مقالات تحليلية

فوز إردوغان بولاية رئاسية جديدة تركيا .. دلالات وآفاق

29-May-2023

فاز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأحد بولاية جديدة اثر اقتراع شهد تنافسا غير مسبوق ليمدّد حكمه المستمر منذ عقدين حتى عام 2028. وقد أظهرت النتائج شبه النهائية فوزه على منافسه العلماني كمال كليتشدار أوغلو بفارق أربع نقاط مئوية.

تغلب الزعيم البالغ 69 عامًا على أسوأ أزمة اقتصادية في تركيا منذ جيل وأقوى تحالف للمعارضة واجهه، ليبقى سجله الانتخابي خاليا من الهزائم. وقد انتشرت مظاهر الاحتفالات في أنحاء تركيا فيما تتالت التهاني من زعماء العالم، وألقى إردوغان كلمة أولى من على سطح حافلة في إسطنبول.

قال وسط حشد من أنصاره قبالة مقر إقامته في المدينة "عهدت إلينا أمتنا مسؤولية حكم البلاد للسنوات الخمس المقبلة". وأضاف إردوغان الذي يحكم تركيا منذ عشرين عاما "سنفي بكل الوعود التي قطعناها للشعب"، مؤكدا أن "كل عملية انتخابية هي نهضة". وتابع "أظهرت هذه الانتخابات أن لا أحد يستطيع أن يهاجم مكتسبات هذه الأمة"، مردفا "إن شاء الله نستحق ثقتكم".

وفي كلمة ثانية ألقاها من القصر الرئاسي في أنقرة أمام مئات الآلاف من أنصاره، دعا إردوغان الأتراك إلى "الوحدة والتضامن". وقال "نترك الخلافات السياسية جانبا وندعو إلى الوحدة والتضامن"، مؤكدا "ندعو إلى ذلك من كل قلبنا".

في ردود الفعل الدولية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن إعادة انتخاب إردوغان تظهر دعم الأتراك "لجهودكم في تعزيز سيادة الدولة واتباع سياسة خارجية مستقلة".

وهنّأ الرئيس الأميركي جو بايدن إردوغان على إعادة انتخابه قائلا "أتطلع إلى مواصلة العمل معا بصفتنا حليفين في الناتو بشأن القضايا الثنائية والتحديات العالمية المشتركة".

وأبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تطلعه إلى "المضي قدما" في رفع التحديات العالمية المشتركة، فيما أمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "تعزيز الشراكة الاستراتيجية" مع تركيا. أما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فقد أشاد بـ"انتصار إردوغان الكبير والمستحق".

توقفت حركة المرور في ساحة تقسيم الشهيرة في إسطنبول فيما تجمعت حشود كبيرة لوحت بالأعلام التركية وصور إردوغان. وقالت نيسا سيفاسلي أوغلو البالغة 17 عامًا في العاصمة التركية أنقرة "اختار شعبنا الرجل المناسب". وأضافت "أتوقع أن يعزز إردوغان الأشياء الجيدة التي قام بها لبلدنا".

تعرض الزعيم التركي الأطول عهدا إلى اختبار غير مسبوق، ويُنظر إلى هذه الانتخابات على نطاق واسع على أنها الأكثر أهمية في تاريخ الجمهورية منذ إعلانها قبل قرن. وقد شكّل كيليتشدار أوغلو تحالفًا قويًا جمع حلفاء سابقين لإردوغان وقوميين علمانيين ومحافظين. ونجح في 14 مايو في الوصول إلى الدورة الثانية لأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في تركيا.

لكن كيليتشدار أوغلو لم يقر رسميًا بالهزيمة أثناء تلاوته بيانا مقتضبا أمام الصحافيين في أنقرة. وقال "إنني حزين للغاية في مواجهة الصعوبات التي تنتظر البلد".


مناورة فاشلة

لا الرغبة في التغيير والانفتاح من جانب جزء من الناخبين، ولا التضخم المالي الحاد، ولا القيود المفروضة على الحريات والصلاحيات الرئاسية المفرطة، نجحت في تغيير المشهد السياسي.

لم تساهم أيضا تداعيات الزلزال المدمر فيفبراير والذي أودى بما لا يقل عن 50 ألف قتيل وشرد ثلاثة ملايين شخص، في تراجع شعبية "الريّس" إردوغان الذي تصدر نتائج الانتخابات في المحافظات المتضررة التي تعهد إعادة إعمارها بسرعة.

أما حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الذي يتزعمه إردوغان، فقد خسر مقاعد في البرلمان لكنه احتفظ بالغالبية مع حلفائه.

من جهته، عانى كمال كيليتشدار أوغلو هزيمة رغم محاولته استقطاب مزيد من الناخبين في حملته للدورة الثانية من الانتخابات. فقد غيّر الموظف الحكومي السابق تركيزه من الحديث على الوحدة الاجتماعية والحريات إلى الحديث أكثر عن الحاجة إلى إخراج المهاجرين من البلد ومكافحة الإرهاب.

استهدف بذلك استقطاب ناخبي اليمين القومي الذين حققوا مكاسب في الانتخابات البرلمانية. لكن شكك محللون في نجاح مناورة كيليتشدار أوغلو، إذ إن تحالفه غير الرسمي مع حزب مؤيد لقضايا الأكراد يصوره إردوغان على أنه جناح لحزب العمال الكردستاني المحظور، تركه عرضة لاتهامات بالعمل مع "إرهابيين".

كما لم تكن مغازلته لليمين التركي المتشدد مجدية بسبب التأييد الذي تلقاه إردوغان من المرشح القومي المتطرف سنان أوغان الذي احتل المركز الثالث في الدورة الأولى للانتخابات قبل أسبوعين.

بدا بعض أنصار المعارضة مهزومين بالفعل بعد خروجهم من مراكز الاقتراع. وقال بيرم علي يوس في أحد الأحياء المناهضة لإردوغان في اسطنبول "اليوم ليس مثل المرة الماضية. لقد كنت أكثر حماسة حينها". وأضاف "تبدو النتيجة أكثر وضوحًا الآن. لكني مع ذلك أدليت بصوتي".


الحفاظ على ما تحقق

يحظى رجب طيب إردوغان بدعم واسع لدى الشرائح الأكثر فقرا وتلك الريفية من المجتمع التركي بسبب تشجيعه للحريات الدينية وتحديث المدن التي كانت متداعية في دواخل الأناضول. وقال الناخب محمد أمين أياز لوكالة فرانس برس في أنقرة "كان من المهم بالنسبة لي الحفاظ على ما تحقق مدى السنوات العشرين الماضية في تركيا". وأضاف الرجل البالغ 64 عاما "تركيا ليست كما كانت في الماضي. هناك تركيا جديدة اليوم".


من اتاتورك إلى اردوغان

تركيا دولة مسلمة تقع على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا ويقودها منذ 2003 الاسلامي المحافظ رجب طيب اردوغان الذي يخوض دورة ثانية من الانتخابات الرئاسية الأحد من موقع قوة.

نقاش حول العلمانية

في 29 أكتوبر 1923 بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى أعلن مصطفى كمال أتاتورك ("أبو الأتراك")، الجمهورية التركية التي قادها حتى وفاته في 1938.

وضع أتاتورك تركيا على طريق "غربنة" سريعة وأدرج العلمانية ضمن مبادئها التأسيسية مع إلغاء الخلافة وإلغاء مؤسسات التعليم الديني. وقد أنهى الانتصار الساحق في 2002 لحزب العدالة والتنمية المنبثق عن التيار الإسلامي حقبة من عدم استقرار حكومي لكنه أثار قلقا كبيرا لدى الدوائر المتمسكة بالعلمانية.

أصبح رجب طيب اردوغان أحد مؤسسي الحزب، رئيسا للوزراء في 2003 ثم رئيسًا للجمهورية في 2014. وقد جاء إلى السلطة حاملا مشروعا إسلاميا محافظا يستحضر مجد السلاطين الماضي.


 انقلابات ومؤامرات 

شهدت الحياة السياسية في تركيا ثلاثة انقلابات عسكرية تلت كل منه عمليات قمع قاسية (1960 و1971 و 1980). وأجبر الجيش التركي الذي يعتبر نفسه ضامنا للعلمانية، على الاستقالة رئيس الوزراء الإسلامي نجم الدين أربكان راعي اردوغان الذي أحكم قبضته على الجيش فور توليه السلطة.

في 15 يوليو 2016، أفلت رجب طيب أردوغان من محاولة انقلاب أسفرت عن مقتل 250 شخصا وجرح 1500 آخرين. وقد قادها عسكريون لكن اردوغان اتهم الداعية الإسلامي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة بتدبيرها، وشن حملة تطهير غير مسبوقة اعتقل خلالها عشرات الآلاف من الجنود والقضاة والمثقفين والصحافيين والمعارضين الأكراد.

في 2017 انتقلت تركيا ذات الغالبية السنية والتي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وسّع صلاحيات رئيس الدولة بشكل كبير.


عضو في الناتو 

بعدما أصبحت قوة إقليمية رائدة، استأنفت تركيا في الفترة الأخيرة  علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل والاتصال بالسعودية واقتربت من الإمارات العربية المتحدة. وهي منخرطة عسكريا في الصراعات في ليبيا وناغورني قره باغ وسوريا.

وتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ 1952 وهي تملك ثاني أكبر جيش (عدديا) بين دول الحلف بعد الولايات المتحدة التي تختلف معها حول عدد من النقاط بما في ذلك دعم واشنطن للميليشيات الكردية السورية وحصول أنقرة على نظام دفاع صاروخي روسي.

وقد تراجعت علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بعد محاولة الانقلاب في 2016 ،  والمفاوضات بشأن انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي في الطريق المسدود. في المقابل، نجحت أنقرة منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا في الحفاظ على علاقات جيدة مع كييف وموسكو وعرضت وساطتها في النزاع الدائر بينهما.


 اقتصاد مأزوم 

في العقد الأول من حكم إردوغان، انضمت تركيا إلى مجموعة الدول العشرين الأكثر ثراءً. وعمل رجل "المعجزة الاقتصادية" على تحديث البلاد بتشييد مطارات وطرق وجسور ومستشفيات ومئات الآلاف من المنازل. لكن في 2013، ضعف النمو بسبب الأوضاع الدولية المتردية.

وصيف 2018 أدت الأزمة الدبلوماسية بين واشنطن وأنقرة وغياب الثقة في السوق إلى انهيار الليرة التركية. وبلغت نسبة التضخم 85 بالمئة في أكتوبر 2022 وهو أعلى مستوى في 25 عامًا.

وأدى زلزال فبراير 2023 إلى مقتل خمسين ألف شخص على الأقل وإلى اضرار تتجاوز قيمتها 34 مليار دولار، مما تسبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية.

المسألة الكردية 

عندما وصل إلى السلطة في 2002، كان حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه اردوغان يتمتع بشعبية بين الأكراد أكبر أقلية في تركيا، عبر سعيه للتوصل إلى اتفاق لإنهاء كفاحهم المسلح من أجل حكم ذاتي.

لكن فشل المحادثات في 2015 أدى إلى استئناف النزاع المسلح بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني. وأدرجت أنقرة وحلفاؤها الغربيون هذه المجموعة التي تخوض منذ 1984 تمردا مسلحا أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، على لائحة المنظمات الإرهابية.

وسُجن صلاح الدين دميرتاش ، رئيس أكبر تشكيل موال للأكراد "حزب الشعوب الديموقراطي" منذ نهاية 2016 بتهمة "الدعاية الإرهابية".





42