مقالات تحليلية

النزاع في السودان تهديد للمنطقة وشاهد على الفشل الدولي

24-Apr-2023

بين أخطار اندلاع حرب أهلية دائمة وتدخل قوى كبرى ومجموعات مسلحة من المنطقة وأزمة نزوح، يهدد النزاع في السودان بإضعاف منطقة غير مستقرة أساسا.

دخل السودان في حالة فوضى مع اندلاع معارك بين الفريق اول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش والحاكم الفعلي للسودان منذ انقلاب 2021، والرجل الثاني في السلطة محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، زعيم قوات الدعم السريع ،  لكن خبراء استشارتهم وكالة فرانس برس يرون أن رقعة النزاع قد تتسع بسرعة.

أوائل اللاجئين

لجأ بين عشرة آلاف وعشرين ألف شخص فارين من المعارك إلى تشاد المجاورة، كما ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويستقبل شرق تشاد أساسا أكثر من 400 ألف لاجئ سوداني "والوافدون الجدد سيشكلون ضغطا إضافيا على الخدمات العامة والموارد في البلاد التي تواجه اساسا وضعا يفوق طاقتها"، على حد قول المفوضية. كما تستقبل المعابر مع الحدود المصرية أعدادا متزايدة من الأسر الفارين من القتال.

في نهاية فبراير، أكدت الأمم المتحدة أن أكثر من ثلث السكان في السودان سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية في 2023 بسبب الجوع وزيادة عدد النازحين. وقال كاميرون هادسن المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن لوكالة فرانس برس "أتوقع فعلا نزوحا جماعيا لملايين المدنيين عند أول وقف لإطلاق النار".

رقعة المعارك تتسع 

تتسع رقعة المعارك التي بدأت في 15 أبريل يوما بعد يوم. ويمتد النزاع الكامن منذ اشهر، إلى أحياء جديدة في الخرطوم ومناطق جديدة من البلاد لا سيما في دارفور. وقالت المنظمة غير الحكومية "مجموعة الأزمات الدولية" إن "ملايين المدنيين محاصرون في القتال وتنفد لديهم بسرعة المواد الأساسية". واضافت أن "النزاع يمكن أن ينزلق بسرعة إلى حرب حقيقية دائمة" تطال الولايات المضطربة في السودان ثم بعض دول الجوار.

ويرى كاميرون هادسن أن "التحدي يتمثل في أن هذا النزاع، لأنه يمتد إلى كل ركن في البلاد، يطال الحدود مع تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا". وأضاف أن ذلك "مصدر قلق هائل".

دوامة لا تتوقف

ولا يمكن أن يبقى المجتمع السوداني المشتت إلى حد كبير بمنأى عما يحصل. وقال الباحث البريطاني أليكس دي وال في تعليق أرسله إلى فرانس برس "إذا استمر النزاع، فسيصبح الوضع أكثر تعقيدا". وأضاف أن "كل طرف هو تحالف من مجموعات مختلفة ستجذب أو تختار مجموعات أخرى أصغر"، مشيرا إلى إمكانية ظهور "عوامل عرقية". والجماعات الإسلامية تشارك أيضا.

ويشير "مركز صوفان" ومقره نيويورك إلى "تدخل دول أجنبية وأمراء حرب وميليشيات مسلحة ومجموعة متنوعة من جهات فاعلة عنيفة أخرى خارجة عن أطر الحكومات". ويضيف "قد يؤدي فشل القادة في ضبط جنودهم إلى إدامة العنف"، وهذا خطر كبير خصوصا خارج الجيش النظامي، حسب الخبراء.

المنطقة في خطر

تدعو كل القوى في المنطقة، رسميا، إلى وقف المعارك. وقال كاميرون هادسن إن الطرفين يحاولان الحصول على أسلحة وتعزيزات من جيرانهما. كما تعمل مجموعة فاغنر شبه العسكرية التي يبدو تأثيرها العسكري ضعيفا في السودان لكنها تستغل مناجم الذهب، بتكتم.

وأوضح الباحث أن "هناك عملا دعائيا" على شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن دقلو يعمل أيضا على "التنظيم العسكري والاستخباراتي". ويمكن كذلك أن تلعب ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد وإثيوبيا خصوصا دورًا سياسيًا إن لم يكن عسكريًا.

ويرى أليكس دي وال أن النزاع قد يشمل حينها جهات فاعلة تقدم "المال أو الأسلحة وحتى عناصرها أو عملاءها"، معتبرا أن "معظم هؤلاء الفاعلين الخارجيين الذين يصطادون في المياه العكرة سيشاركون في جهود الوساطة".

لقد حاول المجتمع الدولي التحرك. فمنذ بداية ابريل كان مفاوضون من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والعواصم الغربية ودول الخليج خصوصا يضغطون على الرجلين لتوقيع اتفاق إطار للعودة إلى السلطة المدنية، من دون جدوى.

ويتحدث عدد من الخبراء عن مدى تعزيز المفاوضات في السنوات الأخيرة للجانبين في مواقفهما. وقال كاميرون هادسن إن "الأسرة الدولية والقوى الكبرى باتت تتصل بكل من الجنرالين لطلب وقف لإطلاق النار ولا تحصل على شيء".

فشل الدبلوماسية الدولية 

في زاوية أخرى لفرانس برس، تحت عنوان حرب الجنرالين في السودان شاهد على فشل الدبلوماسية الدولية جاء فيها: فيما تسود الفوضى في السودان بسبب حرب الجنرالين " اللذين قال دبلوماسيون وقادة أجانب إنّهم "راعوا جانبهما" من منطلق "براغماتي"، يبدأ المجتمع الدولي حساب الضمير بعد تفجّر العنف.

وتقول خلود خير، مؤسّسة مركز "كونفلوانس أدفايزوري" البحثي في الخرطوم، إنّ "المجتمع الدولي يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فالعملية السياسية التي أطلقها حادت عن هدفها وأجّجت التوترات بين البرهان وحميدتي".

ومند مطلع الألفية الثانية، تتولّى البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية تنظيم المفاوضات، تارة بين الخرطوم ومقاتلي جنوب السودان من أجل تقسيم البلاد، وتارة أخرى بين المدنيين والعسكريين من أجل تقاسم السلطة بعد أن أطاح الجيش الدكتاتور عمر البشير تحت ضغط الشارع في العام 2019.

ومنذ مطلع أبريل، قام مفاوضون من الأمم المتحدة ومن عدة عواصم بجولات مكّوكية بين البرهان الذي يقود الجيش ودقلو قائد قوات الدعم السريع. وكان المفاوضون يريدون من الرجلين التوقيع على اتفاق إطاري يقضي بعودة المدنيين إلى السلطة وينصّ أيضاً على دمج قوات الدعم السريع في الجيش.

وازاء هذا الإلحاح، تكرّر سيناريو معروف من قبل: ففي أكتوبر 2021 عندما استشعر الجنرالان اقتراب استحقاق تسليم السلطة للمدنيين، قاما معاً بانقلاب مكّنهما من الاستحواذ على السلطة. وفيما كان كلاهما تحت الضغط، انفجر النزاع بينهما بمعارك ضارية تشارك فيها القوات الجوية ومدافع الميدان وراجمات الصواريخ والبنادق الرشاشة في حرب شوارع تدور رحاها في الخرطوم خصوصاً.

وما بين أعياد الفصح ونهاية رمضان، فوجئ الدبلوماسيون بسقوط الخرطوم في الفوضى في التاسعة من صباح الخامس عشر من أبريل. حتى ذلك اليوم، كان "حميدتي" لا يزال ينظر إليه في عواصم القرار شخصية ذات حيثية، فكان يتلقّى دعوات ويقوم بزيارات رسمية، رغم تقارير لخبراء ولوزارة الخزانة الأميركية مفادها أنّ قواته الرديفة للجيش تستخرج الذهب من مناجم في السودان بالتعاون مع مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية.

ويقول خبير في العلاقات بين الخليج والسودان إن دقلو "كان منذ فترة طويلة مدعوماً مالياً ومعترفاً به دولياً". من جانبه، حضر البرهان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بعد أقلّ من عام من انقلابه على شركائه المدنيين في السلطة.

وبعد العديد من الموائد المستديرة التي نظّمها الوسطاء الدوليون من أجل العودة الى الانتقال الديموقراطي، أعلنت قوات الدعم السريع - آلاف من عناصرها هم من الميليشيات السابقة في دارفور المتّهمين بارتكاب تجاوزات خلال الحرب الدامية في هذا الإقليم - فتح "دوائر لحقوق الانسان" في عدة ولايات سودانية وكانوا يلتقون بصفتهم تلك مفاوضين ومسؤولين.

أما خير فتقول إنّه "من ناحية، كان المفاوضون والموفدون الخاصون يتحدثون الى الجنرالين، ومن ناحية أخرى نادراً ما كانوا يلتقون قطاعات واسعة من المجتمع السوداني" التي كانت تطالب بمحاسبة الرجلين بسبب التجاوزات التي يتحمّلان مسؤوليتها في دارفور وفي قمع المتظاهرين السلميين عقب الانقلاب. وتضيف أنّ هذا الوضع "قاد الجنرالين إلى الاعتقاد أنّ بوسعهما تفجير الحرب في قلب الخرطوم".






33