
تستمر المساعي الدولية والإقليمية والمحلية لتذليل العقبات أمام محاولات تشكيل الحكومة اللبنانية حيث تتراوح الأجواء المحيطة بهذا الملف بين الإيجابية تارة والسلبية تارة أخرى، ما يعني أن هناك حراكاً أشبه بالتفاوض والمقايضة بين الأطراف اللبنانية والقوى الخارجية.
الرئيس اللبناني جوزيف عون أعرب بتاريخ
5 فبراير، عن أمله في سرعة تشكيل الحكومة الجديدة، لا سيما بعد حلحلة غالبية
العُقد. وأكد عون أنه على توافق وتشاور مستمر مع رئيس الحكومة المكلف نواف سلام،
في سبيل التوصل إلى تشكيلة حكومية تُراعي المعاييرَ والمبادئَ التي وُضعت لها،
آملاً أن تكون الأمور قد اقتربت من خواتيمها. وقال الرئيس اللبناني إنه طالب
بتعجيل تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، لأن أمام لبنان فرصاً كثيرة خلال هذه
المرحلة في ظل الاستعداد، الذي تُبديه دول عديدة لمساعدته، وكل ذلك في انتظار
التشكيل.
جولات التصعيد الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، أنتجت موازينَ قوىً جديدة نتيجة لتعرض الحزب لخسائر عسكرية كبيرة أثبتت ضعفه في هذا الجانب، خاصة الاختراق الكبير الذي سهل على إسرائيل استهداف أبرز قادة الحزب ومن بينهم أمينه العام حسن نصر الله، بالإضافة إلى فشل الحزب في تحقيق أي إنجاز عسكري ضد إسرائيل، وهذا ما أثر في شعبيته وشرعيته في الداخل وسط ارتفاع الأصوات المطالبة بإنهاء وجود سلاحه.
بالتالي فإن هذه الانتكاسات شجعت بعض القوى الإقليمية والدولية والمحلية على محاولة عكس هذه الانتكاسات على أرض الواقع من خلال تقليص نفوذه الحكومي والسياسي في لبنان، حيث ضغطت واشنطن على مسؤولين لبنانين بمن فيهم رئيس الحكومة المكلف، بشأن عدم تولي حزب الله وحركة أمل أيَّ مناصبَ سياديةٍ في الحكومة.
يحاول حزب الله تعويض خسائره من خلال الحصول على امتيازات حكومية وسياسية عبر الحصول على مقاعد حكومية سيادية، بالإضافة إلى تعييين شخصيات موالية له في المؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وكشفت صحيفة إندبندنت عربية خلال تقرير نشرته بتاريخ 28 يناير، أن عملية تشكيل الحكومة اللبنانية تواجه تحدياتٍ كبيرةً بسبب تمسك "الثنائي الشيعي" (حركة أمل وحزب الله) بحقيبة وزارة المالية، وسط ادعاء "الثنائي" أن "اتفاق الطائف" منحهما الوزارة التي تعد "سوبر وزارة" بسبب دورها وأهميتها الإستراتيجية.
يتمسك حزب الله بوزارة المالية لأنها
تمتلك صلاحياتٍ واسعةً أبرزها إقرار الموازنة العامة للدولة، بالتالي ستكون
الأطراف اللبنانية مضطرة إلى إقناع حزب الله ومناقشته، بما في ذلك تمرير هذه
الموازنة التي ستكون المشروعات والخدمات والأعمال الحكومية كافة معطلة دون إقرارها،
كما ستكون كل وزارة ومؤسسة في الدولة اللبنانية مضطرة إلى إرضاء وزارة المالية لأن
جميع الوزارات تأخذ اعتماداتها المالية من هذه الوزارة التي تحدد سقف الصرف
المسموح به لكل وزارة، وتمتلك وزارة المالية الحق في مراقبة الأمور الصرفية في كل
وزارة، وبالتالي ستكون لديها القدرة على مراقبة تحركات الوزارات الأخرى وعملها.
علاوة على ذلك سيتمكن حزب الله من فرض
المشروعات الخدمية والاقتصادية والصحية على الحكومة من خلال اشتراط الموافقة على
هذه المشروعات، وبالتالي فإنه قادر على دعم المناطق التي تعد حاضنة له خدمياً
وحكومياً، كما سيكون لحزب الله نفوذ وقدرة على التدخل في مختلف التعيينات سواء
الحكومية أو القضائية أو العسكرية والأمنية، حيث يعد توقيع وزير المالية ضرورياً
وأساسياً وفق القانون للسير بغالبية المراسيم.
بالإضافة إلى مشكلة الحصة الوزارية للثنائي الشيعي وإصراره على تولي حقيبة المالية، حيث تعترض بعض الكتل السياسية المسيحية على توزيع الحقائب، خاصة حزب القوات اللبنانية، الذي يتمسك بحقيبة الخارجية السيادية، والتي يراها الرئيس جوزيف عون من حصته ويحتفظ بحق تسمية وزيرها، أبدت قوى سنية سياسية "استغرابها" من حسم أسماء الوزراء السنة منذ البداية، في حين لا تزال بقية الأسماء موضع نقاش ومفاوضات.
من الواضح أن سلام يتعرض لضغوط شديدة
من جانب من يفترض أنهم "حلفاؤه" في محاولة لتعديل مسار اختياراته
الوزارية، وإلا فإن سلام سيضطر إلى الاعتذار أو فرض تشكيلة لن تنال ثقة البرلمان، في
وقت ترى فيه المجموعات السياسية التي رشحته خلال الاستشارات النيابية، أن سلام
خذلها عندما تعامل بإيجابية مع مطالب "حزب الله" و"أمل"،
ويتهم سلام بـ"الخضوع" لهما، كما تعارض مسارَ سلام أيضاً كتلةُ التجديد
النيابية (التي تضم فؤاد مخزومي وميشال معوض وأشرف ريفي)، وكتلة التحالف من أجل
التغيير النيابية (التي تضم ميشال الدويهي ومارك ضو ووضاح صادق) ونواب آخرون.
معلومات صحفية تشير إلى أن سلام واصل في قصر بعبدا، التباحث بشأن منح حقيبة الخارجية للقوات اللبنانية، وأشارت مصادر إلى أن الأمور تتجه إلى إسناد الخارجية لشخصية يتوافق عليها الرئيسان، حيث أكدت مصادر وجود توافق على اسم يوسف رجّي، ولفتت إلى أن حصة القوات إلى الآن بالإضافة إلى الخارجية ووزارة الاتصالات لكمال شحادة، وبالنسبة لوزارة الطاقة جو صدي، وللسياحة طوني الرامي، وأوردت مصادر بعض أسماء الوزراء المرشحين، منهم ميشال منسى للدفاع، والعميد أحمد الحجار للداخلية، وياسين جابر المقرب من حركة أمل لحقيبة المالية، وركان نصر الدين المقرب من حزب الله سيتولى حقيبة الصحة.
إن عملية تشكيل الحكومة اللبنانية
ترتبط بشكل أساسي مع الأجواء الإقليمية والدولية المتعلقة بلبنان، وفي حال تم
تثبيت وقف إطلاق النار فإنه من المتوقع إلى حد كبير أن تنجح الجهود الرامية إلى إكمال
عملية تشكيل الحكومة وتلقيها الدعم من قبل القوى الدولية.
رغم تحركات حزب الله فإنه بحاجة ماسة
إلى الاستقرار السياسي والعسكري والاقتصادي في لبنان، لأن الجولات التصعيدية
الأخيرة كانت منهِكة له إلى حد كبير ويريد أي فرصة ليتمكن من خلالها من التهدئة
وإعادة التقاط أنفاسه والعمل على ترتيب بيته الداخلي والتركيز على العمل السياسي
والحكومي الداخلي.
رغم أن ذلك يعبر عن ضعف كبير لدى حزب
الله، فإن القوى الإقليمية والدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد
العودة إلى الحرب والتصعيد في لبنان والمنطقة بشكل عام، لذلك فإنه من المتوقع أن
تكون هناك مرونة في التعامل مع حزب الله دون أن يؤدي ذلك إلى استعادة قوته كما كان
في السابق.
نتيجة لذلك فإنه من المتوقع أن تشهد
الأيام المقبلة إعلان تشكيلة الحكومة اللبنانية والتصويت عليها وتمريرها في
البرلمان، والعمل على تثبيت الاستقرار والأمن في لبنان، وهذا ما أعلنه الرئيس عون
بتاريخ 5 فبراير، بأنه يعرب عن أمله في سرعة تشكيل الحكومة الجديدة، لا سيما بعد
حلحلة غالبية العُقد.