مقالات تحليلية

توتر بين البرهان وحميدتي.. صدام مرتقب أم توافق حقيقي؟

14-Mar-2023

في الثامن من يناير الماضي بدأت المرحلة النهائية للعملية السياسية في السودان، بين الموقعين على الاتفاق الإطاري المبرم في 5 ديسمبر2022 من العسكريين والمدنيين، للوصول إلى اتفاق يحل الأزمة في البلاد.

تهدف العملية السياسية إلى حل أزمة ممتدة منذ 25 أكتوبر 2021، حين فرض رئيس مجلس السيادة الانتقالي الجنرال عبد الفتاح البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ وإقالة الولاة (المحافظين)، هذا الوضع اعتبرته قوى سياسية انقلابا على السلطة الانتقالية. وهو وصف يطابق  ما جاء على لسان  الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع في 20 فبراير 2023 الذي قال إن الانقلاب أفاد سياسيا أنصار الرئيس السابق عمر البشير.

حميدتي طالب بضرورة إنهاء العملية السياسية والوصول لحل سياسي نهائي بصورة عاجلة، وتشكيل سلطة مدنية انتقالية مع عودة المؤسسة العسكرية لثكناتها والتفرغ لمهامها في حماية حدود البلاد وأمنها وسيادتها. وأكد كذلك التزامه بما نص عليه الاتفاق الإطاري، والتزامه بدمج قوات الدعم السريع في الجيش وفق جداول زمنية متفق عليها، نافيا وجود أي خلاف بين قواته وجيش البلاد، موضحا أن الخلاف مع "المتشبثين بالسلطة". وكان البرهان أعلن سابقا أن المضي في الاتفاق الإطاري رهين بتنفيذ بند دمج قوات الدعم السريع في الجيش.


الخلاف حول دمج الدعم السريع 

كما أشرنا يدعم حميدتي التسليم السريع للسلطة إلى حكومة مدنية، بينما يرى البرهان البحث عن مزيد من التوافق بشأنه مع القوى السياسية وضم القوى غير الموقعة على الاتفاق، وهو ما ترى فيه القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري محاولة لإغراق العملية السياسية بعناصر محسوبة على النظام الإخواني السابق موالية للبرهان.

تلخيصا للأزمة، كان البرهان قال -أمام حشد جماهيري في منطقة الزاكياب بولاية نهر النيل منتصف فبراير- إن قيادة القوات المسلحة دعمت الاتفاق الإطاري عن قناعة لأنه يعالج مشاكل السودان، لكنه اشترط للمضي قدما في الاتفاق دمج قوات الدعم السريع في الجيش، قائلا "قبلناه لأن فيه بندا مهما جدا يهمنا كعسكريين، وهو دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، هذا هو الفيصل بيننا وبين الحل الجاري الآن".

وفي المقابل، حذر حميدتي عناصر نظام الرئيس المعزول عمر البشير من محاولات الوقيعة بين قواته والجيش، مؤكدا التزامه بما ورد في الاتفاق الإطاري بخصوص مبدأ الجيش الواحد ودمج قواته في القوات المسلحة وفق جداول زمنية يتفق عليها، (الجزيرة نت، 21 فبراير 2023) 

ويعتبر دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، إحدى نقاط الخلاف الأساسية حالياً، بسبب وجهات النظر المتباينة بين الطرفين بشأن الدمج. مصادر متطابقة من الجيش ذكرت لـ “الشرق"، أن إحدى القضايا الخلافية تتمثل في تردد قيادة قوات الدعم السريع في دمجها بالقوات المسلحة. قالت المصادر إن اجتماع هيئة قيادة الجيش الذي عقد في يناير بداية هذا العام ، انتهى إلى ضرورة دمج قوات الدعم السريع وإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، وكلف الاجتماع كلاً من الجيش والمخابرات العامة والشرطة، بإعداد وتقديم رؤيتها بشأن إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية. وأضافت المصادر أن الاجتماع أوصى بتشكيل لجان من ضباط برتبتي فريق ولواء لإعداد دراسة إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، (مها التلب، موقع قناة الشرق، 9 مارس 2023) 

لقد فجر موضوع دمج قوات الدعم السريع جدلاً وخلافات علنية وصلت إلى درجة حدوث أزمة سياسية بين  القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع داخل المجلس السيادي الانتقالي. وذلك منذ تصريحات الفريق البرهان ضمن  خطاب له تحدث فيه عن أهمية  دمج قوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة،  وقال أن عملية الدمج هي  الفيصل في استمرار العملية السياسية قبل تشكيل الحكومة المدنية، (الشرق الأوسط، 17 فبراير 2023).

قبلها في خطاب بجنوب كردفان في السادس من فبراير 2023 شدد الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة والناطق الرسمي باسم المجلس العسكري السابق، على أن الحل الجذري لقضية الأمن يتمثل في تكوين جيش واحد، عبر دمج قوات الدعم السريع في الجيش. 

تكررت المطالبة بدمج قوات الدعم السريع أيضاً من قبل الفريق ياسر العطا عضو المجلس السيادي الانتقالي. وقد تجاهل الثلاثة أن الاتفاق نفسه نص صراحة على دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية، وهو ما اعتبر على نطاق واسع محاولة من البرهان التملص عن تعهداته في الاتفاق الإطاري.

بعد تلك التصريحات حدثت تحولات واضحة في خطابات الفريق حميدتي عندما أعلن بأنهم قد وقعوا علي الاتفاق الإطاري، ولا بد من الالتزام بما وقعوا عليه وعلى راسه انتقال السلطة للمدنيين.  حميدتي نفى بمنطقة كرري العسكرية في أم درمان وجود أي خلاف بين الجيش والدعم السريع. وأضاف: (لا يمكن أن نختلف مع الجيش، نحن خلافنا مع المتمسكين بالسلطة). وأكد حميدتي،على ضرورة تشكيل الحكومة المدنية لاستئناف الدعم الدولي.

ثم تعززت تصريحات قائد الدعم السريع بحديث في مناسبة قبلية من نائبه وشقيقه عبد الرحيم دقلو طالب فيها بتسليم السلطة للمدنيين (دون لف أو دوران) وفق ما جاء في الاتفاق الإطاري ( سبوتنيك العربية، 5 مارس 2023).

صبت تصريحات حميدتي ونائبه وشقيقه عبد الرحيم، زيتاً على نار الحرب الكلامية بين الطرفين وفسر ذلك على أنه دليل على وجود خلافات بين المكونين العسكريين، مع ظهور مخاوف من اندلاع مواجهات عسكرية داخل العاصمة، وقد أصدرت الحرية والتغيير المجلس المركزي بياناً ترحب فيه بتصريحات قائد الدعم السريع ورأى البعض في ذلك تحالفا بين الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير.

وسط هذه الأجواء المتوترة أثارت تصريحات صادرة عن الجيش السوداني أكد فيها على «حكمته وصبره» على متابعة الحالة الأمنية في البلاد، قلق الكثير من المراقبين، وذلك إثر معلومات عن حشود مسلحة دخلت العاصمة الخرطوم، على خلفية الحرب الكلامية بين البرهان، وحميدتي.

وقال مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة في بيان صحافي الجمعة 10 مارس 2023 إنه «لم يصدر تصريحات تنفى دخول مجموعات مسلحة لولاية الخرطوم لأية جهة إعلامية»، وإن قيادة القوات المسلحة والأجهزة المختصة تتابع الحالة الأمنية في البلاد بـ«حكمة وصبر.. حرصاً على أمن الوطن والمواطن».

ولم ينف الناطق الرسمي التصريحات الخاصة التي أدلى بها، بيد أنه نفى بالاسم ما نقله «موقع قناة طيبة» المحسوبة على الحركة الإسلامية، بقوله «ورد بموقع قناة طيبة الإلكتروني تصريح غير صحيح منسوب للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، بشأن نفي دخول مجموعات مسلحة لولاية الخرطوم، إذ لم يصدر المكتب أي تصريحات بهذا السياق لأي جهة إعلامية».

وجاء في التصريح الصادر عن الناطق الرسمي، أن «تصريح نفي دخول مجموعات مسلحة لولاية الخرطوم غير صحيح»، بيد أنه لم يؤكد دخول تلك القوات أو ينفيه، واكتفى بأنه «لم يصرح لجهة إعلامية»، وذلك برغم التحركات والتعزيزات العسكرية التي يشهدها المواطن العادي، في أنحاء الخرطوم المختلفة. (الشرق الأوسط، 11 مارس 2023).

بعد عدة أيام من التطورات والقلق  والمخاوف من تدهور الوضع الأمني في البلاد على أثر ما ظهر من خلافات بين المكونين العسكريين ، والنقاشات التي دارت بين القوى المدنية ، عقد اجتماع بين الفريق عبد الفتاح البرهان والفريق حميدتي، بحضور  وزير الداخلية ومدير جهاز المخابرات وممثلين للأجهزة الأمنية والشرطية ، وتم الاتفاق على تكوين لجنة أمنية مشتركة من القوات النظامية وحركات الكفاح المسلح لمتابعة الأوضاع الأمنية (الأناضول، 12، مارس 2023) ، وقد دعا السيد ياسر عرمان المتحدث باسم الحرية والتغيير إلى خلق مناخ إيجابي للدفع بعلاقات جيدة بين الجيش وقوات الدعم السريع لحل ما طرأ من خلاف ، وأن قوات الدعم السريع أصبحت لاعباً استراتيجياً يضم مائة ألف جندي ولها مصالح سياسية واقتصادية (صحيفة الانتباهة، 13، مارس 2023).      

كان من الواضح منذ البداية أن بعض القوى السياسية حاولت أن تستثمر في الأزمة، حتى قبل صدور بيان القوات المسلحة، فقد أكد رئيس حزب الأمة الفريق برمة ناصر أن التصريحات التي صدرت من الفريق حميدتي تتفق مع الاتفاق الإطاري ولا جديد فيها، وقال ، إن أية خلافات في هذه المرحلة لا تخدم الوطن، وأن بيان الجيش يسير في اتجاه الدفع بالعملية السياسية ، يقف حائط ضد الذين يسعون إلى استمرار تأزيم الوضع بين مختلف الأطراف (صحيفة الجريدة، 13 مارس، 2023) .

د. مريم الصادق المهدي نائية رئيس الحزب قالت أننا ندرس مقترحا لتشكيل حكومة تسيير أعمال، وهو أمر قد أصبح ضرورة ، لكي نكسب مزيدا من الوقت لطي الخلافات حول الاتفاق الإطاري  ( مقابلة مع الجزيرة مباشر ، 10 مارس 2023 ).  وفي ذات للاتجاه كتب عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار يطالب بتشكيل حكومة تسيير أعمال مؤقتة حتى لا يضيع الوقت في معركة سياسية مجهولة الأمد (عثمان ميرغني، الجزيرة نت 13 مارس 2023).

وقد ذكر الكاتب الطاهر ساتي أن هناك إعلانا سياسيا جاهزا ينتظر التوقيع عليه ليصبح نواة لمشروع الدستور الانتقالي وهو في حالة التوقيع عليه سيجعل من الاتفاق الإطاري شيئا من الذكرى، وكتب ساتي أن تروس اللف والدوران التي ذكرها عبد الرحيم دقلو هي أحزاب المجلس المركزي وسببها المعايير التي وضعوها (صحيفة اليوم التالي، 8 مارس 2023). 

وفي مقابلة مع قناة (لجزيرة) قال مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد أن هناك بالفعل إعلان سياسي جاري الحديث عنه، وأن الخلاف الذي حدث بين البرهان ودقلو هو خلاف سياسي، وأن الحل سياسي وليس عسكري (الجزيرة المسائية، 12 مارس 2023)

ولكن هناك من يشكك في نوايا البرهان ، يقول محمد موسى حريكة في مقال له بموقع راديو دبنقا أن  البرهان ظل يتربص بعملية الانتقال الديمقراطي، تارة بالتشكيك في الشركاء بدمغهم بالفشل في إدارة الملفات الاقتصادية الشائكة، أو الإخفاق في الملفات الامنية ،والتي هي في مجملها تقع تحت إدارته العسكرية المتمثلة في وزارتي الدفاع والداخلية والتي يديرها عسكريون جاءوا باختياره .وتارة بالتنديد بالتباينات السياسية والتي هى نتاج طبيعي للديمقراطية .

ووفق عبد الحميد عوض في العربي الجديد فقد ذهب  البعض للقول إن ربط البرهان بين خروج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية وبين توافق المدنيين، جاء لإدراكه أن ذلك ضرب من المستحيلات، وليعمّق الخلافات بين المدنيين، خصوصاً بين المجموعات القريبة منه، مثل "تحالف الحرية والتغيير- جماعة التوافق الوطني"، المؤيدة لكل خطواته قبل 25 أكتوبر الماضي وبعده، و"قوى إعلان الحرية والتغيير – المجلس المركزي" المناهضة لخطواته قبل الانقلاب وبعده. (العربي الجديد، (03 سبتمبر 2022

وهناك أيضا من ينظر إلى تحركات وأقوال حميدتي بأنها ليست أكثر من هروب للأمام ووضع موانع واهية حتى لا يتم دمج جيشه في القوات المسلحة ويفقد مصالح كسبها خلال سنوات قليلة، ومزايدة سبقها بعمل مكثف لتسحين صورته ، فقد قامت قواته  بافتتاح مدارس وعيادات في المناطق النائية كما دعمت مبادرات لتوفير المياه النظيفة لبعض القرى، وأمدّتها بالمستلزمات الطبية لمكافحة حمى الضنك وفيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز، كما وفر لقاحات "كوفيد-19″، فضلا عن رعايته لمحادثات المصالحة القبلية.

مناقشة وتحليل

نجحت بعض التدخلات من القوى المدنية خلال الأيام القليلة الماضية في الجمع بين كل من الفريق البرهان والفريق حميدتي وبعدها تم عقد اجتماع حضره ممثلون من الأجهزة الأمنية في نزع فتيل النزاع. لكن يبدو أن الخلاف السياسي ما زال قائماً حول كيفية دمج وتوقيت دمج قوات الدعم السريع وما يتطلبه ذلك من أموال وهي قضية جوهرية في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، كما إن العملية قد تستغرق سنوات في نظر الكثيرين.

 وإذا ما أصر قائد الجيش على ضرورة تنفيذ هذا البند قبل المضي في تنفيذ  بقية مطلوبات الإطاري ومنها تشكيل الحكومة، فمن المؤكد من خلال المعطيات الحالية أن العملية السياسية الجارية لن تنتهي في وقت قريب، وأن  انقسام الحرية والتغير بين الكتلتين المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية وفشل كل المحاولات لتقريب وجهات النظر والخلافات حول المشاركين في التوقيع على الاتفاق الإطاري أو الإعلان السياسي الذي يجري الحديث عنه قد زاد من تعقيد الموقف ، وأن تشكيل الحكومة قد يستغرق بعض الوقت خاصة وأن  الورش المصاحبة للاتفاق لا زالت جارية، كما أن ورشة إصلاح الأجهزة الأمنية لم تبدأ بعد وحولها خلافات وجدل سوف يستغرق بعض الوقت ومنها قضية الدعم السريع ، ولعل ذلك ما دفع ببعض القياديين في الحرية والتغيير المجلس المركزي ومنهم د. مريم المهدي  إلى الدعوة لتشكيل حكومة تسيير أعمال. 

 المشهد السياسي يبدو معقداً بدرجة كبيرة في ظل وجود الخلافات بين الجيش والدعم السريع ووجود حركات سياسية مسلحة، وكتلتين سياسيتين مختلفتين تتنازعان حول طريقة تشكيل الحكومة الانتقالية والتمثيل فيها ، وأحزاب تطالب بالتغيير الجذري والشارع الذي ما زالت بعض أطرافه تعارض الاتفاق الإطاري ، ويبدو أن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة يتطلب المزيد من التفاهمات العسكرية المدنية ، وكذلك  داخل القوى المدنية. 



431