دراسات سياسية

قراءة في عودة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية في السودان

22-Mar-2023

تبحث هذه الدراسة في التحركات المتزايدة للتيار الإسلامي في السودان، التي تتزامن مع تقدّم عملية التحول المدني في البلاد. وفي الوقت الذي اتفق فيه المدنيون والعسكريون في السودان على توقيع "الاتفاق السياسي النهائي" في الأول من أبريل المقبل، وتوقيع دستور انتقالي في السادس من نفس الشهر، وكذلك تشكيل الحكومة المدنية الانتقالية في الحادي عشر من الشهر ذاته، وذلك عقب اجتماعين موسعين بين القوى الموقعة على "الاتفاق الإطاري" وكل من رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات "الدعم السريع" الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وبحضور ممثلين عن "الآلية الدولية الثلاثية" و"اللجنة الرباعية الدولية"؛ فإن التيار الإسلامي في السودان كان يدفع قدماً بأجندته لمزاحمة العملية السياسية وعرقلتها لصالح عودته إلى السلطة التي فقدها.


توصّلت الدراسة إلى ما يلي من نتائج:

أنّ جماعة الإخوان تحشد في الوقت الراهن مختلف أوراقها لإفشال الاتفاق الإطاري.

أنّ الجيش السوداني الذي لم يكن الاتفاقُ الإطاري خيارَه الأوّل، يتّسق ضمنياً مع تحركات الإخوان لإعادة خلط الأوراق في البلاد مجدداً.

يُستبعد أن يتجه الإخوان المسلمون نحو التصادم في الوقت الراهن، بل العمل التدريجي لتفكيك الاتفاق الإطاري والتقرب من الجيش.


تجلّت خطوات التيار الإسلامي -وعلى رأسه الأخوان المسلمون- نحو محاولة العودة إلى المشهد السياسي في السودان مبكراً، في مجموعة من المفاصل الرئيسية التي يمكن تلخيصها بما يلي: 

أولاً، في أكتوبر 2019، تمّ الإعلان عن انطلاق "حركة المستقبل للإصلاح والتنمية"، وكان القيادي السابق في المؤتمر الوطني المحلول عبد الواحد يوسف إبراهيم أميناً عامّاً للحركة، وانضم إليها الصف الثاني من قيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول. ومنتصف مارس 2023، عقدت الحركة مؤتمرَها العامَّ الأول، وانتخبت محمد الأمين أحمد أميناً عامّاً خلفاً لعبد الواحد.

ثانياً، في أبريل 2022، وقعت 8 كيانات سياسية سودانية على وثيقة تأسيس لتحالف جديد تحت اسم "التيار الإسلامي العريض"، لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها. وضمّ الكيانُ الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين وحركة الإصلاح الآن، وحزب دولة القانون والتنمية، ومنبر السلام العادل.

ثالثاً، كان من البارز يوم 18 مارس 2023 ظهور القيادي الإسلاموي في النظام السوداني المعزول، علي كرتي بولاية الجزيرة في وسط السودان، حيث خاطب كرتي حشداً من أنصار حزبه المحلول "المؤتمر الوطني"، الأمر الذي أثار جدلاً في السودان حول السماح له بعقد مثل هذا التجمع. 

جدد كرتي، التزام الحركة الإسلامية وأعضاء حزب "المؤتمر الوطني" المنحل، بالاصطفاف خلف القوات المسلحة باعتبارها الضامن الحقيقي لأمن السودان. ووصف الثورة التي أطاحت بنظامه بأنها "انقلاب ضد رئيس دولة منتخب، قادته أحزاب تتشدق بالديمقراطية، وتتخذ كافة الوسائل لتشويه صورة الإسلاميين".


مهددات أمام التحول المدني 

من الواضح أن الإسلاميين في السودان عادوا إلى التحرّك بوتيرة متسارعة خلال الأيام الأخيرة، وقد يكون انعقاد المؤتمر العامِّ الأول لـ"حركة المستقبل" -التي تعتبر ذراعاً سياسية للحركة الإسلامية- منتصف مارس الجاري، أبرزَ مثال على هذا الحراك. ويرى مراقبون أن انعقاد المؤتمر يعتبر مؤشراً على بدء تنفيذ البرتوكولات السرية التي أقرها مؤتمر شورى الحركة في يونيو الماضي؛ وأن تأسيس "حركة المستقبل" بمثابة معركة وجودية أخيرة للحركة الإسلامية تقودها عبر واجهة سياسية.

ويُنظر إلى الحركة على أنها محاولة لجمع صفوفهم بعد فشل تجربة التيار الإسلامي العريض ونداء السودان الذي قاده رجل الصوفية الشيخ الطيب الجد. وينظر إليها أيضاً على أنها مؤشر على الانقسام الداخلي للحركة الإسلامية بين مجموعة قيادة المؤتمر الوطني المحلول (إبراهيم غندور وإبراهيم محمود)، وتيار علي كرتي الذي تعبر عنه الحركة.

كذلك يُنظر إلى عقد مؤتمر الحركة على أنه محاولة للضغط السياسي والعسكري على رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بعد استجابته للضغوط الدولية، وأن انعقاد المؤتمر في قاعة الصداقة مؤشر على محاولات السلطة تجاوز عقبة حظر المؤتمر الوطني وإفساح المجال للكيان الجديد.

في هذا السياق، أكد جعفر حسن الناطق الرسمي باسم "الحرية والتغيير"، وجود مهددات للعملية السياسية تتمثل بما يقوم به الفلول الآن من خلال منصات متعددة داخل وخارج السودان تعمل على تغذية خطاب الكراهية بشكل مستمر، والغرض منها الوصول بالسودان إلى حالة انسداد مجتمعي شامل. واتهم في مؤتمر صحفي مجموعة علي كرتي بتغذية الصراع بين الأجهزة العسكرية في السودان، وخلق فوضى داخل الدولة السودانية، وأيضاً عرقلة العملية السياسية وبث خطاب الكراهية بين مكونات الشعب السوداني، (موقع "دبنقا" السوداني، 17 مارس 2023).

ولعل من الملاحظ أيضاً أن الإسلاميين في السودان، بدأوا التحرك على جبهات متزايدة، وبشكل أكثر وضوحاً وبملامح أكثر تهديداً لأمن واستقرار السودان، برز هذا في فبراير الماضي، خلال اجتماع لتنسيق حملة للمطالبة بإطلاق سراح الرئيس المعزول عمر البشير وأعوانه المعتقلين على ذمّة القضية الخاصة بانقلاب 30 يونيو 1989، ولوحوا بإسقاط توقيع الاتفاق النهائي حول العملية السياسية عبر إغلاق إقليم شرق السودان. 

وقد كشف أحد المتحدثين خلال الاجتماع عن ترتيبات سرية وجيوش أعدّت لإغلاق إقليم شرق السودان بالتزامن مع توقيع الاتفاق النهائي حول العملية السياسية. وقال مبارك النور، وهو نائب سابق في البرلمان بولاية القضارف، إنه "قادر على تحريك جيش لإغلاق الشرق، من أجل إطلاق سراح عمر البشير وأعوانه متى طلب منه ذلك"، (صحيفة العرب اللندنية، 23 فبراير 2023).

في الواقع، منذ سقوط نظام البشير في أبريل 2019، ظل الإخوان المسلمون من أنصار النظام السابق يعملون دون هوادة على إعاقة مسار الانتقال الديمقراطي في السودان بمختلف السبل، ومن الواضح أنهم قد جمعوا أمرها على تبني استراتيجية لإفشال الاتفاق السياسي بين العسكريين والمدنيين والحكومة الانتقالية التي ستنجم عنه. وتستند استراتيجية أنصار النظام السابق الهادفة لإفشال الاتفاق السياسي وعرقلة أداء الحكومة القادمة على مرتكزات هي: 

1. تكوين المليشيات الجهوية والقبلية.

2. المضاربة في أسعار العملة الصعبة.

3. الإضرابات المطلبية.

4. تأجيج الصراع بين مختلف المكونات الاجتماعية (القبائل). 

أما المستجد في الفترة الأخيرة فهو إقدامهم على تكوين مليشيات عسكرية مسلحة تحت دعوى مساندة الجيش السوداني والدفاع عن المكونات الاجتماعية في وسط وشمال السودان، وتكمن خطورة الخطوة في أنها حتماً، وفي ظل الاحتقان الاجتماعي العميق الذي تعيشه البلاد، ستؤدي إلى مواجهات مسلحة تصعب السيطرة عليها، (موقع برق السودان، 13 مارس 2023).


قيادة الجيش وتحركات الإخوان المسلمين

من المفهوم أن تحركات الإخوان المسلمين في السودان لم تكن لتحظى بهذا الكمّ من الزخم لولا وجود ضوء أخضر ضمنيّ من قبل الجيش أو بعض أجنحته. ويمكن ملاحظة هذه الحقيقة في الخلافات العلنية التي تكشّفت خلال الأسابيع الأخيرة بين رأسي المكوّن العسكري في السودان، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ومحمد حمدان دقلو حميدتي قائد قوات الدعم السريع، قبل أن تهدأ تلك العاصفة مؤقتاً باتفاق الطرفين على تكوين لجنة أمنية مشتركة لمتابعة الأوضاع الأمنية في البلاد.

ويُنظر إلى الاتفاق الإطاري -الذي وُقع في ديسمبر 2022- على أنه السبب في تجدد الخلافات بين البرهان وحميدتي. فرغم توقيعهما على نصه بخروج المؤسسة العسكرية من السلطة، فإن تصريحاتهما اللاحقة كشفت عن تباين، فبينما أقرّ حميدتي بـ"فشل الانقلاب"، وأعلن دعمه الكامل للاتفاق باعتباره مخرجاً، أخذت تصريحات البرهان لغة التملص من الاتفاق.

في هذا الصدد، سبق أن نقلت (صحيفة سودان تريبيون) في سبتمبر 2022 عن مسؤولين سودانيين أن إرشادات قدمها مقربون من حميدتي وتحليلات أجرتها استخبارات الدعم السريع، أكدت أن البرهان سعى عقب إجراءات 25 أكتوبر 2021 والإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك، لتعزيز سيطرته على مفاصل الخدمة المدنية، وإعادة الإسلاميين عبر قرارات قضائية لضمان الولاء. و"جاء اتخاذ البرهان تلك الخطوةَ للحد من سيطرة حميدتي عليها". 

ونقلت الصحيفة عن مستشار سابق لحميدتي أن الجزئيات الخاصة بإعادة الإسلاميين ومنسوبي النظام السابق لوظائفهم بالخدمة المدنية، ذات أهمية بالغة في التأثير على قائد الدعم السريع من منطلق مشاعر الكراهية التي لا يخفيها الإسلاميون لحميدتي، (موقع "مصر 360"، 16 مارس 2023).

يقول الكاتب الصحفي الجميل الفاضل أن قادة الإنقلاب من ضباط الجيش، بدأوا في غضون اليومين الماضيين تحركات أقل حذراً، تسعى لإيجاد مقاربة، تُمكَّنُ الحركة الإسلامية بزعامة علي كرتي، من الحصول على موطئ قدم أياً كانت مساحته وحجمه، على خارطة الفترة الانتقالية المرتقبة، التي دخلت بالفعل عمليةُ التأسيس لها المراحلَ النهائية تحت وطأة ضغط دولي متنوع وكثيف.

ومما يعزز فرضية دعم قادة الجيش لاستعادة الحركة الإسلامية أدوارها السياسية، سماح السلطات الانقلابية لحركة كرتي بتدشين نشاط ذراعها السياسية "حركة المستقبل للإصلاح والتنمية" الحزب المُستنسخ من حزب "المؤتمر الوطني" المحظور، من قاعة الصداقة بالخرطوم الأربعاء الماضي. فيما كشفت أنباء متواترة عن لقاء ضم قائد الانقلاب وعناصر فاعلة من حزب المؤتمر الوطني المحلول بمدينة القولد (شمال السودان)، ورجح مراقبون أن لقاءات البرهان بعناصر الحزب المحظور تأتي ضمن استراتيجية شاملة تهدف للحيلولة دون خروج الجيش من العمل السياسي، وبالتالي انكشاف ظهر العناصر الإخوانية أمام السلطة المدنية الجديدة، (سودان تربيون). 


قراءة ظهور علي كرتي علناً 

"الضوء الأخضر" الممنوح للإخوان المسلمين في السودان كان واضحاً عندما ظهر القيادي الإسلامي في النظام السوداني المعزول، علي كرتي، المطلوب قضائياً، بشكل مفاجئ وعلني أمام سكان ولاية الجزيرة في وسط السودان، كما أشرنا.

ويرى مراقبون أن الظهور العلني لكرتي لا يخرج عن الحراك الذي تقوده التيارات الإسلامية لترتيب أوضاعها الداخلية، وينصب تركيزها الأكبر في الاستعداد للانتخابات التي تلي الفترة الانتقالية المقبلة. وأن قيادات الإسلامية لها تقديرات مختلفة في التعامل مع الأوضاع السياسية الراهنة. 

ويأتي ظهور كرتي العلني في إطار العمل التنشيطي الذي بدأ وسط جماهير الإسلاميين لاستعادة القواعد التي فقدوها خلال المرحلة السابقة. ويُشير مراقبون إلى خلافات كبيرة بين قيادات النظام المحظور الموجودة داخل السجون والقيادات بالخارج، حول التعاطي مع الأوضاع السياسية في البلاد، إذ ترى المجموعة الأولى أن قيادات الخارج لا تتحرك في اتجاه خيارات سياسية حقيقية تعيدهم إلى السلطة مرة أخرى. وتميل المجموعة الثانية إلى وجوب مواجهة أحزاب تحالف "الحرية والتغيير" وأيضاً المكون العسكري، من خلال نشاط سلمي ومظاهرات مستمرة، فإن مجموعة كرتي تميل للمهادنة السياسية باعتبار أن خيار التصعيد لن يكون مضمون العواقب، (صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، 19 مارس 2023).

ويمكن فهم ظهور كرتي في سياق الحملة الإعلامية التي يشنها الإعلام الموالي للتيار الإسلامي في السودان، والذي يعمل على استثمار الخلافات بين البرهان ودقلو، للضغط على الأول باتجاه التملص من العملية السياسية الراهنة والدفع بدلاً من ذلك باتجاه الانتخابات. وكانت صحيفة النيلين السودانية نشرت في الـ 7 مارس 2023 تقريراً قالت فيه: "بدلاً من أن تتم محاصرة البرهان باعتباره ضد المدنية وضد التحول الديمقراطي، ويزايد عليه حميدتي على أنه مع تسليم السلطة لحكومة مدنية بالكامل؛ فإن على قائد الجيش أن يحسم هذه المزايدة بإعلان موعد للانتخابات وتسليم السلطة لمن ينتخبه الشعب".


حديث الفريق ياسر العطا حول عقد اتفاق مع التيار 

من خلال تزامن ظهور كرتي، مع تصريحات أطلقها عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا، بأن الجيش يعتزم توقيع اتفاق مع التيار الإسلامي لإبعاد التطرف الديني، وضمان ترسيخ الديمقراطية وعدم الانقلاب عليها؛ فإن المزيد من الشكوك باتت مطروحة حول تنسيق ومحادثات داخل الغرف المغلقة بين الجيش والإسلاميين. ومن المهم عند قراءة تصريحات الفريق العطا، معرفة أن الرجل لا يحمل ميولاً إسلاموية، ما قد يُشير إلى أن هذه التصريحات تنبع من أحد اتجاهين: الأول، وفاؤُه لقادته من الإسلاميين خلال حكم البشير؛ والثاني، الصراعُ على السلطة في سياق عدم الرغبة في نقل الحكم إلى المكون المدني.

في هذا السياق  تحدثت وسائل إعلام سودانية عن محادثات سرية بين المكون العسكري والنظام البائد تهدف لعقد مصالحة بين رموز وقيادات من الصف الثاني وما قبله من غير المتورطين في دماء الشعب ووقف عمل لجنة إزالة التمكين. ويرى مراقبون أن تصريحات العطا، تعد بمثابة اتفاق بين المنظمات الإسلامية، حتى التي ليس لديها انتماء للحركة الإسلامية وكان لديها ولاء لسلطتها، (صحيفة التغيير السودانية، 20 مارس 2023).

ومن الممكن ملاحظة هذه المصالحة بين الجيش والإسلاميين فيما أشارت إليه تقارير حول تحرك مليشيا "درع السودان" التابعة للإخوان المسلمين في مدن رئيسية بالبلاد بينها العاصمة الخرطوم بكامل عتادها وهي تنشط في عمليات تجنيد واستقطاب حاد وسط السكان، في وقت تغض فيه السلطات الطرف عن هذه التحركات، (شبكة عاين السودانية، 1 مارس 2023).

من ناحية أخرى، فإن تصريح العطا يحمل ملمحاً تحذيرياً، باعتبار أن الإسلاميين، إذا لم يتم التواصل معهم، يمكن أن يتبعوا منهجاً جديداً وسلوكاً يمكن أن يكون فيه تهديد للأمن القومي وينحو منحى الإرهاب، (صحيفة التغيير السودانية، 20 مارس 2023).


استنتاجات 

من المفهوم أنّ قيادة الجيش وبعض أعضاء مجلس السيادة العسكريين واصلوا بشكل متكرر التعبير عن تحفظات حول الاتفاق الإطاري رغم توقيعهم عليه. كذلك يظل الاتفاق الإطاري للتحول المدنيليس خيارا لهم ، فالعسكريون يفضلون استمرار الوضع الذي تمّ بعد إجراءات البرهان في 25 أكتوبر. 

وفيما يستفيد التيار الإسلامي من هذه الحقيقة ويعمل على تحويلها إلى فرصة للعودة إلى المشهد السياسي في البلاد، إلا أنهم يواجهون معضلاتهم الخاصة، بما في ذلك خلافات بين القيادات القابعة داخل السجون والقيادات في الخارج.            


1.4K