
أطلق التنظيم الدولي للإخوان حملة عبر سردية ملخصها أن مصر ساهمت في الحصار المفروض على غزة، من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، رغم عدم منطقية هذه الاتهامات الواهية، التي تتناقض كلياً مع الموقف والمصالح والجهود المبذولة، وفق بيان الخارجية المصرية، التي أكدت إدراكها التام لوقوف بعض التنظيمات وراء هذه الحملات، التي تهدف إلى زرع الفتنة بين الشعوب العربية، وصرف انتباه الرأي العام عن السبب الحقيقي للكارثة الإنسانية التي يعاني منها أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع.
ما قبل الحملة الإخوانية
لم تكن هذه الحملة هي الأولى، فقد أعادت صفحات الإخوان نداء وجهه 100 من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المحسوب على الإخوان بشأن ما يجري في قطاع غزة، (نداء الأقصى، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 2023)، على رأسهم الشيخ محمد الحسن الددو، ورئيس هيئة علماء فلسطين بغزة مروان أبوراس، مطالبين مصر، ودول الطوق! “أن تفتح حدودها لعبور النفير العام، ودخول المجاهدين، وإغاثة المحتاجين"، معتبرين أن إغلاق معبر رفح بشكل خاص خيانة لله ورسوله وللمؤمنين!
وقامت حركة التوحيد والإصلاح، الممثل للإخوان بالمغرب بعمل مهرجان، كان على رأس الحضور فيه خالد مشعل، هاجمت فيه التطبيع واتهمت حكام العرب بمحاباة إسرائيل، فيما أصدر حزب التحرير الإسلامي من الأردن بياناً دعا فيه لـ "إسقاط الأنظمة العربية"، ثم توالت إصدارات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ومنها ما صدر عام 2024، يوم 8 أكتوبر ويوم 18 أكتوبر 2024، ويوم 14 أغسطس 2024، ويوم31 يوليو 2024، ويوم 22 مارس 2024، وكلها تحض على العنف، وتتهم حكام العرب بالتطبيع.
سار على نفس المنوال تنظيم القاعدة الذي أصدر بيانا يوم 21 أكتوبر 2024 عن مؤسسة السحاب التابعة للتنظيم، دعا فيه لاستثمار أحداث غزة والبدء بعمليات إرهابية، ذاكراً القاهرة ثم أبوظبي والرياض كمدن محتملة، وأصدرت حركة “الشباب الصومالية” ثم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، بيانا بعنوان “خيبر خيبر يا يهود... جيش محمد سوف يعود”.
ثم أتبع ذلك ما يسمى (ثورة المفاصل)، التي قادها اثنان وهما: (خالد السرتي)، مقيم في الولايات المتحدة، ويعمل مهندساً، (وكابتن. سيف)، وهو اسم حركي لشخص يظهر دائما ملثماً. وأشار إليها (أحمد عبد العزيز) المستشار السابق لمحمد مرسي، بأنها تعني بإسقاط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن طريق التدرج في التظاهر وقطع الطرق والتظاهرات بشكل متسلسل، يبدأ بالقرى ثم المدن وينتهي بالمحافظات الكبرى (ثورة المفاصل، الصفحة الرسمية، 2025).
وبعدها انطلق ما يُعرف بـ"قافلة الصمود" التي تضم نشطاء من شمال أفريقيا ودول أخرى، سعياً للوصول إلى معبر رفح لمحاولة خلق ربيع عربي جديد عن طريق القوافل، وتزامن هذا مع عودة (الكماليون) المؤمنين بالعمل الثوري المسلح، وذلك عبر مؤسسة (ميدان) التي نشرت وثيقة فكرية، ومشروع متكامل للثورة في عدة دول عربية، (الوثيقة الفكرية، الصفحة الرسمية لمؤسسة ميدان، 2025)، وأعقب ذلك عودة حسم للظهور في فيديو (سبيل المؤمنين)، ثم مقتل اثنين من عناصر الحركة المسلحة في منطقة بولاق الشعبية بمصر، وكل هذا بالتوازي مع اتهام حكام العرب من خلال الجيش الإلكتروني للجماعة، والذي يشرف عليه الأمين العام للتنظيم الدولي محمود الإبياري، بـالتواطؤ مع الحصار، مع عناوين خادعة مثل «افتحوا المعبر».
بدء الحملة
بدأت الحملة مع ظهور منصة «طوفان الأمة»، التي ظهرت فجأة على تطبيق تيليغرام، وهي قناة يشرف عليها فريق محسوب على مؤسسة «ميدان» التابعة للإخوان (الكماليون)، حيث بثّت مقاطع مفبركة وبيانات مزيفة تدّعى تقاعس الدول العربية عن مساعدة الفلسطينيين، وتحرّض الشعوب على الاحتجاج.
بعد أيام دعا يحيى موسى، أحد قادة حركة «حسم»، المصريين في الخارج، إلى محاصرة السفارات والقنصليات المصرية، بهدف شلّ حركتها بالكامل (الموقع الرسمي للحركة، 2025)، وتزامن هذا مع دعوات مشبوهة وصدور بيان من مؤسسة «ميدان»، يحث على تنظيم مظاهرات عارمة أمام البعثات الدبلوماسية المصرية لـ«شل عملها» (الموقع الرسمي لمؤسسة ميدان،2025).
وفي عمل من إنتاج الجماعة، بثت قناة طوفان الأمة فيديو لأربعة شباب يقتحمون الدور الرابع من قسم شرطة المعصرة بحلوان، ويحتجزون ضباط للأمن الوطني، ثم ينشرون صورا لملفات أمنية، وأسماء متهمين في قضايا بتهمة دعم غزة، رغم أن الأمن الوطني له مقر خاص به بعيدا عن القسم، وليس أربع أدوار، واقتحامه من رابع المستحيلات في ظل وجود أسوار متعددة وحراس كثيرون، ويبدو أن الفيديو "المفبرك" تم تصويره في مكان معد لهذا الأمر، وأن "الوثائق التي تم تداولها في هذا الشأن لا تمت بصلة للواقع"، وفق (بيان وزارة الداخلية المصرية، 2025) التي أعلنت القبض على اثنين من الذين ظهروا بالفيديو وهما: وهما محسن محمد مصطفى وأحمد الشريف.
لم تترك الجماعة فيديو قسم شرطة معصرة حلوان يمر، لكنها اتهمت الشرطة بقتل الشابين، ودعت (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان) على صفحتها الرسمية، وهي منظمة قريبة من الجماعة إلى إظهارهما، فيما دعا قيادات حسم الإرهابية، لتكرار ما جرى واقتحام كل مقرات الأمن الوطني بالمحافظات المختلفة.
المجلس الثوري، الذي ترأسه (مها عزام)، والقيادي بالإخوان عمرو عبد الهادي، والموجود مقره في لندن، أصدر سلسلة من البيانات المتتالية، تدعو إلى التظاهر واقتحام المعابر بالقوة (الموقع الرسمي للمجلس، 2025) وهذا تزامن مع دعوة مماثلة، أصدرها تنظيم القاعدة باليمن، عبر صوتي لمسؤوله الأمني، والرجل الثاني بالتنظيم المصري (إبراهيم البنا)، كفّر فيها حكام العرب، وداعيا لاقتحام الحدود وعمل عمليات إرهابية (مؤسسة الملاحم، 2025)، وأتبعه في اليوم التالي مباشرة، قيام أحد عناصر الجماعة، الذين يظهرون على قناة (مكملين) ويدعى أنس حبيب، بإغلاق مدخل السفارة المصرية في «أمستردام» باستخدام قفل، مع إطلاقه لبث مباشر للحادثة، تضمن شتمًا للدولة المصرية وموظفي السفارة لأن الدولة تغلق معبر رفح.
بعد يومين من واقعة هولندا، شهدت كندا محاولة مماثلة عندما حاول مصري موالٍ لـ«الإخوان» اقتحام محيط السفارة المصرية في أوتاوا، وأحدث ضوضاء وفوضى، مطالباً بفتح معبر رفح، ثم إغلاق فتاتين لمقر السفارة المصرية بأنقرة، وبعدها قيام المصري أنس حبيب مرة أخرى بإغلاق السفارة الأردنية ثم السودانية، ونشره فيديو للواقعة، وفيديو آخر يعلّق فيه على استدعاء الشرطة الهولندية له، مدعيا أنها وفرت له الحماية!
في الأيام التالية لما سبق نظّمت الجماعة وقفات أمام السفارات المصرية بأوروبا، وتبعها التظاهر ثم الهجوم على السفارة المصرية بطرابلس بليبيا، والهجوم على منزل القنصل المصري ببريطانيا، وأعقبها كلمة خليل الحية، رئيس المكتب السياسي لحماس، التي طالب فيها الحكام العرب بألا يتركوا أهل غزة جوعى، مطالبا أيضا بفتح معبر رفح، وهذا ما حدا بالرئيس المصري لإلقاء كلمة متلفزة يوم الاثنين 28 يوليو 2025، ليؤكد أن مصر لم تغلق المعبر (قناة القاهرة الإخبارية، 2025).
استمرت الدعوات للتظاهر، ومنها الدعوة التي أطلقها (اتحاد أئمة المساجد بالداخل الفلسطيني) وهو منظمة قريبة من حركة حماس، للتظاهر امام السفارة المصرية بتل أبيب خلال الأيام المقبلة! (بيان رسمي للاتحاد، 2025)، ثم إطلاق ميدان (حملة عايزين 300 شاب، مثل الشباب الذين ظهروا في فيديو لهجوم على المقرات الأمنية) وفق بيانهم من أجل قلب "الموازين" (موقع مؤسسة ميدان، 2025).
أهداف حملة الإخوان
جاءت الحملة في إطار استمرار الاستراتيجية التي أطلقتها الجماعة عبر مركز الشرق للدراسات (مركز إخواني بلبنان، تم إغلاقه) عقب عزل محمد مرسي عن الحكم مباشرة، والتي تحدثت تفصيليا عن (الإنهاك والإرباك) كسياسة مناسبة لإسقاط مؤسسات الحكم في المنطقة، وهي سياسة تهدأ قليلا ثم تعود للظهور طوال الأعوام الماضية، وفي هذه المرة جاءت في إطار المساعدات الإنسانية لشعب غزة.
وتهدف الجماعة من الحملة إلى:
ممارسة أقصى الضغوط من أجل التنازل وقبول الحوار مع الجماعة.
عودتها للمشهد السياسي، وكذا إحياء نشاطها، وتجنيد واستقطاب أكبر عدد ممكن تحت ستار إنساني، في ظل سياسات الحصار التي تشهدها في أوروبا وإعلانها إرهابية في الأردن وبعض الدول.
وتقوم الجماعة بالتركيز على غزة، التي تحكمها حماس كوسيلة لتعزيز الروابط التنظيمية بين الأجنحة المختلفة للجماعة، وخدمة أجندات التنظيم في الإقليم. كما أنها تحاول إعادة تموضعها داخل القضية الفلسطينية لتعيد تصدير نفسها كقوة بعد تآكل شعبيتها في العالم العربي، وكل ذلك من الأهداف الرئيسية لهذه الحملة.
ويهدف الإخوان من الحملة أيضاً لاستخدام غزة وظروفها الإنسانية كساحة رمزية للهروب من الانقسامات الداخلية، فيما يرى مراقبون، ومنهم الكاتب الصحافي أسامة سرايا، رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق أن الإخوان يهدفون لإثارة البلبلة، وذلك ضمن حملة منظّمة تستهدف الإرباك، تمهيداً للحظة أخرى تنشدها الجماعة، وهي محاولة الاستيلاء على السلطة بشكل عنيف (أسامة سرايا، مقال بالأهرام، 2025).
يضيف سرايا أن الإرباك عبر استغلال القضية الفلسطينية هو هدف للإخوان، وإن ما يجري هو تحميل حكام العرب أخطاء حركة حماس الإخوانية عندما قامت بعملية “طوفان الأقصى” من دون أن تدرك العواقب السلبية على القضية الفلسطينية، وكذا تحويل الأنظار عن الاحتلال وجرائم نتانياهو وإلقائها على الأنظمة.
وقال الكاتب لؤي الخطيب، في تصريحات إعلامية إن عدم تركيز الإخوان على ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات صارخة في غزة إلى وضع الكرة في ملعب مصر، ثم الهجوم المتكرر على الأردن والإمارات، هو تخفيف العبء على تركيا، التي لم تتصد لما تقوم به إسرائيل من اختراقات متكررة في الأراضي السورية، بل الأكثر هو جر مصر أو الأردن إلى حرب مع إسرائيل باستغلال ملف غزة.
مستقبل الحملة:
تعتبر هذه الحملة التي استغلت الوضع الإنساني بقطاع غزة، واحدة من خطة (الثغرات المؤلمة)، و(الإنهاك والإرباك) التي تعمل على استغلال أوضاع غير مؤاتيه ومضاعفتها وتوظيفها، عن طريق صناعة (حراك شعبي قوي).
ما تفعله الجماعة يساعد على تأسيس بيئة مناسبة ومشجعة على إقامة تكتلات وتجمعات تشترك في نفس الفكرة والقناعات، ويولد كيانات متطرفة، ويدفع إلى خلق شرارة يمكن أن تقوم بتفجير الأوضاع، مما يسهّل خلق توترات، وعودة الجماعة من جديد.
لذا ربما سنكون أمام محاولات مماثلة وأكبر خلال الفترة المقبلة، بمصر والأردن، أو على الأقل الالتفاف حول كيان (ميدان-الكماليون- القطبيون الإخوان)، الذين يطرحون، وفق مستشار الرئيس المصري الإخواني المعزول محمد مرسي ، رؤية جديدة للوصول إلى الحكم تتجاوز إخفاقات الماضي.