بينما كان يستضيف نظيره البيلاروسي "لوكاشينكو" في مقر إقامته في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود، قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتن" في تصريحات متلفزة، إن "كل شيء يسير وفقا للخطة"، وأضاف أن روسيا ستبدأ في نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا بعد أن تصبح منشآت التخزين جاهزة في 7 و8 يوليو المقبل، في أول عملية نقل لمثل هذه القنابل خارج روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي (NBC News: 9 June 2023).
حديث "بوتن" لم يفاجئ المجتمع الدولي، بعد أن وقع بالفعل اتفاقا مع بيلاروسيا في مايو الماضي لإضفاء الطابع الرسمي على نشر أسلحة نووية تكتيكية لموسكو على أراضي حليفتها، بشرط أن تكون السيطرة عليها من خلال الكرملين. ويهدف الاستخدام الأساسي لها، بشكل عام، إلى تدمير قوات العدو وأسلحته في ساحة المعركة، فهي ذات مدى قصير نسبيا، وذات قدرة أقل بكثير من الرؤوس الحربية النووية المجهزة للصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى القادرة على تدمير مدن بأكملها. (Associated Press: 25 May 2023).
حتى الآن لم تذكر روسيا عدد الأسلحة النووية التي سيتم إرسالها إلى بيلاروسيا. وتعتقد الحكومة الأميركية أنها تمتلك نحو 2000 سلاح نووي تكتيكي، منها قنابل يمكن حملها بالطائرات ورؤوس حربية للصواريخ قصيرة المدى وطلقات مدفعية (EuroNews: 9 June 2023).
من المؤكد أن الرئيس بوتن يعلم جيدا بأن التصعيد إلى المستوى النووي في حرب أوكرانيا سوف ينتقل بالمعركة إلى مرحلة تطورية خطيرة، ربما تتوسع الحرب خلالها لتشمل أطرافا جديدة، وقد يهدف هذا الإجراء إلى الحد من الهجمات الأوكرانية ودفع "زيلنسكي" إلى إيقاف هجومه المضاد وإعادة حساباته، ومن المعروف أن كييف شنت رسميا هجوما مضادا في المنطقة الجنوبية التي مزقتها الحرب في محاولة منها للتفوق على خط الجبهة الروسي الراسخ بعد شهور من الجمود في ساحة المعركة.
وقد نشرت "فايننشال تايمز" أخبارا عن إرسال كييف دبابات ألمانية الصنع إلى ساحات المعارك، ونشرتها في جنوب شرق أوكرانيا، حققت بها تقدما ملحوظا في ميدان القتال (Financial Times: 9 June 2023). وبهذا، شنت أولى هجماتها المدرعة الثقيلة، كجزء من هجومها المضاد على أمل تحقيق اختراق في الجنوب وقطع الجسر البري الذي يربط روسيا بساحات القتال أوكرانيا.
من وجهة نظرنا، إذا نجحت هذه المهمة، ستقطع الإمدادات الروسية عن جيوشها المنتشرة في هذه المناطق، بهذا يكون إعلان "بوتن" عن إرساله أسلحة نووية إلى بيلاروسيا نوع من الردع المعنوي حتى تخفف كييف الضغط على قواته وعدم استفزازه.
علاوة على ذلك نرى أن "بوتين" يريد أن يثبت للعالم أن بلاده قوة لا تقل زعامة عن الولايات المتحدة، فهو من خلال نشر أسلحته النووية التكتيكية في بيلاروسيا، وسواء قرر استخدامها أم لا، وأيا كان الهدف الميداني منها، فهو يحذو حذو واشنطن، التي تنشر أسلحة نووية في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، ما يهدد موسكو بشكل مباشر.