المبادرة المجرية للسلام في أوكرانيا: تحديات صعبة ومعارضة أوروبية

تقديرات

المبادرة المجرية للسلام في أوكرانيا: تحديات صعبة ومعارضة أوروبية

11-Sep-2024

يسعى رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان لإعادة الزخم لمبادرته بشأن السلام في أوكرانيا والتي أطلقها في يوليو الماضي، حيث يأمل أن تبدأ المفاوضات بين روسيا وأكرانيا برعايته خلال نهاية العام الجاري. لكن هناك شكوك عديدة حول قدرة المجر على لعب هذا الدور الكبير، وقد أعلن أوربان عن فعالية كبرى في سبتمبر في إطار مبادرته السلمية الخاصة بحل الأزمة الأوكرانية، حسبما ذكرت قناة تلفزيونية.

وفي حديثه خلال حدث سنوي في مدينة كيوتشه المجرية، قال أوربان للصحفيين: "مهمتي في حفظ السلام مستمرة، وقد عملت عليها خلال الصيف"، وألمح إلى أنه سيكون لعمله في هذا الخصوص فعالية كبرى في سبتمبر، ولم يكشف عن أي تفاصيل إضافية.

بدأت محاولات أوربان للعب دور الوسيط في الجهود الهادفة لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية في يوليو الماضي، حيث قام بسلسلة من الزيارات ضمن ما أسماها "مهمة السلام"، وزار أربع دول مختلفة في ثلاث قارات، وقال إنه أجرى خلالها اثنتي عشرة ساعة من المحادثات مع زعماء العالم.

وقد بدأت جولة أوربان المكثفة من الدبلوماسية المكوكية بزيارة إلى كييف في الثاني من يوليو، حيث التقى بالرئيس الأوكراني زيلينسكي. وكانت هذه أول رحلة يقوم بها إلى أوكرانيا المجاورة منذ عام 2015. هذه الحماسة استمدها رئيس وزراء المجر من تسلمه الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر، وذلك على الرغم من أن صلاحيات هذا المنصب لا تتجاوز مهمة تنسيق جدول الأعمال وترؤس اجتماعات مسؤولي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث يعتبر هذا المنصب محدود السلطة، ولا تتحمل الرئاسة أي مسؤولية عن تمثيل الاتحاد الأوروبي في الخارج.

وبعد أيام قليلة، كان أوربان في موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أشاد به في مقابلة مع برنامج وثائقي في صحيفة فيلت الألمانية، وفي الثامن من يوليو، كان رئيس الوزراء المجري في بكين، ثم سافر بعد ذلك إلى الولايات المتحدة لحضور قمة حلف شمال الأطلسي السنوية، قبل أن يختتم مهمته الدبلوماسية بلقاء المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب في فلوريدا.

عمل أوربان على منح مبادرته القوة والاهتمام من خلال الحديث عن إمكانية حدوث وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وهذا ما قد "يسرع محادثات السلام" وفقاً لحديثه، كما عمل على إرسال عدة رسائل حول ذلك إلى قادة الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من عدم الكشف بشكل علني عن بنود وخطوات هذه المبادرة المجرية، إلا أن أوربان قال إن بوتين منفتح على وقف إطلاق النار، بشرط ألا يمنح ذلك أوكرانيا فرصة لإعادة تنظيم جيشها على الخطوط الأمامية.

ويقترح أوربان أن يتعاون الاتحاد الأوروبي مع الصين كوسيط محتمل بين روسيا وأوكرانيا - وهو الدور الذي يقول أوربان إن الصين لن تفكر فيه إلا "إذا كانت فرصة نجاح مشاركتها قريبة من اليقين". كما دعا الكتلة إلى إعادة فتح "خطوط الاتصال الدبلوماسي المباشرة مع روسيا" (واشنطن بوست ، 16 يوليو 2024).

إن حالة الجمود في مسار الحرب الروسية – الأوكرانية دون أن يكون هناك حسم عسكري، بالإضافة إلى القلق الدولي من إمكانية ان يتسبب الصراع والحرب الباردة بين روسيا والغرب بصدام عسكري مفاجئ وغير محسوب، يمكن أن يؤدي لحرب نووية وغير تقليدية.

لقد تصاعدت حدة التهديدات من قبل الطرفين بشأن استخدام هذه الأسلحة وبالتزامن مع ذلك زادت مخاوف العالم،  إلى جانب عدم تمكن أي من القوى الإقليمية والدولية بلعب دور الوسيط بين الطرفين، كل ذلك فتح المجال لرئيس الوزراء المجري بلعب دور الوسيط في هذا الصراع ، كما أن هذه الظروف والمعطيات يمكن أن تساعد أوريان على تحقيق نوع من التقدم في مسار مبادرته.

من المؤكد بأن أوريان يعتمد بشكل كبير على إمكانية فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية مجدداً الذي تعهد بأنه سينهي الحرب الأوكرانية خلال ساعات إذا وصل إلى البيت الأبيض.

 ويعتقد أن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل من شأنه أن يجبر الأوكرانيين والروس على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وما يعزز ذلك هو أن ترامب ووفقاً لما يتوقع لن يبدي انزعاجه بشكل كبير من تقارب أوربان من روسيا وعدم التزامه بالسياسات الأوروبية.

يقول دميتري توجانسكي:  قد يكون موقف صانع السلام الحالي الذي يتبناه أوربان مناسبا بشكل خاص إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام وعاد إلى البيت الأبيض في يناير 2025. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لزيادة محتملة في التوترات بين واشنطن وبكين، مع إمكانية وضع رئيس الوزراء المجري كوسيط في قضايا رئيسية مثل مبادرات السلام في أوكرانيا (مدير معهد استراتيجية أوروبا الوسطى دميتري توجانسكي، 18 يوليو 2024).

 على الرغم من مساعي أوبان لمنح مبادرته نوعا من الزخم والاهتمام العالمي ،  إلا أنه لم تكن هناك مؤشرات واضحة حتى الآن على تحقيق هذه المبادرة أي شيء على الأرض. ونتيجة لعدم امتلاك المجر لأي أوراق قوة فإن تجاوب القوى الإقليمية والدولية وطرفي الصراع مع المبادرة لم يتجاوز إبداء الاعجاب دون أن تكون هناك أدوار مساعدة.

نتيجة لذلك لم يتمكن أوربان من إلزام طرفي الصراع بخطوات فعلية سوى النقاش حول المبادرة، وهذا يمكن أن يوصف بأنه مسعى من قبل طرفي الصراع لتفادي الانتقاد بأن أيا منهم يعطل جهود السلام، لكن في الوقت نفسه استبعدت القيادة الروسية والأوكرانية في الوقت نفسه حدوث وقف إطلاق نار فوري.

وقال بوتين إن روسيا ستنهي الصراع، الذي تصفه موسكو بعملية عسكرية خاصة لحماية أمنها، إذا وافقت كييف على إسقاط تطلعاتها إلى عضوية حلف شمال الأطلسي وتسليم كامل المقاطعات الأربع التي تطالب بها موسكو - وهي المطالب التي رفضتها كييف بسرعة ووصفتها بأنها غير مقبولة. وترى أوكرانيا أن خطتها للسلام المكونة من عشر نقاط، وقالت إن زيارة أوربان إلى موسكو لم يتم تنسيقها مع كييف (رويترز ،  5 يوليو 2024).

من جانب أخر  تسببت هذه المبادرة بغضب من قبل القوى الغربية وينطلق ذلك من شكوك حول نوايا أوربان واتهامه بالتقرب من روسيا وفلاديمير بوتين، وهذا الاتهام هو أكثر ما يضعف إمكانية لعب أوربان دور الوسيط في هذه الحرب, خاصة  وتعتبره الكثير من الأوساط الغربية بأنه الأكثر تأييدا للكرملين ومعاداة للغرب، حيث عززت  المجر علاقاتها مع الكرملين، وتحديداً في قطاع الطاقة ، وينتقد أوربان العقوبات المفروضة على روسيا والمساعدات العسكرية لكييف، ويعارض احتمال انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.

يقول الكاتب الروسي غينادي بيتروف لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية: لن يكون من السهل على أوربان إقناع الاتحاد الأوروبي بمبادرته، خاصة وأن العلاقات بين بودابست وبروكسل توترت مرة أخرى. وقد فرضت المحكمة الأوروبية غرامة قدرها 200 مليون يورو على المجر نهاية أغسطس الماضي، مع زيادة هذا المبلغ بمقدار مليون يورو يوميا حتى ترفع الحكومة المجرية حظرها الفعلي على منح اللجوء للمهاجرين من الشرق الأوسط، وربما ستتبع ذلك عقوبات أخرى، (صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية ،  10 سبتمبر 2024).

وعلى الرغم من إظهار أوربان طموحات كبيرة ومتفائلة، إلا أن أفضل ما حققه حتى الآن هو فائدة محدودة تتعلق بزيادة أهمية دولته دبلوماسيا وسياسياً خارج الحدود الأوربية، وهذا ما يمكن يزيد من حالة الشك لدى القوى الأوروبية التي لا يستبعد أن ترى بأن المجر تريد أن تسلك طريقاً مختلفاً عن المسار الأوروبي.

إن هذا التراجع إلى التقدم نحو السلام، قد لا يشكل قضية كبرى بالنسبة لأوربان. وهمتك من يرى أن جهوده الدبلوماسية الأخيرة ربما هدفت في المقام الأول إلى تعزيز موقفه، سواء على المستوى المحلي أو على الساحة الدولية. والأمر الحاسم هنا هو أن هذه الجهود سمحت له بوضع بلاده بين المراكز العالمية الرئيسية في واشنطن وبكين وموسكو وبروكسل. كما عملت هذه الجهود كخلفية مرحب بها لإنشاء مجموعة الوطنيين من أجل أوروبا الجديدة داخل البرلمان الأوروبي، كجزء من الجهود التي يبذلها أوربان على النحو الذي يصف نفسه بأنه "تغيير السياسة الأوروبية" (المجلس الأطلسي ، 18 يوليو).

يشير رد الفعل الأوروبي الغاضب تجاه المبادرة من قبل المجر، والاتهامات حول ميلها أكثر إلى روسيا، وعدم قدرتها على إقامة علاقات متوازنة بين شركائها في الاتحاد الأوروبي وصديقتها الدولة الروسية، إلى صعوبة قيام المجر ورئيس وزرائها بهذه المهمة الصعبة.

 وعلى الرغم من أن الظروف الحالية غير مواتية لأي عملية دبلوماسية كبيرة تهدف لإنهاء الحرب، إلا أنه من المتوقع أن تبقى جميع المبادرات والجهود بما في ذلك المبادرة المجرية في إطار التشاور حتى حلول الوقت المناسب، واضطرار طرفي الصراع للتجاوب وإنهاء هذه الحرب، وفي حينها ينبغي أن يكون هناك طرف إقليمي أو دولي مناسب للقيام بدور الوسيط.

 

 

 

110