لا تزال المعارضة التركية غير قادرة على تسمية مرشح مشترك ينافس الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان في الانتخابات التي ستجري في 14 مايو المقبل، وذلك على الرغم من عقد العديد من الاجتماعات كان آخرها الذي عقد في 30 يناير.
ويواجه حزبُ العدالة والتنمية الحاكم وحلفاؤُه، "تحالفاً سداسياً" يضم حزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليتشدار أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم بقيادة علي باباجان، والحزب الديمقراطي بقيادة جولتكين أويسال، وحزب السعادة بقيادة تميل كارامولا أوغلو، وحزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو، وحزب الخير بقيادة ميرال أكشينار، واجتمع هؤلاء القادة الحزبيون 26 يناير الجاري، لبحث التوافق بشأن المرشح الرئاسي، وخطة التحالف لحسم الانتخابات البرلمانية المقررة 14 مايو المقبل بالتزامن مع الرئاسية، كما عقدوا اجتماعاً في 30 يناير أيضاً.
وفي آخر اجتماع يبدو أن التحالف المعارض لم يتمكن من التوافق على مرشح مشترك لذلك قرر تأجيل حسم هذا الموضوع المهم إلى وقت آخر واكتفى بإصدار البرنامج الانتخابي وعقب اجتماع 30 يناير، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو في لقاء تلفزيوني، إن الطاولة السداسية ستعلن عن مرشحها للرئاسة في 13 شباط/ فبراير، ولفت إلى أن الطاولة السداسية ستعقد اجتماعها الـ12 في 13 شباط/ فبراير بضيافة زعيم حزب السعادة تمل كارامولا أوغلو، وفي رده على سؤال حول إمكانية إلغاء احتمال ترشيح مرشحين اثنين، أشار كليتشدار أوغلو إلى أنهم سيناقشون ذلك، ولكن جرى التأكيد مرات عدة على "مرشح مشترك".
لماذا فشل التحالف السداسي في التوافق على مرشح حتى الآن؟
واصل حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان إرباك التحالف السداسي ومحاولة إضعافه من خلال أولاً، إلصاق التهم بمرشحي المعارضة كما حصل مع رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي أدين في ديسمبر بإهانة مسؤولين في الدولة، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين وسبعة أشهر، وتم تأييد الحكم في الاستئناف، ما يمنعه من ممارسة السياسة، لذلك، يتهم منتقدون، أردوغان، بالتأثير على القضاء لمنع منافسين أقوياء مثل إمام أوغلو من الترشح، وهو ادعاء نفته الحكومة.
الكاتبة التركية كبورا بار، قالت إن أحزاب الطاولة السداسية لم تجمع بعد على مرشح مشترك، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تؤكد فيه وسائل إعلام مقربة من حزب الشعب الجمهوري، ترشيح كليتشدار أوغلو، فإن حزب الجيد يؤكد أنه لا يوجد توافق حتى الآن، وأضافت أن الدوائر داخل حزب الجيد، تتحدث صراحة بأن ترشيح كليتشدار أوغلو مقابل الرئيس رجب طيب أردوغان محفوف بالأخطار، ولذلك لا يريدون ترشيحه، وتابعت بأن هذا الاختلاف في الرأي مستمر منذ نحو عام، ولم يتراجع كل من كليتشدار أوغلو أو زعيمة حزب الجيد ميرال أكشينار أي خطوة للوراء عن مواقفهما، وأشارت إلى أن هذا الصراع البارد المستمر منذ أشهر لم يحل، وتم تأجيله حتى لا يؤثر على مستقبل الطاولة السداسية، والمطلوب الآن تراجع أحدهما خطوة للوراء في الأسبوعين المقبلين (عربي 21 نقلاً عن خبر ترك – 30 يناير).
طبيعة الخلافات بين مكونات التحالف ترجع لدعم رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشينار، لأسماء عمدة إسطنبول القيادي بحزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الأبرز لأردوغان، وعمدة أنقرة منصور يافاش، وواجه أكرم أوغلو أزمة قانونية؛ حيث قضت محكمة تركية في ديسمبر الماضي بسجنه 31 شهراً، بينما يشكل ترشح يافاش ذي الخلفية القومية، أزمة لأنه قد يؤدي إلى إحجام الأكراد داخل تركيا عن انتخاب مرشح قومي، ورغم إعطاء ميرال أكشينار الضوء الأخضر لترشح كمال كليتشدار أوغلو، في الانتخابات الرئاسية، فإنها عادت وطرحت اسم نائب حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، البرلماني السابق إيلهان كيسيشي، وفق ما نقلته وسائل إعلام تركية، أن ما سبق يلقي بضبابية على تحالف الطاولة السداسية حول مرشحه الرئاسي، لكن الأقرب حتى الآن هو زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو (المحلل السياسي التركي تورغوت أوغلو، لموقع سكاي نيوز عربية -29 يناير).
قوة مرشح المعارضة المتوقع
تأتي قوة كليتشدار أوغلو من كونه الشخصية التي تقود حزب الشعب الجمهوري وهو أكبر أحزاب المعارضة ووصل كليتشدار أوغلو إلى رئاسة "حزب الشعب" عام 2010، بعد استقالة سلفه دينيز بايكال، وسبق أن شارك مع "حزب الحركة القومية" المعارض في ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو في أغسطس 2014، بطريقة التصويت المباشر، لكنه خسر أمام مرشح "العدالة والتنمية"، حينها أردوغان.
ويتزعم هذا السياسي المعارضة التركية باعتباره رئيس أكبر أحزابها، ويعرف داخلياً بمواقفه المناهضة بشدة لحزب العدالة والتنمية وحكوماته المتعاقبة، كما يعارض بقوة سياسات الحزب الخارجية.
ولا يعرف بالتحديد ما إذا كان سيحظى بالفوز أمام أردوغان، ولاسيما مع تضارب نتائج استطلاعات الرأي، التي يشير بعضها إلى تزايد قاعدته الشعبية، بينما تظهر أخرى تناقصها قياساً بالرئيس التركي. وتعتبر حظوظ كليتشدار أوغلو في الفوز صعبة والخطوة التي قد يقدم عليها ليست بالسهلة والتحديات كبيرة، ولاسيما في الجولة الأولى من الانتخابات، مع ذلك إذا استطاع كليتشدار أوغلو نقل الانتخابات الرئاسية إلى الجولة الثانية فعندها ستكون حظوظه مرتفعة وشبه محسومة. في الثانية ستدخل أحزاب أخرى على الخط منها حزب الشعوب الذي سيدعم حتماً أي مرشح يقف بمواجهة أردوغان، المشكلة تكمن في نقل الانتخابات إلى الجولة الثانية، لأن حسم الانتخابات في المرحلة الأولى هو لصالح أردوغان بشكل واضح (الباحث السياسي هشام جوناي – الحرة 25 يناير).
كيف سيتعامل حزب العدالة والتنمية مع التطورات؟
منذ البداية عمل حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي الحالي أردوغان على توجيه الضربات المتتالية للمعارضة سواء عبر تقديم موعد الانتخابات بالإضافة إلى استخدام السلطة القضائية ضد مرشحي المعارضة ما يشير إلى أن هناك أوراقاً انتخابية سيعمل أردوغان على استخدامها بهدف حسم الاستحقاق الانتخابي لصالحه.
الورقة الأولى، هي محاولة التأثير على الشارع عبر إصدار المراسيم حيث أصدرت الدولة التركية خلال الأسابيع الماضية مراسيم حول زيادة الأجور ورواتب موظفي الدولة وتسهيلات القروض والسكن للأشخاص والشركات والتقاعد المبكر لملايين الموظفين وهذا ما أثر بشكل سريع على استطلاعات الرأي لصالح أردوغان، بالإضافة إلى الحديث عن إعادة اللاجئين السوريين والتقارب مع سورية.
وتنفق الحكومة مليارات الدولارات من أموال الدولة لدعم الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم بالتزامن مع قيامها باستغلال القضاء لإطلاق مجموعة من التهديدات القانونية لملاحقة المنافسين المحتملين للرئيس، وذلك قبل أشهر فقط من انتخابات حاسمة قد تعيد تشكيل السياسة الداخلية والخارجية لتركيا وينقل تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" عن اقتصاديين القول إن زيادة الإنفاق هذه غير مستدامة وربما تكون ضارة، في وقت يحاول أردوغان تخفيف وطأة ارتفاع مستويات التضخم على العائلات التركية في الفترة التي تسبق عملية الاقتراع (الحرة – 26 يناير).
الورقة الثانية، يعتبر صوت الأكراد في الانتخابات مهماً بشكل كبير ويأمل التحالف السداسي أن يكسب أصواتهم وخصوصاً بعد إعلان حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد أن السياسي الكردي المسجون صلاح الدين دميرتاش، قرر عدم الترشح للانتخابات الرئاسية التركية المقررة مايو المقبل، بسبب وضعه القانوني. ويحتاج كيلشدار أوغلو أو أي مرشح، لأصوات الأكراد لتجاوز المرحلة الأولى وحسم الثانية من الانتخابات، وهناك خياران يمكن لأردوغان القيام بهما، الأول، هو التواصل مع القوى الكردية ومحاولة كسبها أو على الأقل ضمان عدم دعمها لمرشح التحالف السداسي.
وأوضح الكاتب حقان تهماز في تقرير على مجلة "بولتيكا يول"، أن حزب العدالة والتنمية يريد الحد من نفوذ حزب الشعوب الديمقراطي سياسياً على الأكراد، في الانتخابات المقبلة، وقد نجح في ذلك، أما الهدف الآخر، فيتعلق بمنع تدفق الأصوات الكردية لصالح المعارضة في الانتخابات، ويريد تحالف الجمهور ضمان أن حزب الشعوب الديمقراطي لا يتعاون مع الطاولة السداسية بشأن مرشح رئاسي مشترك، وتابع بأن السياسة التي تنتهجها الحكومة، أجبرت الطاولة السداسية على الابتعاد عن حزب الشعوب الديمقراطي، لكنّ ذلك كان له تأثير معاكس أسهم في التفاف الأكراد حول الحزب الكردي، ولكن العملية التي يخوضها الحزب الحاكم، بحسب الكاتب، تمنع توجه الناخب الكردي للتصويت لصالح الطاولة السداسية للمعارضة، وإغلاق الحزب الكردي قد يدفع الأكراد إلى مقاطعة الانتخابات، وأشار إلى أن حزب العدالة والتنمية لم يبتعد عن كافة الناخبين الأكراد، وهو يعمل بالفعل بشكل مكثف في إطار خطة لكسب أصواتهم بعيداً عن حزب الشعوب الديمقراطي، وأضاف أن حزب العدالة والتنمية، قام ويقوم بالعديد من الإجراءات لكسب الأكراد والنخب وبعض الأحزاب الكردية، بما فيها حزب الدعوة الحرة (عربي 21 – 25 يناير).
أما الخيار الثاني، فهو التضييق على الأكراد عبر حظر حزب الشعوب الديمقراطي قبل الانتخابات العامة، بالإضافة إلى افتعال حوادث أمنية كعمليات مداهمة أو تفتيش في المناطق الكردية أثناء العملية الانتخابية.
خلاصة تحليلية:
على الرغم من أن استطلاعات الرأي كانت في البداية تظهر تساوي كل من التحالف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية والتحالف المعارض، إلا أن تأخر المعارضة في الاتفاق على مرشح مشترك وظهور بوادر خلاف في صفوفها بالإضافة إلى إجراءات اقتصادية قام بها الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان كل ذلك أدى لظهور حزب العدالة والتنمية بموقف أقوى على عكس موقف المعارضة.
سيواصل أردوغان محاولة إضعاف المعارضة وإرباكها وخاصة عبر الورقة الكردية وذلك وسط ظهور بوادر خلاف بين التحالف السداسي وحزب الشعوب إذ انتقد دميرتاش مؤخراً، تحالف الأحزاب الستة المعارضة بسبب عدم اختيارهم المرشح المشترك للانتخابات الرئاسية حتى الآن، وقال في تغريدة على حسابه في "تويتر" الذي يديره محاموه: "لمدة 3 سنوات، كافحنا لأن يكون لدينا تحالف ديمقراطي، لكن الجميع، بما في ذلك المعارضة، بذلوا ما في وسعهم لمنع ذلك". وأضاف دميرتاش: "أمامنا 4 أشهر فقط، ومرة أخرى، الجميع يفعل كل ما يؤخر ظهور المرشح المشترك. أي نوع من الجنون هذا؟"، في إشارة إلى أنباء عن خلاف حول تسمية المرشح الرئاسي.
وفي سياق متصل، خلا البيان الانتخابي للمعارضة السداسية في تركيا من أي إشارة إلى رؤية الطاولة السداسية لحل القضية الكردية، بل وحتى الحديث عن حق التعلم باللغة الأم، ما يقلل فرص دعم الأكراد لمرشح التحالف.