التوتر في المنطقة: بين مخاطر التصعيد وتغليب العقل

تقديرات

التوتر في المنطقة: بين مخاطر التصعيد وتغليب العقل

01-Aug-2024

نعى حزب الله القائد فؤاد شكر، بعد مقتله بغارة اسرائيلية استهدفت مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد ساعات من إعلان حماس اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في غارة إسرائيلية في طهران، ما زاد المخاوف من اتساع رقعة التصعيد في المنطقة. وبين مقتل الرجل الثاني في حزب الله والرجل الأول في حماس تعالت أصوات تطالب بالثأر والانتقام وأخرى تسعى للتهدئة وإعمال صوت العقل.

بمجرد الإعلان عن مقتل هنية، صدرت عن إيران وحزب الله وكتائب القسام بيانات وعيد بالانتقام لهنية، وتهديد بتكلفة إسرائيل ثمنا باهظا على فعلتها. وقالت حماس: "الاغتيال لن يمر سدى"، وقال عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق إن "اغتيال القائد إسماعيل هنية عمل جبان ولن يمر سدى". وتوعد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إسرائيل بقوله "بهذا العمل جر النظام الصهيوني المجرم والإرهابي على نفسه أشد العقاب ... ونعتبر من واجبنا الثأر لدماء (هنية) التي سُفكت على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

في نفس الاتجاه قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن طهران ستجعل "المحتلين الإرهابيين يندمون على فعلتهم الجبانة". وأضاف بزشكيان، وفق وسائل إعلام إيرانية رسمية، أن بلاده "ستدافع عن كرامتها وسلامة أراضيها".

وبين التصريحين جاء تصريح لمحمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني مخالفا بعض الشيء. فقد نقلت وسائل إعلام إيرانية ، عن عارف قوله في أعقاب مقتل هنية، إن "طهران ليست لديها نية لتصعيد الصراع في الشرق الأوسط".

وبينما لم تعلن إيران بعد كيف سترد على الهجوم الذي وقع على أراضيها، رأى معظم المحللين أنه ليس من مصلحتها الدخول في حرب شاملة ضد إسرائيل، مشيرين إلى أن الأخيرة استهدفت أيضا في الساعات الـ 24 الأخيرة حزب الله. وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلترمان إن "إيران لن ترد ولن تعبئ حلفاءها إلا إذا كانت مصالحها الحيوية مهددة، وهو ما لا ينطبق على الوضع الحالي".

بالنسبة لمقتل شكر، يرى المحلّل في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن في حديث لفرانس برس: أن اسرائيل باستهداف الضاحية "صعّدت على مستوى الموقع، وكذلك على مستوى رتبة الشخص المستهدف". ويضيف "هذا يعدّ تصعيداً لافتاً، لكنه ليس بالضرورة دراماتيكياً لدرجة تعني أن حزب الله سيقوم بردّ دراماتيكي أيضاً". ويشير إلى انه استناداً إلى "الأنماط السابقة، يتوقع أن يكون ردّ حزب الله تصعيدياً بنوعه، كأن يطال هدفاً عسكرياً أعمق وأهمّ داخل اسرائيل".

وتراقب دولة الإمارات عن كثب التطورات الإقليمية المتسارعة، وتعرب عن قلقها العميق إزاء استمرار التصعيد وتداعياته على الأمن والاستقرار في المنطقة. كما تؤكد دولة الإمارات أهمية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والحكمة لتجنب المخاطر وتوسيع رقعة الصراع. ووفق ما جاء في وام تؤمن دولة الإمارات بأن تعزيز الحوار والالتزام بالقوانين الدولية واحترام سيادة الدول هي الأسس المثلى لحل الأزمات الراهنة. وفي هذا السياق، تشدد دولة الإمارات على ضرورة حل الخلافات عبر الوسائل الدبلوماسية، بعيدًا عن لغة المواجهة والتصعيد.

ويرى الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، أن ما تشهده المنطقة من تطورات وأحداث جسيمة من بيروت إلى طهران وعلى أكثر من صعيد مقلقة للغاية. وأضاف بصفحته على منصة (X) أن التصعيد وردود الفعل غير المحسوبة دون ادنى اعتبار للقوانين التي تحكم علاقات الدول وسيادتها تعقد الموقف وتزيد خطر عدم الاستقرار. وختم قرقاش بأن الجهود الدبلوماسية والسياسية أصبحت أكثر إلحاحاً وحتمية.

البيت الأبيض اعتبر أن الضربة الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل قيادي في حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، "لا يساعدان" في احتواء التوترات الاقليمية، لكنه نفى وجود مؤشرات إلى تصعيد وشيك. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي للصحافيين "هذه التقارير لا تساعد بالتأكيد في احتواء التوتر. من الواضح أننا قلقون حيال التصعيد". لكن كيربي تدارك "لا نعتقد فعلا ان التصعيد حتمي ولا مؤشرات الى ان التصعيد وشيك".

في نفس الاتجاه اعتبرت الحكومة الألمانية، أن "منطق الانتقام" في الشرق الأوسط "ليس المسار السليم" وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية سيباستيان فيشر للصحافيين "من الضروري تجنب المزيد من التصعيد واتساع (النزاع) إقليميا" داعيا "كل الأطراف الى الحفاظ على الهدوء وإبداء الحد الاقصى من ضبط النفس".

وفي السياق يرى المحلل العسكري والاستراتيجي، العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، في حديث مع موقع "الحرة" أن "الأطراف المعنية، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، تدرك أهمية الحسابات الدقيقة للمصالح والمخاطر، كما أن إيران تحسب مصالحها بدقة، مما يدفعها إلى تجنب أي مغامرة أو اتخاذ قرار قد يقربها من مواجهة مباشرة مع واشنطن".

يعتقد عبد القادر أن "حزب الله سيغامر بضرب حيفا أو تل أبيب، يقول: الرد سيكون مدوياً إعلامياً فقط دون أن يدفع نحو حرب واسعة"، موضحاً أن "الرد الإعلامي قد يكون بعدد الصواريخ التي يطلقها واختيار أهداف عسكرية ذات قيمة دون تجاوز 30 كم من الخط الأزرق، لأن أي خيار آخر سيجبر إسرائيل على الرد لأسباب استراتيجية وجيوسياسية وإعلامية، والرد على الرد قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب".

أخيرا ووفق الباحثة في مركز شاتمان هاوس لينا الخطيب "رغم أن أطراف النزاع ليس من مصلحتهم اندلاع حرب شاملة، إلا أن أي تصعيد يزيد من مخاطر أن يصبح الوضع غير قابل للتحكم فيه".

30