مقالات تحليلية

اجتماع الرباعية وتطلعات لوقف القتال في السودان

20-Oct-2025

يشهد ملف الحرب في السودان حراكًا دوليًا وإقليميًا مكثفًا، تتصدره التحركات المكثفة للآلية الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة) قبيل اجتماعها المرتقب في واشنطن.

يهدف هذا التحرك إلى وضع مبادرة شاملة تنهي النزاع الدائر بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان و"قوات الدعم السريع" بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي دخل عامه الثالث مسببًا أسوأ أزمة إنسانية عالمية.

 

محاور اجتماع الرباعية

  تُظهر التطورات الأخيرة أن هناك تنسيقًا عالي المستوى بين أضلاع الرباعية، وتحديداً الولايات المتحدة والسعودية ومصر، لدفع عملية السلام. هذا التنسيق تجلى في الزيارة المتزامنة للبرهان إلى القاهرة والمحادثات المكثفة لمستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية مسعد بولس في مصر وروما، والتي شملت لقاءات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، برفقة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

 

المبادرة الأمريكية وخارطة الطريق

   يهدف اجتماع الرباعية المقبل إلى بلورة مبادرة أمريكية شاملة تتبنى مسارين رئيسيين: هما وقف فوري ومستدام للأعمال العدائية وإطلاق مفاوضات مباشرة بين البرهان وحميدتي للتوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الحربتستند هذه المبادرة إلى خارطة طريق أقرها وزراء خارجية الرباعية في سبتمبر الماضي، تتضمن هدنة إنسانية أولية لمدة ثلاثة أشهر تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومن ثم عملية انتقالية "شاملة وشفافة".

 

  التحديات والمطالب المتقابلة

  تواجه جهود الرباعية تحديًا كبيراً يتمثل في تباين شروط الطرفين المتنازعين:

    موقف الجيش/البرهان: يشدد البرهان على شروط صارمة للتفاوض، أبرزها إنهاء التمرد بشكل كامل، انسحاب قوات الدعم السريع من جميع المدن وتجميعها في معسكرات بإقليم دارفور، ورفض أي تسوية تفرض "سلامًا أو حكومة أو شخصًا رفضه الشعب"، أو تُعيد شرعنة مليشيا "الدعم السريع". ويُعتبر البيان المصري المشترك مع البرهان، الذي أشار لأهمية الرباعية "كمظلة للسعي لتسوية الأزمة"، بمثابة موافقة سودانية مبدئية على الإطار، لكن تصريحات البرهان الأخيرة بمدينة عطبرة في شمال السودان تعكس مناورة أو تحديًا للضغوط الدولية، بوضع شروط تضمن إنهاء التمرد أولاً.

    موقف قوات الدعم السريع: تطالب "الدعم السريع" بدور سياسي لها ولحلفائها في أي مرحلة انتقالية قادمة. فيما رفض تحالفها المؤيد (تأسيس) نهج الاتحاد الأفريقي. أما ميدانياً، تسعى القوات إلى تكثيف هجماتها للسيطرة على جيوب الجيش في دارفور وكردفان لفرض واقع عسكري على طاولة المفاوضات.

 

تحليل آراء الكُتّاب حول التسوية

تعكس آراء الكُتّاب تبايناً في تقييم مدى جدية الرباعية، ونظرة متشائمة إلى حد كبير لأي سلام لا يرتكز على إنهاء دور المليشيات وإرساء العدالةكتب الوليد بكري خرسهن في مقال نشره موقع (سودان تربيون 19 أكتوبر 2025) أنه يرفض بشكل مطلق التفاوض مع "مليشيا الدعم السريع الإرهابية"، واصفًا إياها بأنها صنيعة نظام الإنقاذ، وواجهة لتآمر إقليمي ودولي، ومركز للمرتزقة والجماعات الإرهابية، ومتورطة في جرائم إبادة وتطهير عرقي. ويعتبر أن أي سلام يتجاوز هذه الحقائق أو يُعيد شرعنة المليشيا هو "مصيدة" تفتقر للإرادة السياسية، وأن الشعب لن يقبل بسلام دون "قصاص عادل".

وقال إبراهيم شقلاوي في مقال لـ(موقع سودانيل) نشر في 18 أكتوبر 2025 قال : إنه يرى أن الضغوط الدولية والإقليمية تهدف إلى "تسوية سياسية خانعة" تُعيد إنتاج الاتفاق الإطاري بحلّة معدلة، وتعمل على دمج ميليشيا الدعم السريع في المشهد السياسي بعد نزع سلاحها. يوجه اتهامًا مباشرًا للإمارات بدعم المليشيا، ويرى أن أي تسوية تتجاهل العدالة وجبر الضرر ومحاسبة الجناة هي "مسرحية سياسية". يشدد على أن التسوية الوطنية يجب أن تُبنى على إرادة أهل السودان، لا على خرائط طريق مفروضة من الخارج.

وذكر رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني في صحيفة التيار  في 16 أكتوبر 2025 إنه ينظر إلى الرباعية كـ "مظلة" لحل الأزمة، ويشير إلى أن السودان أصبح عملياً جزءاً من الآلية (آلية 4+1 أو الخماسية). ولكنه يحذر من أن القرار الرسمي السوداني "لا يستند إلى آلية مؤسسية" بل هو في يد رجل واحد (البرهان)، ما قد يكون "شراءً للزمن" بلا خطة. ودعا السودان إلى "القفز إلى الأمام" وقيادة "الخماسية" بدلاً من أن تقوده، من خلال مفاوضات ثنائية مباشرة مع الإمارات، مستنداً إلى الدور المصري والسعودي لتلبية مطالب السودان.

وأشارت  رئيس تحرير صحيفة التحرير الإلكترونية رشا عوض في مقال نشر بتأريخ 19 أكتوبر 2025 إلى أن الرباعية قادرة على فرض وقف الحرب لأسباب تتعلق بالأمن والسلم الإقليمي والدولي. لكنها تتساءل: هل ستقود التسوية إلى سلام مستدام وتحول ديمقراطي؟ وترى أن السلام المستدام يتطلب إخراج البلاد من هيمنة العسكر والحركة الإسلامية وحل معضلة تعدد المليشيات. وتؤكد أن السودان لا يزال بعيداً عن شروط السلام المستدام، لعدم وجود اعتراف بالأزمة أو استعداد لمعالجتها من قبل القوى العسكرية، مشيرة إلى مخاطر محاولة فرض دكتاتورية عسكرية تقليدية في ظل تعدد المليشيات.

الكاتب الصحفي مرتضى الغالي كتب مقالاً نشرته عدة مواقع الكترونية أبان فيه أن الرؤية المتشددة تركز على شخصية البرهان ، وحذر من أن التعامل معه ينبغي أن يأخذ هذه "الحالة النفسية والذهنية" في الحسبان، وأن الإخوان يستغلونه. هذا التحليل يشير إلى أن الثقة في قيادة الجيش لعملية السلام ضعيفة، وأن قرار الحرب والسلام قد يكون رهينًا لحسابات شخصية وفئوية.

 

هل يمكن لاجتماع الرباعية أن يوقف القتال؟

الإجابة على هذا  السؤال تتوقف على موازين القوى الداخلية وطبيعة التنازلات الدولية حيث تجمع الرباعية لاعبين إقليميين ودوليين رئيسيين  (القوة العظمى، و الممولين الإقليميين الأقرب للسودان)، مما يمنحها ثقلاً كبيراً لإلزام الأطراففي المقابل الوضع الإنساني الكارثي، وخاصة في دارفور والفاشر، يضع ضغطًا أخلاقيًا وسياسيًا لتسريع الحل فضلاً عن أن النزاع يهدد استقرار دول الجوار (مصر وتشاد)، مما يزيد الدافعية الإقليمية لفرض الحل. على ذات الصعيد التحركات تتوازى مع نقاشات في الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي والسلم الأفريقي، مما يوفر غطاءً لفرض الحل.

 

المعوقات أمام وقف القتال:

    الشروط المتصلبة: تمسك كل من البرهان وحميدتي بشروط متعارضة (إنهاء التمرد مقابل الدور السياسي)، يجعل التفاوض صعبًا ما لم يتدخل طرف ثالث لفرض التنازلات.

    أزمة الشرعنة والعدالة: رفض قطاع واسع من السودانيين شرعنة "الدعم السريع" في أي عملية سياسية قبل تحقيق العدالة والمحاسبة، كما عبر عن ذلك خرسهن وشقلاوي. أي تسوية تتجاوز ذلك قد تكون عرضة للمواجهة من قبل الإخوان الذين يسيطرون على مفاصل الدولة السودانية وبالتالي لا بد من وضع ذلك في الاعتبار.

    طبيعة الصراع (صراع وجود): الصراع تحول إلى صراع على وجود الدولة وهويتها، ما يقلل من احتمالية الحل الوسط.

    نوايا الأطراف الإقليمية والدولية: هناك شكوك حول تضارب مصالح أطراف الرباعية نفسها، خاصة فيما يتعلق بمحاولات إعادة تدوير النخب السياسية أو فرض هيمنة عسكرية (رؤية شقلاوي ورشا عوض).

السيناريوهات المتوقعة

بناءً على التحركات الحالية ومواقف الأطراف، يمكن ترجيح ثلاثة سيناريوهات رئيسية لاجتماع الرباعية:

سيناريو الهدنة غير المستدامة: ينجح اجتماع الرباعية في التوصل إلى هدنة إنسانية محدودة (ربما ثلاثة أشهر)، مع إطار عام للمفاوضات السياسية.

    المحرك: الضغط الدولي والإنساني الكثيف، وموافقة الطرفين على الجلوس على الطاولة كدليل على حسن النية أمام المجتمع الدولي، مع احتفاظ كل طرف بشروطه المتصلبة كأوراق تفاوض.

    النتيجة: وقف جزئي ومؤقت للقتال، لكن المفاوضات السياسية تتعثر بسبب التباين حول مستقبل "الدعم السريع" والدور السياسي للبرهان، مما يعني أن الحرب قد تعود لاحقاً أو تستمر بوتيرة منخفضة في مناطق معينة خاصة إذا لم يحسم الإخوان.

سيناريو التسوية المفروضة (محتمل) تنجح الرباعية (بدعم سعودي/أمريكي ضاغط) في فرض تسوية سياسية تستند إلى خارطة الطريق، تتضمن وقفا دائماً لإطلاق النار، وإلزام "الدعم السريع" بالانسحاب من المدن، والدمج الجزئي أو نزع السلاح، مقابل دور سياسي لحميدتي أو ممثليه، وإطلاق عملية انتقالية جديدة برئاسة مدنية.

 المحرك : تنازلات دولية غير مسبوقة وتهديدات بفرض عقوبات قوية على الطرف المعرقل. وقد يُضطر البرهان إلى قبول التسوية تحت ضغط الحاجة للدعم الإقليمي والدولي واستمرار النزيف الاقتصادي والعسكري.

    النتيجة: توقف نسبي للقتال، لكنه يخلق سلاماً غير مستدام لأنه يتجاهل مطالب العدالة الشعبية (رؤية شقلاوي وخرسهن) ويُعيد تدوير النخب السياسية، مما يمهد لانفجار داخلي جديد في المستقبل.

سيناريو الفشل والتصعيد: يفشل اجتماع الرباعية بسبب تشدد البرهان ورفضه التنازل عن شرط إنهاء التمرد، أو رفض حميدتي للتخلي عن مكتسباته العسكرية على الأرض مقابل دور سياسي ثانوي.

    المحرك: غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين، وتضارب مصالح أطراف الرباعية نفسها.

    النتيجة: استمرار الحرب وتصعيد العمليات العسكرية، خاصة في دارفور وكردفان، وتركيز الجيش على الحسم العسكري بدلاً من التفاوض. ستنتقل الجهود الدولية إلى مسارات بديلة (مثل الاتحاد الأفريقي/الإيغاد)، وستزداد عزلة السودان الدولية.

 

الفرصة الأقوى

1.   اجتماع الرباعية المقبل يمثل الفرصة الأقوى والأكثر تنسيقاً حتى الآن لإيقاف الحرب السودانية. ورغم التطور الإيجابي المتمثل في انخراط الجيش السوداني (البرهان) تحت مظلة الرباعية، فإن قدرة الاجتماع على وقف القتال بشكل دائم ومستدام تظل رهناً لمدى استعداد الأطراف المتنازعة لتقديم تنازلات جوهرية مؤلمة، وتوافر إرادة دولية صادقة لفرض سلام عادل لا يُعيد إنتاج أسباب الصراع.

2.   آراء الكُتّاب تلتقي على أن السلام دون عدالة ومحاسبة وإلغاء لظاهرة المليشيات سيكون حلاً قاصراً أو "سلاماً مفخخاً"، وأن وقف القتال ممكن في المدى القصير كهدنة إنسانية (السيناريو الأكثر ترجيحاً)، ولكن السلام المستدام والتحول الديمقراطي يبقيان بعيد المنال ما لم تُبن التسوية على إرادة سودانية حقيقية تتجاوز مصالح الأطراف المتحاربة وتضع العدالة والسيادة في الصدارة.

3.   المحصلة تقول أن العبء يقع الآن على الرباعية، ليس فقط لوقف الرصاص، بل لوضع السودان على مسار يُخرج البلاد من الهيمنة العسكرية والارتهان الخارجي.

 

17