
يستعد الكونغرس الأمريكي لمناقشة نسخة محدثة من مشروع قانون لتصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية، وفرض عقوبات على أي شخص يُقدّم أي نوع من الدعم للجماعة أو قياداتها أو المنظمات التابعة لها، وكذا رفض إصدار تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لأي شخص له علاقة بها، وإغلاق أي منظمة تابعة لها داخل الولايات المتحدة، وذلك في ظل تغيّر المزاج السياسي الأمريكي حيال الجماعات الإسلامية، وتزايد القلق من تأثيراتها على الأمن القومي الأمريكي وعلى استقرار حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.
الدوافع الأمريكية لمشروع التصنيف
استند مشروع النائب "تيد كروز" الذي سبق أن قدم نسخة مماثلة منه في ولاية دونالد ترامب الأولى، في حيثياته لتصنيف الإخوان “تنظيمًا إرهابيًّا” إلى كتابات حسن البنا، وشهادات تؤكد استمرار الجماعة في دعم وتمويل العنف، وتشجيع نشر نسخة متطرفة من الإسلام، عبر عناصرها المساهمين الأساسيين في التنسيق لهجمات حول العالم بواسطة جماعات وسيطة.
ومع الترابط التاريخي بين حماس وجماعة الإخوان، وعودة ترامب إلى منصبه وامتلاك الحزب الجمهوري أغلبية ضئيلة في الكونغرس، جاءت هذه التحركات بعد زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، حيث ناقش مع الحلفاء العرب خطر الإخوان وأدوارهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي.
وعلى وطأة تداعيات هجمات 7 أكتوبر على الداخل الأمريكي، وهجمات صنفتها الجهات الأمنية الأمريكية كأعمال إرهابية، استهدفت أشخاصا يهودا في المتحف اليهودي بواشنطن، ومقتل موظفين يعملان بالسفارة الإسرائيلية، والاعتداء على مسيرة في ولاية كولورادو وهو ما نتج عنه إصابة 12 شخصا بحروق من بين المتجمعين لدعم الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس، إلى إعادة طرح تصنيف جماعة الإخوان بالإرهابية من جديد.
أيضاً دفع اندلاع مظاهرات واسعة، وظهور حركات طلابية احتجاجية ضخمة على مدار العام والنصف عام الأخير، في أغلبها دعما للفلسطينيين، وبتنسيق من منظمات تابعة للجماعة، إلى التفكير مليا في إعادة النظر في موقف الولايات المتحدة من الإخوان، حيث أشارت تقارير إعلامية بأن معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسات لعب دورًا محوريًا في دفع هذا التوجه، من خلال إحاطة مغلقة قدّمها لموظفي الكونغرس بشأن تهديدات الإخوان داخل الأراضي الأمريكية، وما أكدته النائبة الجمهورية آشلي هينسون بأنّ هذا التصنيف يمثل امتداداً طبيعيًا للسياسات الصارمة تجاه وكلاء إيران، والضغط على الجماعات المتطرفة.
رؤيتان متعارضتان حيال الجماعة
يكشف المشروع الذي سيناقشه الكونغرس عن رؤيتين مختلفتين حول الموقف الأمريكي من اعتبار الجماعة “منظمة إرهابية خارجية".
الأول، مؤيد لاعتبار الإخوان جماعة إرهابية لعدة أسباب:
(1) يتحدث مسؤولون أمريكيون أن الجماعة ضالعة في تمويل وتدعيم منظمات إرهابية، وأن كافة التنظيمات الإرهابية التي تنشط حاليًّا خارجة من عباءتها.
(2) إن الإخوان لهم تأثير أيديولوجي يعمّق الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي، ويشجع أيضًا على التطرف ويهدد المبادئ الديمقراطية.
(3) إن تصنيف الجماعة منظمة إرهابية سيمكّن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من تتبع مصادر تمويلها وتعطيل أنشطتها داخل الولايات المتحدة.
(4) يبني الإخوان مجتمعا موازيا ويرفض النظام الأمريكي، ويؤسس لما يسمى "الانفصالية الإسلامية".
(5) يتسلل أتباع الجماعة ويستولوا على المنظّمات الإسلامية القائمة لإعادة تنظيمها مع الأهداف الجماعية، وينشئون شبكات مالية لتمويل أعمال المتطرفين في الغرب.
الثاني، يرفض اعتبار الجماعة إرهابية، لعدة أسباب:
(1) تهميش الجماعة وقمعها بدون فتح أفق العمل السياسي والمدني سيقود عناصرها إلى العمل مع جماعات إرهابية مثل القاعدة.
(2) الإخوان تلقوا ضربات كبيرة في دول المنشأ ما جعلها لا تشكل تهديدًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة، والتركيز عليها سيصرف الانتباه عن تنظيمات داعش والقاعدة والسلفية الجهادية.
(3) الجماعة تمثل تيارًا شعبيًّا وسياسيًّا مهمًّا يمكن استخدامه للحصول على معلومات، أو كورقة في يد الولايات المتحدة مع الأنظمة العربية.
(4) جماعة الإخوان وفق هذا الفريق المؤيد لها هي ممثلة لتيار الإسلام السياسي المعتدل، ويجب الحرص على استمرار التواصل معه، حتى لا تقع الولايات المتحدة في خطأ إهمال تواصلها مع الخميني قبل ثورته في إيران.
(5) هناك عواقب محتملة لهذا القرار على المنظمات المرتبطة بالإخوان وأعضائها، فهذه الخطوة ستصنّف مئات الآلاف من الناس على أنهم إرهابيون. ما من شأنه أن يعزز استبعادهم من الساحة السياسية، وهذا الأمر من شأنه أن يحفز التطرف وانتشار الجماعات الإرهابية العنيفة.
الإخوان حيال القبول أو التصنيف
بشكل عام يعمل الإخوان حيال القبول أو التصنيف في الولايات المتحدة باستراتيجية واحدة وهي (التخفي والكمون المشروط)، وترسم الجماعة صور التحرك على محور الظهور والشكل، ومحور الحركية، واستخدام ما لا يجوز من باب الضرورة، ويعطي التحرك شكلانية للإخواني بأمريكا مختلفة كثيراً عن أصولية السلفيات الأخرى، سواء على مستوى السلوك الفردي، أو المستوى الجماعي والقيادة المعلنة والأخرى الخفية، أو ما يطلق عليه (التنظيم الموازي).
وفق ذات الاستراتيجية يستخدم الإخوان الديمقراطية من أجل "الجهاد الحضاري"، وتنمية مجتمع فكري إسلامي (اخواني)، وبناء شبكات اجتماعية واسعة النطاق من المؤسسات والمنظمات، وإقامة تحالفات مع منظمات أمريكية، وبناء قوة للدعوة الإسلامية عن طريق التبني الحصري للقضية الفلسطينية.
ولن يضير الإخوان سواء تم تصنيفهم في قائمة الإرهاب أم لا، التحرك من خلال عناصرهم في الاختراق والتأثير في صناعة القرار الأمريكي، لأن هذه الشخصيات لا تعمل باسم الجماعة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: خالد صفوري، سهيل خان، هشام إسلام، الذي كان مستشارًا أول للشؤون الدولية وعمل في إدارة جورج دبليو بوش، ولؤي صافي، رشاد حسين، مبعوث إدارة أوباما إلى منظمة التعاون الإسلامي، وهوما عابدين، نائب رئيس موظفي وزيرة الخارجية في عهد هيلاري كلينتون.
إضافة إلى قائمة الشخصيات تتوغل الشبكة الإخوانية في عالم الإخوان الموازي، وأهم الأمثلة على ذلك، منظمة كير، وهي من أكبر المنظمات في أمريكا الشمالية، ولها في الولايات المتحدة وحدها 28 فرعاً، وهي التي صنفها دولة الإمارات في ديسمبر 2016 كياناً إرهابياً، والرابطة الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA)، وهي المعبّر عن الجماعة، وحلقة الوصل بين الجماعة الأم والتنظيم الدولي والإدارة الأمريكية، وخاصة البيت الأبيض والكونغرس ، هذا إضافة إلى عدد من المنظمات الأخرى مثل المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية، والجمعية الإسلامية الأمريكية (MAS)، وأيضا معهد العالمي للفكر الإسلامي، الذي تأسس في عام 1985 بولاية فيرجينيا بهدف تدريب وتثقيف الدعاة والعلماء في مجال أسلمة العلوم والمعرفة، والمجلس الإسلامي للشؤون العامة، الذي تأسس عام 1988 بواسطة قيادات المركز الإسلامي لجنوب كاليفورنيا، وأيضا الصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية وهو بمثابة المحفظة المالية للجماعة بأمريكا، ويسيطر على أكثر من 1200 مسجد في الولايات المتحدة وكندا.
وستستمر الجماعة في احتكار الخطاب الإسلامي، واستخدام التقية الحركية، واستغلال الأقليات والجاليات... الخ، إلا أن استهداف الدوائر الحكومية الأمريكية في جميع الفروع الثلاثة (التنفيذية والقضائية والتشريعية) على المستوى الفيدرالي والمحلي هو الأوضح في الولايات المتحدة.
كما تستمر في إنشاء شبكات مالية سرية، وتنمية مجتمع فكري إسلامي (اخواني)، بما في ذلك إنشاء مجموعات فكرية ومجموعات مناصرة، ونشر دراسات "أكاديمية" لإضفاء الشرعية على المواقف الإخوانية.
الخيارات الأمريكية حال تم التصنيف:
يشترط القانون الأمريكي لتصنيف أي جماعة أو منظمة جماعة إرهابية أن تكون متورطة في أنشطة وعمليات، أو أن تمتلك الإمكانيات والنية على القيام بأنشطة إرهابية، وأن تهدد تلك الأنشطة الإرهابية الأمن القومي وسلامة مواطنين أمريكيين. كما يتطلب التصنيف أن ينشر وزير الخارجية الأمريكي قراره بهذا الشأن في الجريدة الرسمية، إلا أنه يحق ألا ينشر حيثيات التصنيف باعتبارها «أسرار أمن قومي»، ويحق للمنظمة المصنفة إرهابية أن تعترض على ذلك أمام محاكم العاصمة واشنطن.
ويتطلب تمرير التشريعات في الكونغرس أن يؤكد وزير الخارجية أن الجماعة تقابل المعايير اللازمة لتصنف جماعة إرهابية، لكن يمكن للرئيس الأمريكي أن يصدر أمرا تنفيذيا يأمر فيه وزارة الخارجية بتصنيف الجماعة جماعة إرهابية.
وهناك عدة طرق سينتقى منها الكونغرس الخيار الملائم، حال قرر تصنيف الجماعة، الأول: تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية أجنبية، ما سيفرض عقوبات على قادتها وتجميد أصولها. والثاني، فيتمثل في إضافتها إلى قائمة المنظمات الإرهابية العالمية المحددة خصيصاً، والتي تفرض عقوبات مالية مماثلة.
وفى حال تم تصنيف الإخوان جماعة إرهابية فإن ذلك سيجعلها هدفا للعقوبات والقيود الأمريكية على الفور، بما فيها حظر السفر وقيود قانونية، ويحظر على المواطنين الأمريكيين تمويل أي أنشطة للجماعة، سواء داخل أو خارج الولايات المتحدة. وعلى الفور كذلك يُحظر على البنوك أي معاملات مالية لها، فضلا عن منع من يرتبطون بالإخوان من دخول الولايات المتحدة، وهذا كله سيوفر الأساس لمحاكمة الأشخاص لدعمهم الجماعة المصنفة إرهابية.
وسيؤثر التصنيف الأمريكي في الحالة العالمية، إذ ستتبع الأمم المتحدة دائما الدعوى وتضيف المجموعة إلى نظام لجنة الجزاءات المفروضة، وهذا النظام ملزم لجميع الدول الأعضاء، وهذا يعني أنها مطالبة بتجميد أصول مجموعات أو أفراد معينين، ومنعهم من السفر، والتضييق على نشاطاتهم. كما يُصدر الاتحاد الأوروبي العديد من تصنيفاته الإرهابية بناء على ما تقرره الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، في عام 2018، خسرت "حماس" دعوى قضائية اعترضت فيها على تصنيفها في الاتحاد الأوروبي، وكان ذلك جزئيا، لأن محكمة العدل الأوروبية وجدت أن نظام الولايات المتحدة (الذي يدرج "حماس" أيضا) كان ذا مصداقية وقد وفّر المعايير والإجراءات اللازمة.
الخلاصة: هناك دوافع أمريكية لمشروع تصنيف الإخوان إرهابية، أهمها: أحداث قطاع غزة، وارتباط الجماعة بحماس، ثم المظاهرات الطلابية، وأعمال العنف التي طالت يهود، ومن الممكن أن تدفع هذه الأسباب في سبيل إعلان الجماعة إرهابية ووضعها في هذه الخانة بالولايات المتحدة، لكنها لديها شبكة واسعة من المنظمات والمؤسسات المالية السرية تتوغل في عالم موازي، وقد يؤثر قرار التصنيف عليها، حيث سيقلم أظفارها، لكنها ستعمل من خلال أخرى بديلة، أو ستقوم برفع قضايا لإثبات عدم تبعيتها للإخوان. لكن بكل تأكيد فإن القرار سيضير الإخوان سواء تم تصنيفهم في قائمة الإرهاب أم لا، ويؤثر على مستقبل عملهم بالولايات المتحدة.