لطالما التزمت أستراليا بمبدأ عدم امتلاكها لأسلحة نووية، وعدم سعيها لذلك. وهذا الالتزام منصوص عليه في معاهدة عدم الانتشار تحت شعار "عالم خال من الأسلحة النووية". كما دافعت عن الجهود الدولية التي تحقق هذا الهدف من خلال نهج عملي وواقعي وتقدمي، وآمنت بأن إزالتها سيتطلب جهودا مستدامة وعمليات شاملة تشارك فيها جميع الدول، بما في ذلك التي تمتلك أو تعتمد على الردع النووي من أجل أمنها.
ولكن، في صفقة ثلاثية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كشفت أستراليا النقاب عن خطة للحصول على أسطول من ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية، من المتوقع أن تصل تكلفتها إلى 368 مليار دولار. وأنه اعتبارا من هذا العام، سينضم عسكريون ومدنيون أستراليون إلى القوات البحرية الأميركية والبريطانية )The Guardian, 14 March 2023 ) فهل سيأذن ذلك لأستراليا بالبدء في عصر جديد تمتلك فيه أسلحة نووية، أم أن الأمر مختلف؟
لقد شدد "جو بايدن" على إن "الدول الثلاث وقفت عند نقطة انعطاف في التاريخ"، وهي جملة تحمل تفسيرات عديدة، وأضاف أن الغواصات التي ستكون جزءا من اتفاق أوكوس AUKUS الأمني الذي تم الاتفاق عليه في سبتمبر 2021، ستعمل بالطاقة النووية، وليست مسلحة نوويا. كما أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي "جيك سوليفان"، أن أستراليا ستشتري غواصات بمحركات نووية من طراز فرجينيا لن يتم تزويدها بأسلحة نووية (روسيا اليوم، 13 مارس 2023). فأين نقطة الانعطاف التاريخي هنا؟ فنحن نعلم أن العديد من الدول بدأت في اللجوء إلى العمل بالطاقة النووية في مجالات عديدة. الفارق الذي سوف تكتسبه استراليا الآن هو استطاعة غواصاتها البقاء تحت الماء لأسابيع دون الصعود إلى السطح لشحن بطارياتها يوميا كما هي الحال في الغواصات التقليدية، فيصعب كشفها.
أصر بيان وزارة الخارجية والتجارة الأسترالية على توضيح أن أستراليا دولة فخورة بأنها غير حائزة للأسلحة النووية، ولن تحتوي الغواصات عليها، وأنها ملتزمة بذلك (موقع وزارة الخارجية الأسترالية، 14 مارس 2023). الكل يعلم الدور الفعال الذي لعبته أستراليا في الضغط من أجل فرض حظر شامل على التجارب النووية، حيث كانت قوة رئيسية وراء صياغة معاهدة راروتونجا لحظر التجارب في جنوب المحيط الهادئ. ولكن مع محاولة الحكومة تبرير احتياجها لغواصات ذات دفع نووي، فإن عليها خلال وقت قريب إقناع شعبها بأن المخاوف الأمنية والسياسية التي تسببت فيها الصين تستحق هذه الفاتورة الهائلة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، سيدفعها الشعب من ضرائبه خلال هذه الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على أحواله المعيشية.
بعد انتهاء توقيع أوكوس في سبتمبر 2021، قررت الدول الثلاث في 22 نوفمبر 2021 إبرام معاهدة تبادل معلومات عن تقنيات الدفع النووي البحري واستخدامها . وبموجب قانون الطاقة الذرية لعام 1946 لن تتمكن الدول الثلاث من مشاركة المعلومات دون اتفاق. وقد يثير ذلك حفيظة كافة الدول التي لا تستطيع استخدام الوقود النووي في صناعاتها العسكرية. وعلى الأغلب سوف تستدعي تلك الدول أوكوس كسابقة لإزالة الوقود النووي من نظام الحظر. ) The Guardian, 14 March 2023 )
أما بخصوص رد فعل الجانب الصيني، فهو لا يتناسب مع قرار تزويد أستراليا بعدد قليل جدا من الغواصات النووية لن يتم تسلميها قبل عقد من الزمان، وتفسيره بأنه عمل صارخ يشكل احتمالية انتشار نووي خطيرة، ويقوض نظام عدم الانتشار. ويبدو أنها بعد ردها الأول المتحفز قررت الرد سياسيا وبهدوء عبر صفحة بعثة الصين في الأمم المتحدة على تويتر، بأن من مفارقات أوكوس أن دولتين حائزتين للأسلحة النووية تدعيان التمسك بأعلى معايير عدم انتشارها، تقومان بنقل أطنان من اليورانيوم المخصب إلى دولة كأستراليا، وهو ما يمثل انتهاكا واضحا لهدف معاهدة عدم الانتشار.
وهكذا، يبدو أن القوة البحرية الصينية المتزايدة، أقنعت أستراليا بأنها تحتاج غواصات قادرة على العمل بعيدا عن القواعد المحلية، كنوع من أنواع الردع الهجومي في حالة حدوث أزمة. وقد يكون الدافع لهذا الاحتياج هو أن التقليدية من فئة كولينز سوف تفقد قدراتها مع الوقت. ومن الواضح أن الجانب الأميركي يهدف بذلك إلى إدخال الصين في حالة الحصار من دول حليفة ذات قدرات نووية. ولكن على الرغم من كل ذلك، فوفقا للاتفاق لن يكون لدى أستراليا تعزيز ملموس في قدرة غواصاتها قبل عام 2030، وهي الفترة التي يمكننا وصفها بأنها أخطر فترة للعلاقات الأميركية الصينية. ولكن هل يمكن التأكد من أن الغواصات الجديدة لن تفقد فعاليتها حينما يحين وقت التسليم النهائي في نهاية العقد الحالي حسب الاتفاق؟