبعد استخدام القوة العسكرية لاستعادتها. وفي حفل تنصيبه رئيساً يوم الاثنين، عزز ترامب موقفه، ولم يقدم أي تفاصيل حول الكيفية التي تخطط بها الولايات المتحدة لإعادة السيطرة على الأراضي والبنية الأساسية التي تشكل جزءاً من الأراضي البنمية ذات السيادة، وهي الأراضي التي تعهدت قيادة البلاد بعدم التنازل عنها.

إن شن حرب لتأمين منطقة القناة لن يكون بالأمر الهين، فهي منطقة تبلغ مساحتها أكثر من خمسمائة ميل مربع، ويبلغ عدد سكان بنما أربعة ملايين ونصفاً، ومن غير المرجح أن يرحب السكان بالخضوع لأي شكل من أشكال الاحتلال الأمريكي. لقد بنى ترامب حياته السياسية من خلال التفكير خارج الصندوق، ولكن محاولة استعادة القناة -سواء من خلال ترهيب البنميين أو استخدام القوة العسكرية- ستكون مهمة محفوفة بالأخطار ومن غير المرجح أن تنجح (سي إن إن – 21 يناير).

فرض رسوم جمركية على دول أجنبية

قال ترامب إن إدارته ستفرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا في الأول من فبراير، وهو تغيير غير عادي في سياسة التجارة في أمريكا الشمالية من شأنه أن يرفع الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين. كما هدد أيضاً بفرض رسوم جمركية على الصين والاتحاد الأوروبي ومجموعة بريكس.

من الناحية النظرية، يمكن للرئيس أن يلجأ إلى سلطات الطوارئ لفرض الضرائب الجديدة ابتداء من الأول من فبراير. ولكن من المرجح أن تتم العملية بشكل أبطأ، ويميل ترامب إلى فرض رسوم جمركية على المنتجات المكسيكية والكندية مؤقتاً على الأقل لكسب تنازلات من جيران الولايات المتحدة بشأن مراقبة الحدود.

تقول واشنطن بوست إن استهداف هذا العدد الكبير من الشركاء التجاريين لأسباب مختلفة عديدة يؤكد نية الرئيس استخدام التعريفات الجمركية، وهي ضريبة على السلع الأجنبية، كأداة شاملة للسياسة الاقتصادية الدولية ومصدر حيوي متزايد الأهمية للإيرادات الحكومية. في العام الماضي، جمعت الحكومة الفيدرالية نحو 85 مليار دولار من التعريفات الجمركية من المستوردين الأمريكيين، أي أقل من 3% من إجمالي الإيرادات الضريبية الفيدرالية (واشنطن بوست – 21 يناير).

حالة طوارئ وطنية في قطاع الطاقة

قال ترامب إنه سيعلن "حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة" كأحد أول إجراءاته كرئيس، متعهداً بدعم الإنتاج المحلي من الوقود الأحفوري. يقول مايكل جيرارد، مدير هيئة التدريس في مركز سابين لقانون تغير المناخ في جامعة كولومبيا، أيّاً كانت اللغة، فإن ترامب لن يكون قادراً على تحقيق سياسته المتعلقة بالطاقة بالكامل بضربة قلم، وسوف يتقرر الكثير من ذلك في السنوات المقبلة بعد معارك ضارية في المحاكم والكونجرس، وقال جيرارد "إن إعلان حالة الطوارئ لا يمنحه سوى القليل من الصلاحيات الإضافية. ولا يعني هذا أنه يسمح له بإلغاء القانون الفيدرالي أو قانون الولاية كمسألة عامة. هناك بعض الأمور المحددة التي يمكن القيام بها، ولكن على صعيد الطاقة، فهي محدودة للغاية" (Scientific American - 21 يناير).

هذه التحركات تشير إلى تحول جذري في سياسة الطاقة في واشنطن بعد أن سعى الرئيس السابق جو بايدن لمدة أربع سنوات إلى تشجيع التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري في أكبر اقتصاد في العالم. لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت إجراءات ترامب ستخلف أي تأثير في إنتاج الولايات المتحدة، الذي بلغ بالفعل مستويات قياسية مع سعي شركات الحفر إلى رفع الأسعار في أعقاب العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا في عام 2022.

الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ

تعهد الرئيس ترامب مرة أخرى بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، وهو أهم جهد عالمي لمعالجة ارتفاع درجات الحرارة. وتستغرق عملية الانسحاب من اتفاق باريس عاماً واحداً ودخل قرار ترامب السابق حيز التنفيذ في اليوم التالي للانتخابات الرئاسية لعام 2020، والتي خسرها أمام بايدن ورغم أن الانسحاب الأول بقيادة ترامب من الاتفاق التاريخي للأمم المتحدة الذي اعتمدته 196 دولة، صدم وأغضب الدول في جميع أنحاء العالم، فإنه لم تتبع دولة واحدة الولايات المتحدة في ذلك.

إن الانسحاب من الاتفاق قد يكون ضاراً، من خلال تهميش الولايات المتحدة من بعض أسواق الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء وتقليل النفوذ مع دول أخرى وقد يعوق هذا بعض الأهداف الاقتصادية الأوسع نطاقاً التي وضعها ترامب للولايات المتحدة.

يرى الناشط المناخي والكاتب بيل ماكيبن أنه "من الواضح أن أمريكا لن تقوم بدور قيادي في المساعدة على حل أزمة المناخ، وهي المعضلة الأعظم التي واجهها البشر على الإطلاق. وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، فإن أفضل ما يمكننا أن نأمله هو ألا تتمكن واشنطن من إفساد جهود الآخرين" (أسوشيتد برس – 21 يناير).

سياسة البقاء في المكسيك

أعلن ترامب إعادة العمل ببرنامج "البقاء في المكسيك"، وهو ما يمثل استئنافاً لمبادرة أجبرت طالبي اللجوء غير المكسيكيين على الانتظار جنوب الحدود أثناء معالجة قضاياهم، وتعهد ترامب بالمضي قدماً في إجراءات أمنية صارمة على الحدود، بما في ذلك إعادة العمل ببرنامج "البقاء في المكسيك"، المعروف سابقاً باسم بروتوكولات حماية المهاجرين. وأطلق ترامب البرنامج عام 2019 خلال ولايته الأولى.

وقد أسفرت هذه السياسة، التي تم إنشاؤها وتنفيذها خلال إدارة ترامب الأولى عام 2019، عن انتظار عشرات آلاف المهاجرين فتراتٍ طويلةً في المكسيك. وقد تعرضت هذه السياسة، المعروفة رسمياً باسم بروتوكول حماية المهاجرين، لانتقادات بسبب دفع المهاجرين إلى معسكرات بائسة وتركهم عرضة للضغوط من عصابات المخدرات في منطقة الحدود.

وقال مسؤولون إن هذا من شأنه أن يردع ما أسموه طلبات اللجوء الاحتيالية، في حين قال المدافعون عن حقوق المهاجرين إنه يعرض المهاجرين الضعفاء، بمن فيهم الأسر التي لديها أطفال صغار، للخطر. وأنهى الرئيس السابق جو بايدن البرنامج عام 2021، بحجة أن المهاجرين تُركوا في ظروف بائسة وخطِرة على الجانب المكسيكي من الحدود (الغارديان – 21 يناير).

من خليج المكسيك إلى خليج أمريكا

كان من بين أول الأوامر التنفيذية التي وقعها الرئيس ترامب، تسمية خليج المكسيك بخليج أمريكا، وينص الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب على إلزام وزير الداخلية الأمريكي بتغيير الأسماء على الخرائط الفيدرالية.

من المعروف أن حوض المحيط الهادئ -الذي يحده ساحل خليج الولايات المتحدة، والولايات الشرقية في المكسيك، وجزيرة كوبا- هو مركز مهم للنشاط الاقتصادي، بما في ذلك صيد الأسماك، والنقل البحري، وإنتاج النفط والغاز، وهو ما يقدم تفسيراً لاهتمام ترامب به.

ولا يوجد اتفاق أو بروتوكول دولي رسمي لتسمية المناطق البحرية، ولا تملك أي هيئة دولية الكلمة النهائية بشأن الأسماء البحرية، رغم أن المنظمة الهيدروغرافية الدولية تسعى لتوحيد الأسماء وحل النزاعات، وعلى النقيض من التدابير الأخرى التي أعلنها ترامب في يومه الأول بصفته الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، فإن تغيير الاسم لم يكن موضوع أمر تنفيذي. ورغم أنه قال إن ذلك سيحدث "في غضون فترة قصيرة من الآن" فمن الناحية النظرية، سيكون إجراء ترامب كافياً لتغيير اسم الخليج في الوثائق الرسمية داخل الولايات المتحدة، ولكن الدول الأخرى لن تكون ملزَمة باتباع الإجراء نفسه (الغارديان – 21 يناير). 

104