منحت التطورات السياسية الأخيرة في بنغلادش الجماعة
الإسلامية وعموم التنظيمات المتطرفة فرصة مناسبة لإعادة نشاطها إلى الساحة في البلاد
وذلك بعد أن تم حظرها من قبل نظام الشيخة حسينة وعقب الإعلان عن فرار الأخيرة
افتتح حزب الجماعة الإسلامية مكتبه في دكا، بعد أكثر من عقد من الزمان من الإغلاق،
ووصل الأمر إلى إصدار الحكومة المؤقتة الجديدة برئاسة محمد يونس قراراً يرفع الحظر
عن الجماعة بالإضافة إلى إطلاق سراح بعض من موالي الجماعة.
كانت الشيخة حسينة، قد حظرت الحزب باعتباره منظمة "إرهابية مسلحة" وألقت باللوم على جناحه الطلابي وغيره من الهيئات المرتبطة به في التحريض على الفوضى بسبب نظام الحصص في الوظائف الحكومية، وقبل أربعة أيام من استقالة حسينة وفرارها إلى الهند، حظرت حكومتها الحزب والمنظمات التابعة له بموجب أمر تنفيذي صدر في الأول من أغسطس.
في ذلك الوقت، اتهمت حكومة حسينة الجماعة الإسلامية
بالتورط في احتجاجات عنيفة في جميع أنحاء البلاد إلا أن القرار الصادر من الحكومة
البنغالية المؤقتة والذي قد رفع الحظر عن الجماعة قال أنه لم يتم العثور على أدلة
محددة تؤكد تورط الجماعة والمنظمات التابعة لها في أعمال "إرهاب وعنف".
ونتيجة لهذه التطورات ونظراً لإمكانية أن تلعب هذه
الجماعة دوراً مهماً خلال المرحلة المقبلة فإنه من الضروري مراجعة تطور عمل
الجماعة والأدوار السياسية والاجتماعية التي لعبتها بالإضافة إلى التحولات التي
طرأت على نشاط الجماعة وقدراتها من خلال علاقتها الخارجية والأدوات والأساليب التي
تستخدمها لتكريس النفوذ داخل البلاد.
مرحلة التأسيس والمرجعية الفكرية
تأسست الجماعة الإسلامية، في الهند البريطانية عام
1941 على يد أبو الأعلى المودودي، الذي كان يحاول الاستفادة من الترويج بأن القيم
الإسلامية باتت تتراجع تحت تأثير الأيديولوجيات العلمانية الغربية على المجتمعات
المسلمة في الهند البريطانية.
عبر مودودي عن رؤيته الأيديولوجية في أعمال مثل "الإسلام
نظام حياة" و "تفهيم القرآن" ، حيث حدد أفكاره حول إنشاء دولة
إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية، حيث يتم توجيه جميع جوانب الحياة، بما في ذلك
السياسة والاقتصاد والمعايير الاجتماعية، بالمبادئ الإسلامية، وتصور مودودي أن
الجماعة الإسلامية أكثر من مجرد حزب سياسي - بدلاً من ذلك، كان يهدف إلى أن تكون
حركة إسلامية شاملة تؤثر على جميع جوانب الحياة من خلال الأنشطة في الرعاية
الاجتماعية والتعليم والنشاط السياسي.
في جنوب آسيا، أدى تقسيم الهند البريطانية إلى الهند
وباكستان في النهاية إلى تقسيم باكستان إلى قسمين. وأصبحت ولاية البنغال الشرقية
ذات الأغلبية المسلمة جزءًا من باكستان، مما أدى إلى انقسام بين باكستان الشرقية
(بنغلاديش اليوم) وباكستان الغربية (باكستان نفسها)، مع فصل جناحي الدولة جسديًا.
في عام 1971، أدى استقلال بنغلاديش إلى انقسام الجماعة إلى جناحيها الحاليين،
الجماعة الإسلامية البنغلادشية (BJI) والجماعة الإسلامية الباكستانية (PJI).
مسار عمل الجماعة في بنغلاديش
كان نشاط الجماعة الإسلامية في بنغلاديش يتراوح وذلك
على وقع تعامل السلطات معها، وحظرت حكومة رابطة عوامي بقيادة الشيخ مجيب الرحمن
حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش بسبب تعاونه مع القوات الباكستانية خلال حرب
عام 1971.
سعى الشيخ مجيب الرحمن على وجه التحديد إلى منع إنشاء
أحزاب على أسس دينية لتمكين ظهور بنغلاديش كدولة علمانية واشتراكية ومن أبرز
الإجراءات التي اتخذها في هذا الإطار كان إقرار قانون الجرائم الدولية لعام 1973
والذي استخدمته الحكومة لتسهيل عمليات الاعتقال والمقاضاة والمعاقبة.
عادت الجماعة الإسلامية إلى الساحة السياسية بعد
الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد عام 1975 ومع وصول العسكر حينها إلى الحكم تحت
قيادة الجنرال السابق ضياء الرحمن كان الأخيرة بحاجة إلى تهدئة مع القوى المحلية
بالإضافة إلى تلقي الدعم من قبل القوى الإقليمية وعمل على محاولة إرضاء الدول
الإسلامية.
تحولات عديدة وعلاقات متشابكة
ونتيجة لمساعي ضياء احمد ترسيخ حكمه وإيجاد قوة منافسة
لرابطة عوامي ذات الميول العلمانية، أسس الحزب الوطني في بنغلاديش والذي ركز خلال
فترة عمليه على تقويض القوى والعناصر العلمانية بالإضافة إلى التحالف مع الأحزاب
ذات الطابع الديني ومن هذه الأحزاب الجماعة الإسلامية، واستمر التحالف الفعلي بين الحزب
الوطني والجماعة الإسلامية طوال ثمانينيات القرن العشرين، الأمر الذي أعاد دمج حزب
الجماعة الإسلامية في بنغلاديش في السياسة النخبوية المحلية كجزء من ترتيب القوى
الاجتماعية في ظل الحكم العسكري.
بدأت حظوظ حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش تتغير
إلى حد ما عندما انهارت الحكومة التي يهيمن عليها العسكريون وفي عام 1990، أدت
الاحتجاجات الجماهيرية التي قادها الطلاب إلى تشكيل حكومة انتقالية. وفي عام 1991،
أجريت أول انتخابات برلمانية وشهدت فوز الحزب الوطني البنغلادشي بقيادة خالدة
ضياء، زوجة الرئيس السابق ضياء الرحمن.
على الرغم من أن حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش
سجل 12.1٪ من إجمالي الأصوات في انتخابات عام 1991، فإن ديمقراطية النظام السياسي
خلقت أيضًا مساحة أكبر لانتقاد دور حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش في حرب عام
1971 والجرائم التي ارتكبها تحت قيادة أعظم.
ومع تزايد الضغوط على حزب الجماعة الإسلامية في
بنغلاديش، انخفض دعمه الانتخابي: ففي الانتخابات البرلمانية لعام 1996، التي
قاطعتها معظم أحزاب المعارضة بسبب القمع المستمر للمعارضة السياسية من قبل الحزب
الوطني البنغلاديشي، خسر حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش خمسة عشر مقعدًا، مما
قلصه إلى ثلاثة مقاعد في برلمان بنغلاديش المكون من 300 مقعد.
وعندما عادت رابطة عوامي إلى السلطة في عام 2008، بدأت
الحكومة الجديدة في استهداف حزب الجماعة الإسلامية البنغالية بنشاط، وفي النهاية
حظرته في عام 2013ـ
قادت ابنة شيخ رحمن، الشيخة حسينة، التحالف الكبير،
وهو ائتلاف من الأحزاب، ضد ائتلاف بقيادة الحزب الوطني البنغلاديشي والذي ضم أيضًا
حزب الجماعة الإسلامية البنغالية. جرت الانتخابات العامة لعام 2008 على خلفية
عامين من عدم الاستقرار السياسي الكبير الذي شهد تأخير الحكومة المؤقتة بقيادة
الجيش للانتخابات مرارًا وتكرارًا. سجلت حسينة فوزًا ساحقًا في الانتخابات، مما
أدى إلى إزاحة تحالف الحزب الوطني البنغلاديشي وحزب الجماعة الإسلامية البنغالية
من السلطة السياسية.
في عام 2009،
شكلت حكومة حسينة محكمة الجرائم الدولية بتفويض للتحقيق في الانتهاكات التي حدثت
في عام 1971 وأثناء الحكم العسكري (الإسلام، 2021). وبحلول عام 2011، وجهت المحكمة
اتهامات إلى اثنين من مسؤولي الحزب الوطني البنغالي وعشرة من قادة حزب الجماعة
الإسلامية البنغالية بارتكاب جرائم حرب خلال حرب عام 1971.
سمات المسار التاريخي
يتسم المسار التاريخي لحزب الجماعة الإسلامية في
بنغلاديش بديناميكيات معقدة وتحولات كبيرة في دوره. فبعد حظره في عهد الشيخ مجيب عاد
إلى الساحة في ظل الحكم العسكري. وبفضل تحالفه مع الحزب الوطني ساهم حزب الجماعة
الإسلامية في بنغلاديش بشكل حاسم في أسلمة البلاد تدريجياً اليوم.
وقد أدى
التحول السياسي الرسمي في تسعينيات القرن العشرين إلى زيادة التدقيق في تصرفات
الحزب أثناء الحرب، مما أدى إلى تراجع الدعم الانتخابي، ومع ذلك، استمر تحالف
الحزب الوطني وحزب الجماعة مما أدى إلى ترسيخ العناصر الإسلامية في السياسة البنغالية.
استمر نفوذ حزب الجماعة الإسلامية من خلال الأدوار
الإيديولوجية، حتى مع تهميش دوره السياسي الرسمي بعد الحظر في عام 2013. وعكس
تكثيف القمع ضد حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش في عام 2013، بما في ذلك إلغاء
تسجيله، الطلب المجتمعي المتزايد على المساءلة ودرجة الاغتراب بين رابطة عوامي وتحالف
الحزب الوطني وحزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش. وعلى الرغم من الحظر، استمر حزب
الجماعة الإسلامية في بنغلاديش بشكل خفي في التأثير على السياسة والمسارات
المحلية. وفي سياق انتخابات عام 2024، ظل حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش
محظورًا رسميًا، ولكنه يواصل ممارسة النفوذ من خلال الانتماءات والتنسيق مع
الأحزاب الأخرى، مما يُظهر التعقيد الدائم لدوره في المشهد السياسي في بنغلاديش.(المؤسسة
الأوروبية لدراسات جنوب آسيا).
استغلال الحراك ودور الطلاب
شكلت استقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد فرصة
ثمينة للجماعة الإسلامية التي تطمح منذ تأسيسها للمشاركة في العملية السياسية
والمشاركة في السلطة، وهناك عدة مؤشرات ومعطيات حقيقة تؤكد بأن الجماعة الإسلامية
ستعود إلى الساحة بقوة ومن هذه المؤشرات رفع الحظر عن الحزب وإطلاق سراح الموالين
له وقادة تابعين في الجماعة بالإضافة إلى الإفراج أيضاً عن رئيسة الحزب الوطني
البنغالي.
وتشير تحركات الجماعة إلى أنها متجهة لمحاولة إنجاز
مكتسبات سياسية ومن هذه التحركات محاولة تطمين الرأي العام المحلي والخارجي والقوى
السياسية في البلاد وإظهار بأن الجماعة تتمتع بمرونة وقدرة على التعامل مع كافة
الفئات والطوائف في البلاد وفي مؤتمر صحفي عقده في 6 أغسطس، أكد أمير الجماعة،
شفيق الرحمن، استعدادها للتعاون الكامل مع الإدارة الجديدة، ولحماية الأقليات، بما
في ذلك الهندوس، داعيا لإجراء انتخابات في أقرب وقت، وطالب المغتربين بالعودة
لإرسال التحويلات المالية إلى البلاد، والتي توقفت خلال الاحتجاجات.
تمتلك الجماعة الإسلامية عدة أوراق مهمة وهي قدرتها
على حشد الشارع نتيجة لوجود الكثير من الموالين لها بالإضافة إلى قوة الجناح
الطلابي التابع لها والذي كان له دور في الاحتجاجات الأخيرة التي دفعت حكومة
الشيخة حسينة للاستقالة ووجود مكاتب وفروع للجماعة في كافة مناطق البلاد وقوة هذه
الفروع وتأثيرها الكبير على الأوساط السياسية والاجتماعية والدينية في هذه
المناطق.
وبالتالي ستسعى الجماعة لتحقيق إنجاز سياسي من خلال
الوصول إلى ثقل برلماني لكن سيكون العمل وفقاً لما يتوقع كالسابق من خلال التحالف
مع الحزب الوطني البنغالي ودعم هذا الحزب لقيادة الحكومة في المرحلة المقبلة إذا
ما تمكنوا من ذلك، وهذا ما يعيد المعادلة التي كانت تسير عليها الجماعة الإسلامية
في بنغلاديش منذ التأسيس وهي التغلغل في المجتمع من خلال الوجود على الأرض ونشر
الفكر والايديولوجيا ولعب دور صانع الملوك.