يزداد الحديث كثيراً خلال هذه الفترة عن محور فيلادلفيا على الحدود بين مصر وقطاع غزة، حيث يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على البقاء في المحور، وهذا ما يهدد بعرقلة مسار التفاوض لإيقاف الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، كما يمكن أن يكون ذلك سبباً لزيادة التوتر الإقليمي في ظل رفض مصر بدعم عربي لبقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا.
حديث
نتانياهو
في
مؤتمره الصحفي، في الثاني من سبتمبر الجاري، وقف نتانياهو أمام خريطة تضم إسرائيل
وقطاع غزة، دون أي وجود للضفة الغربية المحتلة عليها، وقال: "موقفنا ثابت
بشأن محور فيلادلفيا ولن يتغير.. يطلبون منا الخروج من محور فيلادلفيا لمدة 42
يوما، وأنا أقول إذا فعلنا ذلك فلن نعود إليه ولو بعد 42 سنة".
وأضاف:
"دخولنا إلى محور فيلادلفيا أجبر حماس على تغيير موقفها في المفاوضات.. شعرنا
بتغيير لصالحنا في الوضع العسكري. محور فيلادلفيا هو أنبوب الأكسجين لها ويجب
قطعه".
وتابع نتانياهو: "خروجنا من محور فيلادلفيا كان بمثابة فتح الطريق لدخول الأسلحة وغيرها لحماس.. عندما قرر (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرئيل) شارون مغادرة قطاع غزة، لم أوافق أبدا على إخلاء محور فيلادلفيا".
طبيعة
المحور وأهميته
محور
فيلادلفيا الذي ما يعرف أيضاً باسم محور صلاح الدين، هو شريط ضيق من الأرض يبلغ
طوله أقل من 9 أميال ، يمتد على طول
الجانب الغزي من حدود الجيب الساحلي مع مصر، ويشمل ذلك معبر رفح الحدودي الرئيسي والذي
كان يعتبر منذ فترة طويلة شريان الحياة للفلسطينيين في غزة.
تم
إنشاء الممر كمنطقة عازلة بموجب اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل،
بهدف التحكم في الحركة داخل وخارج غزة ومنع تهريب الأسلحة بين سيناء المصرية
والجيب الفلسطيني.
ظلت المنطقة تحت السيطرة الإسرائيلية حتى انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من قطاع غزة في عام 2005، وقبل ذلك وقعت إسرائيل ومصر اتفاقية فيلادلفيا، التي سمحت لمصر بإرسال مئات من حرس الحدود لدورية حدود الممر. وفي مايو 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيطر "سيطرة تكتيكية" على الممر بعد شن هجوم لاقى إدانة واسعة النطاق على مدينة رفح المزدحمة بالسكان في جنوب قطاع غزة.
بروز
الخلاف حول المحور
لم
يبرز ممر فيلادلفيا كقضية محورية في مفاوضات وقف إطلاق النار إلا مؤخرا، والتي
تعثرت على الرغم من المساعي الدولية والإقليمية حيث أصر نتنياهو على أن إسرائيل
يجب أن تحافظ على وجود عسكري في منطقة الحدود الجنوبية لقطاع غزة كجزء من أي اتفاق
هدنة، وذلك لمنع حماس من استخدام الممر، لكن حماس رفضت أي استمرار للوجود
الإسرائيلي في الممر.
في المقابل قال المفاوض الرئيسي عن حركة حماس خليل الحية إنه ما لم تنسحب القوات الإسرائيلية من المنطقة "فلن يكون هناك اتفاق"، وفي وقت اتهمت واشنطن حماس علنا، لكن مسؤولين أميركيين وأجانب إن الشروط الجديدة التي قدمها نتنياهو أعاقت التقدم أيضا، بما في ذلك الإصرار على السيطرة على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر.
النوايا
والأهداف الإسرائيلية
اهتمام
نتنياهو بممر فيلادلفيا ليس بجديد فقد ظلت فكرة السيطرة على الحدود بين غزة ومصر
هدفاً وطموحاً يردده رئيس الوزراء الاسرائيلي ـ إلا أن حركة حماس تتهم نتنياهو
باستخدام التمسك بهذا الممر لعرقلة المفاوضات التي كانت في مرحلة متقدمة.
ومن
الأسباب التي يمكن أن تدفع نتنياهو للتمسك بهذا المحور هو أنه يريد تأكيد ما تحدث
عنه حول القضاء على حركة حماس بشكل كامل، كما أنه يريد تقديم إنجاز سياسي للأوساط
الإسرائيلية التي تضغط على نتنياهو وخاصة فيما يتعلق بعدم تحرير الرهائن
الإسرائيليين.
وقبل بضعة أيام فقط، أجبر نتنياهو مجلس الوزراء على التصويت على إلزام إسرائيل بالاحتفاظ بالسيطرة على الممر، وهو ما اعتبر استراتيجية سياسية لاسترضاء أعضاء اليمين المتطرف في حكومته الذين يعارضون أي تنازلات، كما أصبحت القضية سياسية بشكل متزايد.
المحلل السياسي أسامة المغير، يقول للأناضول إن أسباب تشبث نتنياهو بالمحور تنقسم إلى نوعين؛ الأولى سياسية والثانية استراتيجية. والأسباب السياسية تتمثل في محاولاته لـ"استثمار المحور كنقطة صفرية في المفاوضات، يدرك أن حماس والوسطاء لن يقبلوا بتقديم تنازلات كبيرة حولها، من أجل عرقلة مسار الصفقة التي يرى أنها تشكل تهديدا لمستقبله السياسي"، وفق المغير. وعن الأسباب الاستراتيجية، يذكر المغير أن أبرزها يتمثل في "رغبة نتنياهو بقطع سبل إمدادات السلاح لحركة حماس والتي يزعم أنها تتم من خلال أنفاق تم حفرها على مدار سنوات تحت المحور". ويتابع: "يرى نتنياهو أن هذه الأنفاق كانت مركزية في استراتيجية بناء قوة حماس والتي استطاعت من خلالها أن تواجه إسرائيل في أكثر من معترك وتهدد الأمن الإسرائيلي بمستوى بلغ ذروته في السابع من أكتوبر".
وعن السبب الثاني، يقول المحلل السياسي إن المحور "يمثل الضلع الرابع لقطاع غزة الذي لم تسيطر عليه إسرائيل لسنوات، وبالتالي شكّل النافذة الجغرافية للقطاع". "الضلع الأول هو الحدود الشمالية وتحيط بها إسرائيل ويفصل بينها وبين القطاع ممر بيت حانون الخاضع لسيطرة الجيش، أما الضلع الثاني وهو الحدود الشرقية وتسيطر عليها إسرائيل فيما تقيم على امتدادهما جدارا أمنيا، والثالث هو البحر الذي تغلقه إسرائيل على بعد أميال من شاطئ غزة".
وأما السبب الثالث، يتجسد في "وقوع معبر رفح الحدودي ضمن محور فيلادلفيا، وهو المعبر الذي يشكّل أحد العناصر السلطوية لحماس في غزة والتي حددها نتنياهو كهدف مركزي لتقويضها إلى جانب قدراتها العسكرية"، وفق المغير. "المعبر يمثل أيضا مصدر دخل مالي لحماس من خلال جباية الضرائب، لذا يسعى لحرمان حماس من السيطرة عليه". وأما السبب الرابع والأخير، فيقول: "نتنياهو يريد أن يوظف قضية المحور كورقة ضغط على حماس في المفاوضات لاعتقاده بأنها مسألة حساسة وحاسمة ويمكن أن تغير في موقف الحركة ودفعها لتقديم تنازلات".
يقول
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، إن إصرار نتنياهو على
البقاء في فيلادلفيا واتهام مصر بتهريب أسلحة لقطاع غزة "تحرك يائس من شخص
مطلوب للعدالة الدولية، وهو مطلوب أيضا للعدالة داخل بلده بسبب جرائم تمس بالشرف،
ولا يعرف كيفية التعامل مع هذا المأزق، والشيء الوحيد الذي يحميه أنه رئيس وزراء
في حالة حرب".
ولا يستبعد بيومي في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "يغامر نتنياهو بالسلام لمصلحته الشخصية، عبر عرقلة المفاوضات بكل الطرق، ووضع شروط لن يقبل بها أحد"، مؤكدا أن "تحالف اليمين المتطرف الحاكم حاليا (في إسرائيل) لا يسعى للسلام".
مواقف
إسرائيلية متضاربة
هذا
الموقف أدى إلى اصطدام وزير الدفاع يوآف غالانت مع نتنياهو في اجتماع لمجلس
الوزراء، داعياً الوزراء إلى التراجع عن تصويت على البقاء في الممر إذا ساعد ذلك
في التوصل إلى اتفاق. وقد اتهم زعيم المعارضة يائير لابيد نتنياهو بأنه أكثر
اهتماماً باسترضاء الوزراء اليمينيين المتطرفين من اهتمامه بمصير الرهائن المتبقين
وقد أكد على هذه النقطة تقرير لشبكة "سي إن إن" ، حيث قال مصدر مطلع على
محادثات وقف إطلاق النار مقابل الرهائن إن خطاب نتنياهو "نسف" أي
مفاوضات (الغارديان البريطانية – 3 سبتمبر).
القراءة
الأولية تشير إلى أن نتنياهو يريد محاصرة الفصائل الفلسطينية وإحكام السيطرة على
قطاع غزة من الجنوب من خلال السيطرة على المحور ، ووقف أي تسلل عبر الأنفاق
الحدودية تحت الأرض، وضمان نزع السلاح في المنطقة، كما يريد السيطرة على محور
نتساريم في وسط قطاع غزة، لمنع حماس من إعادة بناء قدراتها.
المحصلة أن نتنياهو يريد فرض واقع عسكري جديد في غزة على معظم القوى الإقليمية والدولية ، خاصة بأن إسرائيل لا تبدو متشجعة لأي فكرة يمكن أن تؤدي في النتيجة لبقاء حركة حماس في القطاع بأي شكل من الأشكال، كما أن نتنياهو قد يكون متوجسا من أي دور عربي مستقبلي في غزة، لذلك يمكن بأنه يفكر بقطع الطريق على ذلك من خلال التمسك بالمحور إلى جانب إعلان الحكم العسكري في غزة.
اشتباك
إسرائيلي - مصري
هذا
الملف المهم تسبب بنوع من الاشتباك الإسرائيلي – المصري حيث قال نتنياهو إن مصر لم
تنجح في منع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة عبر المحور، مضيفاً أنه منذ خروج الجيش
الإسرائيلي من غزة عام 2005، أصبح محور فيلادلفيا مجالاً لتهريب الأسلحة المقدمة
من إيران، على حد قوله.
مصر
أعربت عن رفضها التام لتصريحات نتنياهو بشأن التمسك ببقاء الجيش الإسرائيلي في
محور فيلادلفيا بقطاع غزة، وحمّلَت القاهرة الحكومة الإسرائيلية عواقب تلك
التصريحات التي وصفتها بأنها تزيد من تأزيم الموقف و تؤدي الي مزيد من التصعيد في
المنطقة، بحسب بيان للخارجية المصرية.
في
السياق ذكرت "واشنطن بوست" نقلاً عن مسؤول مصري سابق مطلع على مفاوضات تبادل أسرى ووقف إطلاق النار بقطاع غزة، أن ممثلي إسرائيل أمضوا يوماً كاملاً في اجتماع مع رئيس
المخابرات المصرية عباس كامل في القاهرة قبل أسبوعين، لمناقشة أزمة محور فيلادلفيا
الحدودي فقط، بدلاً من تفاصيل تبادل الأسرى. وفي وقت سابق، رفض الوسطاء المصريون
تقديم أحدث اقتراح إسرائيلي إلى "حماس"؛ لأنهم اعترضوا بشدة على أحكام
الحدود، كما قال المسؤول السابق وفق ما نقله موقع قناة الشرق.
وفي اعتراف علني نادر بالاختلافات مع إسرائيل، قال بايدن للصحفيين في البيت الأبيض، الاثنين، إن نتنياهو لا يبذل جهداً كافياً للتوصل إلى اتفاق. في الشهر الماضي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق على أحدث اقتراح أميركي، لينكر نتنياهو علناً الجوانب الرئيسية منه بعد ساعات، وفق "واشنطن بوست". وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، في حديثه، الثلاثاء، رداً على تصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن ممر فيلادلفيا، "لن أدخل في نقاش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي".
مسببات الرفض المصري
يعود الرفض المصري لعدة أسباب منها أن الخطة الإسرائيلية تتجاهل تفاهمات اتفاق فيلادلفيا الذي وقعته إسرائيل مع مصر عام 2005، كملحق أمني لاتفاق كامب ديفيد، والذي سمح بنقل السيطرة على المنطقة (د)، التي تضم ممر فيلادلفيا، إلى السلطة الفلسطينية.
مصر تخشى من تحولها إلى طرف رئيسي في الصراع خلال الفترة المقبلة من خلال قبول وجود إسرائيلي على الحدود بينها وغزة ، بالتالي ستكون هذه المنطقة ساحة اشتباك مستمرة، خاصة وأن المجموعات الفلسطينية يمكن أن تلجأ لاستهداف القوات الإسرائيلية في المنطقة، كما سيؤثر ذلك أيضاً على أهمية الدور المصري في القضية الفلسطينية وسيكون هذا الدور بدون أي قيمة.
كذلك ترجع المعارضة المصرية إلى مخاوف عملية ورمزية، فمصر التي لعبت تاريخياً دوراً معقداً في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني تنظر إلى قطاع غزة باعتباره جزءاً من القضية الفلسطينية الأوسع نطاقاً. وعلى المستوى الرسمي تلتزم مصر بدعم السيادة الفلسطينية، فضلاً عن ذلك فإن رفض مصر يرتبط بالتحديات الداخلية التي تواجهها في شبه جزيرة سيناء.
دعم
عربي لمصر
الموقف
المصري حظي بدعم عربي وخاصة من قبل الإمارات والسعودية حيث أعربت دولة الإمارات عن
تضامنها الكامل مع مصر في مواجهة المزاعم والادعاءات الإسرائيلية، بشأن المعبر.
كما دانت واستنكرت بشده التصريحات الإسرائيلية المسيئة، في هذا الصدد، التي تهدد
الاستقرار وتفاقم الأوضاع في المنطقة.
وقد أعربت وزارة الخارجية السعودية "عن إدانة المملكة واستنكارها الشديدين للتصريحات الإسرائيلية بشأن محور فيلاديلفيا، والمحاولات العبثية لتبرير الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة للقوانين والأعراف الدولية، مؤكدةً تضامنها ووقوفها إلى جانب جمهورية مصر العربية الشقيقة في مواجهة تلك المزاعم الإسرائيلية".