
ارتفعت حدة التنافس والسباق العالمي على ريادة الذكاء الاصطناعي بين كل من الصين وتايوان والولايات المتحدة الأميركية ، وهذا ما زاد من وتيرة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة منذ أعوام بين تايبيه وبكين، حيث تعهدت تايوان بالحفاظ على مكانتها الرئيسية في قطاع أشباه الموصلات بعد أن أعلنت شركة “تي إس إم سي” TSMC التايوانية عن استثمار ضخمة لبناء مصانع جديدة لها في الولايات المتّحدة،
خطوة هائلة من قبل أقوى شركة في العالم
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب كشف أن تي إس إم سي
ستستثمر 100 مليار دولار في أميركا، وأن
استثمارات هذه الشركة الإجمالية في الولايات المتحدة ستبلغ 165 مليار دولار
على الأقل، وأشار إلى أن معظم استثمارات شركة "أشباه الموصلات
التايوانية" ستكون في ولاية أريزونا، وأنها ستبني خمسة مصانع إضافية للرقائق. ووصف
الرئيس الاستثمار بأنه "خطوة هائلة من قبل أقوى شركة في العالم".
وتتطور معظم تكنولوجيا أشباه الموصلات الرائدة في
الولايات المتحدة، مع ذلك، تهيمن تايوان وكوريا الجنوبية على تصنيع الرقائق
حالياً. على الجانب الآخر، تعد الصين أكبر سوق في العالم لهذه المكونات
الإلكترونية، وتزداد رغبتها في زيادة التصنيع المحلي للرقائق التي تستخدمها، ما صب
اهتمام واشنطن على القطاع في إطار سعيها لتقييد تقدم منافستها الآسيوية والتصدي
لما تصفها بأنها مخاوف مرتبطة بالأمن القومي، (موقع قناة الشرق، 1 ديسمبر 2024)
إدارة "ترامب" تهدف لتنشيط صناعة أشباه الموصلات مع تزايد المنافسة العالمية، وإنقاذ صانعة الرقائق الأمريكية "إنتل" من حالة الركود التي استمرت سنوات بعد فشلها في تطوير رقائق الجوالات الذكية والذكاء الاصطناعي. وقد هدد "ترامب" بفرض رسوم جمركية 25% على الرقائق المستوردة لتشجيع التصنيع في أمريكا، واتهم تايوان بسرقة صناعة أشباه الموصلات من بلاده، كما اتهم "ترامب" حكومة تايوان بالاعتماد على الدعم الأمني الأمريكي – ضد تهديدات الصين - دون دفع مقابل، وصرح وزير التجارة الأمريكي "هوارد لوتنيك" أن "تي إس إم سي" استغلت أمريكا لصناعة الرقائق، قائلاً: نعتمد على تايوان بصورة مفرطة، وبحاجة إلى أن يصبح هذا الإنتاج في بلادنا. (موقع أرقام، 26 فبراير 2025)
دوافع تايوانية وراء الاستثمار خارج الحدود
ينطلق تعهد رئيس وزراء تايوان، تشو جونغ-تاي، بالحفاظ
على مكانة تايوان في سلسلة التوريد العالمية لشرائح أشباه الموصلات نتيجة لأهمية
هذا القطاع على مستوى العالم حيث مكانته الكبيرة في سوق التكنولوجيا والاقتصاد
العالمي، كما أن هذا التعهد لها علاقة مباشرة بالتنافس بين القوى الكبرى على
التفوق في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ووصل الأمر إلى وصف هذا التنافس
بالحرب بين هذه القوى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والصين وتايوان، وتعد شركة
"تي إس إم سي" التايوانية من أهم الشركات التي تصنع الرقائق المتقدمة
وأشباه الموصلات التي تعتمد عليها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
رغبة تايوان بالاستثمار في الولايات المتحدة الأميركية،
تأتي نتيجة لعدة أهداف ومكاسب منها تتعلق بالسعي للتوسع الاقتصادي والتجاري وأن
يكون لها دور ريادي في عموم الاستثمارات الدولية المتعلقة بالمجال التكنولوجي،
وبالإضافة إلى ذلك هناك جانب متعلق برغبة تايوان بتقوية العلاقات السياسية
والأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، ومحاولة الحصول على نوع من الحماية
الأميركية في حال تعرضت تايوان لتهديدات خارجية وخاصة من قبل الصين، وفي وقت سابق
تحدث ترامب علناً عن ذلك حيث قال: إن تايوان يجب أن تدفع للولايات المتحدة مقابل
دفاعها العسكري.
وقالت بوني جلاسر، المديرة الإدارية لبرنامج المحيطين
الهندي والهادئ في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، إن تايبيه تأمل أن
يساعد تعهد الاستثمار المتزايد في الحفاظ على قوة العلاقة بين الولايات المتحدة
وتايوان، وأضافت: "من الواضح أن تايوان تتقدم بطريقة تدعم أولويات الرئيس
ترامب وتقدمها. ستستفيد الولايات المتحدة بشكل كبير من استثمار شركة تايوان لتصنيع
الرقائق" (11 نيوز الإخبارية الأميركية – 3 مارس).
الغالبية العظمى من أشباه الموصلات
وتورِّد تايوان الغالبية العظمى من أشباه الموصلات
الأكثر تقدمًا في العالم، وتحافظ على معظم إنتاجها البري تحت حماية مشددة، وهو ما
يعتقد المحللون أنه يعزز الحوافز العالمية للدفاع عن تايوان ضد الغزو الصيني، وقال
جيمس ييفان تشين، الأستاذ المساعد في قسم الدبلوماسية والعلاقات الدولية بجامعة
تامكانج في تايوان، إن "سحب قطاع التكنولوجيا من تايوان من شأنه أن يقلل من
قوة "درع السيليكون" في تايوان"
(الغارديان 3 مارس 2025)
مع ذلك تايوان بدأت تدرس تأثير استثمارات تي إس إم سي
في أميركا على مكانتها في صناعة الرقائق ، وقالت المتحدثة باسم مجلس الوزراء
التايواني قالت إن حكومة بلادها ستأخذ في الاعتبار وضع شركة تي إس إم سي ومكانة
تايوان في صناعة الرقائق العالمية عند مراجعة خطط استثمار مصنع الرقائق في أميركا.
وأضافت ميشيل لي أن موقف الحكومة التايوانية من الاستثمارات الخارجية يقوم على
دعمها إذا ساهمت في عولمة القطاع الصناعي وعززت القدرة التنافسية للبلاد بشكل عام.
إمدادات أشباه الموصلات
وتتزايد المخاوف من أن أي تصعيد في التوترات بين الصين
وتايوان قد يؤدي إلى تعطيل إمدادات أشباه الموصلات إلى الأسواق العالمية ويمكن أن
يعيق مثل هذا السيناريو الصناعات العالمية المعتمدة على هذه الرقائق، ومنها بالطبع
صناعة الذكاء الاصطناعي. لذلك، فإن سعي الولايات المتحدة لتوسيع قدراتها في إنتاج
الرقائق محليًا يهدف إلى تحصين نفسها ضد هذه المخاطر وضمان استمرارية تطور
التقنيات المتقدمة، كما أن لا يستبعد أن تكون الشركات التايوانية تقوم ببعض
الإجراءات الاحتياطية من خلال نقل بعض استثماراتها إلى خارج حدود البلاد.
لكن على الرغم من ذلك يبدو بأن هناك نوع من التفسير المختلف
لدى كل من إدارة ترامب وتايوان لطبيعة وأهداف هذه الاستثمارات وفي هذا السياق قال
مسؤول تايواني كبير، لبلومبرغ إن بلاده ترفض احتكار صناعة الرقائق، وذلك بعد
تصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتقد خلالها سيطرة تايبيه على قطاع
الرقائق.
أهداف ومكاسب أميركية
تُعَد شركة تي اس ام سي لاعباً أساسياً في صناعة أشباه
الموصلات العالمية، وخاصة بالنسبة لشركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مثل أبل
ونفيديا وكوالكوم ، وتعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على تي اس ام سي لإنتاج
الرقائق المتقدمة، والتي تعد حيوية لكل من الإلكترونيات الاستهلاكية والأمن
القومي، بما في ذلك تقنيات الدفاع.
من الناحية الجيوسياسية، يتزايد دور شركة تي اس ام سي أهمية
مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وخاصة فيما يتعلق بوضع تايوان وتنظر
الولايات المتحدة إلى شركة تي اس ام سي كشريك استراتيجي، حيوي لتأمين الوصول إلى تكنولوجيا
الرقائق المتطورة كما تهدف إلى تقليل
الاعتماد على سلاسل توريد أشباه الموصلات الأجنبية، حيث تلعب شركة تي اس ام سي دورًا
رئيسيًا في تعزيز مرونة الولايات المتحدة في مواجهة الاضطرابات المحتملة وتعد
علاقة شركة تي اس ام سي بالولايات المتحدة ضرورية للحفاظ على الريادة التكنولوجية
العالمية (موقع البازار الأميركي – 4 مارس 2025).
أهداف سياسية كبيرة
ولدى ترامب أهداف سياسية كبيرة من الكشف عن استثمارات
تكنولوجية بمليارات الدولارات، وخاصة في مراكز البيانات، ويتمتع ترامب بتاريخ طويل
في وصف هذه الاستثمارات في القطاع الخاص بأنها انتصارات سياسية، والاحتفال
بالإعلانات باعتبارها علامة على أنه يفي بوعود حملته الانتخابية لخلق فرص العمل
وإحياء التصنيع المحلي.
ووصف السناتور مارك كيلي من ولاية أريزونا، كبير
المفاوضين في قانون رقائق الرقائق الدقيقة، استثمار الشركة التايوانية لصناعة
الرقائق الدقيقة بأنه "خبر ضخم لولاية أريزونا يعزز رسميًا مكانة ولايتنا
كمركز عالمي لبناء أكثر الرقائق الدقيقة تقدمًا في العالم". وأضاف أن التوسع
"سيوفر لعشرات الآلاف من سكان أريزونا وظائف ذات رواتب جيدة لا تتطلب الحصول
على شهادة جامعية مدتها أربع سنوات" (أريزونا ريبابليك الأميركية – 3 مارس 2025).
قلق صيني
هذه الاستثمارات التايوانية في الولايات المتحدة
الأميركية سرعان ما أثارت غضب الصين، وينطلق ذلك من عدة أسباب أبرزها التنافس في
مجال الذكاء الاصطناعي وبينما تعتبر الصين لاعبًا رئيسيًا في قطاع التكنولوجيا، تعد
تايوان، المزود الرئيسي للشرائح المتقدمة التي تدفع عجلة الابتكار في الذكاء
الاصطناعي. لذلك، تأمين قدرة التصنيع على هذه الرقائق يعد أمرًا حيويًا للأمن
القومي والتفوق التكنولوجي.
ومن شأن استثمار هذه الشركة في اميركا الذي تبلغ قيمته
100 مليار دولار أن يعزز الإنتاج المحلي الأميركي، ويقلل اعتمادها على أشباه
الموصلات المصنعة في آسيا وخاصة الصين (الغارديان – 4 مارس 2025).
وتزايد القلق الصيني أيضاً نتيجة لأن هذه الاستثمارات
تزيد من التعاون بين واشنطن وتايبيه بشكل يعرقل أي تحركات صينية متوقعة في إطار
التوتر والتصعيد مع تايوان، وقالت الصين إن تايوان تسعى إلى التنازل عن صناعة
أشباه الموصلات في الجزيرة للولايات المتحدة باعتبارها "تذكارًا" واستغلالها
للحصول على الدعم السياسي من واشنطن، وأوضح تشو فنغ ليان، المتحدث باسم مكتب شؤون
تايوان الصيني، في مؤتمر صحفي دوري في بكين، إن الناس في تايوان يشعرون بالقلق من
أن تصبح شركة تي اس ام سي "شركة تصنيع أشباه الموصلات الأمريكية".
العنصر الجوهري للاقتصاد الرقمي
وفق موقع قناة الرشق نقلا عن بلومبيرغ تشكل رقائق
الحاسوب العنصر الجوهري للاقتصاد الرقمي، وتزايد قدراتها يدعم تقنيات مثل الذكاء
الاصطناعي التوليدي الذي يَعد بتغيير معالم العديد من القطاعات. واتضح الدور
الحيوي للرقائق عندما أدت جائحة فيروس كورونا إلى اضطراب إنتاج الرقائق في آسيا،
لتعم الفوضى سلاسل توريد التكنولوجيا.
ولا عجب إذن أن تصبح هذه الأجهزة محور منافسة محتدمة
بين القوى الاقتصادية العظمى في العالم، حيث فرضت الولايات المتحدة مجموعة من
القيود التي تهدف إلى عرقلة طموحات الصين في قطاع أشباه الموصلات وضمان الهيمنة
الأميركية على الريادة في ذلك المجال الحيوي، ويرجح أن يستمر التركيز على الرقائق
في عهد إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الجديدة، التي تسعى إلى دعم
القدرات والتصنيع في الولايات المتحدة.