رغم اتفاق زعماء مجموعة السبع الصناعية التي تجمع كلاً من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، على ضرورة معاقبة روسيا والصين، وتشديدهم على معارضة أي أنشطة عسكرية تمارسها الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فضلاً عن رفض روسيا إنهاء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، فإنهم أكدوا في البيان الختامي لقمتهم في هيروشيما اليابانية في الفترة من 19 إلى 21 مايو، 2023 ، إرادتهم بناء علاقات بناءة ومستقرة مع بكين، واستمرار العمل على إيجاد حلول للأزمة في أوكرانيا وتجنب الدخول في صراع مباشر مع روسيا. لكن ذلك لا يمنع من فرض عقوبات رادعة ضد البلدين.
من الممكن أن يؤدي ذلك إلى رد فعل ومواجهة علنية من قبل الجانب الروسي الصيني، كتشكيل تحالفات اقتصادية تضر باقتصادات الغرب، أو التصعيد العسكري في جنوب شرق آسيا وأوكرانيا لإرباكه، وربما يتوسع الأمر إلى منافسة أعنف في مجالات تكنولوجية مختلفة، كالذكاء الاصطناعي على سبيل المثال.
ما هي أشكال العقوبات؟
من الصعب في الوقت الحالي معرفة ما سوف يفعله قادة مجموعة السبع الصناعية تحديداً فيما يتعلق بمواجهة الصين وروسيا بعد فرض العقوبات الجديدة، فالبيانات الختامية لقمة هيروشيما 2023 رُسمت بخطوط دبلوماسية عريضة، ولا توجد حتى الآن معلومات مباشرة من الزعماء السياسيين عن آلية دقيقة لتطبيق العقوبات التي شملها البيان الختامي للقمة.
إن عقوبات قمة هيروشيما عام 2023 ليست الأولى في تاريخ القمة، ففي عام 2021 تمثلت المواجهة الدولية لكل من روسيا والصين أيضاً في شكل عقوبات متنوعة، كالعقوبات الاقتصادية التي فرضت بسبب انتهاكات بكين حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ (BBC News: 13 June 2021)، كذلك معاقبة روسيا بسبب تسميم واعتقال المعارض الروسي "أليكسي نافالني" (صحيفة المصري اليوم: 2 مارس 2021). واقتراح مبادرة "بيلد باك بيتر وورلد" التي هدفت إلى تقديم بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية. وكان الرئيس "جو بايدن" وقادة المجموعة يأملون أن تقدم خطتهم شراكة تساعد في توفير 51.9 تريليون دولار تحتاجها الدول النامية بحلول عام 2035. (ABC News: 12 June 2021). وفي عام 2022، منعت الدول السبع تمويل وتأمين شحنات النفط الروسية، ما لم يتم بيعها بأقل من السعر المحدد، للتقليل من عائدات روسيا النفطية، والتي تعتمد عليها بنسبة 50% لتمويل الميزانية. (صحيفة اليوم السابع: 2 سبتمبر 2022).
وتهدف العقوبات الجديدة التي أقرها الزعماء السبعة في اليوم الأول لقمة هيروشيما 2023، إلى تجويع روسيا من تكنولوجيا دول المجموعة والمعدات الصناعية والخدمات التي تدعم آلتها الحربية، وفرض إجراءات جديدة لمنع الدول الأخرى من مساعدة الصين وروسيا في التهرب من العقوبات الدولية، باستهداف الكيانات المتهمة بنقل معدات إلى ساحة الحرب لحساب موسكو. وبالتالي فإن الزعماء سيتحركون لتقييد وصول روسيا والصين إلى اقتصادات دولهم. يقول الباحث في مركز أبحاث معهد مونتين بباريس "فرانسوا جودمينت" لراديو RFI الفرنسي، إن الإستراتيجية هذه المرة مصممة لتظهر لروسيا والصين على أنهما لا يستطيعان تقسيم الصف الغربي وإرادته. (RFI Radio: 19 May 2023).
لقد تعهدت مجموعة السبع بالحد من استخدام أو الاتِّجار بالألماس المستخرج أو المعالج أو المنتج في روسيا من خلال اعتماد تقنيات التعقب، واتخاذ إجراءات لمنع نحو 70 كياناً من روسيا ودول أخرى من الحصول على الصادرات الأمريكية عبر إدراجها في اللائحة التجارية السوداء. وستكون هناك نحو 300 عقوبة جديدة ضد أفراد، وتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. كذلك ستواصل واشنطن الضغط لمنع موسكو من الوصول إلى النظام المالي العالمي والإبقاء على الأصول الروسية مجمدة إلى حين انتهاء الحرب في أوكرانيا. (البيان الختامي للقمة).
وكشف رئيس الوزراء البريطاني "ريشي سوناك" لفرانس برس عن حزمة عقوبات جديدة سوف تفرضها بلاده على قطاع التعدين في روسيا تستهدف واردات الألمنيوم والألماس والنحاس والنيكل في محاولة لتضييق قدرات موسكو. وبعيداً عن الملف الروسي، اتفق الزعماء مبدئياً على تنويع سلاسل التوريد الحيوية بعيداً عن الصين وحماية القطاعات من "الإكراه الاقتصادي" بدون قطع العلاقات مع الصين، أحد أكبر الأسواق في العالم، وبررت فرنسا ذلك بأن قمة السبع لن تكون قمة مواجهة، وإنما قمة للتعاون والبحث في المتطلبات الأساسية للحد من هيمنة الصين على الأسواق الدولية. (AFP: 19 May 2023).
المخاوف الأساسية
منذ سنوات كانت سياسة الاتحاد الأوروبي هي تجنب المواجهة المباشرة مع الصين، نظراً لأنه من غير المرجح غزو الصين لأي جزء من أوروبا. وعلى الرغم من أن بروكسل وصفت الصين بأنها "منافس منهجي" في عام 2019، فإنها تجنبت الخطاب الحاد المناهض للصين الذي أصدرته إدارة "دونالد ترامب" إلى حد كبير. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا غير الأمور، فالصين في فريق روسيا، وبدأت ممارسة سياسة الضغط في جميع أنحاء المحيطين الهندي والهادئ، وأصبحت قوة عسكرية صاعدة، ولديها الكثير من الطموحات التكنولوجية. لذلك انتقلت المناقشات حول العلاقات مع بكين من حلقة الاقتصاد إلى حلقة القضايا الإستراتيجية. ومع الحضور الصيني المتزايد في غرب البلقان واليونان وإيطاليا، نظراً لدخول تلك الدول في مبادرة الحزام والطريق. كل ذلك جعل أوروبا تتجه إلى تبني هدف واشنطن الرئيسي المتمثل في "إخراج الصين من المنافسة وتقييد روسيا".
يقول الباحث "فرانسوا جودمينت" في تصريحه لراديو RFI إن الضغط من أجل عمل تحالفات جديدة تضم أعضاءَ مجموعة السبع وحلفاءَها، مثل الشراكة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (أوكوس)، والتحالف الرباعي غير الرسمي بين الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، يقوم بتغذية آلية الدعاية لموسكو وبكين ضد الغرب. كذلك يتطلع قادة الدول السبع إلى تنسيق جهودهم لحماية النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، ويشمل ذلك دعوة دول أخرى ذات تأثير كبير، مثل الهند وفيتنام والبرازيل وإندونيسيا، للانضمام إلى المناقشات والعمل معاً للحيلولة دون تصاعد التوترات والنزاعات. وهو ما يجعل الصين وحلفاءَها في حالة من التحفز الدائم ضد واشنطن والغرب برمته، وعلى استعداد لتصعيد المواجهة. (RFI Radio: 19 May 2023).
ومن بين أهم المخاوف التي تواجه الدول السبع أيضاً، التوسع العسكري والنفوذ الجيوسياسي لكل من الصين وروسيا، وقد أثار تقرير الدفاع الأمريكي لعام 2020، على سبيل المثال، مخاوف الغرب من القوة العسكرية المتزايدة للصين ونفوذها (DOD China Military Power Report: 1 Sept. 2020). كذلك انتهاك روسيا المستمر للأجواء الأوروبية والاستفزازات البحرية، وهو ما أدى بأوروبا إلى دعم قواعد الناتو في شرق القارة، مما أعطى الفرصة لبوتين للقيام بعمليته العسكرية فيما بعد. (The Guardian: 1 March 2021).
وتخشى واشنطن أنشطة التجسس الروسية والصينية التي تهدف إلى التدخل في الانتخابات، وقد أكدت المخابرات الأمريكية في تقرير عام 2021، تدخل روسيا والصين في الانتخابات الأمريكية، وتدخل مشابه في دول أوروبية، كذلك الخوف من الممارسات التجارية غير العادلة وسرقة الملكية الفكرية، وقد استغلت الصين انشغال العالم بجائحة كوفيد ومارست تجارة غير عادلة وانتهكت حقوق عشرات المنتجات، وهو ما أصبح يهدد اقتصاد الغرب والعالم. (Office of the Director of National Intelligence: 16 March 2021).
ردود الفعل الصينية الروسية
انتقدت الصين وروسيا بشدة البيان المشترك الصادر عن زعماء الدول السبع، حيث زعمت موسكو أنهم يدفعون أوكرانيا لإلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا وبكين، متهمة واشنطن بممارسة الدبلوماسية القسرية. وقال وزير الخارجية "سيرجي لافروف" خلال مؤتمر صحفي "تم الإعلان بصوت عال عن إجراءات لهزيمة روسيا في ساحة المعركة، ولن يتوقفوا عند هذا الحد، ولكن حتى القضاء عليها كمنافس جيوسياسي". (Japan Times: 21 May 2023).
وفي السياق نفسه قالت وزارة الخارجية الصينية إن بكين تعارض بشدة البيان المشترك لمجموعة السبع، وأبلغت اليابان التي استضافت القمة أن مجموعة السبع تجاهلت مخاوف الصين، ووجهت انتقادات لها وأقحمت نفسها في شؤونها الداخلية، بما في ذلك قضية تايوان. (إندبندنت العربية: 21 مايو 2023).
ولمواجهة العقوبات الغربية، أكد نائب رئيس الوزراء الروسي "ألكسندر نوفاك" بعد توجهه إلى شنغهاي ضمن الوفد المرافق لرئيس الوزراء "ميخائيل ميشوستين" لحضور منتدى الأعمال الروسي الصيني، أن شحنات الطاقة الروسية إلى الصين ستنمو بنسبة 40% هذا العام، وسوف تسعى موسكو إلى تعميق العلاقات مع بكين. كما نوقشت خطط للتعاون بشأن توريد المعدات التكنولوجية الناقصة لدى روسيا بسبب العقوبات، وتقرر زيادة التبادل التجاري ليصل إلى 200 مليار دولار. ويشارك في المنتدى عدد من أبرز رجال الأعمال الروس الخاضعين للعقوبات، يعمل بعضهم في قطاعات رئيسية مثل الأسمدة والفولاذ والتعدين. (بوابة الوسط الليبية: 23 مايو 2023).
ولكن هل يكفي ذلك لمواجهة العقوبات الغربية، فالتوترات الجيوسياسية مع واشنطن تلقي بظلالها على توقعات النمو في الصين، فضلاً عن إثارة المخاوف بشأن سلاسل التوريد العالمية. حيث قالت وزيرة الخزانة الأمريكية "جانيت يلين" إن واشنطن تدرس إجراءات لمواجهة استخدام الصين للإكراه الاقتصادي ضد دول أخرى. (CNBC: 18 May 2023). وعلى الرغم من ذلك، فقد سعى "بايدن" إلى طمأنة الصين بأن الصراع مع الغرب يمكن تجنبه، حتى مع تكثيف المجموعة ضغوطها للرد على التهديد الأمني والعسكري والاقتصادي المتزايد لبكين. وقال للصحافيين في ختام القمة "لا أعتقد أن هناك أي شيء حتمي بشأن فكرة الصراع بين الغرب وبكين". (Voice of America: 21 May 2023).
قد يتطور الأمر من جانب من روسيا والصين، إلى مواجهة مختلفة عن كافة التصورات المعلنة، لأنه مع زيادة الضغط فقد يتولد انفجار. وعلى حد قول المحل السياسي الصيني "تيسا وونغ"، يبدو أنه سيكون من الصعب بالنسبة لدول مجموعة السبع التصرف بتوازن مع بكين. فاقتصادات هذه الدول تعتمد على الصين بشكل لا يقبل الانفصال، ومع هذا تتزايد المنافسة معها. (BBC: 21 May 2023).
الخلاصة
هناك دائماً نقاش دائر حول فكرة (الفعل ورد الفعل) في التحركات الدولية. فعلى سبيل المثال، بينما تحافظ روسيا على فكرة أن مخاوفها من توسع الناتو قد خلقت الظروف للحرب في أوكرانيا، وبينما تصر الصين على أنها محاصرة، يرى الغرب العكس. وكل من الطرفين يرى نفسه في موقف "رد الفعل" وليس "الفعل"، وهنا تكمن الأزمة.
ومن الواضح أن العقوبات الغربية في العموم، ومجموعة الدول الصناعية السبع على وجه الخصوص، تهدف إلى عزل الصين وروسيا سياسياً واقتصادياً، وربما تتطور المواجهة بين البلدين إلى اتخاذ إجراءات تتطور فيما بعد إلى إلغاء الزيارات المتبادلة بين المسؤولين أو مقاطعة المنتديات الدولية. أو تقديم الدعم للدول المتضررة من التصرفات الصينية والروسية، فينقسم العالم إلى قسمين. وفي المقابل قد تقوم الصين وروسيا بتغييرات في سياساتهما للضغط على الغرب من جانبهما وتشكيل تحالفات اقتصادية وسياسية وشراكات قد تعيد تشكيل النظام الدولي مستقبلاً.
هناك أمر أخير تجب الإشارة إليه، وهو أن هناك يقيناً لدى الغرب وكافة المحللين السياسيين بأن العقوبات الغربية في العموم لن تردع روسيا والصين عن تنفيذ طموحاتهما الجيوسياسية، لكن الغرب يعتقد أن مجرد ذكر عواقب مساعدة موسكو وبكين سيكون له تأثير نفسي على الدول الأخرى، مما يقلل اهتمامها بالتجارة مع روسيا والصين.