في السابع من سبتمبر 2022 أصدرت وزارة الخارجية المصرية النسخة الثالثة من "التقرير الوطني لجمهورية مصر العربية حول مكافحة الإرهاب لعام 2022"، وقد سبقته النسخة الأولى في عام 2020، والثانية في 2021.
يأتي التقرير ثمرة للتعاون القائم بين مختلف الجهات الوطنية المصرية المعنية بمكافحة الإرهاب، ويعرض للجهود المبذولة لمجابهة التهديدات الإرهابية، والسياسات المثلى المتبعة في هذا الصدد. ويمثل في مجمله المقاربة المصرية الشاملة لمكافحة الإرهاب والحد من الفكر المتطرف.
الخارجية المصرية طالبت في تقريرها المجتمع الدولي بتعزيز فعالية الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب والتطرف من خلال تبني تلك المقاربة الشاملة التي لا تقتصر على المواجهة الأمنية فحسب، وإنما تشمل كذلك المحاور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والتنموية، بما يتسق مع الركائز الأربع لاستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، مع التأكيد على عدم ارتباط الإرهاب بأي دين أو ثقافة أو منطقة جغرافية بعينها.
ركائز أساسية
جاء تقرير وزارة الخارجية المصرية في عدة ركائز أساسية عملت الدولة عليها لمواجهة الإرهاب والحد من انتشاره. واختصت الركيزة الأولى بالتدابير الرامية إلى "معالجة الظروف المؤدية للإرهاب"، بدعم المنظومة الوقائية التوعوية، والمواجهة الفكرية، تأكيداً لمبادرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي التي أطلقها في عام 2014 لإصلاح الخطاب الديني، من خلال العديد من المراكز البحثية والعلمية، وفى مقدمتها "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف"، الذي يقوم برصد الآراء والفتاوى المتطرفة والتكفيرية وتحليلها وتفنيدها.
علاوة على ذلك تقوم وزارة الأوقاف بجهود ملموسة في مكافحة الفكر المتطرف وإصلاح الخطاب الديني، حيث قامت باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع استغلال أي من الجماعات المتطرفة للمساجد. أيضاً قامت دار الإفتاء بإنشاء مركز "سلام لدراسات التطرف"، الذي يعنى بإصدار بحوث نوعية تتناول ظاهرة التطرف باسم الدين، ويهدف إلى تعميق المناقشات العامة والأكاديمية المتعلقة بقضايا التشدد، وإنتاج خطاب وسطي بديل. وبعيداً عن المؤسسات الدينية تقوم وزارة الثقافة المصرية بتنفيذ بعض البرامج الثقافية والفنية في إطار مواجهة الأفكار المتطرفة من خلال الأنشطة التي تستهدف المراحل العمرية المختلفة.
ولم يختلف التقرير عن التقريرين السابقين، من حيث تأكيد الخارجية بذل الدولة جهوداً حثيثة في سبيل معالجة الظروف المؤدية للإرهاب، عن طريق النهوض بالاقتصاد المصري وتطوير البنية التحتية ومشروعات التحول الرقمي، بالتزامن مع اعتماد مبادرات لتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، خاصة في مجالات الصحة والتعليم وتمكين المرأة والشباب، فضلاً عن الاهتمام بنشر الوعي بقضايا التنمية والتصدي للشائعات المضللة التي تروج لها الجماعات الإرهابية.
أما الركيزة الثانية فتدور حول إيضاح المنظومة التشريعية الخاصة بمكافحة الإرهاب. ولكن من الملاحظ تشابه تقرير عام 2022 أيضاً مع التقريرين السابقين في الحديث عن تلك التدابير، التي تم وضعها بالفعل منذ عام 2015 حينما صدر القانون رقم 94 لسنة 2015 لمكافحة الإرهاب، وهو قانون شامل يتصدى لجرائم الإرهاب وتمويله من الناحيتين الموضوعية والإجرائية.
وفي أثناء الحديث عن المواجهة الأمنية للإرهاب، لم يقدم التقرير إحصاءات لحجم العمليات التي قامت بها الأجهزة الأمنية ضد البؤر الأمنية المختلفة، ولا تحديد ماهية الجماعات التي واجهتها الدولة خلال عام 2022. فتحدث فقط في هذا المحور عن إجراءات الكشف والمواجهة الخاصة بملاحقة تنظيم الإخوان الإرهابي. والحديث عن توجيه ضربات استباقية لعناصره، ووأد مخططاته العدائية لتنفيذ عمليات إرهابية فضلاً عن ملاحقة عناصره الهاربة في دول الملاذ الآمن.
ودون تفاصيل وافية، تحدث التقرير عن تحرك الدولة لإجهاض المخططات الإعلامية للتنظيم الإرهابي الذي يعمل على ترويج الشائعات لاستثارة المواطنين وتأليبهم ضد الدولة ومؤسساتها، وتحديد القائمين على ذلك، دون أن يذكر التقرير أسماء أي منهم، وضبط الأجهزة المستخدمة في تزييف المقاطع المصورة، والتنسيق مع وسائل الإعلام لتفنيد تلك الشائعات. أيضاً العمل على تجفيف منابع التمويل الخاصة بالتنظيم التي تعد المحرك الرئيسي لكافة أنشطته.
وقد خصص التقرير الركيزة الثالثة لبيان التدابير الرامية إلى بناء قدرات الدولة في مكافحة الإرهاب والوقاية منه وتعزيز دور منظومة الأمم المتحدة في هذا الصدد. وذلك بالتنسيق مع الإنتربول الدولي، والكيانات الإقليمية والعربية لإدراج وإصدار نشرات حمراء للقيادات والكوادر والعناصر الهاربة على المستوى الدولي، وإدراجهم على القوائم الدولية والإقليمية الخاصة بمكافحة الإرهاب، بهدف الحد من تحركاتهم، وتجميد أموالهم، والعمل على تحجيم قدراتهم في تنفيذ مخططاتهم العدائية الموجهة للساحة الداخلية، بالتوسع في إبرام اتفاقيات التعاون الأمني مع الدول. وكلها إجراءات تتم دورياً منذ الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي وجماعته الإرهابية في عام 2013.
واعتمدت الركيزة الرابعة للدولة المصرية على عمل تدابير رامية إلى ضمان احترام حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون كضرورة لمكافحة الإرهاب. كذلك ضمان حقوق ضحايا الإرهاب في تعقب مرتكبي الحوادث التي أدت إلى إصابتهم أو وفاة بعضهم، وتقديم التعويضات اللازمة سواءً بدفع أموال لأسر الضحايا، أو توفير فرص عمل كريمة للمصابين.
هل انتهى الإرهاب في مصر؟
أكد تقرير وزارة الخارجية، بشكل عام، نجاح جهود قوات إنفاذ القانون لمكافحة الإرهاب بسيناء في إحكام السيطرة الأمنية بها، ما أدى إلى محدودية تنفيذ عمليات إرهابية خلال الفترة الأخيرة، مقارنة بالسنوات السابقة، مع استقرار الأوضاع المعيشية لأهالي شمال سيناء. ووفقاً للتقرير تمكنت الدولة من القضاء على البنية التحتية لتنظيم "أنصار بيت المقدس" الموجود في منطقة محدودة للغاية في شمال سيناء، مع استمرارها في ملاحقة فلول العناصر الإرهابية المنتمية له.
لكننا لو تتبعنا سير العمليات الإرهابية التي أعلن تنظيم الدولة "داعش" عن قيامه بها خلال عام 2022 في سيناء، سنجدها بالكثافة التي تجعلنا نتساءل عن أسباب تهوين الخارجية منها ووصفها بالمحدودة. فقد بدأ التنظيم عملياته هذا العام بتفجير في قرية أبو عراج جنوبي مدينة الشيخ زويد، استشهد على أثره أحد جنود الجيش المصري، بالإضافة إلى استشهاد جنديين في هجمات متفرقة بسيناء، وأعلن تنظيم الدولة الإرهابي عن تفاصيل العملية في عدد 320 من صحيفة النبأ الناطقة بلسانه، الصادرة في 7 يناير 2022. فيما أكدت الصفحات الرسمية للجيش المصري على فيسبوك الخبر مصحوباً ببعض الصور.
وتوالت بعد ذلك إعلانات التنظيم عن عمليات استهدفت مواقع عسكرية ومدنية في سيناء طوال الشهور اللاحقة حتى صدور تقرير الخارجية. وعلى سبيل المثال، أعلن "داعش" عن قتل 5 جنود من الجيش المصري من بينهم ضابط مهندس في تفجير عبوة ناسفة بمنطقة بئر العبد في شمال غرب سيناء (النبأ، 323، 28 يناير 2022)، وأكد الجيش المصري الخبر على صفحاته في موقع فيسبوك. أيضاً في العدد (325، 11 فبراير 2022)، أعلن التنظيم عن قتل المواطن المصري عبد العال محمد سيد حمودة من محافظة أسيوط لاتهامه بالتجسس لصالح الجيش المصري وتسليمه أحد العناصر إلى قوات الجيش في سيناء. وفي هجوم على قرية العجراء جنوبي مدينة رفح قتل التنظيم أحد جنود الجيش وأصاب آخرين (النبأ، 326، 18 فبراير 2022). وتم تدمير جرافة تابعة للجيش المصري ومقتل جميع من كانوا على متنها في كمين نصبه التنظيم قرب قرية تفاحة جنوبي مدينة بئر العبد. (النبأ، 328، 3 مارس 2022).
ونشر التنظيم أيضاً أخبار تدمير آلية عسكرية قرب قرية قصرويت جنوبي مدينة بئر العبد وإصابة من فيها. كذلك تم نصب كمين لعناصر من بدو سيناء المتعاونين مع الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب وقتل ثلاثة منهم. والقيام بنسف بعض آليات الجيش قرب قرية شيبانة جنوب رفح (النبأ، 329، 11 مارس 2022). كذلك تم استهداف أربعة من بدو سيناء وإصابة آخرين بجروح في اشتباكات متفرقة جنوب رفح، وأعلنت آنذاك صفحة اتحاد بدو سيناء أسماء شهداء الاشتباكات. (النبأ، 331، 1 إبريل 2022).
وفي العدد (332، 6 إبريل 2022)، أعلن التنظيم أيضاً عن قتل 5 من بدو سيناء بعمليات جديدة، فضلاً عن قصف حاجز المراجدة التابع للجيش المصري. وأسر أحد البدو من قرية الطويل وقطع رأسه بتهمة التجسس لصالح الجيش. أيضاً تم قتل أحد البدو المتعاونين مع الجيش في قرية الهميصة غربي بئر العبد. (النبأ، 333، 8 إبريل 2022).
لقد أدت عدة هجمات أخرى في أماكن متفرقة من سيناء إلى استشهاد 7 أفراد تابعين للجيش المصري، كما تم اقتحام قرية مصفق شرقي بئر العبد وأسر بعض البدو المتعاونين مع الجيش. (النبأ، 335، 22 إبريل 2022). واندلعت أيضاً مواجهات عنيفة خلال الأسبوع الأول من شهر مايو بين تحالف بدو سيناء المتعاون مع الجيش في حربه ضد الإرهاب، مدعوماً بإسناد جوي ومدفعي كثيف في قرية المقاطعة جنوبي مدينة الشيخ زويد، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 20 فرداً في صفوف اتحاد قبائل سيناء. (النبأ، 336، 6 مايو 2022).
وفي الأسبوع الثاني من مايو تم نصب كمين لمجموعة من أفراد اتحاد القبائل المتعاونين وقتل 6 منهم قرب قرية البرث. كما استشهد 17 جندياً مصرياً في غرب سيناء وتم استهداف خط الغاز الطبيعي قرب بئر العبد (النبأ، 338، 13 مايو 2022). وفي تصاعد مستمر لهجماته، قتل التنظيم الإرهابي 12 جندياً من الجيش المصري، أحدهم ضابط، في هجوم على نقاط تمركزهم في ساحل مدينة رفح. (النبأ، 339، 21 مايو 2022).
ولو تتبعنا بقية الأعداد منذ العدد 340 وحتى العدد 354 الصادر في 19 سبتمبر الجاري، سوف نجد أنه تم الإعلان عن 35 عملية ضد الجيش المصري وأفراد اتحاد قبائل سيناء المتعاونة معه، أسفرت عن استشهاد وإصابة 79 جندياً وبدوياً متعاوناً.
ويمكن من خلال ذلك أن نؤكد أن مصر استطاعت خلال السنوات السابقة الحد من انتشار العمليات الإرهابية في كل ربوع البلاد، لكنها حصرتها داخل بقعة محدودة من سيناء، ولم يحد ذلك من استمرار وتعاظم حجم العمليات الإرهابية وفق التقرير. فعلى حد قول اللواء نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، في تصريحه لصحيفة صدى البلد يوم 8 سبتمبر الجاري، إن الدولة تبذل أقصى ما لديها من جهود لمكافحة الإرهاب، سواءً على المستوى المحلي والإقليمي أو دول الجوار أو على المستوى العالمي، بالتنسيق مع جميع الجهات. وأن مصر "تكاد" تكون خالية من الإرهاب. وهو هنا لم يزعم أنها "خلت" تماماً من العمليات الإرهابية.
بالإضافة إلى ذلك ذكر التقرير أنه ليس لداعش وجود في مصر، وأن الادعاءات بارتباط أو انتماء تنظيم أنصار بيت المقدس لداعش ليس لها أي أساس، وتستند إلى معلومات مغلوطة تروج لها التنظيمات الإرهابية بما يخالف حقيقة الواقع. وأكد كاتب التقرير أن الإرهاب في سيناء ينبع من عناصر محلية لا ترتبط تنظيمياً أو عملياتياً أو تمويلاً أو بأي شكل من الأشكال بما يسمى تنظيم "داعش" الإرهابي، أو بأي من التنظيمات الإرهابية الأخرى خارج البلاد، وإنما ترتبط أيديولوجياً بتنظيم "الإخوان" الإرهابي الذي يعتبر المصدر الرئيسي لكافة التنظيمات الإرهابية. وهو هنا يخالف ما يعلنه تنظيم "داعش" عبر منابره الإعلامية المختلفة، ويخالف أيضاً البيعة التي أعلنتها العناصر الإرهابية في سيناء للتنظيم، والتي تتضح من تسجيلات الإرهابيين المصورة وهم يبايعون "داعش" منذ سبع سنوات، فضلاً عن مبايعة زعيم "داعش" الجديد بعد مقتل "أبو بكر البغدادي" في غارة أمريكية عام 2019.
خاتمة
من الواضح أن التقرير يغلب عليه الطابع الدعائي الذي يقوم على الترويج لمشروعات وإجراءات حكومية، تقوم فعلياً بدور في عملية الحد من التطرف العنيف وتقليل توجهاته ومبرراته لدى الشباب المصري، لكنه لا يقدم تصوراً لحجم النشاط الإرهابي الذي تتعرض له الدولة المصرية.
لقد ركز التقرير حديثه على سبل مواجهة التنظيم الإخواني الإرهابي، نافياً وجود أي خطر آخر يمثله وجود تنظيمات إرهابية أخرى، مثل "داعش"، من خلال وجهة النظر السائدة بأن مرجعيات التنظيمات الإرهابية كلها خرجت من رحم الإخوان، على الرغم من وجود اختلافات أيديولوجية عميقة بين "داعش" وبقية التنظيمات الإرهابية المنتشرة حول العالم، القاعدة وطالبان والإخوان وغيرها. وحتى إن اتفق الإخوان معهم لفترة نتيجة محنتهم مع السلطات العربية، ولكن ذلك لا يجعلهم كياناً واحداً.
ومن الواضح أن مصر لا زالت تعاني من عمليات إرهابية في سيناء، وإن كانت أقل من السنوات السابقة، لكنها لا زالت مستمرة. فضلاً عن الإرهاب الدعائي المستمر من قبل تنظيم الإخوان الإرهابي، الذي يستغل اضطراب الأحوال الاقتصادية العالمية التي تأثرت بها مصر كثيراً كبقية دول العالم، في الترويج لشائعات تهدف إلى إرهاب المواطنين وتحريضهم على الدولة، كالترويج لحملات تسخر من هبوط قيمة العملة، أو السخرية من إصدار الدولة لعملة جديدة، أو أي تحديث في المنظومة الرئاسية، كتطوير الطائرة الرئاسية، أو التقليل من أهمية المشاريع التنموية، وغير ذلك من أمور. وهو من وجهة نظرنا الأخطر والأكثر انتشاراً، ويجب العمل على مواجهته بكل إمكانات الدولة القانونية والتكنولوجية.
ويمكننا الاتفاق مع توصية مصر من خلال تقريرها بضرورة التوصل إلى اتفاق حول تعريف للإرهاب، وعدم استبداله بأي توصيف آخر، أو ترسيخ مصطلحات مغلوطة من شأنها التمييز غير المبرر بين مختلف التنظيمات الإرهابية، بتصنيف بعضها بأنها "إرهابية"، والبعض الآخر بأنها "متطرفة" أقل عنفاً أو "غير عنيفة".