مقالات تحليلية

حرب ترامب الجمركية.. أبعادها السياسية وتأثيراتها

12-Feb-2025

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومنيوم، وفرض بالفعل ضريبة بنسبة 10% على جميع المنتجات القادمة من الصين -التي ردت بإجراءات خاصة بها- وهدد بفرض رسوم جمركية على المنتجات القادمة من كندا والمكسيك، وقال ترامب إن الرسوم الجمركية ستعزز الاقتصاد الأمريكي و"تحمي" البلاد من الهجرة غير الشرعية وتدفق المخدرات.

تشكل الرسوم الجمركية جزءاً أساسياً من خطط ترامب الاقتصادية، فقد وعد بفرض رسوم جمركية على بعض شركاء أمريكا التجاريين الرئيسيين خلال حملته الانتخابية، ويقول إن الرسوم الجمركية سوف تعمل على تعزيز التصنيع في الولايات المتحدة وحماية الوظائف، فضلاً عن زيادة الإيرادات الضريبية ونمو الاقتصاد. وقال البيت الأبيض إن الرئيس "اتخذ أيضاً إجراءات جريئة لمحاسبة المكسيك وكندا والصين على وعودها بوقف الهجرة غير الشرعية ووقف تدفق الفنتانيل السام والمخدرات الأخرى إلى بلادنا"، وتقول إدارة ترامب إن المواد الكيميائية تأتي من الصين، في حين تقوم العصابات المكسيكية بتوريدها بشكل غير قانوني وتدير مختبرات للفنتانيل في كندا. وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن بلاده مسؤولة عن أقل من 1% من الفنتانيل الذي يدخل الولايات المتحدة.

تحقيق الوعود

خلال الحملة الانتخابية لعام 2016، قال ترامب إن أمريكا تحت قيادته سوف تحقق الكثير من الانتصارات، لدرجة أن الناس سوف يشعرون بالملل من كل هذا الفوز، ومن خلال التعريفات الجمركية الأخيرة، يقترب ترامب من تحقيق هذا الوعد.

في البداية، بدا أن الغرض كان الوفاء بالوعد الذي قطعه في حملته الانتخابية في عام 2024: وهو أنه سوف يستعيد قوة التصنيع في أمريكا من خلال حماية الصناعة خلف جدار من التعريفات الجمركية، وقد أوضحت الأحداث اللاحقة أن الهدف الحقيقي كان منح ترامب فوزاً سياسياً سريعاً وفي وقت قصير، فقد أعلنت المكسيك وكندا أنهما ستبذلان مزيداً من الجهود لتحصين الحدود، وأعلن ترامب في المقابل أنه سيوقف الرسوم الجمركية.

هذه التنازلات يبدو أنها تجميلية إلى حد ما، فمن غير المرجح أن تعمل القوات التي ترسلها الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم إلى الحدود بشكل أفضل من جهد مماثل في عام 2019. لكنهم سمحوا لترامب بادعاء فوز الولايات المتحدة دون تعريض المستهلكين الأمريكيين لألم ارتفاع الأسعار.

المشكلة هنا هي أن فوز ترامب قد يكون بمثابة خسارة لأمريكا، يقول الكنديون والمكسيكيون: في الأمد القريب، ربما نستطيع أن ننجوَ من هذا الاستغلال. ذلك أن الصادرات المكسيكية والكندية إلينا تشكل حصة أكبر كثيراً من اقتصاداتهما مقارنة باقتصادنا، لذا فمن المنطقي أن نقدم تنازلات بدلاً من خسارة القدرة على الوصول إلى أسواقنا. ولكن الناخبين ليسوا من أصحاب القيم المتعالين؛ فعندما يشعرون بالتنمر، فإن غريزتهم تدفعهم إلى الرد، حتى ولو كان ذلك على حساب أنفسهم، إذا حاول ترامب جمع الكثير من هذه الانتصارات، فإن الناخبين في البلدان الأخرى سوف يطالبون ساستهم بحرمانه من انتصاراته، حتى لو كان ذلك يعني حرباً تجارية يخسرها الجميع (واشنطن بوست – 5 فبراير).

استخدام العصا الجمركية خدمة للسياسة

لقد كرر الرئيس ترامب مراراً دعوته لكي تصبح كندا الولاية رقم 51، وقد استقبل أغلب الكنديين هذه التصريحات، إلى جانب التهديد باستخدام "القوة الاقتصادية"، ليس باعتبارها دعوة، بل باعتبارها اعتداء على اقتصاد كندا وسيادتها، وقد أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أنه إذا تم فرض الرسوم الجمركية الأمريكية، فإن كندا ستفرض رسوماً جمركية بنسبة 25٪ على واردات أمريكية بقيمة 155 مليار دولار كندي، وهو مبلغ أكبر مما كان يُتوقع في البداية.

وفق بي بي سي : في اليوم التالي لدخول الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة حيز التنفيذ، اتهمت بكين واشنطن بتقديم "ادعاءات لا أساس لها من الصحة وكاذبة" حول دورها في تجارة مادة الفنتانيل الأفيونية الصناعية لتبرير هذه الخطوة.

وفي شكوى قدمتها لمنظمة التجارة العالمية ، قالت الصين إن الضرائب الأمريكية المفروضة على الواردات "تمييزية" وتنتهك قواعد التجارة. لكن الخبراء حذروا من أن الصين من غير المرجح أن تحصل على حكم لصالحها في ظل عدم قدرة اللجنة التابعة لمنظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات على العمل (بي بي سي عربي- 9 فبراير 2025).

كانت لدى الصين سنوات للاستعداد لعودة ترامب، وأصبح الرئيس الصيني شي جين بينغ أكثر استعداداً لاتخاذ موقف أكثر حزماً إذا قرر القيام بذلك، قد يشعر الآن أنه أقل ميلاً إلى التسامح مع تكتيكات ترامب العدوانية. أما في الجولة التالية، فقد لا يُظهر كثيراً من الصبر إذا حاول ترامب إرهابه وقد تصل الأمور إلى حرب تجارية وربما تستخدم الصين أدواتها الانتقامية ضد المصالح الأمريكية.

وبالإضافة إلى فرض التعريفات الجمركية المضادة، يمكن للصين أن تزيد استخدامها قيود التصدير على المعادن الحيوية، واستخدام "قائمة الكيانات غير الموثوق بها" الخاصة بها، وفرض ضوابط التصدير الخاصة بها، مما قد يؤثر على التجارة العالمية في أي مكان تكون فيه الولايات المتحدة طرفاً. ومن شأن هذه التدابير أن تمكن بكين من التعامل بدقة أكبر، مثل استهداف شركات أمريكية محددة أو صناعات حيوية، وربما تسبب ألماً اقتصادياً كبيراً دون إشعال حرب تجارية واسعة النطاق (بروكينغز – 11 ديسمبر 2024).

 

تنفير الحلفاء

لعل من أبرز نتائج هذه الخطوات والإجراءات التي تقوم بها إدارة ترامب هي زيادة الخلاف والتناقض مع الحلفاء والشركاء الدوليين، كدول الاتحاد الأوروبي الذي حذر من أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم في دول الاتحاد، مؤكداً أن هذه الإجراءات ستؤثر سلباً على الأسواق الأوروبية وتزيد تكاليف الاستيراد، وتأتي حساسية ذلك بأنه يتزامن مع توترات تجارية وسياسية بين واشنطن والاتحاد الأوروبي، وهذا ما يزيد مخاوف من أن تؤثر هذه الإجراءات على مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين.

في هذا السياق قال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو إن بلاده ستدعو الاتحاد الأوروبي للرد على ترامب، أما المستشار الألماني أولاف شولتس، فقد قال إن أوروبا سترد بشكل موحد على الرسوم الجمركية الأمريكية. ورغم أن هذا الموقف يأتي نتيجة لتأثيرات الإجراءات الأمريكية على الاقتصاد الألماني والفرنسي، فمن جهة أخرى هذه الإجراءات فتحت المجال أمام تطور الخلافات السياسية بين ضفتي الأطلسي، ويمكن أن يكون ذلك متعلقاً بسياسة ترامب وتعامله مع دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى مواقفه من الحرب في أوكرانيا.

في نهاية المطاف، قد تكون العواقب الأكثر أهمية لإجراءات ترامب، سياسية وليست اقتصادية فقط. يقول رئيس لجنة التجارة الخارجية المكسيكي أنطونيو أورتيز مينا: بالنسبة لأولئك منا الذين دافعوا لعقود من الزمن عن علاقات تجارية وأمنية وثيقة مع الولايات المتحدة، وأعجبوا بديمقراطيتها واقتصادها الديناميكي، واعتبروها شريكاً مثالياً وجديراً بالثقة، فسوف تكون من الصعب عليهم مواجهة المنتقدين الذين قد يدعون إلى علاقات أوثق مع القوى العالمية الأخرى (Americas Quarterly – 3 فبراير 2025).

الدفع باتجاه تحالفات جديدة في العالم

لعل من بين النتائج الإيجابية المترتبة على الحرب التجارية، تعزيز التحالفات الإقليمية. فمع تعطل تدفقات التجارة التقليدية، تجد بعض الدول حوافز متزايدة لتعزيز العلاقات مع الاقتصادات المجاورة، وقد تتجه كندا والمكسيك، اللتان لطالما اعتبرتا شريكتين تجاريتين طبيعيتين للولايات المتحدة، نحو تعميق تعاونهما الاقتصادي. وقد تتطلعان أيضاً إلى إبرام اتفاقيات ثنائية مع شركاء آخرين، فضلاً عن البحث عن أسواق جديدة وتعزيز العلاقات مع الصين واليابان.

كما أن فرض الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تعزيز التكامل بين الدول الأعضاء فيه. ففي مواجهة الضغوط الأمريكية، قد يعمل الاتحاد الأوروبي على تسريع المبادرات الرامية إلى تقوية التجارة الداخلية، وتوحيد القواعد التنظيمية، وتعزيز سلاسل التوريد داخل أوروبا.

أما الصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فقد تسعى لتوسيع علاقاتها التجارية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وخارجها وإقامة شراكات أقوى مع الفاعلين الإقليميين والاستثمار في اتفاقيات تجارية جديدة، وقد يؤدي هذا إلى نشوء مجتمع اقتصادي آسيوي أكثر تكاملاً.

وبغض النظر عن النتائج الأخرى، فإن الحرب الجمركية تشير إلى إعادة ترتيب المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي، فرغم كونها مؤلمة في الأمد القريب، يمكن أن تخلق تغييرات طويلة الأجل تعيد التوازن إلى الأنظمة الاقتصادية وتعزز فرضية الشريك التجاري الطبيعي. هذه النظرية تتحقق من خلال تسليط الضوء على الكيفية التي من المرجح أن تعمل بها البلدان ذات الروابط الثقافية والتاريخية والجغرافية المشتركة على تعميق علاقاتها الاقتصادية في مواجهة الصدمات الخارجية (The Conversation - 11 فبراير 2025).

خلاصات

نتيجة لقوة الولايات المتحدة الاقتصادية والتجارية والسياسية على المستوى العالمي، فإنه من المتوقع أن تسفر هذه الإجراءات عن بعض التنازلات من قبل بعض الدول المتأثرة، إلا أنها تتسبب بالتأكيد بتنفير الحلفاء وضرب شبكات التجارة العالمية التي كان للولايات المتحدة الأمريكية نفوذ عليها، وبالتالي تآكل هذا النفوذ في الاقتصاد العالمي، وسوف تكشف الأشهر المقبلة ما إذا كانت إستراتيجية ترامب عبارة عن أسلوب للضغط والحصول على المكاسب والتنازلات أم تحولاً حقيقياً نحو الانعزال الاقتصادي. 

145