واشنطن وانقلاب النيجر

تقديرات

واشنطن وانقلاب النيجر

18-Sep-2023

عند وقوع الانقلاب العسكري الأخير في النيجر، لم تبد الولايات المتحدة أي ردود فعل عنيفة على عكس الدول الإفريقية وأوروبا. ولأول وهلة يمكن إرجاع السبب إلى إصابة واشنطن بالصدمة، فقبل ساعات من الحدث رسمت وسائل الإعلام الأميركية صورة لحكومة ديمقراطية كانت، رغم افتقارها إلى الكمال، أكثر استقرارا من غيرها في المنطقة، حيث قال مسؤول أميركي لشبكة "إن بي سي نيوز" في 25 يوليو الماضي "هناك تصور للفساد العام في النيجر، لكنه ليس سيئا مثل الدول الأخرى في المنطقة". 

لقد استغرق الأمر من المسؤولين الأميركيين أياما للإعلان عن أنه إذا لم يتم التدخل العسكري الدولي، فلن يتراجع المجلس عن الانقلاب. ويمكننا إرجاع السبب في بطء رد الفعل إلى تبني الإدارة الأميركية لموقف ثابت ضد الانقلابات العسكرية بغض النظر عن الدولة المعنية. كذلك التركيز على حماية مصالحها الاستراتيجية بعيدا عن مناطق النفوذ الصينية والروسية قدر الإمكان. وأيضا إعطاء الأولوية للاستقرار الإقليمي، لاسيما في البلدان المعرضة لنفوذ الجماعات الإرهابية، ومن هنا كان التأني مطلوبا. 

ومن غير المرجح حاليا أن تورط واشنطن نفسها في صراع عسكري طويل الأمد، وقد أصبحت تفضل استراتيجية أكثر تدريجية للمشاركة في تلك المواقف، خاصة وأن الانقلاب لا يهدد أمنها الداخلي، على عكس أحداث 11 سبتمبر التي استلزمت ردا عسكريا سريعا، ومن الممكن أن يؤدي الاندفاع العاطفي إلى زيادة الأمر سوءا. على أية حال، يجب أن نأخذ في اعتبارنا أنه لم يعترض أي فصيل من جيش النيجر على الانقلاب، حتى تتدخل واشنطن للوقوف مع فريق ضد الآخر، كما لم تكن هناك معارضة جاهزة لمواجهة الجيش.

وفي مقال نشرته "واشنطن بوست" في 3 أغسطس الماضي، حث الرئيس "محمد بازوم" واشنطن على مساعدته، كما حذر من وقوع المنطقة في أيدي فاغنر والجهاديين. والحقيقة أن واشنطن تدرك ذلك جيدا، لكنها فضلت اتخاذ موقف متدرج. وعلى الرغم من أن حياة قواتها في قاعدة غرب إفريقيا أصبحت صعبة، وقيام الدول الأوروبية بإخلاء مواطنيها من النيجر، لكنها أظهرت عزمها على البقاء، فهي تعتبر النيجر أفضل مواقعها لمكافحة الإرهاب، كما أنها لا تريد خسارة جيش النيجر، الحليف الذي دربته القوات الأميركية.

في حديثه لأسوشيتد برس في 4 أغسطس الماضي، صرح "جون كيربي"، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، بأنه سيتم التركيز على الدبلوماسية التي يجب أن تظل الأداة الأولى. ومع أن الرد الأميركي السريع يتمثل دائما في فرض عقوبات فورية، لكن ذلك لم يحدث، فالأمر هنا أكثر خطورة، في وجود المد الجهادي المستمر وفاغنر الموالية للكرملين. وحسب ما قاله الخبير في الشئون الإفريقية "جون ليتشنر" للصحيفة نفسها، فإن الأمر يحتاج إلى حلول وسطية، مثل احتفاظ واشنطن بالعلاقات الأمنية مقابل وعود بالانتقال مرة أخرى نحو الديمقراطية.

ومن جانبنا نعتقد أن بايدن يبحث عن رد فعل يحفظ قواته هناك دون تغيير، فمواقعها مثالية وتحقق المصالح الأميركية، ومن الملاحظ أن البنتاغون كان يقوم بتقييم الموقف بهدوء، وقد استقر رأيه بالفعل على التعامل مع السلطات الجديدة، لضمان عدم خسارة هذا الموقع الاستراتيجي، حيث أعلن "موقع وزارة الدفاع" في 14 سبتمبر الجاري، الاتفاق مع المجلس العسكري الجديد على استئناف دوريات الطائرات دون طيار. ومن المعروف أن واشنطن لم تعط الأولوية لإفريقيا لسنوات، حيث كانت خيوط اللعبة في القارة أوروبية، حتى أنه لم يكن لها خلال السنوات الأخيرة سفير في النيجر، لكن اختفاء واشنطن من المشهد أو اتخاذها موقفا عدوانيا، لا يخاطر بصعود الجماعات الجهادية فحسب، بل وإتاحة نفوذ أكبر لروسيا والصين. 

وأخيرا، من الصعب أن نجزم على وجه اليقين ما إذا كان النهج الذي اتبعته الولايات المتحدة في التعامل مع انقلاب النيجر، بمراقبة الوضع وتعديل نهجها حسب الحاجة، هو التصرف الصحيح، لكن من الواضح أنها انتهجت نهجا تدريجيا يصل بها إلى تحقيق مصالحها دون إهدار مواردها السياسية والعسكرية، تجنبا للمخاطر المرتبطة باتخاذ مواقف أكثر عدوانية.


249