مقالات تحليلية

قلق فرنسي من تنامي نفوذ الإخوان المسلمين.. الدوافع والأسباب

23-May-2025

يتزايد قلق السلطات الفرنسية من تنامي نشاط الاخوان المسلمين والإسلام السياسي في فرنسا حيث بحث مجلس الدفاع برئاسة إيمانويل ماكرون، صباح الأربعاء 21 مايو/أيار، تقريرًا عن جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي حيث طلب الرئيس من الحكومة صياغة "مقترحات جديدة" في ضوء “خطورة الوقائع" الواردة في الوثيقة.

وكان الرئيس الفرنسي قد استدعى فرانسوا بايرو وعدداً من وزرائه المسؤولين عن الشؤون الخارجية والمالية، وكذلك التعليم الوطني والتعليم العالي والرياضة،  "وهي ثلاث قطاعات مستهدفة بشكل خاص من قبل الاخوان المسلمين، حسب ما أعلن قصر الإليزيه، ونظراً لأهمية الموضوع وخطورة الحقائق الثابتة، طلب إيمانويل ماكرون من الحكومة صياغة مقترحات جديدة سيتم مناقشتها في اجتماع مجلس الدفاع المقبل في بداية يونيو المقبل.

كيانات مرتبطة بالإخوان

يذكر التقرير عدة منظمات في فرنسا يُشير إلى ارتباطها بالإخوان المسلمين. وتشمل هذه المنظمات مدرسة ابن رشد الثانوية في ليل ، ومجموعة مدارس الكندي قرب ليون ، ومعهدين أوروبيين للعلوم الإنسانية، يُركزان على تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم.

كما يُحدد التقرير "منظومةً بيئيةً" أوسع نطاقًا في عدة مدن فرنسية، تضم هياكل مرتبطة بالإخوان في مجالات التعليم والعمل الخيري والدين. ويُقال إن هذه المنظمات تتعاون مع بعضها البعض. ويشير التقرير إلى محاولات للتأثير على المجالس المحلية.

وخارج فرنسا، تُشير الوثيقة إلى جماعة "فيميسو" الطلابية، ومقرها بروكسل، والتي تُروج لمناهضة العنصرية وتُنظم حملات ضد الإسلاموفوبيا . كما ذُكرت شبكة مالية تُدعى "أوروبا تراست"، ومقرها لندن.

قلق متزايد

يسلط التقرير الذي أعده اثنان من كبار المسؤولين الضوء على "الطبيعة التخريبية للمشروع الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين" ، والذي يهدف إلى "العمل على المدى الطويل للحصول تدريجيا على تغييرات في القواعد المحلية أو الوطنية" ، وخاصة تلك المتعلقة بالعلمانية والمساواة بين المرأة والرجل.

وفي نسخة من التقرير نشرتها صحيفة لوفيجارو، حدد المؤلفون، اتحاد المسلمين في فرنسا باعتباره الفرع الفرنسي الرئيسي لتنظيم الإخوان المسلمين التاريخية، الذي تأسس قبل 100 عام لتعزيز العودة إلى القيم الإسلامية الأساسية، وكان هدف التنظيم إنشاء "أنظمة بيئية على المستوى المحلي" من أجل "تنظيم حياة المسلمين من الولادة وحتى الموت".

ويدخل مسؤولو التنظيم، وهم ناشطون متمرسون، في علاقة مع السلطة المحلية... ويتم فرض المعايير الاجتماعية - الحجاب، واللحى، والملابس، والصيام - تدريجيًا مع ترسيخ النظام البيئي"، كما كتب المؤلفون.

ما يحدث هو أن الممارسات الدينية أصبحت أكثر صرامة، مع ارتفاع عدد الفتيات اللواتي يرتدين العباءة (الرداء الطويل)، وزيادة هائلة وواضحة في عدد الفتيات الصغيرات اللواتي يرتدين الحجاب الإسلامي. بعضهن في سن الخامسة أو السادسة (بي بي سي – 22 مايو 2025).

استراتيجية تقوم على التخفي

الجديد في استراتيجية الاخوان المسلمين هو أنها لا تقوم على عزل المجتمع الإسلامي عن الفرنسي لإحداث نوع من الانفصال والهيمنة على المجتمع الإسلامي في فرنسا كما كان الاخوان المسلمين يطمحون سابقاً، لكن هذه الاستراتيجية الجديدة تهدف للتغلغل والسيطرة على السلطات المحلية وخاصة البلديات.

 وتُعرف منظمة "مسلمو فرنسا"، المعروفة سابقًا باسم اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، بأنها "الفرع الوطني لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا". وقال مؤلفو التقرير: "نحن لا نتعامل مع انفصالية عدوانية"، بل مع "هدف خفي (...) وإن كان أقل تخريبًا للمؤسسات".

ويعتمد الاخوان المسلمين في ذلك بشكل رئيسي على دور العبادة والمراكز الدينية وهذا يشير إلى تنامي نفوذهم الديني في فرنسا ويقدر التقرير أن هناك 139 مكانا للعبادة تابعا للمسلمين في فرنسا، بالإضافة إلى "68 مكانا إضافيا تعتبر قريبة من الاتحاد، موزعة على 55 مقاطعة "، ويمثل هذا "7% من أماكن العبادة الإسلامية المسجلة والتي يبلغ عددها 2800" في فرنسا، مع متوسط ​​حضور يبلغ "91 ألف مصل يوم الجمعة".

ملاذ آمن

ما زاد قلق السلطات الفرنسية هو أن الاخوان المسلمين يحاولون تعويض نفوذهم المتراجع في الدول العربية والإسلامية من خلال زيادة نفوذهم في الدول الأوروبية وخاصة فرنسا، وفي هذا الاطار تمكن الاخوان المسلمين من زيادة تأثيرهم في مؤسسات التربية والتعليم العالي والأندية الرياضية.

وتضم فرنسا وألمانيا أكبر عدد من المسلمين بين دول الاتحاد الأوروبي. وأشار التقرير إلى انتشار الإسلام السياسي "من القاعدة إلى القمة" وعلى مستوى البلديات، مضيفًا أن هذه الظاهرة تُشكل "تهديدًا على المدى القصير والمتوسط". وأكد المؤلفون أن الحركة في فرنسا "تستند إلى بنية متينة، لكن الإسلام السياسي ينتشر بشكل رئيسي على المستوى المحلي". وأضافوا: "يبدو أن اتخاذ إجراءات ميدانية حازمة وطويلة الأمد ضروري لوقف صعود الإسلام السياسي" (صحيفة لوموند – 21 مايو 2025).

كما أن السلطات الفرنسية باتت تخشى من ان يؤدي تنامي نفوذ الاخوان المسلمين الاجتماعي والسياسي إلى إمكانية تحقيقهم انجاز انتخابي خلال المرحلة المقبلة، ومن المقرر أن تجرى الانتخابات البلدية في فرنسا العام المقبل، وقال ريتيللو - الذي اكتسب سمعة باعتباره متشددا - إنه يشعر بالقلق إزاء إمكانية تشكيل قوائم مرشحين إسلاميين (بي بي سي – 22 مايو 2025)

 

إجراءات فرنسية متوقعة

تأتي أهمية هذا التقرير نتيجة لأنه أثار الجدل حول مسألة الاخوان المسلمين في ظل ظروف فرنسية استثنائية، ومنها التمهيد للانتخابات المقبلة والتنافس بين القوى السياسية وسعي الحكومة للتأكيد على الهوية الوطنية والعلمانية للدولة، وبالتالي ستحظى هذه القضية بكثير من الاهتمام والنقاش المحلي والأوروبي.

ويأتي هذا التقرير في وقتٍ تُركّز فيه السياسة الوطنية في فرنسا على قضايا الهوية الوطنية والإسلام، مع ازدياد حصّة اليمين المتطرف بزعامة لوبان في الأصوات. وقد اختير برونو ريتيلو ، وزير الداخلية اليميني المتشدد، مؤخرًا لرئاسة حزب الجمهوريين اليميني التقليدي، بعد أن غادره زعيمه السابق إريك سيوتي للانضمام إلى تحالف مع لوبان، وقال ريتيللو لوسائل الإعلام قبل اجتماع الأربعاء إن الإسلام السياسي "يتسلل بهدوء إلى الجمعيات الرياضية والثقافية والاجتماعية وغيرها" وهدفه النهائي هو "دفع المجتمع الفرنسي بأكمله إلى الشريعة الإسلامية"  (صحيفة الغارديان – 21 مايو 2025).

وانتهز المرشحون الرئاسيون فرصة تسريب التقرير لطرح آرائهم الخاصة حتى قبل الإعلان الرسمي عن النتائج. وقال رئيس التجمع الوطني اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، في حديث تلفزيوني إن تنظيم الإخوان المسلمين يشكل "أحد أخطر التحديات الوجودية التي تواجه بلادنا"، ورد غابرييل أتال الذي شغل منصب رئيس الوزراء لفترة وجيزة في العام الماضي ويقود الآن حزب النهضة الوسطي المؤيد لماكرون – بطرح مقترح يدعو لحظر ارتداء الحجاب الإسلامي لمن تقل أعمارهن عن 15 عاماً.

وقالت المتحدثة باسم الحكومة صوفي بريماس: "هذا التقرير يؤكد الحقائق وسيسمح لنا بالتحرك"،  ووصفته بأنه "وعي بحقيقة الخطر"، وصرح مسؤولون في قصر الإليزيه بأن بعض القرارات ستُتخذ، مع أن بعض الإجراءات ستبقى سرية. ومن المتوقع إصدار نسخة مُحررة من التقرير لاحقًا (قناة أوروبا 1- 21 مايو 2025).

وعلى الرغم من ذلك لا تزال الدولة الفرنسية بعيدة نوعاً عن اتخاذ خطوات كبيرة كفرض حظر على هذه الأدوات التابعة للإخوان المسلمين، حيث يتبين من قراءة توصيات التقرير أن هناك توجه لإرسال إشارات قوية إلى العائلات الفرنسية ذات الديانة الإسلامية، لتجنب خلط الأمور وتبديد القلق" وذلك من خلال "تنظيم العزاءات" لتسهيل إقامة الشعائر الدينية في المقابر، و"تعليم اللغة العربية" في المدارس، وصياغة الموقف الفرنسي المناسب من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وذلك من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل.

لكن في المقابل يمكن أن تكون هناك إجراءات مالية وممارسة ضغوط ضد الأدوات المدعومة من الاخوان المسلمين ، حيث دعا ماكرون خلال اجتماع مهم عقد بتاريخ 21 مايو الحكومة إلى اتخاذ إجراءات بحلول بداية يونيو المقبل في ضوء " خطورة الوقائع" للحد من نفوذ الإخوان المسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أيضا لضربهم في محفظتهم فيما يتعلق بقضية التمويل الأجنبي، كما من المتوقع أن تكون هناك بعض الإجراءات ضد أدوات الاخوان في المدارس والجامعات والأندية الرياضية.

رد القوى الإسلامية

يرى مراقبون أنه يمكن أن يستفيد الاخوان المسلمين في فرنسا من طبيعة التنافس بين القوى السياسية الفرنسية ذاتها. وفي وقت استغلت بعض القوى هذه التسريبات للمطالبة بفرض ضغوط على الإسلاميين هناك، ذهبت قوى أخرى لوضع ذلك في إطار ممارسة الضغط على المسلمين في البلاد.

ويقول جان لوك ميلينشون ، زعيم حركة فرنسا الأبية، الذي يتهمه اليمين والجبهة الوطنية بنقل حجج إسلامية كرد على التقرير : "لقد تجاوزت الإسلاموفوبيا عتبة معينة"، وأضاف "كفى! ستُدمّرون بلادنا"، وندّد، مُبديًا قلقه من "إطلاق محاكم تفتيش قاسية" (صحيفة La Dépêche الفرنسية – 22 مايو 2025).

وسعى الاخوان المسلمين عبر "اتحاد المسلمين الفرنسيين" إلى تجييش المسلمين المتواجدين في فرنسا ضد هذا التقرير من خلال القول بأن هذه الإجراءات تهدد المسلمين بشكل عام،  وليس فقط القوى المرتبطة بالإخوان المسلمين واستنكر اتحاد المسلمين الفرنسيين، الذي قدمه التقرير باعتباره "الفرع الوطني لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا" ، "الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة" ، وحذر من "الخلط الخطير" بين الإسلام والتطرف.

 كما حاولت القوى الإسلامية في فرنسا التمهيد لمرحلة الضغوط المستقبلية التي يمكن أن يتعرضوا لها من خلال القول أن هذا التقرير سيجلب أضرارا للمسلمين في فرنسا، وسيؤدي لتعرضهم للعنف، حيث أعرب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، عن "قلقه العميق إزاء الانتهاكات المحتملة واستغلال البيانات المعلنة" . وانتقد بشكل خاص "الافتقار إلى تعريفات واضحة للمفاهيم" في التقرير، والذي "يحافظ على الارتباك الضار" بالنسبة "للمواطنين المسلمين" الذين "يشعرون اليوم بأنهم لم يعودوا في مأمن من الشك الدائم".

 

 حاولت القوى الإسلامية في فرنسا التمهيد لمرحلة الضغوط المستقبلية التي يمكن أن يتعرضوا لها من خلال القول أن هذا التقرير سيجلب أضرارا للمسلمين في فرنسا، وسيؤدي لتعرضهم للعنف، حيث أعرب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، عن "قلقه العميق إزاء الانتهاكات المحتملة واستغلال البيانات المعلنة" . وانتقد بشكل خاص "الافتقار إلى تعريفات واضحة للمفاهيم" في التقرير، والذي "يحافظ على الارتباك الضار" بالنسبة "للمواطنين المسلمين" الذين "يشعرون اليوم بأنهم لم يعودوا في مأمن من الشك الدائم".

 

 

29