
بعد يوم من الاجتماعات التي استضافها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض وحضرها زعماء كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ورئيسة الاتحاد الأوروبي والأمين العام لحلف الناتو مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تم الاتفاق على عقد اجتماع ثلاثي بين ترامب وبوتين وزيلينسكي.
ضمانات وتعهدات
حدث هذا التطور بعد أن وافقت الولايات المتحدة على المشاركة في ضمانات تقدمها روسيا تتعهد فيها روسيا بعدم مهاجمة أوكرانيا ، وعلى الرغم من صدور بيان من الكرملين يعبر عن التحفظات تجاه مخرجات واشنطن ، إلا أن مارك روتو الأمين العام لحلف الناتو قال أن بوتين ابدى في اتصال مع ترامب موافقة على ما صدر عن لقاء البيت الأبيض.
ويعتبر هذا التطور استكمالاً للمسار الذي بدأ من خلال قمة ألاسكا يوم 16 أغسطس بين الرئيس ترامب والرئيس بوتين. وتشير بعض التسريبات أن الرئيس ترامب قد أكد أن أوكرانيا لن تكون عضواً في حلف الأطلسي وأن جزيرة القرم سوف تظل روسية.
الاجتماع في البيت الأبيض أظهر بداية لمرحلة مفاوضات محتدمة مع تركيز على الضمانات الأمنية لأوكرانيا، مشروع صفقة أسلحة كبيرة، واتصالات دبلوماسية تمهد لقاءات بين الزعماء. مع ذلك، تبقى التفاصيل والنتائج النهائية غير مؤكدة، وتعكس تعقيدات الحرب الروسية الأوكرانية وتداخل المصالح الدولية والإقليمية.
بوتين، كان قد أشار في مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب عقب القمة ، إلى أن "تفاهماً" تم التوصل إليه مع نظيره الأمريكي في ألاسكا قد يجلب السلام إلى أوكرانيا، لكنه لم يقدم أي تفاصيل إضافية. فيما لم ينتج عن القمة اتفاقاً واضحاً حول الحرب في أوكرانيا، إليكم ملخصاً عن ذلك اللقاء "التاريخي".
لقاء البيت الأبيض
تمحور اللقاء الذي عقد في البيت الأبيض ، حول الضمانات الأمنية التي تطالب بها كييف في أي اتفاق سلام ينهي الحرب التي بدأت مطلع عام 2022. وهو أتى بعد أيام من قمة جمعت ترامب وبوتين في ولاية ألاسكا.
وعلى هامش الاجتماع ، أجرى ترامب اتصالاً هاتفياً ببوتين، أبلغه فيه الأخير استعداده للقاء نظيره الأوكراني. وستكون هذه القمة في حال حصولها، الأولى بين الرئيسين الروسي والأوكراني منذ بدء الحرب.
ترامب كتب على منصته تروث سوشال: الجميع سعداء للغاية باحتمال إبرام سلام بالنسبة لروسيا وأوكرانيا. وأضاف: في ختام الاجتماعات في البيت الأبيض، اتصلتُ بالرئيس بوتين، وبدأتُ الترتيبات لعقد اجتماع، في مكان سيتمّ تحديده، بين الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي وأضاف: بعد هذا الاجتماع، سنعقد اجتماعاً ثلاثياً أنا والرئيسان.
كما أفاد مصدر مطلع على المباحثات لوكالات الأنباء أن بوتين أكد لترامب استعداده للقاء زيلينسكي. وقال المستشار الألماني فريدريش ميرتس الذي حضر اجتماع البيت الأبيض: إنّ ترامب وبوتين اتّفقا على عقد اجتماع بين الرئيسين الروسي والأوكراني في غضون الأسبوعين المقبلين.
وبعد الاجتماع في واشنطن، أكّد زيلينسكي أنّه مستعدّ للقاء بوتين لإنهاء الحرب التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الروس والأوكرانيين. وقال للصحفيين: مستعدّون للقاء ثنائي مع بوتين، وبعد ذلك نتوقع لقاء ثلاثياً بمشاركة دونالد ترامب. وفي موسكو، أعلن الكرملين أنّ بوتين منفتح على فكرة نقل المحادثات مع أوكرانيا إلى مستوى أعلى. ونقلت وكالة تاس عن يوري أوشاكوف، المستشار الدبلوماسي للرئيس الروسي، قوله، إنّه خلال المحادثة الهاتفية الاثنين أعرب بوتين وترامب عن دعمهما لمواصلة المفاوضات المباشرة بين وفدي روسيا وأوكرانيا. وفي هذا الصدد، نوقشت فكرة ضرورة دراسة إمكانية رفع مستوى ممثّلي الجانبين الأوكراني والروسي.
أهم المخرجات
ولعل أهم مخرجات لقاء البيت الأبيض حدوث توافق نسبي بين القادة حول ضرورة تسوية النزاع، فبالرغم من وجود تباينات، اتفق الحاضرون على المضي قدماً نحو ترتيب لقاء مباشر بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كم تم التركيز على التوافق في المواقف رغم الاختلافات حول ضرورة وقف إطلاق النار كشرط مسبق.
الضمانات الأمنية لأوكرانيا ما تزال غامضة، وقد جرت محادثات مُثمرة حول الضمانات الأمنية التي قد تقدمها الولايات المتحدة وأوروبا لأوكرانيا، لكنها بقيت غير واضحة التفاصيل، وقد تم بحث إمكانية تقديم ضمانات عسكرية وأمنية مستمرة دون إدخال أوكرانيا رسمياً في عضوية حلف الناتو. من جانبه تعهد الرئيس ترمب بتوفير "حماية وأمن جيدين جداً"، فيما دعا القادة الأوروبيون لضمانات تقارن بالمادة الخامسة لحلف الناتو.
علاوة على ذلك أجرى ترمب اتصالاً هاتفياً ببوتين بهدف التمهيد لعقد لقاء محتمل بين بوتين وزيلينسكي، ولكن لم يُحدد موعد أو تأكيد قطعي لعقد هذا اللقاء، وسط تحفّظات ومواقف متباينة بين الأطراف.
في الخضم أعلن زيلينسكي نية أوكرانيا شراء أسلحة أميركية بقيمة تقترب من 90 مليار دولار من خلال أوروبا، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي متطورة مثل "باتريوت"، وتمثل هذه الصفقة خطوة مهمة ضمن إطار الضمانات الأمنية المحتملة في حال التوصل لاتفاق سلام.
وفي سياق الرسائل السياسية والدبلوماسية الموازية، أكد اللقاء أهمية استمرار الضغط على روسيا من خلال العقوبات الأوروبية، مع تأكيد أن أقصى درجات الحذر لازالت متبعة في التعاطي مع موسكو. كما ظهر حرص واشنطن على الحفاظ على موقعها القيادي في الصراع وعلى استقرار مناطق النزاع لتجنب تصعيد أوسع.
ولكن تواجه المفاوضات عقبات بسبب الانقسامات الداخلية الأوكرانية وبروز مواقف متشددة ترفض أي تنازل إقليمي، كما لدى موسكو مخاوف من تسوية تخفض مكانة روسيا الإقليمية، ويتطلب الأمر موازنة دقيقة لتجنب انهيار مفاوضات السلام.
لا توجد صفقة بعد
في قمة ألاسكا لا اتفاق فعلي تم التوصل إليه، سواء لوقف إطلاق النار أو تسوية شاملة للنزاع، وفي المؤتمر الصحفي، تحدث بوتين عن ضرورة معالجة "الأسباب الجذرية" للنزاع، فيما قال ترامب إنه يرى "تقدمًا كبيرًا"، لكن ليس هناك "صفقة" بعد. وقد أعاد ترامب توجيه المسؤولية إلى أوكرانيا لقبول الحل المقترح، مؤكدًا أن روسيا "قوة عظيمة" مقابل أوكرانيا.
صحيح أن القمة لم تثمر اتفاقاً على وقف لإطلاق النار، إلا أنها دفعت باتجاه تحقيق خطوات ملموسة، خاصة مع تأكيد الرئيس الأمريكي بعدها ضرورة الدفع نحو اتفاق سلام شامل عوضاً عن هدنة فقط، وحديثه عن إمكان تقديم ضمانات أمنية لكييف مستلهمة من معاهدة حلف شمال الأطلسي.
انتصار دعائي
وصف معلقون القمة بأنها انتصار دعائي لروسيا وبوتين، بينما لم تحقق الولايات المتحدة مكاسب ملموسة، فيما ذكرت صحيفة ذا أتلانتيك أن ترامب ربما قدم بذلك مكاسب زمنية لبوتين. وذكرت تقارير أن بوتين طالب بتنازل أوكرانيا عن منطقتين بارزتين في شرق البلاد تمثلان قلب الصراع، ويبدو ان ترامب قد أيد طموحات روسيا الإقليمية، وأدى ذلك الى تأجيل مفاوضات وقف اطلاق النار لصالح محادثات اكثر شمولا، وقال مسؤول أوروبي إن ذلك أمر مؤلم للأوكرانيين، وكتب ترامب أن أفضل خيار هو التوجه نحو اتفاق سلام وليس مجرد وقف اطلاق النار (لوس انجلوس تايمز ، 16 أغسطس 2025) .
وأعتبر الكاتب ماكس بوت في بي بي سي أن قمة الثلاثة ساعاتـ تعتبر هزيمة لواشنطن وأنها جاءت في صالح بوتين، وقال أنها أسوأ قمة ولم تتوصل إلى نتائج ملموسة خاصة فيما يتعلق بوقف اطلاق النار أو موضوع تبادل الأراضي بين روسيا وأوكرانيا وأن بوتين نجح في ارجاء عقوبات كان ترامب قد هدد بفرضها على روسيا (بي بي سي، 16 أغسطس 2025).
تنازلات مقابل مكاسب
وفقا للتصريحات التي نقلها ترامب للمسؤولين الأوروبيين أن بوتين قد عرضاً وقف لإطلاق النار، إذا ما تنازلت أوكرانيا عن بعض أجزاء من إقليم الدونباس التي لم تحتلها روسيا مقابل وعد بعدم مهاجمة أوكرانيا أو أية دول أوروبية وكان ترامب قد ذكر أن الزعماء الأوروبيين الذين تحدث معهم يؤيدون فكرة الدخول في مفاوضات للسلام.
لقد كان من المتوقع أن يمضي الرئيس ترامب في خططه الرامية إلى وقف فوري لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا الذي ظل يتمسك به لعدة شهور لكنه تبنى في ألاسكا مسار بوتين الهادف إلى أتفاق سلام قبل وقف اطلاق النار.
ووفقاً لتصريح أدلى به ألكسندر ميروكو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوكراني لوكالة رويترز، فإن ترامب ساند موقف بوتين حول التوصل إلى أتفاق سلام قبل وقف اطلاق النار ويؤكد هذا الرأي ما ذكرته أورسولا فاندر لاين رئيسة المفوضية الأوروبية حول استعداد الولايات المتحدة أن تكون جزء من ترتيبات تتعلق بضمانات أمنية لأوكرانيا في حالة التوصل إلى اتفاق سلام، وصرح ترامب لقد عقدنا اجتماعا مثمرا للغاية وتم الاتفاق على العديد من النقاط ولم يتبق إلا القليل وبعضها ليس بالأهمية ، ولكن لدينا فرصة كبيرة جدا للوصول اليه. وقال بوتين أن الحرب لم تكن لتبدأ لو كان ترامب في البيت الأبيض (الغارديان، 16 أغسطس 2025)
جذور الصراع
يرى ( اليوت ديفيس جونيور في لوس انجلوس تايمز ، أن روسيا استندت في حربها على أوكرانيا على خلفية اتهامات بممارسة أوكرانيا للعنصرية تجاه الأقلية في إقليم دونباس وان تلك ممارسات نازية وطالب بتجريد أوكرانيا من السلاح ، لذلك سوف يظل موضوع إقليم الدونباس محوراً رئيسياً قي اية محادثات قادمة بجانب طلب روسيا المستمر عدم قبول أوكرانيا عضواً في حلف شمال الأطلسي وهو طلب تدعمه الدول الأوروبية، (لوس انجلوس تايمز ، 20 فبراير 2025).
لقد ظل بوتين يردد في كثير من المناسبات أن أية مفاوضات مستقبلية لابد من أن تناقش جذور الصراع بين روسيا وأوكرانيا تسوية روسيا - أوكرانيا: من ألاسكا إلى البيت الأبيض
Russia-Ukraine settlement
خاصة بعد دخول دول البلطيق مثل النرويج والسويد حلف الأطلسي ولم يتبق غير أوكرانيا وتصبح روسيا بعدها محاطة بجميع دول الحلف، الأمر الذي تعتبره مهدداً لوجودها لذلك سوف تظل علاقة أوكرانيا بحلف الأطلسي قضية جوهرية في اية مفاوضات خاصة وأنها كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي .
سيناريوهات
1- قد تصر أوكرانيا على تمسكها بحقها في عضوية حلف شمال الأطلسي، وهو أمر قد تستمر روسيا في معارضته، الأمر الذي قد يزيد من إضعاف فرص التوصل إلى تسوية نهائية للصراع.
2- أو ربما يقبل الرئيس زيلينسكي التنازل عن بعض الأراضي في الدونباس في ظل التمسك الروسي بالإقليم، مقابل ضمانات تقدمها الولايات المتحدة بالمشاركة في أية ترتيبات مستقبلية في أوكرانيا وتعهد روسيا بعدم الاعتداء.
3- في السياق تشعر روسيا بمخاوف حقيقة من التهديد الأميركي بعقوبات على كل من الصين والهند، في حالة استمرارهما في استيراد النفط الروسي، وهو أمر يتم تحت رقابة شديدة من قبل الأساطيل الأميركية في المحيط الهندي وبحر الصين وهو ما قد يجعلها تميل للتسوية .