مقالات تحليلية

محاولة انقلابية في أفريقيا الوسطى تعيد الحديث عن الصراع على السلطة

16-Jan-2023

وفق نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني محمد حمدان دقلو،  فقد نجح السودان في إفشال مخطط انقلابي ضد حكومة أفريقيا الوسطى، وأن السودان قد قام بإغلاق الحدود بين البلدين (صحيفة الجريدة، 3 يناير 2023).

يقول السياسي والكاتب محمد وداعة في موقع تسامح نيوز الإلكتروني نقلاً عن نائب رئيس المجلس الانتقالي، أن  جهات قامت بتجميع قوات من قبائل مختلفة وفرت لها زي قوات الدعم السريع السودانية وتم الدفع بها إلى منطقة  ( أم دافوق) قرب الحدود السودانية مع أفريقيا الوسطى.

كان الجنرال جيرفيل بونيني منسق تحالف (سيريري) وهي مجموعة مسلحة تقاتل حكومة أفريقيا الوسطى ذكر في أول يناير 2023، إنه احتل مناطق داخل أفريقيا الوسطى ويتجه نحو العاصمة  (بانقي )، وهو نفس التحالف الذي قام بالهجوم في يناير 2021، ولكن قوات (فاغنر) الروسية ومعها قوات رواندية صدت الهجوم ( موقع تسامح نيوز ، 7 يناير 2023).

أسباب الصراع في أفريقيا الوسطى

يمكن القول إن أسباب الأزمة في أفريقيا الوسطى تعود إلى عدة أسباب منها:

1- أسباب اقتصادية وحالة الفقر وعدم التنمية.

2- أسباب سياسية بسبب تعثر الحكم الديمقراطي وكثرة الانقلابات العسكرية.

3- حالة عدم الاستقرار في دول الجوار.

4- التنافس بين حركتي (سيليكا) الإسلامية، و (أنتي بالاكا) المسيحية التي تدعمها فرنسا.

5- انتشار الحركات المسلحة وسهولة الحصول على السلاح.

   حالة مستمرة من عدم الاستقرار 

 سبق أن شهدت أفريقيا الوسطى فشل محاولة انقلابية قبل ذلك في 21 يناير 2021، للإطاحة بالرئيس المنتخب (ارشانج تواديرا) قام بها تحالف من 6 حركات مسلحة من بين أكثر من عشرين حركة متمردة في البلاد. في 16 ديسمبر 2022 ، شهدت  أفريقيا الوسطى محاولة لاغتيال مدير المركز الثقافي الروسي في العاصمة ( بانقي) وقال رئيس مجموعة فاغنر الروسية في أفريقيا الوسطى (يفغيني بريفوزم) أن فرنسا ضالعة في محاولة الاغتيال. 

المعروف أن روسيا قد تمددت في العديد من المستعمرات الفرنسية السابقة مثل مالي وبوركينا فاسو من خلال مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة وتحولت المنطقة لساحة صراع بين كل من موسكو وباريس، وقد حدث ذلك منذ أن  بدأت فرنسا  في مراجعة سياستها في منطقة وسط أفريقيا والساحل الأفريقي  وسحب قواتها تدريجيا  ، بدأ  ذلك بسحب قواتها  من بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام ( مينوسكا) (وكالة الأناضول ، 14 يوليو 2021) 

يعتبر ديمتري ستي رئيس المجلس الثقافي الذي استهدف بمحاولة الاغتيال في ديسمبر الماضي عضواً في مجموعة (فاغنر) وهو ضمن قائمة العقوبات الأميركية منذ عام 2020، وتنشط شركة (برجوزيم ) الروسية  في أكثر من 12 دولة أفريقية وهي أيضاً موضوعة ضمن العقوبات الأميركية ، وتعمل في تصدير وتجارة  الذهب من خلال مجموعة  ( فاغنر) على الحدود السودانية مع أفريقيا الوسطى( الغارديان، 16 ديسمبر 2022).

أزمة التنافس على السلطة في أفريقيا الوسطى 

ظلت أفريقيا الوسطى تعاني من سلسلة من الأزمات السياسة منذ استقلالها  عام 1960 بعد وفاة الرئيس ( بارسيليمي يوغندا ) قبل عام من الاستقلال،  وتقلبت البلاد بين عدد من النظم غير الديمقراطية وسلسلة من الانقلابات التي حدثت في الأعوام بين 1965 وحتى 2013.

تأثرت الدولة بحالة عدم الاستقرار في الدول المجاورة لها مثل مالي وتشاد، وتدفق العديد من السكان إلى الدول المجاورة مثل تشاد وجمهورية الكنغو والسودان وجنوب السودان، واستعانت الحركات المسلحة التي انتشرت بالمنطقة  بالمرتزقة من الدول المجاورة  والقبائل المشتركة، بجانب انتشار تهريب السلاح وعمليات الخطف واعتراض القوافل التجارية بين تلك الدول وأفريقيا الوسطى(أون بوليسي ، 30 يونيو 2021).

ظل المعارضون لأنظمة الحكم في (بانقي) يعبرون عن اعتراضات على مظالم رفعها زعماء المعارضة منذ عام 1993، وكان بعضها يشير إلى اضطهاد للمسلمين في الشمال، وتمت تسوية الخلافات في مؤتمر عقد بالخرطوم مع حكومة الرئيس فرانسوا بوزيري لم يصمد طويلاً،  غير أنه بعد تجدد الخلافات تم تشكيل تحالف (سيليكا) العسكري المكون من 3 فصائل مسلحة أطاحت بحكومة بوزيري في 24 مارس 2013، ، وحل مكانه الرئيس (ميشيل دجوتوديا  )المعروف بلقب ( محمد ضحية) ، الذي استقال في يناير 2014.

تولت (كاثرين سامبا) الحكم في أفريقيا الوسطى وقامت بحملات ضد المسلمين أدت إلى تدخل الاتحاد الأفريقي ونشر بعثة عسكرية. وقد ظل تحالف (سيليكا) يسيطر على مناطق التعدين الغنية بالثروات في شمال شرق البلاد، والحقيقة أن أسباب الصراع في أفريقيا الوسطى تتداخل بين سياسية وأسباب اقتصادية ودينية وفي ظل التنافس بين روسيا وفرنسا (موقع المرجع، 25 فبراير 2019).

تجدد الصراع في أفريقيا الوسطى 

منذ ديسمبر 2020 تجددت أعمال العنف وبدأت موجة جديد من الحرب الأهلية بسبب خلافات حول الانتخابات ونظر لتجدد الصراع   باعتباره صراع بين فرنسا وروسيا حول التنافس حول الموارد الطبيعية مثل اليورانيوم والماس، وكانت المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا قد عقدت اجتماعاً في ديسمبر شاركت فيه دول المنطقة وطالبت فيه بتنفيذ اتفاقية الخرطوم التي أبرمت في فبراير 2019، وتحالفت كل من  (سيليكا) و (أنتي بالاكا)  في محاولة للإطاحة بالرئيس تواديرا( حفريات 5 يناير 2021) . 

مناقشة وتحليل

تعود مشكلات أفريقيا الوسطى إلى عام 2013 عندما أطاح تحالف (سيليكا) ذو الأغلبية المسلمة بالرئيس فرانسوا بوزيري المسيحي الذي ظل في الحكم منذ عام 2003، وقد تسيب ذلك في تكوين مجموعة مسلحة جديدة في غربي البلاد ذات أغلبية مسيحية اسمها (أنتي بالاكا). 

تعتبر أفريقيا الوسطى جزءا من منظومة دول وسط أفريقيا المعروفة باسم الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا وهي حسب تصنيف بنك التنمية الأفريقي تضم كل الكاميرون وتشاد وجمهورية الكنغو وغينيا الاستوائية والجابون، وهي دول تعاني من انتشار السلاح والمجموعات المسلحة المتمردة، وعدد من الانقلابات العسكرية التي كان اَخرها المحاولة الفاشلة التي حدثت في تشاد بتاريخ 5 يناير 2023.

لقد ظلت هذه الدول تحت الحماية الفرنسية من خلال عمليات (برخان) و (تاكوبا) و (سابر) التي كانت تتمركز في دول الساحل، وساهم تخلي فرنسا عن وجوده العسكري في بعض هذه الدول مع تزايد النفوذ الروسي من خلال مجموعة فاغنر الروسية العسكرية خاصة في أفريقيا الوسطى ومالي والنيجر إلى خلق تحالفات جديدة مع تزايد نشاط الحركات المسلحة وعودة الحرب .

على الرغم من التسوية التي عقدت في الخرطوم بين المجموعات المسلحة في فبراير 2019، لكن لم يتم الالتزام بالمشاورات التي تمت خاصة البند المتعلق بدمج الحركات المسلحة في الجيش، والملاحظ أنه لم تخرج تصريحات من حكومة أفريقيا الوسطى حول المحاولة الانقلابية التي تحدث عنها نائب رئيس المجلس الانتقالي السوداني، ولم يكن لها صدى دولي واسع في الإعلام ويبدو أن حالة عدم الاستقرار في أفريقيا الوسطى سوف تستغرق وقتاً طويلاً مع تزايد التنافس الدولي في المنطقة.

ما زال الغموض يسود حول المجموعة التي قامت بالمحاولة الانقلابية الأخيرة التي تحدث عنها نائب رئيس المجلس الانتقالي السوداني، وما إن كانت تنتمي لحركة (سيليكا) ذات الأغلبية المسلمة، التي تحارب الأغلبية المسيحية التي تحكم بانقي الاَن، وهو احتمال وراد خاصة في ظل الجولات المتبادلة من القتال بين سيليكا والحكومة التي تدعمها فرنسا. 

33