تشير التطورات الأخيرة المتعلقة بالتصعيد الإيراني – الإسرائيلي إلى حدوث تأثيرات وتداعيات سلبية ووخيمة على الشرق الأوسط والعالم بشكل عام. هذه التطورات زادت من مستوى القلق الإقليمي والدولي من الإمكانية الكبيرة لتوسع رقعة الصراع والحرب الدموية الدائرة في غزة بين حركة حماس وإسرائيل، لتشمل عدة جبهات أبرزها لبنان، وسورية، والعراق، واليمن.
إن إمكانية توسع الحرب ليست محصورة بمسارات معينة، حيث إن هذا التوسع يمكن أن يكون نتيجة لرد إيران وميليشياتها على الضربات التي تلقوها خلال الأيام الماضية، بالإضافة إلى إمكانية شن إسرائيل لهجمات أخرى ضد إيران وميليشياتها، وذلك في حال استمرار الحرب في غزة وتأثيرها على الاستقرار في المنطقة.
جبهات عديدة تعزز الاصطفاف
بغض النظر عن شكل مسار التصعيد، أو كيفية الرد الإيراني ورد فعل إسرائيل على ذلك، فإن هذا التصعيد يمكن أن يلقي بظلاله على مختلف الجوانب في المنطقة والعالم. ومن أبرز هذه التداعيات هو تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية، ففي حال الرد الإيراني على إسرائيل، يمكن أن يكون الرد الإيراني أكثر تأثيراً من السابق، وهذا ما يمكن استقراؤه من تهديدات وتصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين توعدوا برد قاسي.
هذا الوضع يشكل عامل ضغط على الولايات المتحدة والقوى الغربية التي أبدت التزامها بدعم وحماية أمن إسرائيل، وسط مساعي إسرائيلية لجر القوات الأميركية في المنطقة إلى الحرب. وما يمكن أن يعزز ذلك هو إمكانية أن يشمل الرد الإيراني والميليشيات التابعة لها استهداف القواعد الأميركية في المنطقة، خاصة في سورية والعراق. لكن في حال تطور الأمر وشاركت القوات الأميركية بالحرب على الميليشيات ووصلت الحرب إلى مرحلة بعيدة عن إمكانية التهدئة، فإن الميليشيات يمكن أن تحاول استهداف القواعد الأميركية في الخليج، وبالتالي ستتوسع رقعة الحرب إلى دول عديدة.
إن اندلاع احرب وإمكانية انضمام الولايات المتحدة والغرب إليها، يمكن أن يشجع قوى دولية مناهضة لهما على المشاركة كروسيا والصين ، وذلك من خلال تقديم الدعم لإيران وميليشياتها بالأسلحة والعتاد، ويمكن أن تعمل روسيا على تكرار التجربة الأوكرانية في المنطقة وأن تجعلها حرب مقابل حرب.
حرب استنزاف
على الرغم من أن بعض التحليلات تشير إلى أن التصعيد سيكون مؤقتا، وخلال أيام قصيرة، لكن قد لا يكون ذلك واقعياً حيث يمكن أن تطول الحرب وتكون على شكل جولات تصعيد يومية، وعمليات هجومية متبادلة، بهدف إخضاع الطرف الأخر بشكل استنزافي.
تتمتع إيران وإسرائيل بقدرات غير متكافئة، ولكن كل منهما قادر على شن ضربات محدودة ضد الأراضي السيادية لكل منهما. ولكن ليس بوسعهما الاستمرار في حملات تقليدية أطول أمداً. وسوف تعمل السياسة المحلية، والتحالفات والشراكات الدولية، والتداعيات المترتبة على الموارد، والتحديات اللوجستية، كقيود على التصعيد بالنسبة لكلا الجانبين. لكن هذه القيود لن تمنع أياً من الجانبين من اعتبار الضربات التقليدية ضد الأراضي والأصول السيادية ضمن المعايير الجديدة للصراع الجاري بينهما، وهناك حوافز لكلا الجانبين لإدامة حرب دون الحد الأدنى. لكن هذا قد يتغير. فإذا قررت إسرائيل، كما يبدو مرجحاً، تقليص قدرات حزب الله بشكل كبير، فإن هذا من شأنه أن يفرض معضلة على طهران: فهي لا تستطيع أن تتحمل خسارة حزب الله ولا أن ترد بطريقة تستفز إسرائيل إلى تصعيد كارثي محتمل. وإذا اختارت إيران التصعيد دون تلقي مساعدة مادية من دولة كبرى أخرى، فإن قدرتها على شن حرب شاملة ضد إسرائيل سوف تظل مقيدة بقدراتها العسكرية وأهدافها الاستراتيجية (المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS ، 17 مايو 2024).
زعزعة الاستقرار الإقليمي
يرى مراقبون بأن دخول المنطقة في أتون الحرب الإسرائيلية – الإيرانية خصوصاً إذا ما امتدت إلى فترة ليست قصيرة، وحتى وإن لم تكن على مستوى عالي ومرتفع من التصعيد، يمكن أن يؤثر ذلك على الأمن والاستقرار في معظم دول المنطقة فمن خلال ذلك سيتعزز تحالف الاخوان المسلمين والميليشيات الموالية لإيران، وإعطاء ما يجري طابع ديني، بتصوير ما يجري بأنه حرب بين اليهود والمسلمين، بالتالي ستعمل هذه المجموعات والتنظيمات على زيادة وتيرة التجنيد، مستفيدة من أهمية القضية الفلسطينية وغزة بالنسبة لشعوب المنطقة، كما ستحاول التنظيمات الإرهابية والمتشددة تغذية الكراهية والتطرف، وتحويل ما يجري إلى فرصة لإعلان ما تسميه بالجهاد، وهذا يشكل فرصة لكل من تنظيم داعش والقاعدة ، خاصة في سورية والعراق واليمن وليبيا لإعادة النشاط، وتنظيم الصفوف مجدداً ، خاصة وأن المنطقة بما في ذلك إيران وروسيا وأفريقيا والمنطقة شهدت مؤخراً عمليات ونشاط متزايد لتنظيم داعش.
كذلك وفي ظل مساعي الميليشيات الموالية لإيران والاخوان المسلمين (الأردن مثالاً)، يمكن لزيادة التحشيد والتجنيد أن يؤدي لصدام مع الحكومات ، التي ستعمل على ضبط هذه التحركات، وبالتالي سترى الميليشيات والتنظيمات في أجواء الحرب فرصة لإظهار قوة موقفها، وصولاً إلى التصعيد ضد الحكومات والدعوة لإسقاطها، واتهامها بدعم إسرائيل.
في النهاية ستستغل هذه الميليشيات الفرصة لزيادة نشاطها، ومحاولة التأثير على الشعور الوطني لدى المواطنين ، كما يمكن أن تشن هذه التنظيمات هجمات إرهابية في هذه الدول، وتعمل على إضعاف الأجهزة الأمنية في محاولة منها للسيطرة على مناطق تكون بمثابة معاقل مستقبلية لها.
تأثيرات اقتصادية
من المتوقع أن تؤثر الحرب المتوقعة بين إسرائيل وإيران على الاقتصاد بشكل كبير وواضح، وأي زيادة في التوتر سيلقي بظلاله على قطاع النفط وأسعاره، وفي وقت تمر غالبية امدادات الطاقة باتجاه العالم من المنطقة فإن منطقة الخليج أيضاً تعد أهم منتج للطاقة وتحتوي على 48% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة وأنتجت 33% من النفط العالمي في عام 2022.
كما أن إيران ما زالت تنتج ما يقرب من 3.2 ملايين برميل نفط يومياً، لذلك سينعكس تأثير زيادة مستوى التصعيد بين إيران وإسرائيل على أسعار الطاقة بشكل مباشر على البنوك المركزية، التي ستلجأ إلى تشديد السياسة النقدية للسيطرة على التضخم وبالتالي التأثير على النمو.
كذلك ستتأثر التجارة العالمية، حيث من الممكن أن تتزايد الهجمات من قبل إيران والميليشيات وخاصة في اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر، وبالتالي سيؤدي ذلك لتغيير في مسار التجارة بين أوروبا وآسيا، وسيزيد ذلك من فترة وصول الشحنات التجارية ويزيد من أسعار نقلها.
كما أن هذه الحرب ستنعكس بشكل مباشر أيضاً على النشاط الاقتصادي في المنطقة، وسينعكس ذلك على المنافسة الاقتصادية والتجارية، كما سيؤثر سلباً على قطاع السياحة وحركة الطيران.
مداخل التهدئة والحل
تكمن مداخل التهدئة والحل في إنهاء مسببات التوتر والصراع، وأبرزها إنهاء الحرب في غزة وتحقيق تقدم في القضية الفلسطينية، ولكي تنجح الجهود العربية والدولية يجب أن تبدأ بترميم البيت الفلسطيني. ومن خلال التجارب السابقة تبين بأنه من الأفضل عدم حصر الموقف بيد حركة حماس، بل ضم الفصائل الفلسطينية إلى مسار التفاوض من خلال دعم المساعي التي تدفع باتجاه جعل السلطة الفلسطينية مرجعية وغطاء للفصائل عامة. لكن هناك أسباب تقف عائق أمام ذلك وأبرزها حالة عدم التوافق وعدم الثقة داخل هذه الفصائل، والترهل الذي تعاني منه، بالإضافة إلى نواياها السياسية، حيث تسعى هذه الفصائل وخاصة حركة حماس لمصادرة المشهد وقيادته واستخدامه لمصالحها الحزبية تارة والأيديولوجية تارة أخرى.
إن الضربات القاسية الأخيرة التي تلقتها حركة حماس والتي تهدد هيبتها ومصيرها العسكري والسياسي، يجعلها في حيرة من أمرها بين الإصرار على القتال والتجاوب مع الدعوات للتفاوض، وهذا ما أثر على جولات التفاوض الأخيرة ، في المقابل يبدو أن الأزمات السياسية التي تواجه حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ستدفعه للاتجاه إلى المزيد من افتعال الحروب وجر الولايات المتحدة والقوى الغربية إليها.
ونعود إلى الموقف الإيراني وارتباطه بتحركات ميليشياتها، واستخدامها للقضية الفلسطينية لزيادة تحركاتها، وبالتالي يستمر التوتر بين طهران وبين القوات الأميركية وإسرائيل في المنطقة. عليه فإن الحل يكمن أيضاً في محاولة تشجيع إيران على التهدئة والعودة إلى التفاوض مع القوى الدولية، لكن وفي ظل وجود ميليشيات موالية لها، فإن التوتر والتصعيد سيبقى احتمالاً وارداً في أي لحظة.
وعلى الرغم من صعوبة ذلك ومواجهته لعراقيل إلا أن التداعيات الكارثية لأي حرب بين إسرائيل وإيران، يتحتم تصعيد الجهود لترسيخ التهدئة على الأقل، تمهيداً لمحاولة حل الجذور الأساسية للصراع في المنطقة.