مقالات تحليلية

معركة السيارات الصينية الكهربائية: منافسة حادة ومخاوف أمريكية - أوروبية

16-May-2024

تحتدم المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من جهة والصين من جهة أخرى للسيطرة على سوق السيارات الكهربائية، حيث تُسرِّع بكين وتيرة إنتاجها وتصديرها إلى الأسواق الخارجية، وهذا ما دفع واشنطن تحديداً إلى محاولة مواجهة ذلك بالعمل على إعاقة مواصلة الصين التقدم في هذا المجال بالإضافة إلى عرقلة انتشار المنتجات الصينية، وتكثيف العمل على تصنيع سيارات كهربائية تكون بديلاً عن السيارات الصينية.

وفي خطوة من المرجح أن تؤجج التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن بتاريخ 14 مايو 2024، فرض تعرفة بنسبة 100% على السيارات الكهربائية صينية الصنع كجزء من حزمة من الإجراءات المصممة لحماية المصنعين الأمريكيين من الواردات الرخيصة، وقال البيت الأبيض إنه يفرض قيوداً أكثر صرامة على البضائع الصينية التي تبلغ قيمتها 18 مليار دولار.

وبالإضافة إلى زيادة الرسوم الجمركية من 25% إلى 100% على المركبات الكهربائية، سترتفع الرسوم من 7.5% إلى 25% على بطاريات الليثيوم، ومن صفر إلى 25% على المعادن الحيوية، ومن 25% إلى 50% على الخلايا الشمسية، ومن 25% إلى 50% على أشباه الموصلات.

قلق أمريكي - أوروبي 

الإجراءات الأمريكية الأخيرة ضد المنتجات الصينية وخاصة المتعلقة بتصنيع السيارات الكهربائية تشير إلى تزايد القلق لدى الأوساط الأمريكية من تقدم الصين في هذا المجال والانتشار الواسع لهذه السيارات، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ترى في النجاح الواضح والمتزايد لهذه الصناعات مصدراً صينياً جديداً لتطوير اقتصاد بكين وتجاوز الضغوط الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

كما أن الظهور السريع للسيارات الكهربائية منخفضة السعر من الصين يمكن أن يهز صناعة السيارات العالمية إلى درجة وصفتها شركة "BYD (قم ببناء أحلامك)" بأنها كابوس لصناعة السيارات في الولايات المتحدة. ويرى السياسيون والمصنعون الأمريكيون بالفعل أن السيارات الكهربائية الصينية تمثل تهديداً خطِراً، ومن أبرز المخاوف الأمريكية أنها تأثر في الوظائف التي كانت من المتوقع أن توفرها الشركات الأمريكية التي تصنع السيارات الكهربائية عندما يتم توسيع عملها وإنتاجها، وبالإضافة إلى ذلك يتم ربط هذه السيارات التي تسعى الصين لغزو الأسواق الأمريكية بها بالأمن القومي الأمريكي من خلال ترويج أنها ترتبط بعمليات تجسس، وهذا ما يمكن أن يراه البعض أخطاراً واقعية فيما يراه آخرون اتهامات تأتي في إطار التنافس.

ورغم أخطار الانتقام من بكين، قال بايدن إن زيادة الرسوم كانت استجابة متناسبة لقدرة الصين الفائضة في قطاع السيارات الكهربائية. وقالت مصادر إن الصين تنتج 30 مليون سيارة كهربائية سنوياً، لكن يمكنها بيع 22 إلى 23 مليوناً فقط محلياً، وقال تحالف التصنيع الأمريكي إن إدخال السيارات الصينية إلى السوق الأمريكية سيكون بمثابة "حدث على مستوى الانقراض" لشركات صناعة السيارات. ومنذ وصوله إلى منصبه، أعلن الرئيس عن سلسلة من التدابير ــ مثل قانون الحد من التضخم وقانون الرقائق ــ لتعزيز الصناعة الأمريكية في قطاعات التكنولوجيا الفائقة وفي الولايات الحاسمة، حيث من المرجح أن يتم حسم انتخابات عام 2024 مع ترامب. واتخذ بايدن موقفاً متشدداً بشأن التجارة منذ وصوله إلى البيت الأبيض في عام 2021، ويعتقد أن خطته تقدم نهجاً أكثر استهدافاً وأقل خطورة للتهديد الذي تشكله الصين من نهج منافسه (الغارديان ، 14 مايو 2024).

خارج الصين، غالباً ما تكون السيارات الكهربائية باهظة الثمن، وتستهدف سوقاً متخصصة ذات دخل أعلى، لكن العلامات التجارية الصينية التي لم تصبح بعد أسماء تجارية عالمية تقدم خيارات بأسعار معقولة من شأنها أن تجذب الجماهير تماماً كما تشجع الولايات المتحدة وأوروبا والعديد من الحكومات الأخرى التحول بعيداً عن المركبات التي تعمل بالبنزين لمكافحة تغير المناخ.

تميل السيارات الكهربائية الصينية إلى أن تكون أصغر حجماً وأرخص وأكثر سهولة في الوصول إلى الجماهير، إذ يبدأ سعر سيارة BYD's Seagull، وهي سيارة صغيرة تعمل بالكهرباء بالكامل، بأقل من 10000 دولار. على النقيض من ذلك، في الولايات المتحدة، ركز صانعو السيارات الكهربائية على نماذج أكبر وأكثر فخامة تستهدف المشترين الأكثر ثراء.


بايدن يواجه واردات بكين

صرح كبار المسؤولين في إدارة بايدن بأن التعرفة الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية ستكون واحدة من سلسلة من التعرفات الجمركية على البضائع الصينية التي يتم رفعها لحماية الصناعات الأمريكية من الواردات الرخيصة، بما فيها تلك المتعلقة بأشباه الموصلات وبطاريات الليثيوم والخلايا الشمسية والصلب، والألمنيوم، بالإضافة إلى بعض المنتجات الأخرى، إلا إن الزيادة في أسعار السيارات الكهربائية الصينية، من 25% من التكلفة الحالية إلى 100%، هي الأكبر على الإطلاق وتأتي في الوقت الذي يتحرك فيه بايدن، الذي يقوم بحملة لإعادة انتخابه، لحماية شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة، بما في ذلك ديترويت ثري، واستثماراتها في صناعة السيارات الكهربائية.

وإذا ما تم الربط بين هذه الإجراءات وموضوع الانتخابات المقبلة، فإن تمكن الصين من إغراق الأسواق الأمريكية والأوروبية بالسيارات الكهربائية التي تنتجها، يعد ضربة كبيرة لإدارة بايدن التي أطلقت العديد من هذه الاستثمارات من خلال التمويل الفيدرالي والإعانات التي تهدف إلى تحفيز تكنولوجيا ومبيعات السيارات الكهربائية، وبالتالي هذا سيكون بمثابة فشل يستخدمه منافسوه في الحملات الانتخابية.

ولهذا الإجراء آثار في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حيث يهدف بايدن إلى تعزيز صورته بوصفه أكثر صرامة وأكثر ذكاءً في التعامل مع الصين من الرئيس السابق دونالد ترامب. وفي الولايات المتأرجحة الرئيسية، تعهد بايدن بحماية العمال الأمريكيين من المنافسة الأجنبية، وقال الشهر الماضي في ولاية بنسلفانيا إنه سيزيد بشكل كبير تعرفات الصلب على الصين (شبكة أي بي سي نيوز الأميركية ، 13 مايو 2024).

وقد قدم ترامب، الذي ينافس بايدن هذا الخريف ادعاءات في ميشيغان وأماكن أخرى بأن دفع الإدارة للتفويض فعلياً ببيع المركبات الكهربائية قد يكلف عمال السيارات الأمريكيين وظائفهم في مواجهة المنافسة الصينية. لكن مسؤولي إدارة بايدن قالوا إن السياسة لم تؤدِّ دوراً في قرار رفع الرسوم الجمركية.


تأثيرات على الواردات الصينية

من المؤكد أن رفع مستوى التعرفات والرسوم الجمركية سيؤدي إلى رفع أسعار السيارات الصينية ومعظم المنتجات الأخرى، وبالتالي فإن ذلك سيحد من بيعها لأن العامل الجاذب تجاهها هو انخفاض سعرها مقارنة بأسعار السيارات الأمريكية، لكن صحيفة الغارديان رأت بتاريخ 14 مايو 2024 أن الرسوم الجمركية التي فرضها بايدن على السيارات رمزية إلى حد كبير لأن السيارات الكهربائية الصينية كانت محظورة فعلياً من دخول الولايات المتحدة بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب خلال فترة رئاسته.

وقال محللون إن التعرفات الجديدة لن يكون لها تأثير يذكر في مبيعات السيارات الكهربائية المحلية في الوقت الحالي. السيارة الكهربائية الصينية الوحيدة المعروضة للبيع في الولايات المتحدة الآن هي من صنع شركة Polestar، المملوكة لشركة Zhejiang Geely Holding الصينية، لكن فولفو، المملوكة للشركة نفسها، تخطط لتقديم نماذج كهربائية جديدة في أقرب وقت هذا الصيف. وقال كوري كانتور، وهو محلل قسم السيارات الكهربائية في بلومبرج إن إي إف إن التعرفات الأمريكية يمكن أن تثني شركات صناعة السيارات الصينية مثل BYD وNio عن البيع للمستهلكين الأمريكيين، مما يترك عدداً أقل من خيارات السيارات الكهربائية لدى الوكلاء في جميع أنحاء البلاد في المستقبل، وقال كانتور: هناك نوع من التناقض، وهناك هذا العنصر المتمثل في جذب المزيد من المستهلكين إلى المركبات الكهربائية، ومن ثم هناك هذا العنصر المتمثل في استبعاد هذه السيارات الكهربائية الصينية الجذابة، وإلا فسيتم تدمير سوق السيارات الأمريكية (صحيفة واشنطن بوست ، 14 مايو 2024).

بالإضافة إلى التعرفات الجمركية والقيود التجارية، سيواجه صانعو السيارات الكهربائية الصينيون عدداً من العقبات التنظيمية والامتثال لبيع السيارات في الولايات المتحدة. وقال فيلدز إن إنشاء شبكة مبيعات وتوزيع سيستغرق وقتاً، وقد يواجه صانعو السيارات الكهربائية الصينيون مشكلة بين المستهلكين الأمريكيين.

وإلى جانب الموقف الأمريكي، تدرس المفوضية الأوروبية أيضاً ما إذا كانت ستفرض رسوماً جمركية عقابية على واردات السيارات الكهربائية الصينية، لكن وفقاً لتقرير صدر في إبريل من قبل مجموعة روديوم، يجب أن تصل تعرفات الاتحاد الأوروبي إلى 55٪ للحد من واردات السيارات الكهربائية الصينية.

مخاوف من ردة الفعل الصينية

من المتوقع ووفقاً لتحذيرات الكثير من المراقبين والخبراء، أن زيادة التعرفات الجمركية ستؤدي إلى تأجيج التوترات مع الصين، وزيادة التكاليف على المستهلكين، وتفاقم التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ردود الفعل المتوقعة، أن تقوم الصين باستغلال حاجة دول العالم للسيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم أيون والطاقة الشمسية، من خلال تقديم الدعم لهذه الشركات وتصنيع السيارات وبيعها بأقل من سعر التكلفة وبالتالي إغراق الأسواق العالمية والإضرار بمعظم الشركات الأجنبية الأخرى بما فيها الأمريكية.

ولن تتمكن الدول الأخرى من تعويض الإمكانيات الهائلة التي تستطيع الصين تقديمها إلى الأسواق فيما يتعلق بتصنيع السيارات الكهربائية وغيرها من المنتجات التي تم فرض العقوبات عليها، وبالتالي فإنه عندما تقوم بكين بإغراق الأسواق العالمية بالمنتجات الصينية الرخيصة بشكل مقصود فإنه لا جدوى متوقعة من منافسة الشركات الأميركية والأجنبية للشركات الصينية.

في هذا السياق، تقول وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين خلال مؤتمر صحفي أثناء زيارتها الأخيرة إلى الصين: "إن الشركات أصبحت موضع شك"، "لقد رأينا هذه القصة من قبل. منذ أكثر من عقد من الزمن، أدى الدعم الضخم من حكومة جمهورية الصين الشعبية إلى إنتاج الصلب الصيني بأقل من التكلفة مما أدى إلى إغراق السوق العالمية وأهلك الصناعات في جميع أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة". (شبكة أي بي سي نيوز الأميركية ، 14 مايو 2024).

الخلاصات

أبرز أهداف الرئيس الأمريكي بايدن من هذه الإجراءات هو استخدامها في السباق الانتخابي، وذلك لأن هذه الإجراءات ضد الصين ليست بجديدة وإنما تم إقرارها في عهد الرئيس السابق ترامب، لكن رغم ذلك فإنها لم تنجح بشكل كاف في مواجهة انتشار الصناعات الصينية لأنها أقل سعراً بالإضافة إلى أنها تمتلك تقنية وإمكانيات عالية.

في وقت يحذر الكثير من الخبراء من أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى مزيد من التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فإن ذلك لن يتجاوز في الواقع التنافس التجاري، حيث ستحاول واشنطن عرقلة انتشار هذه المنتجات، وفي المقابل ستسعى الصين إلى جعلها لمعظم الطبقات في دول العالم. 


13