مقالات تحليلية

البرلمان الأوروبي والإخوان.. التهديد والطريق إلى الحظر

22-Jul-2025

يناقش البرلمان الأوروبي ولجنة خاصة معنية بما يهدد الديمقراطية ملف جماعة الإخوان، معتمداً على التقرير الذي أصدرته فرنسا عنها مؤخّراً، و"نظام خلايا مكافحة الإسلام المتطرف"، و"تشخيص الحالة الإسلاموية"، و"تجميع" المعلومات و"متابعة المخالفات المرصودة"، والرقابة الميدانية لـ"التسلل الإسلاموي"، ما يفتح التوقعات نحو مزيدٍ من التشدّد وربما حظر أو تعليق نشاطها، وهو ما يزيد عزلتها وتراجُع نفوذها وشعبيتها.

التنبيه إلى التهديد

كان التقرير الفرنسي بمثابة تنبيه لكل أوروبا بشأن التهديد الذي تشكّله جماعة الإخوان، فقد وصف البناء التنظيمي لها بالازدواجية، موزّعاً إيّاها بين تنظيم صلب يمثّل "الدائرة الضيقة" للأعضاء المنظّمين، وتنظيم مرن واسع غير منضوٍ في أطر تنظيمية، وهذا -وفق ما ورد به- يؤدّي إلى نفوذ لها على نطاق واسع في أنحاء أوروبا "ينتشر بشكل خبيث وتدريجي".

وصف التقرير الجماعة بأنّها تخترق المؤسسات، وتستهدف أربعة مجالات: البنية التحتية الدينية، والتعليم، والإعلام الرقمي، وهياكل المجتمع المحلي، وهذا عبر "إستراتيجية تتمثّل في ترسيخ شكل من أشكال الهيمنة الأيديولوجية من خلال التغلغل في المجتمع المدني تحت ستار الأنشطة الدينية والتعليمية، وذلك عبر منظومة بيئية أوسع، تضم هياكلَ مرتبطةً بها في مجالات التعليم والعمل الخيري والديني".

وحقّقت جماعة الإخوان وفروعها -وفق التقرير- نجاحاً ملحوظاً جزئياً في أوروبا من خلال تشكيل تحالف مع اليسار السياسي، وتعزيز العلاقات بالجهات السياسية المختلفة ومع أصحاب القرار، بهدف توسيع نفوذها، والعمل على التقارب مع الأحزاب والشخصيات السياسية، ثم تعزيز حضورها في المجتمعات الإسلامية الأوروبية من خلال المشروعات الاقتصادية والاجتماعية لصالح تنظيمها غير المركزي، وعبر إنشاء مراكز حقوقية ومؤسسات تختصّ بقضايا الحريات شديدة النخبوية عن طريق قيادات شابة، معتمدةً في هذا النهج على شبكات العلاقات العامة والاتصالات مع الجهات الغربية.

ويتجنّب الإخوان في أوروبا التحالفات المفتوحة مع المنظمات الإرهابية المعروفة للحفاظ على مظهر "الاعتدال"، وأنشأوا خطوطاً مالية سرّية، وشبكات واسعة النطاق من المدارس والمستشفيات والمنظّمات الخيرية المكرّسة للمثل الإسلامية (الإخوانية)، بحيث يكون التواصل مع الحركة مستمرّاً، كما أقاموا تحالفات مع المنظمات الغربية "التقدمية"، وخلقوا عالماً موازياً عن طريق تحويل المراكز الإسلامية إلى مجتمع إخواني كامل.

ركّز التقرير بشكل حصري على خطر "التغلغل الإخواني"، رغم إقراره الضمني بأن هذا التيار لا يمثّل إلا أقلية محدودة من المسلمين، بل تشير المعطيات التي أوردها إلى أنّ حركات سلفية منافسة للإخوان اكتسبت أرضية في السنوات الأخيرة، حيث إنّ 16 من أصل 30 منظمة إسلامية غير حكومية "يقودها السلفيون".

من هذا الاختراق والنمو الصامت للإخوان بأوروبا، والذي يشمل العمل الجماهيري عن طريق الاحتواء والتعايش والتحييد والاستقطاب، وتجنّب النقاش العام حول نيات الإخوان الحقيقية الشمولية، وتسويق خطاب مغاير لخطابها بالشرق، دعا التقرير لتعزيز الأبحاث حول الإسلام، والاستثمار في المجالات الدينية، ووضع القضايا الإسلامية على رأس جدول الأعمال، محذّراً من رؤية غير جوهرية لا إنسانية للإسلام، ثم الاستثمار في المجال الثقافي الإسلامي، وفهم تطلّعات السكان المسلمين، وتعميق البعد الديني، ودعم منهجية متكاملة تُضفي طابعاً موضوعياً على المكانة التي يشغلها الخطاب الإسلامي، ثم مكافحة احتكار التعليم الديني من قبل الجماعة.

هذا وإن نجح التقرير الفرنسي في التنبيه إلى التهديد، فإنّه خلط بين مفهوم العلم والدين وطرح "أسلمة المعرفة"، حيث أورد ضمن محدّدات "المشروع الإسلامي المعاصر" بند رفض أي تعارض بين العلم والدين مباشرةً بعد مبدأ أولوية الشريعة، واعتبر أنّ هذا من أفكار الإخوان المسلمين. وهذا أغفل أنّ فكرة انسجام الدين مع العلم أوسع من إطار الجماعة، فيما إخضاع العلوم الحديثة للمرجعية الإسلامية هو مفهوم مصنوع إخوانيّاً.

وربط التقرير الفرنسي ظاهرة الحجاب والأكل الحلال بخطاب الإخوان، دون تمييز كافٍ بين منشأ الظاهرة ودور الجماعة في استثمارها، وهذا يوحي بأن ارتداء الحجاب بحدّ ذاته مؤشر على نفوذ الإخوان، متغافلاً عن حقيقة أنّ انتشار الحجاب يعود لعواملَ دينيةٍ واجتماعيةٍ وثقافيةٍ أعمقَ. كما خلط بين السلفية ومشروع الإخوان، وجعلهما كياناً واحداً متجاهلاً اختلافات جوهرية بين فكر السلفية العقائدي الفقهي الصارم، وفكر الإخوان كحركة سياسية ودعوية براغماتية، ممّا أدّى به إلى استنتاجات غير دقيقة، حيث أغفل التيارات السنيّة التقليدية المناهضة للجماعة ودورها في المواجهة، وكيف أنّ هؤلاء يمكن أن يشكّلوا حلفاً لأوروبا في محاربة الأيديولوجيات المتطرفة.

التهديد والطريق إلى الحظر

رغم بعض القصور والتأخر لسنوات طويلة انتبه الأوروبيون أخيراً للخطر، وفرضت الحرب في غزة، ثم الحراك الطلابي الذي أعقبها، وعلاقة حماس التاريخية بالإخوان، وصعود اليمين المتطرف الكاسح في انتخابات البرلمان الأوروبي، عليهم الانتباه إلى تمدّد الجماعة، كما فرض عليهم في المدى القريب أن يخرجوا بقرارات تتعلّق بحظر نشاط "مجلس مسلمي أوروبا"، وهو المعبّر عنها، ويضم في عضويته أكثر من 250 جمعية، أو بقرارات أخرى تُضيّق على نشاطاته.

ويعتقد الأوروبيون أنّ أيّ قرارات تتعلّق بحظر أنشطة الجماعة يمكن أن تقوّض الجهود الرامية لتوظيفها، لأنّها جماعة شعبوية ولها وجود في أقطار كثيرة بالعالم، وهذا سيفقدهم الكثير، فيما سيفتح المجال واسعاً أمام العناصر المنضوية في تنظيمها العالمي للعمل سرّياً، أو الانضمام إلى تنظيمات أكثر تطرّفاً وعنفاً مثل القاعدة وداعش، كما أنّ ذلك يمكن أن يؤثّر في الطبيعة التنظيمية لها ويجعلها تنسحب أكثر من أيّ وقت مضى من مواقع العمل العلني إلى آخر أكثر سرية، مؤكّدين أنّها لا تهدف إلى أسلمة أوروبا كما يرى "اليمين" لكنّها تريد إحداث قطيعة بين أوروبا وبين بلدان عناصر الجماعة الأصلية، وهذا لا يشكّل تهديداً بقدر ما تمكن الاستفادة منه معلوماتياً، إضافة إلى أنّ الحظر سيؤدّي إلى إثارة حفيظة الجماعة، المتصلة ببعض السياسيين الذين لهم مصالح بالتقرّب من الإسلام السياسي لكسب أصواتهم في الانتخابات، مع الانتباه إلى أنّ جماعة الإخوان والإسلام السياسي دائماً يضعون أنفسهم بديلاً عن الجاليات المسلمة في المراكز والجمعيات، وهناك غياب البديل الرسمي الذي يقود الأقليات المسلمة ويمكن أن يؤثّر هذا تأثيراً كبيراً على وضع المسلمين.

فيما يعتقد آخرون أنّ للجماعة تأثيراً سياسياً مقلقاً بسبب دورها على دفع اليمين المتطرف نحو الصعود، وبالتالي كانت مقدرتها على استغلال توقيت التظاهرات الطلابية بما يحرج الحكومات الأوروبية، وإنّ حظرها سيُخلي أوروبا من مجموعات الضغط التي تتبعها، وإنّ عملية الأسلمة التي تتبعها ستؤثّر على المجتمعات الأوروبية، فيما أنّ أيديولوجيتها هي منبع لتنظيمات التطرف العنيف، وأنّه قد ثبت عليها دعم منظمات إرهابية، وهي أسباب كافية لحظرها.

وما بين اعتقادين متعارضين تستمر الجماعة وتتسلل، لأسباب متنوّعة:

اعتقاد أنّ القضاء الإداري يمكن أن يُعطّل قرار الحلّ والحظر، إلا في حال استحداث "جريمة جنائية جديدة" كما حدث بالنمسا من خلق أداةً قانونية لحظر نشاط الجماعة.

استمرار استغلال الجماعة للقوانين الليبرالية، والنفاذ عبر واجهات حركية لا تحمل عنواناً واضحاً لاسم الإخوان.

من الممكن أن يستمر اختراق الجماعة للمؤسسات بشكل قانوني وشرعي، وعن طريق التخفي وراء شعارات الحرية والديمقراطية وعن طريق واجهات جديدة، حيث يعمل الإخوان مع مستقلّين، وأحزاب ليبرالية علمانية.

لكن من شأن هذه المناقشات الجادة التي ستتم في البرلمان الأوروبي أن توصلنا إلى سيناريوهات متعددة:

الأول: الحظر وحل المؤسسات المرتبطة بالإخوان، والتي ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّها مشاركة بطريقة فعّالة في أنشطة متعارضة مع القيم الأوروبية، وفي هذه الحالة ستخسر الجماعة الكثير من نفوذها، ويمكن أن يتم التضييق على منابع التمويل الخاصة بها، كما يمكن طرد بعض من قياداتها، وهذا ما تجهّز له فرنسا بالفعل، حيث أعدّت قائمة من 100 قيادي إخواني على قوائم الطرد، منهم أحمد جاب الله، عميد المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، وأحد قادة المعهد الأوروبي لتدريب الأئمة، كما سيؤدي إلى مطاردة الجماعة في أقطار المنشأ العربية، وسيحرمها من ملاذ آمن لعناصرها واستثماراتها، ما سيؤثّر على مركز عملها بالشرق الأوسط، إذ إنّ أهم قدرات الجماعة على الإطلاق هو جناحها الخارجي في الغرب وأمريكا.

الثاني: تقليم الأظافر، وهي سياسة معناها أن تعيش الجماعة تحت ضغط الإقصاء المشروط، حيث سيتم حظر العديد من الأنشطة والفعاليات، وحل العديد من المؤسسات، وفي ذات الوقت يصنع الأوروبيون مؤسسات بديلة لمؤسسات الجماعة، على غرار "منتدى الإسلام في فرنسا"، الذي خلف المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي سيطر عليه عناصر الجماعة، حتى يمنعونهم من احتكار تمثيل الأقليات المسلمة، إلا أنّ ذلك -وفق الحركية الإخوانية الجديدة، وهي تحويل تنظيم الإخوان العالمي إلى تيار عبر خمسة أضلاع: اقتصادي، وسياسي، ومستقلّين، ومؤسسات فكرية، وتنظيم ميداني شبكي غير مركزي- سيُصعِّب حصار الإخوان، فهم سيتخفون في مؤسسات بديلة وواجهات بأسماء أخرى، ويستغلّون القوانين في صناعة مجموعات جديدة، تتحرك منفصلة، لكنّها متصلة من الرأس بباقي الشبكة. كما سيعمل الإخوان من خلال ما يسمى المنتديات الأممية الإسلامية والوسطية والاتحادات الدعوية والواجهات اللامركزية، بما يجعلها بعيدة عن المتابعة اللصيقة، ويكسبها القدرة على المناورة، ويجعلها تتحرّر من الشكل المؤسساتي.

الخلاصة:

رغم اختلاف السيناريوهات المتوقعة، فإن عدداً من الدول الأوروبية بدأت تحرّكاتٍ كبيرةً على الأرض لوقف وحظر أنشطة الإخوان المختلفة في أوروبا، بعدما أصبح وجود الجماعة يمثّل خطورة كبيرة على هذه الدول، والنتيجة النهائية هي تطويقها، ما يفرض تحديات سياسية وأمنية جديدة تواجهها في أوروبا على نحو يؤثّر في نشاطها ومسارات عملها، خاصة أنّها لم تعد تحظى بنفس الغطاء المجتمعي الذي كانت تراهن عليه في السابق.

ففي الوقت الذي تتجه دول أوروبية نحو تشريعات حظر أو تصنيف قانوني، تبدو الجماعة عاجزة عن تقديم مراجعة فكرية أو تنظيمية تضمن لها البقاء، وهذا سيؤدي إلى اتخاذ تدابير تشريعية عاجلة تهدف إلى مراجعة التمويل المرتبط بالإخوان، وتعزيز أدوات الرقابة على المنظمات الدينية التي تتلقى دعماً حكومياً أو أوروبياً، كما سيتم تنفيذ إجراءات مراقبة مشددة على المساجد والجمعيات الثقافية المرتبطة بها، وقد تتوسع الإجراءات المرتقبة لتشمل -على النحو التالي- تجفيف منابع التمويل، وإغلاق الجمعيات التابعة، ومراقبة الأذرع الإعلامية، وربما الحظر الكامل في بعض الدول، وهذا هو ما سيناقشه البرلمان الأوروبي بالفعل. 


100