مقالات تحليلية

قراءة في التصعيد الأميركي – الإيراني في شمال شرق سورية

28-Mar-2023

تصاعدت حدة المواجهة خلال الأيام الماضية في شمال شرق سورية بين القوات الأميركية هناك والتي تتواجد لدعم القوات الكردية من جهة، والميليشيات الإيرانية التي تتواجد في المنطقة تحت عنوان دعم الحكومة السورية من جهة أخرى، ما يطرح أسئلة حول مسار هذه الإحداث فيما إذا كانت في إطار التمهيد لمعركة مقبلة أم أنها مجرد استعراض قوة وإرسال رسائل متبادلة.

بداية التصعيد كانت عبر إعلان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" في بيان جاء فيه أن متعاقداً أميركياً قتل في سورية بعد أن قصفت طائرة مسيرة يشتبه بأنها تابعة لميليشيات موالية لإيران، منشأة تأوي موظفين أميركيين في شمال شرق سورية، وأضاف البيان أن 5 من أفراد الخدمة الأميركية ومتعاقد أميركي آخر أصيبوا في الضربة، وعلى إثرها قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في البيان إن الرئيس بايدن أذن بشن غارة جوية دقيقة رداً على ذلك "في شرق سورية ضد المنشآت التي تستخدمها الجماعات التابعة للحرس الثوري الإيراني"، لترد الميليشيات الموالية لإيران بإطلاق 10 صواريخ استهدفت قاعدة أميركية في سورية. (سي إن إن ، 24 مارس).

يتركز وجود الميليشيات الموالية لإيران في ريف دير الزور على الضفة الغربية من نهر الفرات، فيما تتمركز قوات سورية الديمقراطية المدعومة أميركياً على ضفته الشرقية، ونشر الحرس الثوري الإيراني آلاف المقاتلين والمستشارين العسكريين في سورية، لكن طهران تتحدث فقط عن مستشارين يعاونون القوات الحكومية، وتقاتل فصائل عراقية إلى جانب القوات الحكومية السورية بطلب إيراني. وينتشر هؤلاء بشكل رئيس على الشريط الحدودي بين العراق وسورية منذ انتهاء العمليات ضد تنظيم "داعش" في العراق ثم سورية. ويتخذون من مدينة البوكمال مقراً (اندبندنت عربية ، 26 فبراير 2021).

خلفيات التصعيد.. تهديدات وخطط لضرب إيران

يأتي هذا التصعيد في شمال شرق سورية بعد تهديدات وتسريب خطط أميركية وإسرائيلية لشن ضربة تستهدف إيران، وذلك بعد أن شعرت واشنطن وتل أبيب بضعف النظام الإيراني بعد الاحتجاجات الشعبية التي أثقلت كاهل هذا النظام بالإضافة إلى فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على مسؤولي النظام ومؤسساته ما عمق أزماته.

وقتها كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أجرى مباحثات سرية مع المستويات الأمنية المختلفة تتعلق بنشاط إيران النووي. وذكرت القناة "12" الإسرائيلية، أن "نتنياهو عقد جلسات سرية مع قادة المستوى الأمني وقرر في ختام هذه المناقشات رفع مستوى الاستعداد الإسرائيلي بشكل كبير لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية"، ووفقا للقناة، عقد نتنياهو، في الأيام الأخيرة 5 مناقشات أمنية سرية حول إيران، بحضور كبار المسؤولين (سبوتنيك الروسية ،  22 فبراير 2023).

بدوره قال موقع ذي إنترسيبت في تقرير له بتاريخ 1 مارس 2023 ،  إن البنتاغون أعد خططاً طارئة للحرب مع إيران تحمل اسم "دعم الخفير" خصص لها الجيش الأمريكي نفقات طائلة. وبسبب موقف إسرائيل المتشدد من إيران، تهتم واشنطن ببرنامج الحرب الذي يعتبر واحداً من أهم برامج الدعم المتزايدة.

على الرغم من ذلك إلا أن الخطط لم تتحول إلى وقائع وذلك بسبب لجوء إيران لرفع تخصيبها لليورانيوم إلى نسبة 84 في المئة وهي نسبة تقترب بشدة من درجة تصنيع الأسلحة، وأعقب ذلك زيارة لوفد من الطاقة الذرية الدولية والإعلان عن التوصل إلى نتائج إيجابية لتشهد الأجواء هدوء وانخفض مستوى التوتر.  وقتها أشاد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي بعد زيارته طهران بـ"خطوة في الاتجاه الصحيح" مع موافقة إيران على إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في عدد من المواقع النووية وزيادة وتيرة عمليات التفتيش، وقال غروسي للصحافيين في مطار فيينا "توصلنا إلى اتفاق لإعادة تشغيل الكاميرات وأنظمة المراقبة"، وأضاف أنه تم الاتفاق على زيادة بالنصف في عدد عمليات تفتيش منشأة فوردو حيث اكتُشفت مؤخرا جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة 83,7% القريبة من العتبة الضرورية لتطوير قنبلة ذرية (فرانس 24 ،  4 مارس).

التصعيد ينتقل إلى الأراضي السورية 

الاستهدافات الأميركية – الإيرانية المتبادلة ليست بجديدة لكن اللافت فيها أنها ترافقت مع تطورات إقليمية ودولية عديدة أبرزها انطلاق مسار التقارب السوري – التركي برعاية روسية وازدياد حدة الصراع الروسي – الأميركي في أوكرانيا، لذلك هناك عدة أسباب لانتقال التصعيد في سورية، ومنها:

ردع إيراني للولايات المتحدة الأميركية: لعل أبرز أسباب تردد الولايات المتحدة الأميركية عن توجيه ضربة لإيران هو أن للأخيرة أذرع طويلة في المنطقة وقادرة بسهولة على استهداف القوات الأميركية المنتشرة في الخليج وشرق سورية والعراق وعدد مناطق تستطيع إيران عبر ميليشياتها استهدافها، ومن المرجح أن الاستهداف الإيراني الأخير للقواعد الأميركية في شرق سورية يأتي في إطار توجيه رسائل لواشنطن بأن القوات الأميركية ليست بعيدة، وهذا ما تبين من خلال الاعتراف الإيراني الرسمي والصريح والأول من نوعه بالاستهداف وبأنهم سيكررون ذلك.

وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الإيراني، كيفان خسروي، في 25 مارس إن "أي ذريعة لمهاجمة القواعد التي تم إنشاؤها بناءً على طلب الحكومة السورية للتعامل مع الإرهاب وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية في هذا البلد ستقابل على الفور برد فعل مماثل" وأضاف أن “اتهامات واشنطن لطهران بالهجوم على قواعد أمريكية في سورية غير صحيحة”، مشيراً إلى أن بلاده “تعارض استهداف استقرار سورية، وتحملها تكاليف لمواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار فيها"، وهذه المرة الأولى التي تشير فيها إيران بشكل صريح إلى وجود قواعد عسكرية في الأراضي السورية حيث كانت تقول بأن وجودها مقتصر على المستشارين.

رد على التحركات الأميركية الأخيرة: في سياق ليس بعيد عن ما سبق، فإن التصعيد الإيراني في شرق سورية هو رد وتحذير للقوات الأميركية التي وعقب التهديدات بشن ضربة على إيران كثفت تحركها في الأراضي السورية، وتوجه رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارك ميلي جواً إلى سورية، وقال ميلي بعد زيارة مفاجئة لقاعدة في شمال شرق سورية حيث التقى مع القوات الأمريكية، إن نشر تلك القوات في سورية منذ ما يقرب من ثمانية أعوام لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لا يزال يستحق المخاطرة (دوشتيه فيليه – 4 مارس).

تعاون روسي – إيراني – سوري: السبب الأهم والأكبر وراء انتقال التصعيد من إيران إلى سورية مرتبط بشكل أساسي بالتطورات السورية نفسها حيث وعلى ما يبدو بأن هناك تعاون بين روسيا وإيران وسورية وبرضى تركي للضغط على الولايات المتحدة الأميركية لسحب قواتها من الأراضي السورية حيث تكثف هذه الأطراف مشاوراتها تحت عنوان مسار التقارب بين سورية وتركية. ويصب انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية في مصلحة هذه الأطراف، حيث ستتخلص روسيا وإيران من خصمهم اللدود الذي يهدد نفوذهم في سورية والمنطقة بشكل كامل، كما أن الدولة السورية تطمح لاستعادة مناطق شمال شرق سورية الغنية بالنفط والموارد الطبيعية، فيما تأمل تركيا أن يؤدي انسحاب القوات الأميركية إلى انهيار مشروع الإدارة الكردية ويمكنها من توسيع سيطرتها في تلك المنطقة.

يمكن تظهير هذه العوامل من خلال البيانات التي صدرت عن كل من دمشق وطهران عقب المواجهة التي حصلت والتي اتفقت على تكرار عبارة "إنهاء الاحتلال الأميركي" في سورية، فالمتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران كيوان خسروي، قال إن "الولايات المتحدة تحاول التهرب من تداعيات الاحتلال غير الشرعي لجزء من الأراضي السورية والاتهامات الموجهة لإيران غير صحيحة"، بيان الخارجية السورية بإدانة القصف الأميركي تأخر إلى اليوم التالي لصدور البيان الإيراني فتحدثت عن "الأكاذيب الأميركية الممجوجة بشأن المواقع المستهدفة محاولة فاشلة لتبرير هذا العمل العدواني والانتهاك الفاضح على سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، واستكمال للاعتداءات التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي وقطعان "داعش" الإرهابية وستار دخان للتغطية على مواصلة قوات الاحتلال الأميركي سرقتها النفط السوري". ودعت الخارجية السورية إلى "إنهاء الاحتلال الأميركي" (اندبندنت عربية ، 27 مارس).

وما يقوي منطقية ذلك، إعلان قائد عسكري أمريكي رفيع أن الطائرات الروسية نفذت ما لا يقل عن 25 تحليقاً فوق قاعدة "التنف" العسكرية الأميركية في سورية في شهر مارس وقال: "تحلق باستمرار مباشرة فوق رؤوس أفرادنا" (روسيا اليوم ،  22 مارس).

شجع هذه الأطراف على ذلك عدة عوامل: 

العامل الأول: تصويت 103 مشرع في الكونغرس الأميركي على وثيقة تطالب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى سحب الجيش الأميركي من سورية وعلى الرغم أنها لم تحقق أغلبية إلا أنها تمثل رأياً واسعاً في الأوساط الأميركية.

أما العامل الثاني: يتمثل في النقاش الحاصل في الكونغرس الأميركي حول إنهاء تفويض استخدام القوة العسكرية في العراق وهذا ما سيؤثر على الوجود الأميركي في سورية وذلك لأن السند القانوني للوجود الأميركي في شمال وشرق سورية هو دعم العمليات العسكرية ضد داعش في العراق، وقال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر، إن إحدى اللجان درست قانونا، من شأنه إلغاء تفويضين للحروب السابقة في العراق، وذلك في إطار مسعى جديد لإعادة تأكيد دور الكونغرس في اتخاذ قرار بشأن إرسال القوات الأميركية إلى القتال في دول أخرى (موقع قناة الحرة ، 2 مارس).

خلاصات:

على الرغم من أن القصف المتبادل في شمال شرق سورية بين القوات الأميركية من جهة وإيران وميليشياتها من جهة أخرى ليس الأول من نوعه إلا أنه يختلف عن السابق كونه يعبر عن مألات الأحداث المقبلة في المنطقة حيث تخطط كل من روسيا وتركيا وإيران وسورية للضغط على وجود الولايات المتحدة الأميركية في سورية، لكن ذلك كله مرتبط إلى حد كبير بنتائج الحرب الروسية – الأوكرانية ومستوى الصراع بين روسيا وأميركا بالإضافة إلى طبيعة الموقف التركي وإذا ما قررت تركيا الابتعاد أكثر عن الولايات المتحدة الأميركية.

في الحديث عن موازين القوى بين الطرفين فإنه وعلى الرغم من التفوق الأميركي من الناحية العسكرية والجوية تحديداً، إلا أن روسيا وإيران وسورية هم الأقوى على الأرض حيث تمتلك إيران الآلاف من المقاتلين والمجموعات المدربة والتي تحيط بالقواعد الأميركية في المنطقة، في المقابل لا تبدي قوات سورية الديمقراطية التي تقودها قوات كردية وتعتبر حليفة واشنطن أي حماسة للاصطدام مع إيران أو ميليشياتها في المنطقة.

على الأغلب ستعمل روسيا وتركيا وإيران وسورية من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى إلى ممارسة الضغط المتبادل في الفترة المقبلة إلى جانب تأجيل الصدام والتصعيد المباشر والكبير إلى مرحلة يتوضح فيها نتائج الحرب الأوكرانية ومسار التقارب السوري – التركي.


61