مقالات تحليلية

على وقع الانتخابات الأميركية: الحرب الباردة مع الصين في أجندة الحزبين

07-Oct-2024

في 17 إبريل 2023 نقلت ريم الشيخ في "بي بي سي" مقالاً نشره الكاتب الأمريكي ديفيد إغناشيوس في 16 مارس من العام نفسه بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية تحت عنوان "بكين تمهد لشرق أوسط متعدد الأقطاب"، علق فيه على الاختراق الدبلوماسي الذي حققته الصين بالتوسط بين إيران والسعودية، واستشهد أيضاً بأقوال لوزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، الذي قال له في وقت سابق، إن الولايات المتحدة لم تعد تلك القوة الوحيدة التي لا يمكن الاستغناء عنها في المنطقة، إذ إن الصين أصبحت لديها من القوة، ما يؤهلها للمشاركة في صنع نظام عالمي جديد، حسب كيسنجر.

 

أوروبا والولايات المتحدة

وفي مطلع شهر إبريل 2023، وبعد زيارته للصين، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريحات أثارت جدلاً كبيراً، إذ أكد ماكرون ضرورة ألّا تصبح أوروبا تابعة للولايات المتحدة، ليعلق لاحقاً رئيس المجلس الأوروبي على هذه التصريحات بالقول: "قادة الاتحاد يميلون إلى توجه ماكرون بشأن الاستقلال الإستراتيجي عن الولايات المتحدة". وقتها أثارت خطوات الصين الدبلوماسية الأخيرة، وإعلانها رفع ميزانيتها العسكرية للعام 2023 من أجل التطوير، تساؤلاتٍ عديدةً بين مراقبين بشأن إمكانية أن تصبح الصين قطباً موازياً للولايات المتحدة.

وفي تعليقه على زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى الصين في الفترة من 24-26 إبريل 2024، كتب الدكتور مبارك أحمد في "القاهرة الإخبارية" أن هذه الزيارة تعكس في أحد جوانبها سعي الولايات المتحدة لتعزيز الثقة مع الصين، في ظل ما تمتلكه بكين من مفاتيح مؤثرة من الناحية الاقتصادية والسياسية على المستوى العالمي، لاسيما أن الدبلوماسية الصينية بدأت تنشط في العديد من الأقاليم، ومنها الشرق الأوسط بعد نجاحها في الوساطة بين السعودية وإيران وتوقيع اتفاق بينهما يعيد استئناف العلاقات الدبلوماسية.

ورغم أن الصين تقدم العديد من المبادرات الدولية الداعمة للتنمية وللسلام العالميين، فإن ثمة مخاوفَ أمريكيةً في مجموعة من القضايا الإستراتيجية، بما فيها طموحات الصين بإعادة ضم جزيرة تايوان إليها، وتزايد الخلافات مع دول أخرى مثل الفلبين على أجزاء من بحر الصين الجنوبي، والمساعدات التي تقدمها بكين لموسكو في الحرب الروسية الأوكرانية، والصادرات الصينية الرخيصة التي تُغرق أسواق الدول الغربية.

 

مخاوف صينية

في المقابل هناك تبلور لعدد من المخاوف الصينية من سعي الولايات المتحدة الأمريكية لتطويق المصالح الصينية في منطقة المحيط الهادئ، من خلال عقد تحالفات تهدف للحد من الصعود الصيني في تلك المنطقة، ومنها تحالف "أوكوس" الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وأستراليا، فضلاً عن تزايد المخاوف الصينية أيضاً من سعي الولايات المتحدة لعرقلة وصول الصين إلى الرقائق المتقدمة، وملاحقة بعض شركات التكنولوجيا الرائدة، مثل بايت دانس المالكة لـ"تيك توك".

في 27 يونيو 2024 أدلت المتحدثة باسم الخارجية الصينية، ماو نينغ، بتصريحات جاء فيها: تحث الصين الولايات المتحدة على العمل وفقاً لـ"اللاءات الخمس" التي تعهد بها الرئيس جو بايدن، والاحترام الجاد لسيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية، والقيام بدور إيجابي من أجل التنمية المطردة للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة وليس العكس. التصريحات جاءت في مؤتمر صحفي يومي عندما طُلب منها تقديم إحاطة بشأن المحادثة الهاتفية بين النائب التنفيذي لوزير الخارجية الصيني، ما تشاو شيوي، ونائب وزير الخارجية الأمريكي، كيرت كامبل.

 

سياسة الحزبين تجاه الصين

في 19 سبتمبر 2024 كتبت ليلي بايك، مقالاً في فورين بولسي جاء فيه: عندما يدور النقاش حول الصين، تقول الحكمة المعروفة في واشنطن إن هناك اتفاقاً بين الحزبين في كل شيء، فكلهم أصبحوا صقوراً يؤمنون بأن الصين تشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي الأمريكي يتطلب العمل بسرعة، فالسياسيون من كلا الحزبين يتفقون على وصفات مثل منع الواردات الصينية عن طريق التعريفات الجمركية لحرمان الصين من بعض الدعم الذي يمنحها قوة عسكرية.

ولكن مع اقتراب الانتخابات الأمريكية ظهرت خطوط تباين جديدة ليس فقط بين الحزبين، ولكن أيضاً وسط كبار الجمهوريين المشتبكين بين فك الارتباط مع الصين اقتصادياً، وبين وضع شروط للتأييد الأمريكي لتايوان.

بعض الجمهوريين يتجمعون حول فكرة جدلية تقول إن المنافسة مع الصين يمكن كسبها عندما يفقد الحزب الشيوعي الصيني قوته، أو على الأقل يفقد الإرادة والقدرة على تهديد الولايات المتحدة.

من يعتنقون هذه الرؤية يرون أن ذلك يمكن أن يتم دون استخدام القوة ولكن عن طريق إضعاف النظام. وقال مات بوتنجر رئيس برنامج الصين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية الذي عمل مستشاراً للأمن القومي ومهندس السياسة الصينية خلال إدارة الرئيس ترامب وأصبح رمزاً محورياً في الجدل حول الصين "علينا أن نكسب الحرب التي شنتها الصين ضدنا. جمهوريون وهم أيضاً من الصقور يعتقدون أن مثل هذه السياسة كغاية نهائية مع الصين ستكون خطِرة وتصعيدية.

 

لا بديل للنصر

كانت نقطة الانطلاق الأولى هذا العام في مقال نُشر في مجلة فورين أفيرز، بعنوان: "لا بديل للنصر"، كتبه جمهوريان لهما صوتٌ عالٍ حول الصين، وهما بوتنجر الجمهوري السابق، ومايك جالاهار العضو الجمهوري في الكونجرس، وعطفاً على فكرتهما حول الحرب الباردة ينتقدان سياسة الوفاق التي يتبعها الرئيس بايدن بدلاً من مواجهة التهديد من قبل الصين التي تسعي لتمزيق الغرب وزرع نظام غير ديمقراطي. وذكرا أن الولايات المتحدة يجب ألّا تدير عملية المنافسة مع الصين، وعليها أن تكسبها كما كسبت الحرب الباردة.

وبما أن بوتنجر وجالاهار لهما دور كبير في تشكيل صورة الجدل الذي يدور، فليسا وحدهما من يقدمان المقترحات حول المنافسة بين الصين والولايات المتحدة. ففكرة أن على الولايات المتحدة تشن حرباً استئصالية ضد الصين لم تقتصر على الجمهوريين، إلا أنها قد اكتسبت زخماً عبر السنوات.

 

المواجهة بين ترامب والصين

خلال فترة الرئيس ترامب جاء في الإستراتيجية الرسمية تجاه الصين بصورة واضحة، أن تغيير النظام في الصين ليس هدفاً للولايات المتحدة، ولكن كما كتب جوش روجن كاتب العمود في واشنطن بوست عام 2021، في كتابه المواجهة بين ترامب والصين "أن هناك مجموعة من الصقور الكبار داخل إدارة ترامب ومنهم ستيف بانون وهو من صناع الإستراتيجية خلال الشهور الأولى لترامب، وبيتر نافارو وهو كبير المستشارين التجاريين، كانوا من بين الذين يريدون تسريع سقوط الحزب الشيوعي الصيني.

حدوث وباء كوفيد-19 في ووهان عام 2019 أدي إلى صحوة الصقور في إدارة ترامب، وظهر ذلك في الكثير من الخطب السياسية. وفي خطاب أخر بعد عدة شهور انتقد وزير الخارجية مايك بومبيو في خطاب في مكتبة ريتشارد نيكسون الحكومة الصينية".

تلك التغيرات في السياسة الخارجية لترامب قرب نهاية فترته أزعجت الخبراء والرسميين الصينيين. وقال دا وي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تيسنهاو في بكين: "كان عام 2020 أسوأ عام في تاريخ العلاقات الأمريكية الصينية منذ عام 1979". وقال إن إدارة ترامب كانت تعمل على تغيير النظام والهجوم على الرئيس شي جين بينغ والنظام السياسي.

 

 أهداف الحرب الباردة

ومنذ أن ترك ترامب البيت الأبيض ظلت تتردد دعوات لما يشبه أهداف الحرب الباردة، وبدأ الحديث حول منافسة الصين، من بعض المفكرين من صناع السياسة الخارجية الرئيسيين في الحزب، وكان الاعتقاد بين هؤلاء الخبراء والرسميين، أن الولايات المتحدة لن تستطيع تطوير مصالحها وتحافظ على أمنها على المدى البعيد في ظل وجود الحزب الشيوعي الصيني في السلطة بصورته الحالية، ولكن تختلف الوصفات.

وعارض مسؤول سابق في وزارة الدفاع خلال فترة ترامب كلاً من بوتنجر وجلاهان، وقال إن المنافسة تعد وباء وهي لا تصل إلى مرحلة اقتلاع الحزب واتباع سياسة متوازنة في المنطقة.

 

نظرة معتدلة

يقول نيال فيرغسون الكاتب من خدمة بلومبيرغ، وأستاذ التاريخ المعاصر في جامعة ستانفورد الأمريكية، في مقال نشرته الشرق الأوسط بتاريخ 7 مايو 2024، إن هذا التصعيد إلى حرب باردة كاملة جسّده الخطاب اللافت الذي ألقاه نائب الرئيس مايك بنس أمام "معهد هدسون" في أكتوبر 2018 حين قال إن "بكين تستخدم نهجاً يشمل الحكومة بأكملها، باستخدام الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن الدعاية، لتعزيز نفوذها.

لقد كانت وكالات الأمن الصينية هي العقل المدبر لسرقة التكنولوجيا الأمريكية بالجملة، بما في ذلك تصاميم عسكرية متطورة.. لا تريد الصين أقل من دفع الولايات المتحدة من غرب المحيط الهادئ ومحاولة منعنا من مساعدة حلفائنا. لكنهم سيفشلون".

 

منافسة جيوسياسية كلاسيكية

هذه الحرب الباردة، مثل سابقتها، أيديولوجية في جزء منها، خصوصاً أن شي جينبينغ جعلها كذلك من خلال الإشادة صراحة بـ"النضال الماركسي اللينيني من أجل عصر جديد" ضد المفاهيم الغربية الفاسدة مثل سيادة القانون. مثل الحرب الباردة الأخيرة، فإن الحرب الحالية هي أيضاً تكنولوجية في جزء منها، لكنها تمتد إلى ما هو أبعد من الصواريخ النووية والأقمار الاصطناعية لتشمل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأسراب المسيّرات، والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكَمّية.

إنها حرب اقتصادية أيضاً، إذ يتنافس نظامان اقتصاديان مختلفان تماماً، ليس فقط على أشباه الموصلات، بل أيضاً على الخلايا الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية. الولايات المتحدة تغرق العالم بالدولار، والصين تغمره بالأجهزة.

وكما كانت الحال في الحرب الباردة الأولى، فإن الحرب الباردة الثانية عبارة عن منافسة جيوسياسية كلاسيكية على مناطق وبحار معينة، لاسيما تايوان وبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن المناطق الشاسعة التي سعت الصين لربطها ببكين عبر مبادرات المراقبة المسماة "مدن آمنة" ومشروع "الحزام والطريق". 

169